اتفاق سوداني بين حركتين مسلحتين وحمدوك ينصّ على علمانية الدولة

منح المجموعات الثقافية حق تقرير مصير ولكن بشروط

رئيس الوزراء السوداني السابق ورئيس الهيئة القيادية لـ«تقدم» عبد الله حمدوك (صفحته على فيسبوك)
رئيس الوزراء السوداني السابق ورئيس الهيئة القيادية لـ«تقدم» عبد الله حمدوك (صفحته على فيسبوك)
TT

اتفاق سوداني بين حركتين مسلحتين وحمدوك ينصّ على علمانية الدولة

رئيس الوزراء السوداني السابق ورئيس الهيئة القيادية لـ«تقدم» عبد الله حمدوك (صفحته على فيسبوك)
رئيس الوزراء السوداني السابق ورئيس الهيئة القيادية لـ«تقدم» عبد الله حمدوك (صفحته على فيسبوك)

فاجأ توقيع رئيس «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم)، رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك، على اتفاق سياسي مع كل من رئيس «حركة تحرير السودان» عبد الواحد محمد النور، وقائد «الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال» عبد العزيز الحلو، أطلق عليه «إعلان نيروبي»، الأوساط السياسية والإقليمية على حدّ سواء.

الاتفاق ينصّ على إنهاء الحرب، وتأسيس دولة «علمانية» تفصل بين الدين والدولة، وإقرار حق تقرير المصير للجماعات السودانية.

وكانت «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» وجهت دعوات لكل من الحركتين لتوحيد الصف المناوئ للحرب، وبناء جبهة مدنية، وفق حد أدنى تتفق عليه الأطراف، وأعلن وقتها عن مفاوضات تجري من أجل ذلك الهدف، لكن حمدوك وقّع مع عبد الواحد محمد النور بصفته «رئيس الوزراء السابق»، بينما وقّع مع الحلو بصفته رئيساً لـ«تقدم» .

ونصّ «إعلان نيروبي» الذي تم توقيعه برعاية من الرئيس الكيني ويليام روتو، على تأسيس «دولة علمانية» غير منحازة، تقف على مسافة واحدة من الأديان والثقافات والهويات كافة، وإقامة حكم مدني يشترك فيه بالتساوي السودانيون كافة، وعلى تقاسم السلطة والثروة بشكل عادل، وكفالة حرية الفكر والأديان.

وأعطى «إعلان نيروبي» ما أطلق عليها الشعوب السودانية «حق تقرير المصير»، في حالة عدم الاتفاق على تضمين علمانية الدولة والحكم المدني، وبقية مبادئ الإعلان في الدستور الدائم للبلاد.

الرئيس الكيني يتوسط الموقّعين على الاتفاق (الشرق الأوسط)

ومن اللافت، أن كلاً من الرجلين وقّع على انفراد مع حمدوك نسخة من الاتفاق، ثم وقّعا نسخة ثالثة بينهما، وشهد الرئيس الكيني ويليام روتو مراسم التوقيع، ليظهر الأربعة في صورة تناقلتها وسائل الإعلام ووكالات الأنباء.

وحضّ الاتفاق، الجيش وقوات «الدعم السريع» على العمل من أجل وقف إطلاق نار فوري، يمهد لوقف دائم للحرب، وإلى التعاون الجاد بإرادة حقيقية مع الجهود الإقليمية والدولية، والعودة إلى منبر «جدة» التفاوضي. ونصّ على تأسيس وبناء منظومة عسكرية وأمنية جديدة، تتوافق مع المعايير المتفق عليها دولياً، من أجل تكوين جيش وطني ومهني وقومي، بعقيدة عسكرية تُعبّر عن كل السودانيين بحسب الأوزان السكانية، من دون التدخل في العمل السياسي أو الاقتصادي للدولة.

وأولى الاتفاق أهمية كبيرة للقضايا الإنسانية، وناشد الأطراف المتحاربة إزالة معوقات العون الإنساني كافة، وفتح المسارات لمرور مواد الإغاثة عبر دول الجوار، وعبر خطوط المواجهة، بما يضمن وصولها للمواطنين جميعاً دون عوائق، وتوفير الحماية للعاملين الإنسانيين.

ودعا الاتفاق أيضاً إلى العمل المشترك بهدف معالجة شاملة لما اتفق على تسميته «الأزمات المتراكمة»، استناداً إلى عملية تأسيسية تقوم على وحدة السودان أرضاً وشعباً، وحفظ سيادته وموارده، والوحدة الطوعية لشعوبه، مع ضمان وكفالة تأسيس حكم مدني ديمقراطي فيدرالي.

كما نص الاتفاق على عقد مؤتمر «مائدة مستديرة»، بمشاركة القوى الوطنية المؤمنة بمبادئ «إعلان نيروبي»، ووجه دعوة لـ«الشعب للاصطفاف حول الجهود الوطنية الرامية لوقف الحرب، ومحاربة خطاب الكراهية والمساس بمكونات الوحدة الوطنية».

حمدوك وعبد الواحد نور (مواقع التواصل)

وتُعد قضية «علمانية الدولة» من القضايا المعقدة التي ظل السوداني يعاني منها، منذ إجازة قوانين سبتمبر (أيلول) 1983 في عهد الرئيس الأسبق جعفر النميري، وإعلان تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية، ويرى الكثيرون أنها كانت السبب في «انفصال جنوب السودان».

لكنّ النص على «دولة علمانية» ليس جديداً، فقد اتفق رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وعبد العزيز الحلو في مارس (آذار) 2021، قبيل انقلاب أكتوبر (تشرين الأول) 2021 الذي أطاح بالحكومة المدنية، على فصل الدين عن الدولة، وتكوين جيش وطني موحد، بنهاية الفترة الانتقالية.

من جهته، أشاد الرئيس الكيني ويليام روتو الذي رعى الاتفاق بموقعي «إعلان نيروبي»، ودعاهم «للعمل من أجل عملية السلام في البلاد»، وأكد على دور بلاده بصفتها «شريكة رئيسية في جهود تحقيق السلام في السودان»، ودعا المجتمع المدني والجماعات المنظمة الأخرى «للمشاركة في الإعلان من أجل تحقيق السلام، وتكوين حكومة مدنية ديمقراطية» تعالج أزمات البلاد.

بدوره، قال رئيس تنسيقية «تقدم» عبد الله حمدوك عقب التوقيع، إن الاتفاق «ممتاز وخاطب جذور الأزمة السودانية»، وخطوة نحو عقد «مائدة مستديرة» تشارك فيها شريحة واسعة من السودانيين.

والحركتان اللتان وقعتا «إعلان نيروبي»، كانتا تقاتل نظام حكم الإسلاميين، ورفضتا توقيع اتفاق «جوبا» لسلام السودان مع الحكومة الانتقالية برئاسة حمدوك وقتها، وظلتا تتمسكان بمطلب إقامة «دولة علمانية مدنية ديمقراطية».

وتسيطر «الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال» بقيادة عبد العزيز آدم الحلو منذ عام 2011 على منطقة «كاودا» الجبلية الحصينة بولاية جنوب كردفان والمحاذية لدولة جنوب السودان، إلى جانب أجزاء من جنوب ولاية النيل الأزرق، وتعدها منطقة «محررة» تابعة لها، وتنص أطروحتها السياسية على إقامة ما تسميه «السودان الجديد» على أنقاض الدولة السودانية التي أعقبت الاستقلال السياسي في عام 1956.

بينما تسيطر حركة «جيش تحرير السودان» بقيادة عبد الواحد محمد النور، على مناطق في «جبل مرة» بإقليم دارفور، وهي حركة دارفورية ظلت تحارب الجيش السوداني منذ عام 2003، بيد أنها وسعت من مناطق سيطرتها إبان الحرب بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، ورفضت هي الأخرى توقيع اتفاق جوبا، وعدته مجرد «محاصصات وتقاسم للسلطة يتجاهل القضايا الأساسية، بتحقيق الأمن والاستقرار، ولا يصنع سلاماً شاملاً».


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة: عمال الإغاثة الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر

الولايات المتحدة​ مسعفون من جمعية «الهلال الأحمر الفلسطيني» ومتطوعون في الفريق الوطني للاستجابة للكوارث (أ.ب)

الأمم المتحدة: عمال الإغاثة الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر

أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن عدد عمال الإغاثة والرعاية الصحية الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر، بحسب «أسوشييتد برس».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة، فيما تعتزم الحكومة الألمانية دعم مشروع لدمج وتوطين اللاجئين السودانيين في تشاد.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)

السودان: توغل «الدعم السريع» في النيل الأزرق والجيش يستعيد بلدة

تشير أنباء متداولة إلى أن الجيش أحرز تقدماً كبيراً نحو مدينة سنجة التي سيطرت عليها «قوات الدعم السريع»، يونيو (حزيران) الماضي.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا عائلة تستريح بعد مغادرة جزيرة توتي التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في أم درمان بالسودان يوم 10 نوفمبر 2024 (رويترز)

السودان: 40 قتيلاً في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

أفاد طبيب بمقتل 40 شخصاً «بالرصاص» في السودان، بهجوم شنّه عناصر من «قوات الدعم السريع» على قرية بولاية الجزيرة وسط البلاد.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان يخاطب حضور مؤتمر اقتصادي في مدينة بورتسودان اليوم الثلاثاء (الجيش السوداني)

البرهان عن صراعات حزب البشير: لن نقبل ما يُهدد وحدة السودان

أعلن قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان رفضه للصراعات داخل حزب «المؤتمر الوطني» (المحلول) الذي كان يقوده الرئيس السابق عمر البشير.

أحمد يونس (كمبالا)

المغرب: تفكيك خلية لـ«داعش» في عملية مشتركة مع إسبانيا

عناصر من الأمن المغربي في عملية أمنية سابقة (أ.ف.ب)
عناصر من الأمن المغربي في عملية أمنية سابقة (أ.ف.ب)
TT

المغرب: تفكيك خلية لـ«داعش» في عملية مشتركة مع إسبانيا

عناصر من الأمن المغربي في عملية أمنية سابقة (أ.ف.ب)
عناصر من الأمن المغربي في عملية أمنية سابقة (أ.ف.ب)

أعلنت السلطات المغربية، الجمعة، تفكيك خلية مسلحة تابعة لتنظيم «داعش» في منطقة الساحل، في عملية أمنية مشتركة مع الأجهزة الإسبانية، موضحة أنها تتكوّن من تسعة عناصر، من بينهم ثلاثة ينشطون في المغرب، وستة آخرون ينشطون في مدن إسبانية.

وذكر بيان للمكتب المركزي المغربي للأبحاث القضائية أن التحريات الأولية أظهرت أن المشتبه فيهم كانوا يروّجون للفكر «الداعشي»، ويعقدون لقاءات في إطار التخطيط والتنسيق للقيام بأعمال إرهابية باسم التنظيم، قبل الالتحاق بصفوفه في منطقة الساحل جنوب الصحراء، مضيفاً أن عمليات التفتيش المنجزة بمنازل المشتبه فيهم مكّنت السلطات من حجز أسلحة ومعدات إلكترونية، سيتم إخضاعها للخبرات الرقمية اللازمة، ومؤكداً أن البحث جارٍ لتحديد الارتباطات الداخلية والخارجية لهذه الخلية.

من جهتها، ذكرت المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، في بيان نشرته «وكالة المغرب العربي للأنباء»، أن الخلية تتكوّن من تسعة عناصر، تنشط في تطوان والفنيدق ومدريد وإبيزا وسبتة، موضحاً أن التحريات أظهرت أن المشتبه فيهم «كانوا يروّجون للفكر (الداعشي)، ويعقدون لقاءات بسبتة وتطوان في إطار التخطيط والتنسيق للقيام بأعمال إرهابية».

وأضاف المصدر ذاته أن التحريات الأولية المنجزة أظهرت أن بعض المشتبه فيهم معتقلون سابقون في قضايا الإرهاب بإسبانيا، وكانوا يروّجون للفكر «الداعشي»، ويعقدون لقاءات في إطار التخطيط للقيام بأعمال إرهابية باسم «داعش». وقد تم وضع الأشخاص الموقوفين بتطوان والفنيدق رهن الحراسة النظرية، تحت إشراف النيابة العامة المختصة المكلفة قضايا الإرهاب والتطرّف، وذلك للوقوف على ارتباطاتهم الداخلية والخارجية، وكذا تحديد مستوى تورّطهم في إطار المشروعات الإرهابية المخطط لها من طرف أعضاء هذه الخلية.

وأشار البلاغ إلى أن هذه العملية المشتركة تندرج في إطار التنسيق الأمني المتواصل والمتميّز بين الأجهزة الأمنية المغربية ونظيرتها الإسبانية، لصد التهديدات الإرهابية التي تحدق بأمن المملكتين.

وتأتي هذه العملية بعد أيام قليلة من إصدار غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة قضايا الإرهاب لدى محكمة الاستئناف في الرباط، حكمها في حق أفراد خلية إرهابية أخرى، تم تفكيكها بمدينتي تزنيت وسيدي سليمان من طرف المكتب المركزي للأبحاث القضائية، التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني في 14 من مايو (أيار) الماضي.

وحكمت هيئة المحكمة بما مجموعه 29 سنة سجناً نافذاً على الخلية المكوّنة من أربعة أفراد، بعد إدانتهم بتهم متعلقة بالإرهاب، والتحريض على التمييز والكراهية بين الأشخاص، وخرق ظهير التجمعات العمومية وظهير حق تأسيس الجمعيات.

وأدانت المحكمة المتهم الأول «أ.م» الذي جرى توقيفه بمدينة سيدي سليمان، بثماني سنوات سجناً نافذاً بعد إدانته بالإرهاب والتحريض على التمييز والكراهية بين الأشخاص، وهي العقوبة نفسها التي قضت بها في حق المتهم الثاني «أ.ه»، المُدان بجريمة الإرهاب والتحريض على التمييز والكراهية بين الأشخاص، وخرق ظهير التجمعات العمومية وظهير حق تأسيس الجمعيات؛ وذلك بعد توقيفه داخل مسكن وظيفي حيث يقطن بحي الوداديات بمدينة تزنيت.