الجزائر تنتقد شروط فرنسا لاستعادة «أرشيف الاستعمار»

استنكرت القوانين التي تعد كل ما تم نهبه «جزءاً لا يتجزأ من السيادة الفرنسية»

أعضاء لجنة الذاكرة خلال اجتماع لهم بالرئيس تبون نهاية 2022 (الرئاسة الجزائرية)
أعضاء لجنة الذاكرة خلال اجتماع لهم بالرئيس تبون نهاية 2022 (الرئاسة الجزائرية)
TT

الجزائر تنتقد شروط فرنسا لاستعادة «أرشيف الاستعمار»

أعضاء لجنة الذاكرة خلال اجتماع لهم بالرئيس تبون نهاية 2022 (الرئاسة الجزائرية)
أعضاء لجنة الذاكرة خلال اجتماع لهم بالرئيس تبون نهاية 2022 (الرئاسة الجزائرية)

انتقد مسؤول جزائري شروطاً تضعها فرنسا، مقابل تسليم الجزائر مستندات ووثائق ومواد مرتبطة بمرحلة الاستعمار (1830 -1962)، خصوصاً فترة ثورة التحرير. وكانت هذه المشكلة قد طرحت نهاية العام الماضي، بسبب رفض باريس طلب الجزائر استعادة سيف وبرنس الأمير عبد القادر، قائد الثورة الشعبية الكبيرة ضد الغزو الفرنسي للجزائر في القرن التاسع عشر.

الرئيسان الجزائري والفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)

وقال الحسن زغيدي، رئيس «لجنة الذاكرة»، للإذاعة العمومية (الأربعاء)، إن مسعى «الاشتغال على الذاكرة» الجاري مع فرنسا منذ قرابة عامين، بهدف تجاوز مشكلات الماضي الاستعماري، «يواجه صعوبات»، حمّل مسؤوليتها للجانب الفرنسي، وتتعلق حسبه، بـ«القوانين التي تعد كل ما نقل (من الجزائر) إلى فرنسا، من مسروقات ومنهوبات وغيرها، جزءاً لا يتجزأ من السيادة الفرنسية».

وفهم من كلام زغيدي أنه يقصد رفض الحكومة الفرنسية في نهاية 2023 طلباً جزائرياً باستعادة سيف وبرنس الأمير القادر مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، الذي قضى أربع سنوات في الأسر (1884 – 1852) بقصر أمبواز الشهير، وسط فرنسا. وقد صرح وزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، حينها بأن باريس «تحججت بضرورة إصدار قانون يسمح بتسليم أغراض الأمير».

وتضم «لجنة الذاكرة» فريقاً يتكون من خمسة باحثين جزائريين، مختصين في تاريخ الاستعمار الفرنسي. ويوجد نظير لها في فرنسا، تتكون أيضاً من نفس عدد الباحثين، يقودهم المؤرخ الشهير بنجامان ستورا، الذي يتحدر من أسرة يهودية عاشت في الجزائر. وتم إطلاق «اللجنتين» عام 2022 إثر زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الجزائر في صيف العام ذاته.

الحسن زغيدي رئيس لجنة الذاكرة من الجانب الجزائري (حسابه الخاص بالإعلام الاجتماعي)

وقال زغيدي عن العمل الذي يقوم به فريقه إنه «يجري بشكل هادئ وواعٍ، بهدف الوقوف عند كل المواد، التي تعرضت للنهب ذات الصلة بالأرشيف بغرض استعادته، بما فيها المواد التي تعود إلى ما قبل 1830»، أي فترة الوجود العثماني في الجزائر.

كما انتقد ضمناً، الفريق الفرنسي، قائلاً إن «الجميع، بما فيهم نحن، يجب أن نتصرف كأكاديميين لا ينتمون إلى أي من التيارات السياسية، ولا يتلقون أي توجيهات سياسية. علينا تبني الطرح الأكاديمي والعلمي والمنطقي والموضوعي والشفاف... الطرح الذي لا يتعارض مع المنطق والقوانين».

المؤرخ بنجامان ستورا رئيس لجنة الذاكرة عن الجانب الفرنسي (حسابه الشخصي بالإعلام الاجتماعي)

وظهر في كلام زغيدي إيحاء بأن «لجنة الذاكرة»، التي تمثل الطرف الفرنسي، متأثرة بالموقف الحكومي الرافض للنزول عند مطالب الجزائريين، بخصوص استعادة أرشيف الاستعمار الموجود في مراكز بحوث فرنسية.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، عقدت «اللجنتان» اجتماعاً في الجزائر، انتهى إلى اتفاق بتسليم مليوني مادة أرشيفية. وعقد اجتماع ثان في باريس في فبراير (شباط) الماضي، قال زغيدي عنه إن الجانب الجزائري «طالب بتحديد نوع هذه المواد، والمواضيع التي تتضمنها ومكان وجودها». مبرزاً أن بلاده لن تقبل تسلم نسخ إلكترونية، «فنحن لن نتنازل عن الأرشيف الأصلي، ولن نسكت عن المطالبة به».

وأعلن زغيدي عن اجتماع منتظر بالجزائر «في غضون 15 يوماً»، مؤكداً أنه «لا يمكنني الإفصاح عن تفاصيله، لكني أعدكم أن اللجنة ستسعى إلى استعادة كل الأرشيف، ولو بقيت منه ورقة واحدة كتبت في الجزائر».

صورة لأحد التفجيرات النووية في الجزائر (مؤسسة الأرشيف الجزائري)

ومن المقرر أن يتم بحث المشاكل، التي تعترض عمل «اللجنتين»، في الزيارة المقررة للرئيس عبد المجيد تبون إلى باريس الخريف المقبل (لم يتم الاتفاق على موعدها).

وكان وزير المجاهدين، العيد ربيقة، صرح نهاية 2022 بأن «لجنة الذاكرة»، مكلفة ببحث خمسة ملفات مع الطرف الفرنسي، هي «فتح واستعادة الأرشيف والممتلكات، واسترجاع رفات شهداء المقاومة الشعبية (جرت خلال القرن الـ19)، ودراسة ملف ضحايا التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في صحراء الجزائر مطلع ستينات القرن الماضي، وملف المفقودين خلال حرب التحرير».



انتخابات «جوبالاند» تعمق الخلاف مع حكومة الصومال

رئيس ولاية جوبالاند أحمد محمد إسلام مدوبي (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس ولاية جوبالاند أحمد محمد إسلام مدوبي (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

انتخابات «جوبالاند» تعمق الخلاف مع حكومة الصومال

رئيس ولاية جوبالاند أحمد محمد إسلام مدوبي (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس ولاية جوبالاند أحمد محمد إسلام مدوبي (وكالة الأنباء الصومالية)

إجراء الانتخابات الرئاسية في ولاية جوبالاند جنوب الصومال، رغم رفض مقديشو، حرّك تساؤلات بشأن مسار العلاقات مع الحكومة الفيدرالية الصومالية، مع حديث عن إعادة انتخاب الرئيس الحالي أحمد محمد مدوبي، الرافض لقانون الاقتراع المباشر الموحد للبلاد.

اقتراع جوبالاند، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، سيعمق الخلاف مع حكومة الصومال غير المعترفة بالانتخابات، والمتمسكة بإجراء انتخابات بنظام الاقتراع المباشر، مرجحين احتمال وصول الأمر «إلى «مواجهات أو اقتتال أهلي» بين الحكومتين، وقد يستدعي «انفصال» ولاية جوبالاند ما لم يتم حدوث توافقات وحلول سريعة.

وجاءت انتخابات «جوبالاند» بعد يومين من مصادقة نواب مجلسي البرلمان الفيدرالي (الشعب والشيوخ) في جلسة مشتركة، السبت، على مشروع قانون الانتخابات الوطنية المَعنيّ بإجراء انتخابات بنظام «الصوت الواحد» في البلاد، وهو القانون الذي يرفضه مدوبي، الذي يعد رئيساً لجوبالاند منذ إنشائها عام 2013، ويعد الأطول بقاءً في كرسي الرئاسة بالمقارنة مع نظرائه في الولايات الإقليمية.

وأفادت وسائل إعلام صومالية محلية، الاثنين، بأن «أعضاء برلمان ولاية جوبالاند في جنوب الصومال، أعادوا الاثنين، انتخاب مدوبي رئيساً للولاية في فترة رئاسية ثالثة» على الرغم من معارضة الحكومة الصومالية للانتخابات التي جرت في الولاية.

رئيس ولاية جوبالاند يتفقد عدداً من المناطق المحررة من الإرهاب (وكالة الأنباء الصومالية)

وحصل مدوبي على 55 صوتاً مقابل 16 لأقرب منافسيه فيصل محمد متان، في حين حصل المرشح الثالث، أبو بكر عبدي حسن على 4 أصوات فقط، وفق المصادر نفسها التي كشفت أن مرشحين آخرين في مدينة «كسمايو» مقاطعون لهذه الانتخابات، أعلنوا إجراء انتخابات موازية.

وأجريت تلك الانتخابات بحسب المحلل والأكاديمي المتخصص في شؤون منطقة القرن الأفريقي، الدكتور على محمود كولاني، «بسرعة، وأسفرت عن فوز مدوبي كما كان متوقعاً».

بينما رأى الخبير في الشؤون الأفريقية، مدير مركز دراسات شرق أفريقيا في نيروبي، الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، أن «انتهاء انتخابات جوبالاند بانتخاب مدوبي للمرة الثالثة مع تسمية المعارضة رئيساً آخر (يتحدث السيناتور إلياس غابوس، عضو مجلس الشيوخ، أنه تم انتخابه رئيساً)، وهذا يعني أن الولاية فيها رئيسان، وربما تندلع مواجهات بينهما».

وكان أحمد مدوبي قد انسحب من اجتماعات «المجلس الاستشاري الوطني» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي التي ترعاها الحكومة الفيدرالية، ورفض نتائجها التي أقرت إجراء انتخابات مباشرة موحدة للولايات الإقليمية الصومالية، وصدر بشأنها قانون نهائي من البرلمان، السبت، رفضته ولايتا جوبالاند وبونتلاند، وقوى سياسية أخرى.

وفي خطاب قبل نحو أسبوع، كشف رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري، أن «رئيس جوبالاند المنتهية ولايته، أحمد مدوبي، وقّع جميع الاتفاقيات لتوجيه الانتخابات المباشرة في البلاد»، مؤكداً أن «العملية الانتخابية التي في جوبالاند غير قانونية، وما يتمخض عنها غير مقبول»، في تصريحات سبقها بيان أصدرته وزارة الداخلية الصومالية في 10 نوفمبر (تشرين الثاني) كرر عدم الاعتراف بالاقتراع أيضاً.

وأجريت آخر انتخابات مباشرة في البلاد عام 1968، تلتها انقلابات وحروب أهلية ليبدأ الصومال العمل بنظام الانتخابات غير المباشرة في عام 2000، إذ ينتخب بناءً على المحاصصة القبلية، في ولاياته الخمس أعضاء المجالس التشريعية المحلية ومندوبو العشائر نواب البرلمان الفيدرالي، الذين ينتخبون بدورهم رئيس البلاد، إلا أنه في الآونة الأخيرة ازدادت المطالبة لإجراء انتخابات مباشرة، وفق إعلام محلي.

وسبق يوم الاقتراع في ولاية جوبالاند، نفي بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (أتميس) في بيان صحافي، الأحد، التقارير التي تزعم أن عناصر الشرطة التابعة لها متورطة في تنظيم الانتخابات في ولاية جوبالاند، مجددة التزامها بالحياد والدعوة إلى حوار بنَّاء بين الحكومة الفيدرالية الصومالية وسلطات جوبالاند لحل النزاعات الانتخابية سلمياً.

وبرأي كولاني فإن «تلك الانتخابات التي جرت في حكومة إقليم جوبالاند الصومالية تتعارض مع قانون الانتخابات الذي أقره البرلمان قبل أيام، كما أنها خطوة خطيرة على نزاهة الانتخابات التي من المتوقع إجراؤها في مناطق إقليمية عدة قريباً في الصومال، وسبق أن حذرت الحكومة المركزية من هذا الأمر، وأكدت عدم الاعتراف بانتخابات مدوبي».

ويعد انتخاب أحمد محمد إسلام (أحمد مدوبي) وفق كولاني «انتكاسة قوية للمفاوضات البطيئة بالفعل بين الحكومة الفيدرالية وحكومة جوبالاند الإقليمية»، متوقعاً أن يزيد فوز مدوبي من «تصعيد الصراع القوي بين الطرفين».

ويرى أن «هذا الصراع سينتهي إلى فوضى بالبلاد في حال وجود حل فوري ينهي هذا الأمر، وكذلك التدخل الأجنبي الذي سيؤثر في نهاية المطاف في كل الانتخابات الأخرى التي من المتوقع إجراؤها قريباً في البلاد».

وبحسب تقدير مدير مركز دراسات شرق أفريقيا في نيروبي، الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم فإن «أحمد مدوبي يريد أن يفشل الحكومة الفيدرالية ونظامها الانتخابي، ويبدو في ظل الأجواء الحالية أن انتخاب مدوبي وقانون الانتخابات المدعوم من الحكومة سينتهيان بالفشل».

وسيؤدي ذلك بحسب إبراهيم إلى «تعميق الخلافات مع حكومة الصومال، وقد يحدث اقتتال مسلح بين الحكومة الفيدرالية وحكومة مدوبي»، مرجحاً حال تطور الخلافات أن تؤدي إلى انقسام وانفصال ولاية جوبالاند عن الصومال.