الجيش السوداني ينفي صلته بفيديو «انتزاع الأحشاء»

اشتباكات عنيفة في كردفان

سودانيون يشربون من مياه استخرجت من بئر جوفية في ولاية القضارف شرق السودان (أ.ف.ب)
سودانيون يشربون من مياه استخرجت من بئر جوفية في ولاية القضارف شرق السودان (أ.ف.ب)
TT

الجيش السوداني ينفي صلته بفيديو «انتزاع الأحشاء»

سودانيون يشربون من مياه استخرجت من بئر جوفية في ولاية القضارف شرق السودان (أ.ف.ب)
سودانيون يشربون من مياه استخرجت من بئر جوفية في ولاية القضارف شرق السودان (أ.ف.ب)

في الوقت الذي دارت فيه اشتباكات عنيفة، (الثلاثاء)، بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» في مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان (جنوب غربي الخرطوم)، تبرأ الجيش من فيديو صادم راج على نحو واسع في البلاد، ويُظهر انتزاع شخصين يرتديان ملابس عسكرية لأحشاء آخر وتمثيلهما بجثته.

ونفى الجيش السوداني أي «علاقة لقواته أو المكونات التي تقاتل إلى جانبه بالفيديو الذي ظهر فيه شخصان ينتزعان (أحشاء) شخص قالا إنه تابع لـ(الدعم السريع)».

وقال المتحدث الرسمي باسم الجيش، نبيل عبد الله، في بيان (الثلاثاء): «حاول إعلام (ميليشيا آل دقلو الإرهابية)، يقصد قوات (الدعم السريع) التي يقودها محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي، وأعوانهم إلصاق هذه الجريمة بالقوات المسلحة، وادعاء أن مرتكبيها من منسوبينا».

وأضاف البيان: «تؤكد القوات المسلحة أن من ظهروا بالفيديو لا علاقة لهم بأي من مكونات معركة (الكرامة الوطنية) من قوات المستنفرين، ولا يرتدون أي زي من أزياء القوات».

وقال البيان إن «هذا يؤكد أنها تمثيلية سيئة الإخراج من صنع (الميليشيا) وأعوانها، وهي ليست المرة الأولى منذ بداية الحرب التي أوقدوا نيرانها وأعدوا لها منذ مدة طويلة».

وذكر البيان أن «القوات المسلحة السودانية تجدد التزامها، وتقيُّدها الصارم بالقانون الدولي الإنساني، والأعراف المنظمة للحرب بصفتها قوات وطنية محترفة تربأ بنفسها أن تنجر خلف ممارسات وأكاذيب (ميليشيا آل دقلو وأعوانها)».

وتداولت حسابات سودانية على منصات التواصل الاجتماعي، الأحد الماضي، مقطع فيديو لأفراد يرتدون زياً بدا شبيهاً بالجيش السوداني يبقرون بطن فرد من قالوا إنه من «الدعم السريع»، وينتزعون أحشاءه خارج جسده بعد قتله، والتمثيل بجثته.

وأدان قائد «الدعم السريع»، في تعليق على الفيديو الذي وصفه بــ«المروع» ما وصفها بـ«الممارسات الإرهابية البربرية التي تستهدف الأبرياء على أساس الهوية والقبيلة».

وأكد أن قواته «لن تستجيب لمثل هذه الأفعال، وستظل متمسكة بمبادئ القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف».

وكان الجيش السوداني وعد قبل أشهر، بالتحقيق في حادثة شهيرة لقطع الرؤوس، اتُهم أفراد منه بارتكابها بحق ثلاثة أشخاص من «الدعم السريع»، لكن نتائج التحقيق لم تصدر حتى الآن.

وعلى صعيد ميداني، قال الجيش السوداني في بيان إن «قوات (الفرقة الخامسة هجانة) أكدت سيطرتها على المحاور كافة بمدينة الأبيض، بما فيها مقر الاحتياطي المركزي»، مضيفاً أنه «دحر محاولات التمرد اليائسة، وتكبيد العدو خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد».

وقال شهود عيان لــ«الشرق الأوسط» إن «معارك عنيفة دارت بين الطرفين منذ الصباح في محيط المدينة». ولم يتسن التأكد من استيلاء الجيش على جبل كردفان الواقع خارج الأبيض على الطريق القومية.

وأفاد مقيمون في الأبيض، بأن الجيش و«الدعم السريع» تبادلا الاشتباكات والقصف المدفعي في الأحياء على أطراف المدينة، قبل أن تتحول إلى معارك مباشرة بين الطرفين.

وكانت منصات محسوبة على «الدعم السريع» نشرت تسجيلات مصورة لدخول عناصرها (سلاح الاحتياطي المركزي) التابع للجيش، الذي بدوره أكد استعادته للمنطقة العسكرية بعد وقت وجيز، وطرد أفراد «الدعم السريع».

وصدت الفرقة العسكرية للجيش السوداني خلال الأشهر الماضية العشرات من الهجمات البرية التي ظلت تشنها «الدعم السريع» على مدينة الأبيض دون توقف بهدف السيطرة عليها، لكن عناصر «الدعم» سرعان ما كانت تتراجع إلى مواقعها، وتحافظ على حصار المدينة من ثلاث جهات.

وفي المقابل يكثف الجيش السوداني من الضربات الجوية على مواقع وارتكازات «الدعم السريع» التي تسيطر على عدد من المدن الكبيرة للولاية، لمنعها من التقدم والاستيلاء على العاصمة مدينة الأبيض.


مقالات ذات صلة

«الجنائية الدولية»: 11 ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

شمال افريقيا علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

«الجنائية الدولية»: 11 ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

حددت المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي 11 ديسمبر المقبل لبدء المرافعات الختامية في قضية السوداني علي كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بدارفور.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة، فيما تعتزم الحكومة الألمانية دعم مشروع لدمج وتوطين اللاجئين السودانيين في تشاد.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا عائلة تستريح بعد مغادرة جزيرة توتي التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في أم درمان بالسودان يوم 10 نوفمبر 2024 (رويترز)

السودان: 40 قتيلاً في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

أفاد طبيب بمقتل 40 شخصاً «بالرصاص» في السودان، بهجوم شنّه عناصر من «قوات الدعم السريع» على قرية بولاية الجزيرة وسط البلاد.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان يخاطب حضور مؤتمر اقتصادي في مدينة بورتسودان اليوم الثلاثاء (الجيش السوداني)

البرهان عن صراعات حزب البشير: لن نقبل ما يُهدد وحدة السودان

أعلن قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان رفضه للصراعات داخل حزب «المؤتمر الوطني» (المحلول) الذي كان يقوده الرئيس السابق عمر البشير.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا جلسة مجلس الأمن الدولي بخصوص الأوضاع في السودان (د.ب.أ)

حكومة السودان ترحب بـ«الفيتو» الروسي ضد «مشروع وقف النار»

رحّبت الحكومة السودانية باستخدام روسيا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، اليوم (الاثنين)، ضد مشروع القرار البريطاني في مجلس الأمن بشأن السودان.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
TT

دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)

وجدت دعوات تحجيب النساء «جبراً»، التي تنتصر لها السلطة في العاصمة الليبية، عدداً من المؤيدين، لكنها خلقت أيضاً تياراً واسعاً من الرافضين لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات.

فبعد إعلان السلطة، ممثلة في عماد الطرابلسي، وزير الداخلية بحكومة «الوحدة» المؤقتة، عن إجراءات واسعة ضد النساء، من بينها «فرض الحجاب الإلزامي»، بدت الأوضاع في ليبيا متجهة إلى التصعيد ضد «المتبرجات»، في ظل صراع مجتمعي محتدم.

بين الرفض والقبول

تفاعل الشارع الليبي بشكل متباين مع تصريحات الطرابلسي، بين من رفضها جملة وتفصيلاً، ومن قال إنه «ينفذ شرع الله ويسعى لنشر الفضيلة»، في وقت شرعت فيه أجهزة أمنية في إغلاق صالات رياضية ونوادٍ نسائية، بينما لم تعلّق سلطات البلاد، ممثلة في المجلس الرئاسي أو «الوحدة»، على هذا الأمر، وهو ما عده مقربون منهما «رضاً وقبولاً» بما تعهد به الطرابلسي.

الدبيبة والمنفي لم يعلّقا على تصريحات الطرابلسي (المجلس الرئاسي الليبي)

وبين هذا التيار وذاك، ظهرت شكاوى من التضييق والتحريض ضد «متبرجات»، أعقبتها دعوات للنائب العام بضرورة التدخل لحمايتهن وتفعيل القانون. وأمام تصاعد هذا الاتجاه الذي حذرت منه منظمات دولية، عدّت زهراء لنقي، عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي، أن الهدف منه «إشغال الناس عن القضايا الجوهرية، مثل الفساد المالي والإداري وتهريب الأموال».

وقالت الزهراء لـ«الشرق الأوسط» إن هذا التوجه «يأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التي تفعلها حكومة (الوحدة) بين الحين والآخر، في إطار توجّه منهجي لعودة المنظومة الأمنية القمعية، وكبت الحريات العامة، وملاحقة المجتمع المدني عبر توظيف خطاب متشدد».

منظمة «العفو الدولية» قالت إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء» (وزارة الداخلية)

وسبق لمنظمة «العفو الدولية» القول إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء والفتيات، والانتقاص من حقوقهن في حرية التعبير والدين، والمعتقد والخصوصية الجسدية، بما في ذلك خطط لإنشاء شرطة الأخلاق لفرض الحجاب الإلزامي».

من جهته، عدّ جمال الفلاح، رئيس «المنظمة الليبية للتنمية السياسية»، أن هذه الإجراءات «قسّمت المجتمع بين جماعة مؤيدة، وأخرى تعد هذا التوّعد إهانة للمرأة الليبية، التي ترفض فرض الحجاب عليها بالقوة».

وقال الفلاح الذي يرى أن المرأة الليبية «قيادية ورائدة في مجالات عدة»، لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كنا نتحدث عن الأخلاق والفضيلة، فليبيا اليوم تعج بالربا وفساد السلطة والمسؤولين، بالإضافة إلى الرشى في أوساط من هم في السلطة؛ ولذلك كان من الأولى التركيز على قضايا الرشوة والابتزاز والقتل خارج القانون».

جمال الفلاح رئيس المنظمة الليبية للتنمية السياسية (الشرق الأوسط)

وكان الطرابلسي قد قال في مؤتمر صحافي في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، باللهجة الليبية: «نلقى واحد مقعمز (جالس) هو وبنت برقدهم في الحبس، والبنت بترقد هي وأهلها في الحبس. والنساء اللي تسوق من غير ستر شعرها بنستلم منها السيارة... لا نعرف زميل لا صديق لا شريك لا موظف».

وسيلة للإلهاء

أمينة الحاسية، رئيس مجلس إدارة ملتقى التغيير لتنمية وتمكين المرأة، ربطت بين توجه سلطات طرابلس لتفعيل الحجاب «جبراً»، والأزمة السياسية في البلاد، وهو ما ذهبت إليه أيضاً لنقي.

تقول الحاسية لـ«الشرق الأوسط»: «عادة ما يضع المسؤولون في ليبيا المرأة في مكان بين السياسة والدين؛ ولو تريد الدولة حقاً المحاسبة فعليها أن تبدأ أولاً بمواجهة الفساد، وتدع المرأة وشأنها»، مضيفة: «هم الآن في وضع سياسي سيئ».

زهراء لنقي عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي (الشرق الأوسط)

وعدت لنقي التركيز على المرأة وزيها وشعرها «زوبعة يستهدفون الإلهاء من ورائها»، معتقدة أن حكومة طرابلس «تسعى لأن تكون سلطة دينية وهي ليست كذلك... و 90 في المائة؜ من الليبيات تقريباً يرتدين الزي نفسه داخل ليبيا. هذه في رأيي زوبعة للإلهاء عن القضايا الجوهرية لا أقل ولا أكثر».

حماية الآداب العامة

غير أن صمت السلطة حيال ما ذهب إليه الطرابلسي توقف بعد قرار أصدره الدبيبة، وتم تداوله على نطاق واسع، وهو القرار الذي قضى باستحداث إدارة بالهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية، تسمى «الإدارة العامة لحماية الآداب العامة».

وحدد القرار، الذي لم تنفه حكومة الدبيبة، مهام إدارة «حماية الآداب العامة»، من بينها ضبط الجرائم التي ترتكب في الأماكن العامة، والمقاهي والمطاعم ودور العرض والفنادق، وغيرها من الأماكن العامة أو المخصصة للارتياد العام بالمخالفة للتشريعات الخاصة بحماية الآداب العامة، ومكافحة الأفعال التي تتنافى مع توجهات المجتمع، وتسيء إلى قيمه وأخلاقه ومبادئه، وتطبيق التشريعات النافذة، بالإضافة إلى القيام بأعمال البحث والتحري، وجمع الاستدلال في الجرائم المتعلقة بالآداب العامة.

وتوجه مقربون من الإعلامية الليبية، زينب تربح، ببلاغ إلى النائب العام، بعد شكايتها في مقطع فيديو من مضايقات وهي تقود سيارتها من طرف مجهولين لكونها حاسرة الرأس، وقالت إيناس أحمدي، إحدى المقربات من الإعلامية، إن تربح «تتعرض لحملة شرسة من العنف والتعدي»، مشيرة إلى أن الحملة «ما زالت في بدايتها، وما زالت تأخذ أشكالاً أكثر تعنيفاً دون أي رادع».

وانتشر على تطبيق «تيك توك» تأييد واسع لرغبة سلطة طرابلس في تفعيل الحجاب، كما أسبغ بعض المعجبين على الطرابلسي أوصافاً عديدة، تعود لشخصيات تاريخية، وعدّوه «حامياً للإسلام والأخلاق». وهنا تلفت الحاسية إلى «تغول التيار الديني في غرب ليبيا، وتأثيره على من هم في السلطة، لما يملكه من مال وسلاح وميليشيات»، وقالت بهذا الخصوص: «أصبحت هناك حالات تعد على صالات الرياضة والنوادي النسائية بالقوة، وقد حاولوا أن يغلقوها بحجج كثيرة، من بينها الدين والحجاب. وربما نقول إن الطرابلسي له علاقة بهذه التشكيلات المسلحة وهذا التوجه الديني».

أمينة الحاسية في لقاء سابق مع سيتفاني ويليامز (الشرق الأوسط)

ووسط تباين مجتمعي، يراه كثيرون أنه سيتفاعل في قادم الأيام كلما تعددت حالات التضييق على «المتبرجات»، قالت المحامية الليبية ثريا الطويبي، إن ما ذهب إليه الطرابلسي، «جاء مخالفاً للإعلان الدستوري، الذي نص على حماية الحقوق وصيانة الحريات». مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يعد لباس المرأة من الحقوق والحريات الشخصية، ما لم يكن فاضحاً أو خادشاً للحياء العام، وليس من اختصاص وزير الداخلية وضع القيود على لباس المرأة، أو تنقلها وسفرها للخارج».

المحامية الليبية ثريا الطويبي (الشرق الأوسط)

واتساقاً مع ذلك، تعتقد الحاسية أن ليبيا تعيش راهناً في فوضى، ومواجهة من تيار ديني يريد الهيمنة على زمام الأمور والقوانين ودسترة هذه المشكلات، لكنها قالت جازمة: «الليبيون والليبيات سيرفضون هذا الإلزام، إلا لو فرض عليهم بقوة السلاح».