حرب السودان... المسيّرات تهدد باتساع رقعتها

خبراء: غارات «الدرون» أهداف سياسية وليست عسكرية

حرب السودان دمرت كثيراً من المرافق العامة بما في ذلك المستشفيات (رويترز)
حرب السودان دمرت كثيراً من المرافق العامة بما في ذلك المستشفيات (رويترز)
TT

حرب السودان... المسيّرات تهدد باتساع رقعتها

حرب السودان دمرت كثيراً من المرافق العامة بما في ذلك المستشفيات (رويترز)
حرب السودان دمرت كثيراً من المرافق العامة بما في ذلك المستشفيات (رويترز)

أدى استخدام الطائرات المسيّرة من دون طيار إلى اتساع رقعة الحرب في السودان لتصل إلى أماكن كان يُعتقد حتى وقت قريب، أنها بمنأى عن ساحة الحرب. فخلال ثلاثة الأسابيع الماضية، أُعلن عن هجمات بالمسيّرات استهدفت مناطق تبعد عن العاصمة الخرطوم وعن مناطق أخرى تشهد قتالاً، بنحو 400 كيلومتر، لتصل إلى مدن مثل عطبرة وشندي ومروي، وكلها مدن في الشمال.

ومنذ بداية الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع» قبل أكثر من عام، استُخدمت المسيّرات في المواجهات، ومعظمها كانت مسيّرات «بدائية» تنتجها هيئة التصنيع العسكري في السودان، ويملكها الجيش. غير أن «قوات الدعم السريع» حصلت على بعضها عندما استولت أثناء المعارك على منشآت تابعة للتصنيع العسكري، في حين تردد أيضاً أن دولاً خارجية زودت الطرفين بأنواع مختلفة من المسيّرات.

«المهاجر 6»

وتوسع الحديث عن المسيّرات إثر ذيوع معلومات عن حصول الجيش على مسيّرات إيرانية متطورة، أبرزها «المهاجر 6»، استطاعت تحويل سير المعارك لصالحه، وبرز ذلك في استرداده لحي أم درمان القديمة والهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون، بعد طرد «قوات الدعم السريع» منها، ثم راج أيضاً أن «قوات الدعم السريع» حصلت على مسيّرات «أكثر تطوراً» من جهات لم يُكشف النقاب عنها.

وبدأ القتال في العاصمة الخرطوم في 15 أبريل (نيسان) 2023، ثم اتسعت دائرته لتصل إلى ولايتي دارفور وكردفان في غرب البلاد، وولاية الجزيرة في الوسط، وتخوم ولايات النيل الأبيض وسنار والقضارف. وفي تطور لافت وصلت الحرب إلى شمال السودان وشرقه، وهي مناطق كان يُعتقد حتى وقت قريب أنها بعيدة عن مرمى نيران «قوات الدعم السريع»، وآليات قتالها الأساسية المتمثلة في سيارات الدفع الرباعي سريعة الحركة.

مسيّرات الشمال والشرق

وكان لافتاً أن نيران الحرب لم تصل إلى شمال وشرق البلاد عبر سيارات الدفع الرباعي المعهودة التي تستخدمها «قوات الدعم السريع» في جميع معاركها، بل كانت هذه المرة عبر الطائرات المسيّرة؛ إذ حدثت عدة هجمات شنتها المسيّرات على مناطق عسكرية تابعة للجيش في تلك المناطق.

وأعلن الجيش، يوم السبت 27 أبريل، تصدي أنظمته الدفاعية لثلاث مسيّرات انتحارية هاجمت المطار العسكري في مدينة مروي التي تبعد نحو 400 كيلومتر شمال الخرطوم، ونشر الجيش صوراً لحطام مسيّرات بمحرك احتراق داخلي صغير. وفي يوم الثلاثاء 24 من الشهر ذاته، كشف الجيش أيضاً عن إسقاط مسيّرتين قرب قيادة «الفرقة الثالثة مشاة» في مدينة شندي (190 كيلومتراً شمال العاصمة). وفي التاسع من نفس الشهر، قصفت مسيّرتان انتحاريتان مقر جهاز المخابرات العامة ومقر الجهاز القضائي في مدينة القضارف التي تقع على بعد 450 كيلومتراً شرق العاصمة.

وبدأت حرب المسيّرات في الثاني من أبريل بمقتل 12 شخصاً وإصابة 30، إثر هجوم بمسيّرة على حفل إفطار رمضاني نظمته «كتيبة البراء بن مالك» التابعة للحركة الإسلامية التي تقاتل بجانب الجيش، في مدينة عطبرة على بعد 300 كيلومتر شمال الخرطوم.

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان (يسار) ومساعده ياسر العطا في أم درمان (الجيش السوداني)

نيران صديقة

لم يوجه الجيش اتهامات مباشرة لـ«قوات الدعم السريع»، لكنه قال في بيان إن المسيّرات التي استهدفت مدينة مروي أطلقها «العدو»، في حين ترددت أنباء أن مجموعة من داخل الجيش نفسه أو تقاتل معه هي التي قامت بالاعتداء. ومن جانبها، نفت «قوات الدعم السريع»، على لسان متحدثين باسمها، تبعية تلك المسيّرات لها.

وانتشرت على نطاق واسع معلومات أن المسيّرات ربما أُطلقت من «مواقع صديقة للجيش»، رداً على ما تردد أيضاً بأن قيادة الجيش انتقدت كتائب الإسلاميين الحليفة له بأن ظهورها المكثف أدى إلى تخلي بعض الدول عن دعم الجيش. واتجهت أصابع الاتهام، وفق المعلومات الشائعة، إلى «كتائب البراء».

وقال الخبير العسكري المتقاعد، الطيب مالكابي، لـ«الشرق الأوسط»، إن المسيّرات التي تُستخدم في الحرب السودانية «نوعية بدائية يغلب عليها الطابع الانتحاري، وإن قطعها لمسافات طويلة يطرح عدة أسئلة، مثل من أين أُطلقت، ومن يتحكم فيها».

ويؤكد مالكابي أن سهولة إسقاط تلك المسيّرات يفسر الهدف من إطلاقها، قائلاً: «الهدف من إطلاق هذه المسيّرات ليس هدفاً عسكرياً، بل هدف سياسي بغرض التأثير على معنويات الطرف الآخر».

مسلحون من أنصار المقاومة الشعبية الداعمة للجيش السوداني (أ.ف.ب)

رسائل سياسية

وأضاف مالكابي: «أما المسيّرات التي عادت أدراجها فهي في الغالب استطلاعية، خاصة تلك التي حلقت حول خزان مروي وحول مدينة عطبرة، فهذه أرسلت رسائل سياسية أكثر من كونها عمليات عسكرية». وأوضح أن المسيّرات الانتحارية المستخدمة في السودان قادرة على قطع مسافات طويلة بالفعل، لكنها بالمقابل تفقد القدرة على إصابة الهدف بدقة كلما طالت المسافة، أما التي أصابت أهدافها فمن المؤكد أنها أُطلقت من مسافات قريبة.

وأضاف: «بما أن القوات المسلحة لم تصدر بياناً تتهم فيه جهة محددة، و(قوات الدعم السريع) لم تتبنَّ تلك العمليات، فإن الاحتمالات تتعدد حول ماهية جهة الإطلاق ومكانها». وتفسيراً للمعلومات المتداولة عن احتمال أن تكون تلك المسيّرات نيراناً صديقة، قال مالكابي: «لهذا الاتهام حيثياته القائمة على التجاذبات بين القادة العسكريين الرافضين لاستقلال الكتائب عن الجيش، ومن يتبنون وجودها المستقل. كما أن هناك حيثيات أخرى للاتهام، وهي أن (كتائب البراء) تملك مسيّرات، بل إن الذين أشرفوا على شراء تلك المسيّرات وجلبوها هم ضباط إسلاميون في الجيش».

ولأن الجيش لم يتهم «قوات الدعم السريع» بتلك المسيّرات صراحة في بياناته، واكتفى ببيان حول عملية مروي باستخدام مفردة «العدو»؛ فإن السؤال يظل قائماً: من هو «العدو» المقصود؟ أهو «الدعم السريع» أم عدو آخر لم يحن الوقت لتسميته؟

أرشيفية لـ«قوات الدعم السريع» في الخرطوم (رويترز)

ثغرة أمنية كبيرة

من جهته، أشار الخبير العسكري المتقاعد عمر أرباب، لراديو «دبنقا» السوداني الذي يبث من هولندا، إلى أن مجرد وصول مسيّرتين إلى مدينة شندي يعد ثغرة أمنية كبيرة في دفاعات الجيش، ومؤشراً خطيراً يجب تداركه.

ورجح أرباب احتمال أن تكون «قوات الدعم السريع» ضالعة في إطلاق تلك المسيّرات، وقلل من كون إطلاقها يعد تصفية حسابات بين الجيش وبعض الكتائب الإسلامية الموالية له، قائلاً: «صحيح أنه خلاف قائم، لكنه لا يرقى لمرحلة استهداف بعضهم بعضاً. واستخدمت (قوات الدعم السريع) هذا الخلاف لصالحها، عبر إرسال رسالة بأنها قادرة على ضرب أهداف في عمق مناطق سيطرة الجيش دون إثبات لتورطها في الأمر».

وتابع: «لا أحد يستطيع الجزم بمن هو المقصود بـ(العدو) المشار إليه في بيان الجيش عن عملية مروي، لكن تهديدات الإسلاميين العلانية لبعض قادة الجيش، بمن فيهم القائد العام ونائبه، لمنعهم من التفاوض مع (الدعم السريع)، تخلق وضعاً رمادياً عن الجهة التي قامت بالهجوم».

وفي كل الأحوال، فإن المسيّرات المستخدمة في حرب السودان، بغض النظر عن فاعليتها، فقد نقلت الحرب إلى أماكن بعيدة كان يُظن أنها آمنة ولن تصل إليها الحرب، مما يؤكد توسع نطاق الحرب يوماً بعد يوم.


مقالات ذات صلة

«الجنائية الدولية»: 11 ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

شمال افريقيا علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

«الجنائية الدولية»: 11 ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

حددت المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي 11 ديسمبر المقبل لبدء المرافعات الختامية في قضية السوداني علي كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بدارفور.

أحمد يونس (كمبالا)
الولايات المتحدة​ مسعفون من جمعية «الهلال الأحمر الفلسطيني» ومتطوعون في الفريق الوطني للاستجابة للكوارث (أ.ب)

الأمم المتحدة: عمال الإغاثة الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر

أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن عدد عمال الإغاثة والرعاية الصحية الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر، بحسب «أسوشييتد برس».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة، فيما تعتزم الحكومة الألمانية دعم مشروع لدمج وتوطين اللاجئين السودانيين في تشاد.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)

السودان: توغل «الدعم السريع» في النيل الأزرق والجيش يستعيد بلدة

تشير أنباء متداولة إلى أن الجيش أحرز تقدماً كبيراً نحو مدينة سنجة التي سيطرت عليها «قوات الدعم السريع»، يونيو (حزيران) الماضي.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا عائلة تستريح بعد مغادرة جزيرة توتي التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في أم درمان بالسودان يوم 10 نوفمبر 2024 (رويترز)

السودان: 40 قتيلاً في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

أفاد طبيب بمقتل 40 شخصاً «بالرصاص» في السودان، بهجوم شنّه عناصر من «قوات الدعم السريع» على قرية بولاية الجزيرة وسط البلاد.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

رئيس «الوحدة» الليبية يطالب مجدداً بـ«قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات

الدبيبة خلال لقائه عدداً من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)
الدبيبة خلال لقائه عدداً من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)
TT

رئيس «الوحدة» الليبية يطالب مجدداً بـ«قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات

الدبيبة خلال لقائه عدداً من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)
الدبيبة خلال لقائه عدداً من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)

تمسك عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المؤقتة، مجدداً بضرورة وجود «قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية المؤجلة، وغازل عمداء البلديات بـ«الخدمات» من خلال إنهاء وتدشين عدة مشروعات في مناطقهم.

واجتمع الدبيبة في مقر الحكومة بطرابلس العاصمة مع 6 عمداء بلديات، هي الأصابعة وككلة والقواليش والمشاشية ويفرن والقلعة، بالإضافة إلى عدد من أعيانها، لمناقشة عدد من الملفات الخدمية والتنموية والاجتماعية.

وتحدث الدبيبة خلال اللقاء عن دعمه لملف التنمية المحلية واللامركزية، وإقرار عدد من اللوائح والقرارات المنظمة لهذا التوجه المهم، مشدداً على ضرورة توحيد الجهود الوطنية للوصول بالبلاد لانتخابات برلمانية ورئاسية، وفق قوانين عادلة ومتفق عليها، وإنهاء المراحل الانتقالية.

الدبيبة مع عدد من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)

ووفقاً لمكتب الدبيبة، فقد استعرض رؤساء الأجهزة التنفيذية أهم المشروعات التنموية بالبلديات الحاضرة، ونسب الإنجاز الفنية والمشروعات المعتمدة في الخطة التنموية المقبلة.

ويأتي لقاء الدبيبة بعمداء البلديات الـ6، عقب يوم من لقائه أعضاء المجلس البلدي يفرن وعدداً من أعيان المدينة. وأثار خلال اجتماعه معهم ضرورة «توحيد الجهود الوطنية لإنجاز الدستور والقوانين الانتخابية العادلة، لتكون المرجعية الوطنية التي تتيح إجراء الانتخابات وإنهاء المراحل الانتقالية».

وخلال الاجتماعين حرص الدبيبة على توجيه أجهزة حكومته لإنجاز مشاريع معطلة بالبلديات، وقال في اللقاء الذي انتهى، مساء الخميس، إن «عمليات الإمداد المائي لبلديات الجبل تحديداً كانت من أولويات الخطة التنموية، ضمن مشروعات (عودة الحياة)، وما زالت مستمرة حتى استكمالها، تقديراً لظروف المنطقة واحتياجاتها لمياه الشرب».

كما وجّه الدبيبة «الأجهزة التنفيذية بإعطاء الأولوية في المشروعات التنموية لقطاعات المياه والصرف الصحي، والمرافق التعليمية والصحية، وإعطاء الأولوية للمشاريع الجارية لضمان استكمالها».

من جهة ثانية، تتواصل في ليبيا تداعيات إيقاف الدبيبة للقائم بالأعمال في السفارة الليبية لدى مصر، محمد عبد العالي، دون مزيد من الأسباب، لكنه كلف مندوب ليبيا لدى جامعة الدول العربية، السفير عبد المطلب إدريس، بتسيير مهام السفارة الليبية.

في غضون ذلك، دعا مجلس النواب الليبي أعضاءه إلى جلسة رسمية، الاثنين المقبل، تُعقد في مدينة بنغازي، لمناقشة بنود جدول أعمال المجلس، حسب عبد الله بليحق المتحدث الرسمي باسم المجلس.

الطاهر الباعور مستقبلاً سفير إيطاليا لدى ليبيا (خارجية الوحدة)

من جهته، التقى الطاهر الباعور، المكلف تسيير وزارة الخارجية بحكومة «الوحدة»، الجمعة، في مكتبه بطرابلس، سفير إيطاليا لدى ليبيا، جيانلوكا البريني، حيث أكد الجانبان على عمق العلاقات الثنائية المتميزة التي تربط البلدين والشعبين الصديقين.

ونقلت الخارجية عن السفير «إشادته بمخرجات منتدى الأعمال الليبي - الإيطالي، الذي عُقد بطرابلس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي؛ حيث نقل خلال اللقاء امتنان وتقدير رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجا ميلوني، لنجاح هذا المنتدى.

وأكد الباعور مشاركته وتمثيل الوفد الليبي في «منتدى حوار المتوسط لبلدان البحر المتوسط»، الذي سيُعقد في روما على المستوى الوزاري، نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.