«انقسامات حادّة» تُهدّد وحدة أعرق الأحزاب في موريتانيا

«تكتل القوى الديمقراطيّة» فشل في الحصول على أيّ مقعد بالبرلمان في الانتخابات الماضية

أحمد ولد داداه رئيس حزب «تكتل القوى الديمقراطيّة» في تجمع خطابي (أ.و.ب)
أحمد ولد داداه رئيس حزب «تكتل القوى الديمقراطيّة» في تجمع خطابي (أ.و.ب)
TT

«انقسامات حادّة» تُهدّد وحدة أعرق الأحزاب في موريتانيا

أحمد ولد داداه رئيس حزب «تكتل القوى الديمقراطيّة» في تجمع خطابي (أ.و.ب)
أحمد ولد داداه رئيس حزب «تكتل القوى الديمقراطيّة» في تجمع خطابي (أ.و.ب)

بعد شدّ وجذب، وصراع بين أجنحة حزب «تكتل القوى الديمقراطيّة» استمر لأشهر، تمكّن الجناح الإصلاحي في الحزب أخيراً من إجراء تغييرات على مستوى هيكلته، خلال مؤتمر استثنائي عُقد الشهر الماضي، حيث أبقت مخرجات ذلك المؤتمر على أحمد ولد داداه رئيساً للحزب، بالإضافة إلى تعيين 9 نواب له، وأمين خزينة، ورئيس المجلس الوطني، ورئيس لجنة الحكماء. لكن الجناح المُعارض في الحزب لم يعترف بتلك التغييرات الجديدة، وعدّ المؤتمر نفسه غير قانوني، وأن مخرجاته غير ملزمة، كما عدّ تحويل الاختلاف مع قيادة الحزب في نقاط معيّنة إلى مؤتمر استثنائي «أمراً غير مقبول» بالنسبة له. وكانت الأزمة قد بدأت تطفو على السطح الشهر الماضي، حين أصدر الحزب بياناً موقّعاً من رئيسه ولد داداه، يدعو فيه إلى مؤتمر استثنائي لتجديد هياكل الحزب، وإجراء مراجعة نقديّة بعدما لم يتمكّن الحزب من الحصول على أيّ مقعد في البرلمان خلال الانتخابات المحليّة الماضية.

ورغم أن الخلافات والانقسامات كانت تدبّ في جسد الحزب، فإنّها ظلّت داخل الغرف المغلقة، دون أن تظهر للعلن إلا مع الانتخابات الماضية، حين أعلن عدد من قيادات الحزب الانسحاب احتجاجاً على اللوائح، التي دفع بها التكتّل في الانتخابات. وتعمّقت تلك الاختلافات حين أعلنت الدعوة للمؤتمر الاستثنائي.

* شدّ وجذب

يتصارع جناحان، يتمثّلان في المكتب التنفيذيّ، وبعض القيادات الأخرى التي تُعارض انعقاد المؤتمر، إذ يتراشق الجناحان بالبيانات الموقّعة باسم رئيس الحزب، الذي يمرّ بظرف صحيّ جرّاء تقدّمه في العمر، جعله غير قادر على أداء مهامه رئيساً للحزب.

رئيس الحزب يمرّ بظرف صحيّ جرّاء تقدّمه في العمر جعله غير قادر على أداء مهامه رئيساً للحزب (الشرق الأوسط)

ويسوّغ المكتب التنفيذي للحزب انعقاد هذا المؤتمر بأنّه جاء بناء على دعوة شخصية من ولد داداه، وقد أوكل المكتب لجنة للتحضير للمؤتمر، لم يصل إليها منه أي قرار بالتأجيل أو الإلغاء. لكن محمد عبد الله ولد أشفاغه، رئيس اللجنة المكلّفة التحضير للمؤتمر، قال إنّ الأعضاء تفاجأوا بإغلاق المقر المركزي في 23 مارس (آذار) الماضي، وهو اليوم الذي كان من المفترض أن ينعقد فيه المؤتمر. وهذا الوضع دفع هذا المكتب إلى عقد اجتماع، قرّر فيه تأجيل المؤتمر. ويرى الجناح المؤيد للمؤتمر أنّ الحزب بحاجة إلى إجراء إصلاحات شاملة تعيد إليه هيبته، التي افتقدها في السنوات الأخيرة. لكن في المقابل، يرى الجناح المعارض أنّ هذا الوقت ليس ملائماً لعقد مؤتمر استثنائي، نظراً للانقسامات الحادة وتباين الآراء بين قيادات الحزب. كما يرى المعارضون أنّ الاجتماعات الداخليّة والحوارات البنّاءة «يجب أن تسبق أي محاولة لعقد مؤتمر استثنائي، من أجل ضمان توافق الآراء، وتجنّب تفاقم الانقسامات».

* مرحلة شيخوخة

لم يعد التكتل في السنوات الأخيرة كما كان واجهة للمعارضة، وامتلاك قاعدة شعبية مؤثرة في الانتخابات، خاصة بعد انشقاق كتل كبيرة وانسحابها، ما زاد انحرافه عن الطريق التي انتهجها، المتمثلة في معارضة الأنظمة. في هذا السياق، يرى الصحافيّ سيدي محمد ولد بلعمش أنّ من أسباب تراجع «حزب التكتل» تعرّضه لهزّات كبيرة خلال السنوات العشر الأخيرة، تمثّلت في تلك الانشقاقات والانسحابات. وقال ولد بلعمش، في حديث لوكالة «أنباء العالم العربي»، إنّ الحزب يمرّ بمرحلة «شيخوخة» نتيجة عدم مجاراته للتغيرات، التي تشهدها الساحة السياسيّة وانعدام البرنامج السياسيّ الواضح. مشيراً إلى أنّ تقدّم زعيم الحزب أحمد ولد داداه في العمر، وقلّة قدرته على النشاط والمواكبة أثّرا في التكتل، وأظهرا أنه حزب مرتبط بشخص، وليس مؤسسة قائمة. لكن أعضاء في الحزب يقللون في المقابل من أهمية هذا السقوط، الذي يقولون إنه يشابه كثيراً المرحلة، التي عاشها الحزب في السنوات الأخيرة من حقبة الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع.

أعضاء في الحزب يقللون من أهمية هذا التراجع ويقولون إنه يشابه المرحلة التي عاشها الحزب في حقبة الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع (الشرق الأوسط)

وكان التكتّل في حقبة ولد الطايع واجهة المعارضة الراديكاليّة، التي خاضت حرباً شرسة ضدّه، وتعرّض قادة الحزب لمضايقات، وسُجن الرئيس المؤسس، لكن حملة الاعتقالات تلك لم تُثنِه عن مواصلة نهجه المعارض. وبعد أن غادر ولد الطايع، تبخّر الحزب الجمهوري الحاكم آنذاك، فكان أكثر المنتصرين هو «حزب التكتل»، الذي كان مشروعاً سياسيّاً استقطب النُخب، ورجال الأعمال، وزادت شعبيته في أنحاء البلاد. وبعد ذلك، دخل الحزب بقوّة في انتخابات محليّة وتشريعيّة عام 2006، تعد أول انتخابات ديمقراطيّة نزيهة شهدتها موريتانيا، وحصل الحزب في تلك الانتخابات على 18 مقعداً برلمانيّاً، لتكون مؤشراً على قوّته وتأثيره في الشعب الموريتاني.

* بداية الانهيار

وفقاً لمحللين، فإنّ الانتخابات التشريعيّة الأخيرة العام الماضي كشفت عن ضعف في الحزب، وانهيار متواصل في ظل رؤية ضبابيّة، وافتقار إلى النُخبة التي بإمكانها إعادة الحزب إلى جادة الطريق.

الانتخابات التشريعيّة الأخيرة العام الماضي كشفت عن ضعف واضح في الحزب (الشرق الأوسط)

غير أنّ عدداً من المتابعين يرون أنّ المرحلة التي يمر بها الحزب «حرجة»، وتختلف عن تلك الهزّات التي تعرّض لها منذ تأسيسه، إذ تأتي في ظل تقدّم ولد داداه في السن، وعدم قدرته على التجديد والبناء لمرحلة جديدة. في هذا السياق، قال الصحافي أحمد عبد الله لوكالة «أنباء العالم العربي» إنّ «حزب التكتل» أضاع كثيراً من الفرص، التي كانت متاحة أمامه لإعادة البناء، وإجراء إصلاحات عميقة تضعه على مسار النجاح، والتأثير الإيجابي في المشهد السياسي. مضيفاً أنّ الحزب، الذي كان يُعدّ من أبرز القوى السياسيّة في موريتانيا، يواجه اليوم واقعاً مريراً، حيث تراجعت شعبيّته وتأثيره بشكل كبير، وموضحاً أنّ الحزب لم يعد في صفوفه سوى العشرات من الأعضاء. من جانبه، عدّ ولد بلعمش أنّ الأزمة التي يشهدها حزب التكتّل «ليست مجرّد انقسام داخلي، بل تبدو كأنها بداية لانهيار حزب كبير وعريق». وبحسب محللين، فإنّ الانقسامات والانسحابات ليست السبب في تراجع الحزب. ويرى أصحاب هذا الرأي أنّ تقارب الحزب مع نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، مع وصوله إلى السلطة، وتوقيع ميثاق جمهوري معه، أدى إلى تقهقره.

التقارب مع النظام الحالي ورموزه جعل البعض يرى أنّ الحزب قد انحرف عن مساره السابق وتخلّى عن مبادئه (صحافة محلية)

يقول الصحافي أحمد عبد الله إن «حزب التكتل» كان يعتمد في السابق على موقفه المعارض للأنظمة السابقة لكسب دعم واسع من الشعب، لكنّ التقارب مع النظام الحالي جعل البعض يرى أنّ الحزب قد انحرف عن مساره السابق وتخلّى عن مبادئه. ويرى عبد الله أنّ بداية الانهيار كانت عندما اختار «حزب التكتل» التقارب مع النظام الحاكم، وتخلّى عن مساره التقليدي كقوة معارضة، عادّاً أنّ هذا الخيار، الذي لم يكن من أعراف الحزب، «أدى إلى فقدانه دعم الشرائح التي كان يمثلها، وتبخّرت شعبيته التي اكتسبها من خلال معارضته الحازمة للأنظمة السابقة».



«النفوذ الروسي» في ليبيا يلاحق زيارة المبعوث الأميركي للجنوب

زيارة وفد السفارة الأميركية في ليبيا إلى سبها (السفارة الأميركية على إكس)
زيارة وفد السفارة الأميركية في ليبيا إلى سبها (السفارة الأميركية على إكس)
TT

«النفوذ الروسي» في ليبيا يلاحق زيارة المبعوث الأميركي للجنوب

زيارة وفد السفارة الأميركية في ليبيا إلى سبها (السفارة الأميركية على إكس)
زيارة وفد السفارة الأميركية في ليبيا إلى سبها (السفارة الأميركية على إكس)

ألقى «النفوذ الروسي» في ليبيا بظلاله على تقديرات محللين ليبيين بشأن أبعاد زيارة المبعوث الأميركي الخاص إلى البلاد، ريتشارد نورلاند، غير المسبوقة إلى الجنوب الليبي.

ولم تُكشف تفاصيل كافية عن نتائج مباحثات نورلاند مع رئيس أركان القوات البرية التابعة للقيادة العامة، الفريق صدام، نجل المشير خليفة حفتر، في مدينة سبها الجنوبية، في وقت سابق هذا الأسبوع. لكنّ متابعين تحدثوا عن «رمزية» زيارة نورلاند إلى سبها، خصوصاً أنها «الأولى لمسؤول أميركي للمدينة الجنوبية، في ظل أوضاع أمنية مستقرة بعد موجات انفلات أمني سابقة»، وفق أستاذ العلوم السياسية بجامعة درنة، يوسف الفارسي.

المبعوث الأميركي إلى ليبيا والقائم بالأعمال خلال زيارة لسبها (السفارة الأميركية على إكس)

ويبدو أنه لم تغب «ظلال الخطة الاستراتيجية العشرية لليبيا، ومحاولات احتواء النفوذ الروسي عن زيارة المبعوث الأميركي إلى الجنوب الليبي»، في رأي عضو معهد السياسات الخارجية بجامعة «جون هوبكنز»، حافظ الغويل، الذي يرى أن «امتداد نفوذ روسيا في الجنوب الليبي ليس بمنأى عن توجهات الاستراتيجية الأميركية للمناطق الهشة وزيارة نورلاند»، علماً بأن تسريبات ظهرت منذ مارس (آذار) الماضي تتحدث عن أكثر من جسر جوي تقوده طائرات شحن عسكرية روسية نحو قاعدة براك الشاطئ، الواقعة جنوب البلاد.

من لقاء سابق للدبيبة مع مدير وكالة الاستخبارات الأميركية ويليام بيرنز في طرابلس (الحكومة)

ومنذ أقل من عامين أطلقت إدارة بايدن ما يعرف بـ«استراتيجية الولايات المتحدة لمنع الصراع وتعزيز الاستقرار - الخطة الاستراتيجية العشرية لليبيا»، وتهدف هذه الخطة من بين بنودها إلى «دمج الجنوب الليبي المهمش تاريخياً في الهياكل الوطنية، مما يؤدي إلى توحيد أوسع، وتأمين الحدود الجنوبية».

ومع أن نورلاند اكتفى عقب لقاء صدام حفتر بحديث عام عن الدور الحيوي الذي يلعبه جنوب ليبيا في استقرار المنطقة، وحماية سيادة ليبيا، والتغلب على الانقسامات، فإن زيارته حسب الدكتور أحمد الأطرش، أستاذ العلوم السياسية بـ«جامعة طرابلس»: «قد لا تخرج عن سياقات صراع نفوذ مع موسكو، واستكشاف التمدد الروسي في المنطقة».

وكان اللافت أيضاً حديث المبعوث الأميركي عن دعم الجهود الليبية لتوحيد المؤسسات الأمنية، عبر «الانخراط مع القادة العسكريين الليبيين من جميع أنحاء البلاد»، وهو ما رآه الأطرش في تصريح إلى «الشرق الأوسط» غطاء لحقيقة هذه الزيارة، التي تستهدف موسكو بالأساس، مقللاً من رؤى تستند إلى لقاء سابق جمع بين وزير الداخلية المكلف في غرب البلاد، عماد الطرابلسي وصدام، وهو تصرف أحادي.

من زيارة سابقة لنائب وزير الدفاع الروسي رفقة وفد رفيع المستوى من الحكومة الروسية إلى بنغازي (الشرق الأوسط)

في المقابل، ذهب فريق من المحللين إلى الحديث عن مخاوف أميركية شديدة من توسيع ما سموه بالأنشطة الصينية في ليبيا، إذ إن الجنوب الليبي، وفق المحلل السياسي عز الدين عقيل «يمكن أن يكون محطة مهمة بقطع طريق الحرير الصيني، واستخدامه أيضاً بوصفه قاعدة لإزعاج ومواجهة الصينيين بأفريقيا».

ويستند عقيل إلى ما ذُكر بشأن الصين في إحاطة «الدبلوماسية الأميركية جنيفر غافيتو، حيث كان من المقرر تعيينها سفيرة لواشنطن في طرابلس قبل أن تعتذر في صيف هذا العام».

وفي يونيو (حزيران) الماضي، نبهت غافيتو في بيان أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، إلى «النجاحات العميقة» لشركات مرتبطة بالصين في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في ليبيا.

وسبق أن حصلت الصين على حقوق تعدين الذهب الليبي في الجزء الجنوبي من البلاد «بشروط مغرية للغاية» في عهد رئيس الحكومة الليبية السابق، فتحي باشاغا، وفق المستشار في مؤسسة «أنفرا غلوبال بارتنرز»، جوناثان باس، الذي لفت إلى دعم بكين القائد العام لقوات القيادة العامة المشير خليفة حفتر.

يُشار إلى أن منطقة الساحل شهدت خلال العامين الأخيرين الإطاحة ببعض الأنظمة الراسخة الموالية لفرنسا، تزامناً مع انخراط روسيا في المنطقة، بوصفها حليفة للأنظمة الجديدة.

اللافت أنه غداة زيارة نورلاند إلى سبها، كان السفير الروسي لدى ليبيا أيدار أغانين خلف عجلة قيادة الشاحنة الروسية «أورال»، محتفياً، في لقطة لا تخلو من الدلالات، بدخولها السوق الليبية، بعد وصولها بالفعل إلى البلاد ضمن المئات منها إلى جانب الشاحنة «أورال».