تحذير أممي من «أزمة بأبعاد أسطورية» تضرب السودان

مسؤولون يتهمون جهات خارجية بتسليح المتحاربين وتأجيج الحرب

روز ماري ديكارلو خلال إحاطتها أمام أعضاء مجلس الأمن حول السودان (الأمم المتحدة)
روز ماري ديكارلو خلال إحاطتها أمام أعضاء مجلس الأمن حول السودان (الأمم المتحدة)
TT

تحذير أممي من «أزمة بأبعاد أسطورية» تضرب السودان

روز ماري ديكارلو خلال إحاطتها أمام أعضاء مجلس الأمن حول السودان (الأمم المتحدة)
روز ماري ديكارلو خلال إحاطتها أمام أعضاء مجلس الأمن حول السودان (الأمم المتحدة)

رأت روز ماري ديكارلو، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام، أن الحرب المتواصلة منذ عام بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان من جهة و«قوات الدعم السريع» بقياد الفريق أول محمد حمدان دقلو، الملقب بـ«حميدتي»، وصراعهما على السلطة أشعلت «أزمة ذات أبعاد أسطورية» أججتها الأسلحة الواردة من الخارج، في انتهاك للعقوبات الدولية.

وكانت المسؤولة الأممية الرفيعة تُقدم إحاطة أمام أعضاء مجلس الأمن (الجمعة)، إذ رسمت صورةً قاتمةً لأثر الحرب التي شهدت معارك ضارية في شوارع العاصمة الخرطوم، ثم امتدت إلى مناطق حضرية أخرى وإقليم دارفور الغربي، وأدت حتى الآن إلى سقوط أكثر من 14 ألف قتيل وعشرات الآلاف من الجرحى، ودفعت البلاد في اتجاه مجاعة تهدد 25 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة المنقذة للحياة، بعد إرغام أكثر من 8.6 مليون شخص على الفرار من منازلهم. وقالت إن تدفق الأسلحة «غير قانوني، وغير أخلاقي، ويجب أن يتوقف».

من صنع الإنسان

وقالت ديكارلو إنه منذ بدء الحرب في 15 أبريل (نيسان) 2023 «تحمّل الشعب السوداني معاناة لا تُطاق»، مشيرة إلى «تقارير عن ارتكاب فظائع، بما فيها استخدام واسع النطاق للعنف الجنسي بوصفه سلاحاً للحرب، وتجنيد الأطفال من طرفَي النزاع، والاستخدام المكثف للتعذيب والاعتقال التعسفي المطوّل من الطرفين». ولفتت إلى تعرض آلاف المنازل والمدارس والمستشفيات وغيرها من مرافق البنية التحتية المدنية الأساسية للتدمير، مضيفة أن «الحرب دمّرت مساحات واسعة من القطاعات الإنتاجية في البلاد، مما أدى إلى شل الاقتصاد». وقالت: «باختصار، هذه أزمة ذات أبعاد أسطورية. كما أنها برمتها من صنع الإنسان». وكررت مطالبة الأطراف كلها بممارسة «أقصى درجات ضبط النفس»، مشيرة إلى «منتدى جدة» الذي «يوفر وسيلة واعدة للحوار» بين الطرفين المتحاربين بغية التوصل إلى اتفاق على وقف النار والترتيبات الأمنية الانتقالية ذات الصلة. ورحبت بنتائج «مؤتمر باريس»، الذي «علينا أن نبني على الزخم الذي حققه لتعزيز جهودنا للمساعدة في إنهاء القتال، وإعادة السودان إلى مسار شامل نحو الديمقراطية الشاملة والتعافي».

قاعة مجلس الأمن خلال الاجتماع حول السودان (الأمم المتحدة)

صورة قاتمة

وأيدها في هذا التقييم رئيس لجنة الاتحاد الأفريقي المعنية بالسودان والممثل السامي لمبادرة «إسكات البنادق في أفريقيا» محمد بن شمباس، الذي وصف التدخل الخارجي بأنه «عامل رئيسي يضاعف الجهود المبذولة للتفاوض على وقف النار ووقف الحرب». وقال: «في واقع الأمر، كان الدعم الخارجي، لجهة توريد العتاد الحربي وغيره، السبب الرئيسي وراء استمرار هذه الحرب لفترة طويلة»، مضيفاً أن التسليح «هو الفيل الموجود في الغرفة». ولاحظ أن الحرب أعادت البلاد عقوداً إلى الوراء «وسيستوجب الأمر أكثر من جيل لإعادة بناء السودان إلى ما كان عليه قبل الحرب»، مشيراً إلى أن آفاق تحقيق السودان أهداف التنمية المستدامة، أو أهداف أجندة الاتحاد الأفريقي 2063، «تبدو قاتمة للغاية، مما يحكم على ملايين السودانيين بالفقر والمعاناة لعقود مقبلة». وإذ نبه إلى أن جهود الوساطة في الأزمة لم تكن حتى الآن ناجحة، عدّ أن «التدخل الخارجي كان أيضاً عاملاً رئيسياً في تفاقم الجهود المبذولة للتفاوض على وقف إطلاق النار ووقف الحرب»، مؤكداً أن «الدعم الخارجي من حيث توريد العتاد الحربي وغيره من الوسائل هو السبب الرئيسي لاستمرار هذه الحرب لفترة طويلة».

ولم يسمّ المسؤولان أياً من الداعمين الأجانب. غير أن بعض التقارير الغربية تشير إلى احتمال تورط إيران في بيع طائرات مسيّرة للقوات الحكومية. وتفيد بأن «قوات الدعم السريع» تتلقى دعماً من مجموعة «فاغنر» الروسية للمرتزقة. وهناك تقارير عن إمدادات عسكرية من جهات أخرى تمر عبر تشاد وليبيا وجنوب السودان.

دبابة متضررة نتيجة الحرب في أحد شوارع أم درمان (رويترز)

الفاشر ودارفور

وتحدثت مديرة العمليات والمناصرة لدى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، إيديم وسورنو، نيابة عن وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية منسق المعونة الطارئة مارتن غريفيث، فقالت إنه «من المحزن بشكل خاص رؤية ما حدث في السودان، بالنظر إلى الوضع الذي كانت عليه البلاد قبل بدء هذا الصراع، التي كانت ملجأ آمناً لأكثر من مليون لاجئ، ومركزاً إقليمياً لمنشآت طبية وجامعات. اختفى كثير من هذا الآن». وكررت مطالبة طرفَي النزاع باحترام التزاماتهما بموجب القانون الدولي الإنساني، مشددة على أن العنف الجنسي محظور تماماً مثل غيره من أشكال المعاملة اللاإنسانية، وأنه ينبغي على كلا الطرفين استمرار حماية المدنيين والأعيان المدنية. ودعت إلى الوقف الفوري للعنف حول منطقة الفاشر في غرب دارفور وفي سائر أنحاء البلاد. وأشارت إلى أن «قوات الدعم السريع» هاجمت وأحرقت قرى غرب الفاشر في 13 أبريل الحالي، بالإضافة إلى هجمات عرقية في دارفور على المدنيين، خصوصاً ضد المساليت. وحذرت من أن «العنف يشكّل خطراً شديداً وفورياً على 800 ألف مدني يقيمون في الفاشر، ويخاطر بإثارة مزيد من العنف في أجزاء أخرى من دارفور، حيث يوجد أكثر من 9 ملايين شخص في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية».


مقالات ذات صلة

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

شمال افريقيا علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

حددت المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي 11 ديسمبر المقبل لبدء المرافعات الختامية في قضية السوداني علي كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بدارفور.

أحمد يونس (كمبالا)
الولايات المتحدة​ مسعفون من جمعية «الهلال الأحمر الفلسطيني» ومتطوعون في الفريق الوطني للاستجابة للكوارث (أ.ب)

الأمم المتحدة: عمال الإغاثة الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر

أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن عدد عمال الإغاثة والرعاية الصحية الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر، بحسب «أسوشييتد برس».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة، فيما تعتزم الحكومة الألمانية دعم مشروع لدمج وتوطين اللاجئين السودانيين في تشاد.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)

السودان: توغل «الدعم السريع» في النيل الأزرق والجيش يستعيد بلدة

تشير أنباء متداولة إلى أن الجيش أحرز تقدماً كبيراً نحو مدينة سنجة التي سيطرت عليها «قوات الدعم السريع»، يونيو (حزيران) الماضي.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا عائلة تستريح بعد مغادرة جزيرة توتي التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في أم درمان بالسودان يوم 10 نوفمبر 2024 (رويترز)

السودان: 40 قتيلاً في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

أفاد طبيب بمقتل 40 شخصاً «بالرصاص» في السودان، بهجوم شنّه عناصر من «قوات الدعم السريع» على قرية بولاية الجزيرة وسط البلاد.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

حوادث مرورية متكرّرة تفجع مصريين

الطرق السريعة في مصر (وزارة النقل المصرية)
الطرق السريعة في مصر (وزارة النقل المصرية)
TT

حوادث مرورية متكرّرة تفجع مصريين

الطرق السريعة في مصر (وزارة النقل المصرية)
الطرق السريعة في مصر (وزارة النقل المصرية)

شهدت مناطق متفرقة في مصر حوادث مرورية مفجعة، أخيراً؛ مما أثار تساؤلات حول أسباب تكرارها، في حين رأى خبراء أن «غالبية تلك الحوادث تقع نتيجة لأخطاء من العنصر البشري».

وشهدت مصر، الجمعة، حادثاً أُصيب خلاله نحو 52 شخصاً، إثر انقلاب حافلة (أتوبيس رحلات) على طريق «الجلالة - الزعفرانة» (شمال محافظة البحر الأحمر - جنوب مصر)، قبل توجهها إلى دير الأنبا أنطونيوس بالمحافظة.

وأعلنت وزارة الصحة المصرية «خروج جميع المصابين من المستشفى، بعد تحسّن حالاتهم»، وقالت في إفادة لها، الجمعة، إن «الحادث أسفر عن إصابة 52 راكباً؛ نُقل 31 منهم إلى مستشفى (رأس غارب) التخصصي، في حين تم إسعاف 21 مصاباً آخرين بموقع الحادث».

واحتجزت الأجهزة الأمنية سائق «الحافلة» المتسبّب في الحادث، في حين كلّفت السلطات القضائية لجنة فنية بفحص أسباب وقوع الحادث حول ما إذا كان عطلاً فنياً أم خطأ بشرياً نتيجة للقيادة الخاطئة، حسب وسائل إعلام محلية.

وأعاد انقلاب الحافلة بطريق «الجلالة - الزعفرانة» إلى الأذهان حادث انقلاب حافلة تابعة لجامعة «الجلالة الأهلية»، على الطريق السريع «الجلالة - العين السخنة»، في منتصف شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي؛ مما أدّى إلى وفاة 7 أشخاص، وإصابة نحو 25 آخرين.

وشهدت منطقة الشيخ زايد بمحافظة الجيزة (غرب القاهرة) حادث «دهس» سيارة، دراجةً نارية كان يستقلها عامل «دليفري» (التوصيل المنزلي)؛ مما أدى إلى مقتله.

كما شهدت محافظة الفيوم (جنوب القاهرة) حادث انقلاب سيارة نقل ركاب، الخميس، على الطريق الصحراوي السريع؛ مما أدى إلى إصابة 14 شخصاً.

وأظهرت التحريات الأولية للحادث أن السيارة تعرّضت للانقلاب، نتيجة السرعة الزائدة، وفقدان السائق السيطرة عليها.

وسجّلت إصابات حوادث الطرق في مصر ارتفاعاً بنسبة 27 في المائة، على أساس سنوي، بواقع 71016 إصابة عام 2023، في حين بلغ عدد المتوفين في حوادث الطرق خلال العام نفسه 5861 حالة وفاة، بنسبة انخفاض 24.5 في المائة، وفقاً للنشرة السنوية لنتائج حوادث السيارات والقطارات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، في شهر مايو (أيار) الماضي.

طريق الجلالة (وزارة النقل المصرية)

وباعتقاد رئيس الجمعية المصرية لرعايا ضحايا الطرق (منظمة مدنية)، سامي مختار، أن «نحو 80 في المائة من حوادث الطرق يحدّث نتيجة لأخطاء من العنصر البشري»، مشيراً إلى أن «تكرار الحوادث المرورية يستوجب مزيداً من الاهتمام من جهات حكومية؛ للحد من وقوعها، وتعزيز السلامة على الطرق».

ودعا مختار، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى «ضرورة تكثيف حملات التوعية بالسلامة المرورية، لجميع مستخدمي الطرق، من سائقي السيارات والركاب»، قائلاً إن حملات التوعية يجب أن تشمل «التعريف بقواعد وآداب السير على الطرق، وإجراءات السلامة، والكشف على تعاطي المخدرات للسائقين في أثناء السير»، ومشدداً على ضرورة «تكثيف حملات الرقابة بخصوص تعاطي المخدرات في أثناء القيادة».

ولقي حادث انقلاب حافلة طريق «الجلالة» تفاعلاً من رواد منصات التواصل الاجتماعي في مصر؛ حيث دعوا إلى «مراجعة الحالة الفنية للطريق، بعد تكرار حوادث انقلاب حافلات الركاب عليه».

بينما يستبعد أستاذ هندسة الطرق بجامعة عين شمس، حسن مهدي، فرضية أن يكون وقوع الحوادث بسبب الحالة الفنية للطريق، مرجعاً ذلك إلى «عدم تكرار الحوادث في مكان واحد على الطريق»، ومشيراً إلى أن «وقوع الحوادث المرورية في مناطق متفرقة يعني أن السبب قد يكون فنياً؛ بسبب (المركبة)، أو لخطأ بشري من السائق».

وأشار مهدي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى ضرورة «تطبيق منظومة النقل الذكي، للحد من الحوادث، خصوصاً على الطرق السريعة»، مضيفاً أن «التوسع في المراقبة الذكية لحركة السير سيقلّل من الأخطاء، ويُسهم في التزام السائقين بإجراءات السلامة في أثناء القيادة»، وموضحاً أن «مشروع قانون المرور الجديد، المعروض أمام البرلمان ينص على تطبيق هذه المنظومة بشكل موسع».

وتضع الحكومة المصرية «قانون المرور الجديد» ضمن أولوياتها في الأجندة التشريعية لدور الانعقاد الحالي للبرلمان، وناقش مجلس النواب، في شهر أكتوبر الماضي «بعض التعديلات على قانون المرور، تضمّنت عقوبات مغلظة على مخالفات السير، والقيادة دون ترخيص».