«الاستقرار» الليبية تزيد نفوذها جنوباً على حساب «الوحدة»

بمشاريع إعمار ومصالحة بين القبائل المتخاصمة

حماد وبلقاسم حفتر يلتقيان قيادات من كتيبة سبل السلام التابعة للقيادة العامة (حكومة حماد)
حماد وبلقاسم حفتر يلتقيان قيادات من كتيبة سبل السلام التابعة للقيادة العامة (حكومة حماد)
TT

«الاستقرار» الليبية تزيد نفوذها جنوباً على حساب «الوحدة»

حماد وبلقاسم حفتر يلتقيان قيادات من كتيبة سبل السلام التابعة للقيادة العامة (حكومة حماد)
حماد وبلقاسم حفتر يلتقيان قيادات من كتيبة سبل السلام التابعة للقيادة العامة (حكومة حماد)

مدّدت الحكومة الليبية، المكلفة من مجلس النواب، نفوذها إلى مناطق جديدة بجنوب البلاد، على خلفية انقسام حاد يعيشه البلد الغني بالنفط، فيما تُعد هذه التحركات انتقاصاً من رصد غريمتها «الوحدة» المسيطرة على العاصمة طرابلس.

وخلال اليومين الماضيين، ترأس أسامة حمّاد، رئيس الحكومة، وفداً في جولات ميدانية كثيرة بمدينة الكفرة، ومناطق بجنوب شرقي ليبيا، التقى خلالها مكونات عسكرية واجتماعية، وتفقد مشاريع إعمار، من بينها جامعة بنغازي (فرع الكفرة)، بالإضافة إلى متابعة سير العمل بمستشفى الشهيد عطية الكاسح التعليمي بالمدينة.

وضمّ الوفد المدير العام لـ«صندوق التنمية والإعمار» بلقاسم حفتر، ورئيس لجنة «إعادة الإعمار والاستقرار» حاتم العريبي، بالإضافة إلى وزير الدفاع بالحكومة أحميد حومة، ووكيل وزارة الحكم المحلي أبو بكر الزوي، وعضو مجلس النواب عن الكفرة سعيد أمغيب، وكذا عميد بلدية الكفرة عبد الرحمن عقوب.

حماد وبلقاسم حفتر في جولة بمدينة الكفرة جنوب شرقي ليبيا (حكومة حماد)

وعدّ مصدر بحكومة حماد هذه التحركات «اختراقاً جديداً يسجل لها» في مواجهة ما وصفه «انحسار» غريمتها «الوحدة» في طرابلس، ورأى لـ«الشرق الأوسط» أن السلطات في بنغازي «تزيد من بسط سيطرتها على الأراضي الليبية كل يوم، مدعومة بنفوذ الجيش».

وشملت جولة الوفد مناطق الواحات ولقاء عمداء وأعيان ومشايخ ورؤساء الأجهزة المختلفة ببلديات جالو، وأوجلة، وأجخرة. وقال المكتب الإعلامي للحكومة، الخميس، إن حماد تابع سير مشاريع الإعمار، المتمثلة في صيانة وتوسعة مباني كليات الجامعة، إلى جانب حصر المشاريع المتوقفة منذ عقود، واطلع على المشكلات والعراقيل «من أجل حلحلتها». مشيراً إلى أن رئيس الحكومة استمع أيضاً لرئيس وأساتذة الجامعة وطلابها، الذين نقلوا «معاناتهم من نقص القاعات الدراسية والمعامل والمرافق التعليمية»، لكن الأول «أكد تقديم حكومته الدعم اللازم للصروح العلمية، بما يسهم في رقي البلد وتحصين شبابها، ومشاركتهم في إعادة بناء الدولة المنشودة لكل الليبيين».

وكان حماد اطّلع على سير عمل شركة الخدمات العامة بمدينة الكفرة رفقة بلقاسم حفتر، كما استمع إلى «المشكلات والعراقيل كافة التي تعاني منها الشركة، وعلى جاهزية الشركة وآلياتها، وذلك لحلحلتها فوراً بغية تقديم الخدمات بشكل يليق بالمواطن الكريم وخدمةً له».

وزادت حكومة حمّاد مؤخراً من جهودها في مواجهة غريمتها لجهة تفعيل المصالحة الوطنية، وقالت إن حماد وبلقاسم «قادا جهود المصالحة خلال لقاء مع أهالي قبائل (التبو) و(أزوية) في الكفرة لتحقيق الاستقرار والتوافق المجتمعي».

كما أشارت الحكومة إلى أن رئيس الحكومة ومسؤولي الإعمار زاروا مقر «كتيبة سبل السلام» التابعة لرئاسة أركان القوات البرية بالقيادة العامة للقوات المسلحة، وعقدوا لقاء مع آمرها عبد الرحمن هاشم بمدينة الكفرة، الذي ثمّن فيها جهود الحكومة الليبية في الكفرة ومدن الجنوب الشرقي.

حماد وبلقاسم حفتر في جولة بمدينة الكفرة جنوب شرقي ليبيا (حكومة حماد)

من جانبه، أشاد حماد بجهود الكتيبة «في بسط الاستقرار وتأمين حدود البلاد الجنوبية الشرقية مع دول الجوار، من المخاطر كافة وحماية المدينة ومرافقها، بالتعاون مع الأجهزة الأمنية»، وتحدث عن «الجهود المبذولة من قبل القيادة العامة، وكتيبة سبل السلام والوحدات العسكرية في توفير المساعدات الغذائية والصحية للإخوة الأشقاء النازحين من دولة السودان، وتأمينهم وتوفير متطلباتهم».

في سياق قريب، قالت حكومة حمّاد، الخميس، إن وزير الخارجية والتعاون الدولي المفوض، عبد الهادي الحويج، بحث مع مدير إدارة المنظمات الدولية بالوزارة، فرج الحاسي، آلية منح أذونات العمل للمنظمات الدولية الأجنبية تنفيذاً لقرار سابق للوزير. وأوضحت الوزارة أن الاجتماع خلُص إلى إطلاق منصة إلكترونية لطلب الإذن وتسهيل إجراءات التقديم والفرز.


مقالات ذات صلة

ليبيا: «الرئاسي» يصعّد ضد «النواب» بشأن «المصالحة الوطنية»

شمال افريقيا المجلس الرئاسي الليبي في لقاء سابق (المجلس الرئاسي)

ليبيا: «الرئاسي» يصعّد ضد «النواب» بشأن «المصالحة الوطنية»

طالب المجلس الرئاسي الليبي البرلمان بتجنب «القرارات الأحادية» التي قال إنها «تقوض الشراكة الوطنية وتؤثر سلباً على أمن واستقرار البلاد».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا اجتماع الدبيبة مع سفير تركيا وملحقها العسكري (حكومة الوحدة)

ليبيا: مطالب بالتحقيق مع الدبيبة والمنقوش بسبب «لقاء كوهين»

وصول آليات عسكرية مفاجئة إلى طرابلس وقوات «الوحدة» تعزز مواقعها في الزاوية

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا جل الليبيين عبّروا عن مخاوفهم من عودة الاقتتال إلى البلد (أ.ف.ب)

ليبيون يتخوفون من احتمال انهيار «اتفاق وقف النار» بين الحكومتين المتنازعتين

عوامل عديدة دفعت الليبيين خلال الأيام القليلة الماضية للقلق والخوف من احتمالية من عودة الاقتتال بين السلطتين المتنازعتين على السلطة في شرق البلاد وغربها.

جاكلين زاهر (القاهرة )
تحليل إخباري وصول نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف إلى مطار بنينا العام الماضي (الجيش الوطني)

تحليل إخباري بعد سقوط الأسد... روسيا تركّز على ليبيا لتحقيق طموحاتها الأفريقية

أدى سقوط بشار الأسد في سوريا إلى عرقلة مشاريع روسيا في أفريقيا، وأرغمها على البحث عن نقطة إسناد بديلة بحوض البحر الأبيض المتوسط، متطلعة في هذا السياق إلى ليبيا.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شمال افريقيا من عملية إنقاذ سابقة لمهاجرين غير نظاميين بغرب ليبيا (جهاز مكافحة الهجرة)

تعذيب «مهاجرين» طلباً للفدية يذكّر مجدداً بـ«تجارة الرقيق» في ليبيا

يتداول حقوقيون ليبيون صوراً ومقاطع فيديو تظهر أشخاصاً من ذوي البشرة السمراء يتعرضون للضرب بخراطيم وأعواد خشبية وآخرين على أجسادهم آثار تعذيب.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

مصر تعوّل على الدعم الأوروبي لتعويض تكلفة استضافة اللاجئين

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا في القاهرة (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا في القاهرة (الرئاسة المصرية)
TT

مصر تعوّل على الدعم الأوروبي لتعويض تكلفة استضافة اللاجئين

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا في القاهرة (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا في القاهرة (الرئاسة المصرية)

تعوّل الحكومة المصرية على تعزيز الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وتعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والاستثمارية، لتعويض فاتورة استضافة ملايين اللاجئين على أراضيها، إلى جانب تكلفة التوترات التي تشهدها المنطقة، خصوصاً التصعيد في البحر الأحمر، وتأثيره على تراجع إيرادات قناة السويس.

ووصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بلاده بـ«خط الدفاع الأول عن أوروبا، لمنع الهجرة غير الشرعية»، خلال استقباله، الخميس، في القاهرة، رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا، مؤكداً أهمية «مواصلة التعاون مع أوروبا في قضايا الهجرة ومكافحة الإرهاب»، حسب «الرئاسة المصرية».

الموقف ذاته أكده السيسي، أيضاً في اتصال هاتفي مع رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، الخميس، مشيراً إلى أن بلاده «تستضيف أكثر من 9 ملايين أجنبي، نتيجة الأزمات التي تشهدها المنطقة».

ويرى خبراء مصريون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أن «استضافة القاهرة ملايين اللاجئين وفَّرت حماية لأوروبا من الهجرة غير الشرعية، مما يستلزم ضرورة توفير دعم مناسب للحكومة المصرية، في ضوء الأعباء التي تمثلها استضافة أعداد كبيرة من المهاجرين، على الاقتصاد المصري».

وسبق أن قدّر رئيس الوزراء المصري تكلفة استضافة الأجانب في مصر، بنحو 10 مليارات دولار سنوياً.

ووفق بيان الرئاسة المصرية، فإن السيسي خلال لقائه ميتسولا، أكد «ضرورة دعم الجهود الحثيثة التي تبذلها بلاده لمنع الهجرة غير الشرعية».

كما أشار إلى آثار التوترات التي تشهدها المنطقة على الاقتصاد المصري، وقال إن «بلاده تكبَّدت خسارة، تُقدر بنحو 7 مليارات دولار، من إيرادات قناة السويس، في عام 2024، بسبب الهجمات التي قام بها الحوثيون على السفن التجارية، في باب المندب»، كما تناول «آليات تفعيل الشراكة الاستراتيجية والشاملة مع الاتحاد الأوروبي، في محاورها كافة».

وفي مارس (آذار) الماضي، توافقت مصر والاتحاد الأوروبي على ترفيع العلاقات إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية الشاملة»، ووقّع الجانبان في ختام قمة عُقدت بالقاهرة شارك فيها السيسي، ورئيسة المفوضية الأوروبية، ورؤساء دول وحكومات قبرص وإيطاليا والنمسا واليونان، «إعلاناً مشتركاً» بشأن شراكة استراتيجية شاملة.

وثمَّنت رئيسة البرلمان الأوروبي الدور المصري في حماية استقرار وأمن المنطقة وشعوبها، كما أكدت «حرص الاتحاد الأوروبي على تعزيز التنسيق المستمر مع مصر، في جميع القضايا»، وفق الرئاسة المصرية.

ويقدم الاتحاد الأوروبي حزمة تمويل لمصر، في صورة مساعدات مالية، وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، مطلع يناير (كانون الثاني) الحالي، إن بلاده «تلقَّت شريحة أولى قيمتها مليار يورو، من حزمة تمويل، من الاتحاد الأوروبي، حجمها 7.4 مليار يورو».

ويرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير جمال بيومي، أن «الجانب الأوروبي يقدم مساعدات للقاهرة في صورة منح وليست قروضاً، تقديراً للسياسة المصرية تجاه المهاجرين واللاجئين»، وقال إن «مصر تستضيف ملايين اللاجئين، ولم تكن معبراً لنقل المهاجرين إلى أوروبا، كما فعلت بعض الدول الإقليمية»، عاداً ذلك «محل تقدير أوروبي».

ووفق الحكومة المصرية فإنه «لم تبحر من مصر أي مراكب غير شرعية منذ عام 2016، بفضل إجراءات حاسمة، تقوم بها، لمواجهة الهجرة غير المشروعة».

وأشار بيومي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «الاتحاد الأوروبي يقدم تسهيلات كثيرة للحكومة المصرية، غير المنح، من بينها سياسة مبادلة الديون باستثمارات مباشرة»، إلى جانب «تعزيز التبادل التجاري، والتوسع في استثمارات الطاقة والغاز»، وقال إن «مصر تستهدف أن تكون مصدراً أساسياً للطاقة في أوروبا».

ويرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، إكرام بدر الدين، أن «مصر تقوم بدور مزدوج في ملف المهاجرين واللاجئين»، وقال إن «استضافة القاهرة ملايين الفارين من الصراعات والنزاعات في المنطقة، يوفر ملاذاً آمناً لهم، ويوفر الحماية لأوروبا في الوقت نفسه، أمام أعداد كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين»، وإن «استمرار الدعم الأوروبي لمصر ضروري لتحقيق المصالح الأوروبية».

ويتوقف بدر الدين، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، مع التقارب السياسي بين مصر والاتحاد الأوروبي تجاه معظم التطورات الإقليمية، مشيراً إلى أن «هناك مصلحة مصرية وأوروبية مشتركة للتهدئة في البحر الأحمر، وتأمين حركة الملاحة».

وخلال لقائه رئيسة البرلمان الأوروبي، ناقش السيسي جهود وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وضرورة تطبيق «حل الدولتين»، بوصف ذلك خياراً وحيداً لتحقيق السلام المستدام في المنطقة، إلى جانب الأوضاع في ليبيا والسودان والصومال، وضرورة الحفاظ على وحدة تلك الدول وأمنها.