المعارضة التونسية تتظاهر للتضامن مع المعتقلين في قضية «التآمر»

الرئيس سعيّد أكد عزم بلاده على مواجهة التحديات وتفكيك شبكات الإجرام

الرئيس التونسي خلال الاحتفال بالذكرى الـ68 لعيد قوات الأمن الداخلي بحضور أعضاء من الحكومة (موقع الرئاسة)
الرئيس التونسي خلال الاحتفال بالذكرى الـ68 لعيد قوات الأمن الداخلي بحضور أعضاء من الحكومة (موقع الرئاسة)
TT

المعارضة التونسية تتظاهر للتضامن مع المعتقلين في قضية «التآمر»

الرئيس التونسي خلال الاحتفال بالذكرى الـ68 لعيد قوات الأمن الداخلي بحضور أعضاء من الحكومة (موقع الرئاسة)
الرئيس التونسي خلال الاحتفال بالذكرى الـ68 لعيد قوات الأمن الداخلي بحضور أعضاء من الحكومة (موقع الرئاسة)

نظمت ثمانية أحزاب تونسية معارضة، اليوم (الخميس)، وقفة احتجاجية أمام مقر المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة للمطالبة بإطلاق المعتقلين السياسيين، المتهمين في ملف «التآمر ضد أمن الدولة»، وذلك بعد مرور 14شهراً على اعتقالهم دون محاكتهم.

وشارك في هذه الوقفة ممثلون عن أحزاب «التيار الديمقراطي» و«العمال» و«الجمهوري»، و«آفاق تونس» و«القطب»، إضافة إلى «المسار الديمقراطي الاجتماعي»، و«التكتل الديمقراطي» و«الحزب الاشتراكي»، و ائتلاف «صمود»، رافعين شعارات تضامنية مع القيادات السياسية المعتقلة، وطالبوا بإطلاق سراحهم فوراً، وعدّ احتجازهم غير قانوني، خاصة بعد انتهاء فترة اعتقالهم التحفظي، المقدرة في القانون التونسي بـ14شهراً كحد أقصى، وإبقائهم في السجن دون الاستماع إليهم، وتقديم الحجج المؤيدة لتهمة «التآمر على أمن الدولة».

من مظاهرة سابقة نظّمها صحافيون للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين في ملف التآمر على أمن تونس (إ.ب.أ)

وتطالب هذه الأحزاب، وغيرها من أطياف المعارضة، التي تضم أيضاً «جبهة الخلاص الوطني» المدعومة من حركة النهضة، بتنقية المناخ السياسي، وإطلاق سراح الموقوفين، وتمكينهم من حقوقهم المدنية والسياسية قبل الانخراط الفعلي في مسار الانتخابات الرئاسية، المقررة نهاية السنة الحالية. وترى أن الإبقاء على المعتقلين السياسيين في قضية التآمر من أسباب التوتر الحاصل في المشهد السياسي التونسي الحالي.

ويأتي هذا التحرك الاحتجاجي بمناسبة عقد جلسة قضائية، اليوم، بمحكمة الاستئناف بالعاصمة للنظر في قضية «التآمر». وكانت هيئة الدفاع عن السياسيين الموقوفين في هذه القضية قررت في مؤتمر صحافي، أمس (الأربعاء)، مقاطعة جلسة المحاكمة. ورأت أن الوكيل العام للمحكمة برمج هذه الجلسة لتكون «نقطة النهاية لمسار تحقيقي غير قانوني».

وفي هذا السياق، أكدت المحامية دليلة مصدق، عضو هيئة الدفاع عن المعتقلين، أن الملف عرف «خروقاً ومخالفات لقانون الإجراءات الجزائية»، وهو ما نفته حنان قداس، المتحدثة بالقطب القضائي التونسي لمكافحة الإرهاب. ورأت أن ما يتم تداوله في وسائل الإعلام التونسية بخصوص هذا الملف «معطيات غير دقيقة».

من جهتها، قالت «الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان»، إن الملاحقة القضائية للموقوفين في قضية «التآمر على أمن الدولة» تشهد «انحرافاً بالقانون»، و«تعسفاً» في الإجراءات. وانتقدت قرار قاضي التحقيق ختم التحقيقات ضد الموقوفين من المعارضة السياسية الأسبوع الحالي، في وقت شارفت فيه فترة الإيقاف التحفظي لهم على الانتهاء. وقالت المنظمة إن «قرار القاضي هو محاولة لتفادي المدة القصوى». مشيرة إلى أن الانحراف بالقانون «ينسف أبسط شروط الحق في محاكمة عادلة». كما انتقدت المنظمة في بيان لها «تصعيداً غير مسبوق في انتهاك السلطة التنفيذية لاستقلالية القضاة والقضاء».

نخبة من قوات الأمن تؤدي التحية للرئيس التونسي (موقع الرئاسة)

ويتهم الرئيس قيس سعيّد، الذي أطاح النظام السياسي في 2021، قيادات من المعارضة بالتآمر على الدولة والارتباط بالخارج. بينما تقول المعارضة التي تتهم سعيّد بنسف الانتقال الديمقراطي في البلاد، إن الاتهامات «ملفقة ولا تتضمن أي إثباتات قانونية».

في غضون ذلك، قال الرئيس سعيّد لدى إشرافه اليوم على موكب الاحتفال بالذكرى الـ68 لعيد قوات الأمن الداخلي، إن تونس «تواجه تحديات مصيرية، لكن مصيرنا بأيدينا، ونحن عازمون على رفع التحديات بناءً على قدراتنا الذاتية»، موضحاً أن من الأولويات المطروحة حالياً «تفكيك كل الشبكات الإجرامية وشبكات الإرهاب وترويج المخدرات، والاتجار بالبشر، وتوجيه المهاجرين غير النظاميين إلى تونس»، ومؤكداً مجدداً أن تونس «لن تقبل بأن تكون موطناً ولا مقراً، ولا معبراً ولا ممراً للذين يتوافدون عليها خارج أي إطار قانوني».

صورة من أجواء الاحتفال داخل قصر قرطاج (موقع الرئاسة)

وفي تفاعل مع الساحة السياسية، وإثر مطالبته قبل أيام بضرورة توفير محاكمة عادلة للمتهمين بالتآمر ضد أمن تونس، أقرّ سعيّد أنه لا عودة إلى الوراء، قائلاً إن «الأقنعة سقطت، وأوراق التوت التي يعتقد من وضعها أنها ستخفي سوءاته يبست وتكسرت، ومن يحلم بالعودة إلى الوراء فليعش أضغاث أحلامه وحده، أو في أحضان من زيّن له هذه الأضغاث؛ لأن الشعب التونسي حسم أمره منذ 17 من ديسمبر (كانون الأول) 2020...ولا رجوع إلى الوراء».



ود مدني... سيناريوهات متطابقة في الحرب السودانية

قائد الجيش عبدالفتاح البرهان خلال زيارة لجنوده في منطقة البطانة (صفحة الجيش على «فيسبوك»)
قائد الجيش عبدالفتاح البرهان خلال زيارة لجنوده في منطقة البطانة (صفحة الجيش على «فيسبوك»)
TT

ود مدني... سيناريوهات متطابقة في الحرب السودانية

قائد الجيش عبدالفتاح البرهان خلال زيارة لجنوده في منطقة البطانة (صفحة الجيش على «فيسبوك»)
قائد الجيش عبدالفتاح البرهان خلال زيارة لجنوده في منطقة البطانة (صفحة الجيش على «فيسبوك»)

دخل الجيش السوداني مدينة ود مدني الاستراتيجية بوسط البلاد في 11 يناير (كانون الثاني) الجاري، بعد أن كانت «قوات الدعم السريع» قد انسحبت منها. وكانت «قوات الدعم السريع» قد استولت على المدينة نفسها قبل نحو عام في 18 ديسمبر (كانون الأول) 2023، بعد أن كان الجيش قد انسحب منها أيضاً، في سيناريو مشابه لما حدث يوم السبت الماضي. أما المفارقة في المشهدين هي أن القائد العسكري الذي قاد دخول المدينة العام الماضي على رأس «قوات الدعم السريع» حين كان أحد قادتها، هو نفسه الذي دخلها قبل يومين على رأس قوات الجيش، بعد أن انسلخ عن «الدعم السريع» وانضم إلى الجيش. هذا الضابط هو أبو عاقلة كيكل قائد فصيل مسلح يدعى «درع السودان».

في 8 يناير الجاري، بدأ هجوم الجيش على مدينة ود مدني عبر عملية عسكرية كبيرة شنها الجيش بالتعاون مع حركات مسلحة حليفة له. وتقدمت القوات المهاجمة باتجاه المدينة من عدة محاور، هي محور «ميجر 5» ومحور «الخياري» من جهة الشرق عند مدينة الفاو في ولاية القضارف، ومحور مدينة «المناقل» الذي تحرك أيضاً من جهتين، ومحور «ود الحداد» في غرب ولاية الجزيرة، وهي قوات قادمة من ولاية سنار المجاورة.

معارك تكتيكية

عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

واستطاع الجيش والقوات المتحالفة معه بقيادة فصيل «درع السودان»، تحقيق انتصارات تكتيكية في جهات الشرق والغرب والجنوب، حيث أزال الجيش خلالها تجمعات «قوات الدعم السريع» في عدد من البلدات الصغيرة والقرى في تلك المناطق، لكنه لم يجد مقاومة كبيرة كان يتوقعها. ثم توالت انسحابات «قوات الدعم السريع» شمالاً، ما عدا عمليات محدودة في جهتي سنار والمناقل ومعارك كر وفر في بلدات أم القرى، وود المهيدي، والشبارقة على تخوم مدينة ود مدني عاصمة إقليم ولاية الجزيرة.

وخاض الجيش معارك تكتيكية ضد «قوات الدعم السريع» استمرت ثلاثة أيام، وبعدها مباشرة دخل مدينة ود مدني بـ«سهولة مدهشة» وفق وصف شهود. كما عبرت قوات الجيش جسر «حنتوب» دون مقاومة تذكر، ولم تجد مقاومة في داخل المدينة أيضاً، ثم ظهر قائد «درع السودان» أبو عاقلة كيكل ليعلن للناس «تحرير» ود مدني، في وقت تلاشت فيه «قوات الدعم السريع» التي كانت تتمركز بكثافة في المدينة.

وشبّه الكثيرون سيناريو استعادة ود مدني بسيناريو استيلاء «الدعم السريع» عليها قبل نحو عام، إذ خاضت حينها «قوات الدعم السريع» القادمة من جهة الخرطوم، طوال ثلاثة أيام معارك على أطراف عند منطقة حنتوب، ثم انفتح الطريق الوحيد أمامها إلى داخل المدينة عبر جسر «حنتوب» فعبرته من دون مقاومة تذكر، وحين وصلت مقر قيادة «الفرقة الأولى مشاة» التابعة للجيش في وسط المدينة، وجدته خالياً فسيطرت عليه من دون قتال، وهو ما تكرر قبل يومين عندما عاد الجيش للمقر العسكري ذاته، أيضاً من دون قتال.

دور «درع السودان»

أرشيفية للقائد المنشق أبو عاقلة كيكل (الثالث من اليسار) مع «الدعم السريع» قبل انضمامه للجيش (مواقع التواصل)

ويرجع محللون «كلمة السر» في تطابق أحداث ود مدني وتبادل السيطرة عليها، إلى دور قائد قوات «درع السودان» أبو عاقلة كيكل، وهو ضابط متقاعد من الجيش برتبة رائد؛ إذ إن الرجل قاد السيطرة على المدينة في المرتين، الأولى حين كان مع «قوات الدعم السريع» وهزم الجيش، والثانية عندما كان مع الجيش وهزم «قوات الدعم السريع».

ونشأت قوات «درع السودان» في ديسمبر (كانون الأول) 2022، تحت أعين قيادة الجيش في منطقة سهل البطانة بولاية الجزيرة، بوصفها رد فعل لاتفاقية «سلام جوبا» التي مثلت صُلحاً بين الحكومة المركزية وحركات مسلحة من غرب السودان بشكل أساسي. وكان الغرض من نشأة «درع السودان»، وفق ما ذكر مؤسسها كيكل وقتها، هو إعادة التوازن مع الحركات المسلحة الموقعة على «سلام جوبا».

وفي أغسطس (آب) 2023، أي بعد اشتعال الحرب بأربعة أشهر، فاجأ كيكل الجميع وأعلن انحيازه إلى «قوات الدعم السريع» بدافع «مناصرة قضايا الهامش ومحاربة الإسلاميين»، فسارعت «قوات الدعم السريع» بمنح كيكل رتبة لواء. وظهر كيكل في مدينة ود مدني 18 ديسمبر معلناً «تحريرها» من سيطرة الجيش وتسليمها لـ«قوات الدعم السريع»، بعد أن لعبت قواته دوراً رئيسياً في السيطرة على المدينة الاستراتيجية؛ لكونه يعرف جغرافيا المنطقة جيداً. ثم حقق كيكل مفاجأة أخرى بإعلانه في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي الانسلاخ مرة أخرى بكامل قواته عن «الدعم السريع» والانحياز للجيش، وقاتل إلى جانبه حتى استرداد المدينة يوم السبت 11 يناير الحالي.

«الدخول من باب الخروج»

سودانيون يحتفلون في بورتسودان بسيطرة الجيش على مدينة ودمدني عاصمة ولاية الجزيرة (أ.ف.ب)

وشبه المحلل السياسي محمد لطيف أحداث ود مدني بأحداث رواية «الدخول من باب الخروج»، حيث تبادل الجيش و«الدعم السريع» دخول المدينة والانسحاب منها بسرعة مفاجئة في المرتين. واعتبر لطيف ظهور كيكل في الحالتين تأكيداً للتطابق بين عمليتي الدخول والخروج، قائلاً: «كيكل قبل أكثر من عام، ظهر في مقر الفرقة الأولى معلناً الاستيلاء على المدينة، ثم ظهر مرة أخرى الآن في المقر نفسه معلناً استعادة ود مدني للجيش».

واستبعد لطيف حدوث تسوية بين الجانبين المتحاربين، في ظل تردد أحاديث عن تحسن موقف الجيش التفاوضي، وقال إن اعتراف قائد «قوات الدعم السريع» الفريق محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي» بالهزيمة في ود مدني وتعهده باستمرار الحرب، يقطع الطريق أمام احتمالات التفاوض مع الجيش. وأضاف لطيف أن استعادة الجيش لمدينة ود مدني تعد «أكبر انتصار يحققه الجيش منذ بداية الحرب، وتعيد التوازن المعنوي والعسكري، وربما تجعله أكثر استعداداً للتفاوض مع الطرف الآخر لإنهاء الحرب».