الرئيس التونسي يطالب بـ«محاكمة عادلة» للمتهمين بالتآمر ضد أمن الدولة

بينما هيئة الدفاع عن الموقوفين تدعو إلى «الإفراج الوجوبي» عنهم

الرئيس سعيّد خلال إشرافه على اجتماع مجلس الأمن القومي (موقع الرئاسة)
الرئيس سعيّد خلال إشرافه على اجتماع مجلس الأمن القومي (موقع الرئاسة)
TT

الرئيس التونسي يطالب بـ«محاكمة عادلة» للمتهمين بالتآمر ضد أمن الدولة

الرئيس سعيّد خلال إشرافه على اجتماع مجلس الأمن القومي (موقع الرئاسة)
الرئيس سعيّد خلال إشرافه على اجتماع مجلس الأمن القومي (موقع الرئاسة)

دعا الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى «محاكمة قضائية عادلة» للموقوفين فيما يُعرف بقضية «التآمر على أمن الدولة»، وذلك بعد اقتراب موعد انتهاء التوقيف التحفظي الذي يدوم وفق القانون التونسي 14 شهراً.

وقال سعيّد خلال إشرافه مساء أمس (الاثنين) على اجتماع مجلس الأمن القومي إنه «بالنسبة لعدد من الأشخاص الذين تآمروا على أمن الدولة، وما زال هناك عدد آخر ممن يتآمرون على أمن الدولة، فقد آن الأوان لتتم محاكمتهم محاكمة عادلة»، وهو ما عُدّ بحسب مراقبين رداً مباشراً على تنبيه أحزاب سياسية ومنظمات حقوقية عدة إلى أن المتهمين بـ«التآمر» سيصبحون في وضعية احتجاز تعسفي بداية من الجمعة المقبل.

غازي الشواشي أحد المتهمين في ملف التآمر على أمن الدولة (رويترز)

وأكد الرئيس سعيّد على احترام الإجراءات القانونية في هذه القضية، وأوضح أن التمطيط فيها يجعل هؤلاء «يتآمرون حتى من وراء القضبان مرة أخرى على أمن الدولة»، وقال إن تونس تعيش هذه الأيام على وقع مجموعة من الظواهر غير الطبيعية، على غرار تبادل العنف بالأسلحة البيضاء، وخروج أطفال في المساء لإحراق العجلات ورشق الحجارة بهدف تأجيج الأوضاع في البلاد. وقال إنه «لا يمكن أن تكون هذه الأوضاع من قبيل الصدفة»، داعياً إلى معالجتها وسيطرة الدولة على جميع مرافقها.

كما كشف الرئيس سعيّد عن تدفق أموال بالمليارات من الخارج لفائدة «المتآمرين» على أمن الدولة، مؤكداً أنهم يتلقونها عن طريق الجمعيات الخيرية. وقال بهذا الخصوص إن جمعية تونسية تمتلك ثلاثة حسابات بنكية جارية، واستفادت من 780 ألف دينار تونسي (نحو 260 ألف دولار) تم إيداعها ببنك تونسي، إضافة إلى استلامها وديعة مالية بقيمة مليون دينار تونسي (نحو 333 ألف دولار)، وطالب لجنة التحاليل المالية التابعة للبنك المركزي التونسي بالتحري لمعرفة مصادرها.

في المقابل، كشفت هيئة الدفاع عن السياسيين المعتقلين في قضية التآمر خلال مؤتمر صحافي، عقد اليوم (الثلاثاء) بتونس العاصمة، عن توجيه تهمة «تكوين وفاق إرهابي، والتبرّع بأموال لفائدة تنظيم إرهابي، وتغيير هيئة الدولة، وعدم الإشعار بجرائم إرهابية، والتآمر على أمن الدولة وارتكاب أمر موحش في حقّ رئيس الدولة»، وذلك في قرار قضائي صدر أمس.

علي العريض من بين الموقوفين في ملف «التآمر» (إ.ب.أ)

وأوضحت المحامية دليلة مصدق، عضوة هيئة الدفاع عن المعتقلين، أنّه تمّ توجيه تهمة «الانضمام إلى وفاق إرهابي، وعدم الإشعار بجريمة إرهابية، والتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي وارتكاب أمر موحش في حقّ رئيس الجمهورية»، في حق غازي الشواشي وجوهر بن مبارك.

أمّا بالنسبة لعصام الشابي وعبد الحميد الجلاصي ورضا بالحاج، فقد وُجّهت إليهم تهمة «الانضمام إلى وفاق إرهابي، وعدم الإشعار بجرائم إرهابية والتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي». وأشارت مصدق إلى توجيه 17 تهمة إلى جميع المحالَين في قضية التآمر بحال فرار. كما أوضحت مصدق أنّه تمّ إعلام جميع الموقوفين على ذمة القضية بأنّهم سيمثلون أمام قاضي التحقيق، أمس (الاثنين)، غير أنهم رفضوا المثول.

يذكر أن السلطات التونسية اعتقلت مجموعة من القيادات السياسية والمحامين والإعلاميين في فبراير (شباط) 2023 بتهمة «التآمر ضد أمن الدولة»، وتؤكد هيئة الدفاع عنهم أن المتهمين بقوا دون محاكمة لمدة تقارب الـ14شهراً، ودون تهم واضحة للكثير منهم، ودون التحقيق معهم.

وتضم قائمة المتهمين بـ«التآمر ضد امن تونس» غازي الشواشي، وخيام التركي، وعصام الشابي وجوهر بن مبارك، وعبد الحميد الجلاصي ورضا بالحاج، غير أن أعداد المعتقلين تتجاوز هذا العدد بكثير، وتشمل قيادات الصف في حركة النهضة، وأبرزهم راشد الغنوشي، وعلي العريض، ونور الدين البحيري، وعبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر المعتقلة بدورها منذ الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

عبير موسي من بين المعتقلين في ملف «التآمر» (موقع الحزب)

هيئة الدفاع عن الموقوفين من المعارضة في تونس تطالب بـ«الإفراج الوجوبي» عنهم

وطالبت هيئة الدفاع عن الموقوفين من المعارضة السياسية للرئيس سعيّد، بالإفراج الوجوبي عنهم مع استكمال التحقيقات القضائية ضدهم. واتهمت السلطات القضائية بانتهاك الإجراءات القانونية.



لائحة الخلافات بين الجزائر وفرنسا في اتساع متزايد

من لقاء سابق بين الرئيسين الفرنسي والجزائري (الرئاسة الفرنسية)
من لقاء سابق بين الرئيسين الفرنسي والجزائري (الرئاسة الفرنسية)
TT

لائحة الخلافات بين الجزائر وفرنسا في اتساع متزايد

من لقاء سابق بين الرئيسين الفرنسي والجزائري (الرئاسة الفرنسية)
من لقاء سابق بين الرئيسين الفرنسي والجزائري (الرئاسة الفرنسية)

عمَّق اعتقال الكاتب الفرنسي الجزائري، بوعلام صنصال، من الفجوة في العلاقات بين الجزائر وباريس، إلى حد يصعب معه توقع تقليصها في وقت قريب، حسب تقدير مراقبين.

ومنذ السبت 16 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، يوجد الكاتب السبعيني في مقار الأمن الجزائري، حيث يجري استجوابه حول تصريحات صحافية أطلقها في فرنسا، حملت شبهة «تحقير الوطن»، على أساس مزاعم بأن «أجزاء كبيرة من غرب الجزائر تعود إلى المغرب»، وأن قادة الاستعمار الفرنسي «كانوا سبباً في اقتطاعها مرتكبين بذلك حماقة». كما قال إن «بوليساريو» التي تطالب باستقلال الصحراء عن المغرب، «من صنع الجزائر لضرب استقرار المغرب».

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (متداولة)

وكان يمكن أن تمر «قضية صنصال» من دون أن تسهم في مزيد من التصعيد مع فرنسا، لولا ما نسبته وسائل إعلام باريسية للرئيس إيمانويل ماكرون، بأنه «قلق» من اعتقال مؤلف رواية «قرية الألماني» الشهيرة (2008)، وبأنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه.

وهاجمت الصحافة الجزائرية الصادرة الأحد، في معظمها، الطيف السياسي الفرنسي، بسبب «تعاطف اليمين المتطرف واللوبي الصهيوني»، مع الكاتب، قياساً إلى قربه من هذه الأوساط منذ سنين طويلة، وقد أكد ذلك بنفسه، بموقفه المؤيد للعدوان الإسرائيلي على غزة، منذ «طوفان الأقصى» (7 أكتوبر/تشرين الأول 2023)، فضلاً عن معارضته مطلب سلطات بلده الأصلي، الجزائر، «باعتراف فرنسا بجرائمها خلال فترة الاستعمار» (1830- 1962).

وتزامنت «أزمة صنصال» مع أزمة كاتب فرنسي جزائري آخر، هو كمال داوود، الفائز منذ أسابيع قليلة بجائزة «غونكور» المرموقة عن روايته «حور العين». وفجَّر هذا العمل الأدبي غضباً في الجزائر، بحجة أنه «انتهك محظور العشرية السوداء»؛ بسبب تناول الرواية قصة فتاة تعرضت للذبح على أيدي متطرفين مسلحين. علماً أن جزائرية أعلنت، الخميس الماضي، عن رفع دعوى قضائية ضد كمال داوود بتهمة «سرقة قصتها» التي أسقطها، حسبها، على الشخصية المحورية في الرواية.

كما يلام داوود الذي عاش في الجزائر حتى سنة 2021، على «إفراطه في ممارسة جلد الذات إرضاءً للفرنسيين»، خصوصاً أنه لا يتردد في مهاجمة الجزائريين بسبب «العنف المستشري فيهم». ولامس داوود التيار العنصري والتيارات الدينية في فرنسا، بخصوص الحرب في غزة. وصرح للصحافة مراراً: «لا أنتمي إلى جيل الثورة، وعلى هذا الأساس لست معنياً بمسألة تجريم الاستعمار والتوبة عن ممارساته».

ويرى قطاع من الجزائريين أن فرنسا منحت داوود جنسيتها (عام 2020 بقرار من الرئيس ماكرون)، «في مقابل أن يستفز بلاده في تاريخها وسيادتها (الذاكرة والاستعمار)، ويثخن في جرح غائر (مرحلة الاقتتال مع الإرهاب) لم تشفَ منه بعد».

الروائي الفرنسي الجزائري كمال داود (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

وكانت العلاقات بين البلدين معقَدة بما فيه الكفاية منذ الصيف الماضي، عندما سحبت الجزائر سفيرها من باريس؛ احتجاجاً على اعترافها بخطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء، وحينها شجبت «قيام حلف بين الاستعمار القديم والجديد»، وتقصد البلدين، علماً أن العلاقات بين العاصمتين المغاربيتين مقطوعة رسمياً منذ 2021.

وفي الأصل، كان الخلاف الجزائري - الفرنسي مرتبطاً بـ«الذاكرة وأوجاع الاستعمار»، وهو ملف حال دون تطبيع العلاقات بينهما منذ استقلال الجزائر عام 1962. وقامت محاولات لإحداث «مصالحة بين الذاكرتين»، على إثر زيارة أداها ماكرون إلى الجزائر في أغسطس (آب) 2022، لكن «منغصات» كثيرة منعت التقارب في هذا المجال، منها مساعٍ أطلقها اليمين التقليدي واليمين المتشدد، خلال هذا العام، لإلغاء «اتفاق الهجرة 1968»، الذي يسيّر مسائل الإقامة والدارسة والتجارة و«لمّ الشمل العائلي»، بالنسبة للجزائريين في فرنسا.

وعدَّت الجزائر هذا المسعى بمثابة استفزاز لها من جانب كل الطبقة السياسية الفرنسية، حكومة وأحزاباً، حتى وإن لم يحققوا الهدف. ومما زاد العلاقات صعوبة، رفض فرنسا، منذ أشهر، طلباً جزائرياً لاسترجاع أغراض الأمير عبد القادر الجزائري، المحجوزة في قصر بوسط فرنسا، حيث عاش قائد المقاومة الشعبية ضد الاستعمار في القرن الـ19، أسيراً بين عامي 1848 و1852. وتسبب هذا الرفض في إلغاء زيارة للرئيس الجزائري إلى باريس، بعد أن كان تم الاتفاق على إجرائها خريف هذا العام.