20 وزير خارجية حول طاولة مؤتمر باريس... والخرطوم تندد لتجاهلها

يسعى لجمع 3.8 مليار يورو بوصفها مساعدات طارئة للسودان ودعماً سياسياً لمعاودة المفاوضات

وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك (يسار) ستشارك في رئاسة المؤتمر إلى جانب نظيرها الفرنسي ستيفان سيغورنيه ومسؤول السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل (أ.ف.ب)
وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك (يسار) ستشارك في رئاسة المؤتمر إلى جانب نظيرها الفرنسي ستيفان سيغورنيه ومسؤول السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل (أ.ف.ب)
TT

20 وزير خارجية حول طاولة مؤتمر باريس... والخرطوم تندد لتجاهلها

وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك (يسار) ستشارك في رئاسة المؤتمر إلى جانب نظيرها الفرنسي ستيفان سيغورنيه ومسؤول السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل (أ.ف.ب)
وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك (يسار) ستشارك في رئاسة المؤتمر إلى جانب نظيرها الفرنسي ستيفان سيغورنيه ومسؤول السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل (أ.ف.ب)

تتوقع باريس مشاركة أكثر من 20 وزيراً وكثير من ممثلي المنظمات الدولية كالأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والاتحاد الدولي والجامعة العربية، فضلاً عن المؤسسات المالية الدولية وممثلين للمنظمات غير الحكومية العاملة في السودان وفي بلدان النزوح وممثلين للمجتمع المدني السوداني في المؤتمر الذي تستضيفه العاصمة الفرنسية، وتنظمه بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي.

منذ ما قبل حصوله، وُجهت انتقادات قاسية للمنظمين خصوصاً من الحكومة السودانية التي أصدرت بياناً مطولاً، الجمعة، أعربت فيه عن «بالغ دهشتها واستنكارها لانعقاد مؤتمر دون التشاور معها، ومن دون مشاركتها رغم أنها هي (الممثل الحصري للسودان) في شتى الهيئات والمنظمات والمحافل الدولية». وجاء في البيان أيضاً أن انعقاد المؤتمر بهذا الشكل «يمثل استخفافاً بالغاً بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ومبدأ سيادة الدول». ورأت الخارجية السودانية أن «الاختباء وراء ذريعة الحياد بين من يسميهما المنظمون «طرفي النزاع» لتبرير تجاهل السودان حجة لا قيمة لها وأمر مرفوض وسابقة خطيرة في العلاقات الدولية».

الفريق عبد الفتاح البرهان سيغيب عن الاجتماع في باريس (أ.ف.ب)

وبالفعل، فإن المؤتمر يلتئم في غياب ممثلين للحكومة، ولكن أيضاً لـ«قوات الدعم السريع» الضالعة في حرب ضد قوات الجيش السوداني منذ 15 أبريل (نيسان) الماضي. وحجة باريس ومعها الطرفان الآخران المنظمان (أي ألمانيا والاتحاد الأوروبي) تقوم على التزام الحياد، بيد أن مصادر سياسية في العاصمة الفرنسية ترى أنه إذا كانت الحجة الرسمية «ذات معنى ويمكن تقبلها» إلا أنها «لا يمكن أن تستقيم لأن الغرض ليس فقط جمع المساعدات المالية للنازحين السودانيين، بل أيضاً لتسهيل وصولها إليهم، فضلاً عن الدفع باتجاه إعادة طرفي النزاع إلى طاولة المفاوضات» ما يستدعي وجود الطرفين المتقاتلين.

ويجري الحديث عن اجتماع في جدة، الأسبوع المقبل، وقد كان موضع بحث خلال الاتصال الهاتفي الذي جرى، الخميس، بين وزيري خارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان، والولايات المتحدة أنتوني بلينكن.

معالجة الوضع الإنساني الكارثي

يسعى المنظمون إزاء الوضع الإنساني الكارثي في السودان بعد عام على الحرب إلى جمع تبرعات مالية تصل إلى 3.8 مليار يورو لعام 2024، بينما المتوافر في الوقت الحالي لا يصل إلى الخمس. فمع نزوح 6.5 مليون سوداني من منازلهم (مصادر أخرى تتحدث عن 8.5 مليون نازح بينهم 3 ملايين طفل) وقراهم ولجوء 2.5 مليون نسمة إلى دول الجوار خصوصاً إلى تشاد وجنوب السودان، فإن الحاجات الإنسانية تضاعفت.

فتى على هضبة مشرفة على مخيم للاجئين الفارين من المعارك في السودان قرب الحدود بين السودان وتشاد (رويترز)

ووفق المنظمات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، فإن ما لا يقل عن 18 مليون سوداني يعانون من نقص حاد في الغذاء في بلد توقفت فيه الدورة الاقتصادية إلى حد بعيد، وتراجعت فيه الزراعة، بينما ينظر إلى السودان على أنه «أهراء أفريقيا». ومن بين هؤلاء، وفق بيانات الأمم المتحدة، هناك ما لا يقل عن 5 ملايين شخص يعانون من العجز الغذائي الحاد الذي يقرب من المجاعة. وقد جاء في تقرير لوكالة الصحافة السودانية من بورتسودان أن الدولة السودانية فقدت 80 بالمائة من مواردها، وأن استمرار المعارك من شأنه أن يفضي إلى وقف تدفق النفط من جنوب السودان ما يحرم الدولة من عائدات تقدر بعشرات الملايين. والأسوأ من ذلك أن طرق إيصال المساعدات الغذائية إلى المحتاجين داخل السودان تواجه عقبات جمة إما بسبب المعارك، وإما بسبب العراقيل التي توضع في درب المنظمات الإنسانية العاملة في السودان.

في الحديث الذي خصصه لصحيفة «أوبينيون» الفرنسية ونشرته في عددها يوم الاثنين، قال هنري نويل تاتانغنغ، مسؤول منظمة «العمل لمحاربة الجوع» من مقره في تشاد، حيث نزح ما يزيد على نصف مليون سوداني، إنه «من الضروري والطارئ أن توفر الجهات المساعدة تمويلاً مستداماً للاستجابة للحاجات الإنسانية والغذائية على مجمل الأراضي التشادية من أجل توفير الدعم للفئات الشعبية الأكثر هشاشة».

وتجدر الإشارة إلى أن مؤتمر باريس، الاثنين المقبل، يستهدف مساعدة النازحين والمحتاجين السودانيين، ولكن أيضاً الدول المضيفة التي يشكل النزوح السوداني أعباءً إضافية لا تقدر على تحملها منفردة. ويشير المسؤول الإنساني إلى أن شرق تشاد خصوصاً الولايتين «سيلا» و«ووداي» تفتقران أصلاً للخدمات الأساسية، ومن ثم فإن حضور نصف مليون سوداني يضاعف الحاجات الإنسانية. ووفق الأمم المتحدة، فإن السودان «يشهد واحدة من أسوأ أزمات النزوح في العالم، وهو مرشح لأن يشهد قريباً أسوأ أزمة جوع في العالم».

انهيار النظام الصحي

حقيقة الأمر أن الأموال ليست وحدها ما يحتاج إليه النازحون السودانيون داخل البلاد وخارجها؛ فالنظام الصحي الضعيف أصلاً لم يعد قادراً على الاستجابات للحاجات الصحية ولمواجهة تفشي الأمراض بما فيها المعدية.

مستشفى «بشائر» بالعاصمة الخرطوم تعرض لخسائر جمة بسبب المعارك بين الجيش و«الدعم السريع» (أ.ف.ب)

ولا شك، وفق مسؤولين عن منظمات إنسانية، أن الأزمة الغذائية تنعكس سلباً على المناعة الصحية؛ ما يسهم في انتشار الأمراض والأوبئة. وما يضاعف من وطأة هذه الظاهرة المقلقة غياب تدابير الوقاية الصحية التي تؤثر بشكل خاص في الأطفال؛ حيث تزداد نسبة الوفيات بينهم. وقال أيدم ووسورنو، الناطق باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة إن السودان «بالنظر لضخامة الحاجات الإنسانية وأعداد النازحين الذين يهددهم الجوع، يعيش أسوأ أزمة إنسانية في الزمن الحديث». وأضاف المسؤول الأممي: «ما فعلناه حقيقة أننا تخلينا عن الشعب السوداني، وتركناه فريسة اليأس».

الحاجة لوقف المعارك

لن يقتصر مؤتمر باريس على المساعدات الإنسانية؛ إذ ثمة جانب سياسي له، حيث سيجتمع وزراء الخارجية قبل ظهر يوم الاثنين من أجل النظر في كيفية توفير «دعم مبادرات السلام الإقليمية والدولية»، ومنها الجهود التي تبذلها المملكة السعودية والولايات المتحدة معاً. وكان آخر اجتماع حدث في هذا الإطار في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، حيث جرى الالتزام بمجموعة إجراءات مثل إنشاء آلية تواصل بين القوات المسلحة و«الدعم السريع»، وتسهيل زيادة المساعدات الإنسانية وإيصالها للمحتاجين إليها، والسير بتدابير بناء الثقة، بيد أن الطرفين لم يتوصلا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

آثار الدمار الذي لحق بأحد البنوك جنوب الخرطوم بسبب الحرب (أ.ف.ب)

والمرتجى اليوم أن تحدث الجولة المقبلة من المفاوضات في الموعد الذي يجري الحديث عنه وهو 18 الشهر الحالي في جدة بإشراف الرياض وواشنطن وبمساندة الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) التي تمثل في الوقت عينه الاتحاد الأفريقي. ومشكلة هذه المفاوضات أن مخرجاتها تبقى حبراً على ورق بسبب غياب آلية التنفيذ من جهة، وبسبب رهان الطرفين المتقاتلين على التطورات الميدانية، علماً أن هناك أطرافاً خارجية أخذت تلعب دوراً في هذه الحرب الدائرة منذ عام كامل. وثمة مخاوف متنامية من أن تتمدد الحرب الدائرة إلى خارج السودان في منطقة بالغة الحساسية، وعرفت العديد من الحروب في العقود الماضية. ومن هنا، وفي ظل غياب الطرفين المعنيين مباشرة، فإن الطموحات السياسية لاجتماع باريس تبدو محدودة، وأن الرهان الحقيقي محوره ما قد يحدث في جدة، ومدى التوافق حول وقف لإطلاق النار، وإطلاق آلية للإشراف عليه. وفي غياب تدابير ميدانية، فإن السودان سيغرق أكثر فأكثر في أزمته الإنسانية.


مقالات ذات صلة

«الأمم المتحدة»: حلفاء الأطراف المتحاربة بالسودان يسهمون في «المجازر»

أفريقيا مواطنون يتجمعون للحصول على المياه بالعاصمة السودانية الخرطوم (أ.ب)

«الأمم المتحدة»: حلفاء الأطراف المتحاربة بالسودان يسهمون في «المجازر»

اتهمت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، روزماري ديكارلو، حلفاء القوى المتحاربة في السودان بـ«تمكين المجازر» بالبلاد.

«الشرق الأوسط» (نيويورك )
شمال افريقيا مناقشات أممية موسعة لوقف النار فوراً في السودان

مناقشات أممية موسعة لوقف النار فوراً في السودان

انخرط مجلس الأمن في نقاشات حول مشروع قرار بريطاني لمطالبة القوات المسلحة السودانية و«قوات الدعم السريع» بوقف القتال فوراً والسماح بتسليم المساعدات الإنسانية.

علي بردى (واشنطن) محمد أمين ياسين (نيروبي)
العالم العربي شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)

​تنسيق عربي - أميركي لحلحلة الأزمة السودانية

مصدر مصري مسؤول قال لـ«الشرق الأوسط» إن دول «السعودية ومصر والإمارات تعمل مع الولايات المتحدة ضمن آلية رباعية لتنسيق مساعٍ لحلحلة الأزمة السودانية»

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا مدينة الفاشر السودانية تعاني وضعاً إنسانياً متدهوراً (أ.ب)

السودان: معارك الفاشر مستمرة... وطرفا الحرب يزعمان التفوق

تضاربت الأنباء بشأن المعارك العسكرية المستمرة في مدينة الفاشر الاستراتيجية في شمال دارفور بالسودان، في ظل مزاعم من طرفي الحرب بالتفوق.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا امرأة وطفلها في مخيم «زمزم» للنازحين قرب الفاشر شمال دارفور بالسودان (أرشيفية - رويترز)

الحكومة السودانية تتهم بعض المنظمات الدولية بتسليم الإغاثة لـ«الدعم السريع»

قالت الحكومة السودانية إن التقارير الدولية التي تشير إلى وجود مجاعة في السودان «كاذبة»، وإن بعض المنظمات «تكتب تقارير من مكاتبها في نيروبي دون إجراء أي مسح».

وجدان طلحة (بورتسودان)

مصر تدعو لمضاعفة الاستجابة الإنسانية لاحتياجات الفلسطينيين

وزير الخارجية المصري يستقبل كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في قطاع غزة (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يستقبل كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في قطاع غزة (الخارجية المصرية)
TT

مصر تدعو لمضاعفة الاستجابة الإنسانية لاحتياجات الفلسطينيين

وزير الخارجية المصري يستقبل كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في قطاع غزة (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يستقبل كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في قطاع غزة (الخارجية المصرية)

طالبت مصر، الثلاثاء، بالعمل على مضاعفة الاستجابة الإنسانية لاحتياجات الفلسطينيين بقطاع غزة مع دخول فصل الشتاء، وفي ظل ما تسببت فيه السياسيات والإجراءات الإسرائيلية من «تفشي المجاعة والأوبئة».

واستقبل وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في القاهرة، سيغريد كاخ، كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في قطاع غزة؛ لـ«متابعة سبل التعامل مع الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة وإنفاذ المساعدات الإنسانية اللازمة للتخفيف من معاناة المدنيين الفلسطينيين داخل القطاع»، وفق بيان للخارجية المصرية.

ونقل السفير تميم خلاف، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، عن الوزير عبد العاطي، حرصه على «مواصلة التشاور مع المسؤولة الأممية حول تنفيذ ولايتها بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2720»، وضرورة «العمل على الإنفاذ الفوري والمستدام للمساعدات الإنسانية العاجلة للفلسطينيين في قطاع غزة، والضغط على إسرائيل لتحمل مسؤولياتها تجاه المدنيين داخل القطاع»، وفقاً لالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني وباعتبارها قوة الاحتلال.

عبد العاطي يستقبل سيغريد كاخ في القاهرة (الخارجية المصرية)

وأدان وزير الخارجية المصري قرار إسرائيل الأخير بالانسحاب من الاتفاق المنظم لعمليات وكالة «أونروا»، مؤكداً أن «هذه الخطوة تعدّ تصعيداً خطيراً يستهدف تصفية القضية الفلسطينية وقضية اللاجئين».

وأشار الوزير عبد العاطي إلى «ضرورة العمل على مضاعفة الاستجابة الإنسانية لاحتياجات الفلسطينيين بالقطاع مع دخول فصل الشتاء وفى ظل ما تسببت فيه السياسيات والإجراءات الإسرائيلية من تفشي المجاعة والأوبئة»، مشدداً على أن «المعدل اليومي لدخول المساعدات الإنسانية غير كافٍ للتعامل مع حجم الكارثة الإنسانية التي يشهدها القطاع».

كما أكد أن «استمرار السيطرة العسكرية الإسرائيلية على الجانب الفلسطيني لمعبر رفح، وتقاعس إسرائيل عن فتح معابرها الأخرى بشكل كامل، أديا إلى تقويض عملية النفاذ الإنساني»، وهو أمر «ترفضه مصر بشكل قاطع ويعكس إصراراً إسرائيلياً على إعاقة دخول الشاحنات الإنسانية في مخالفة صارخة للقانون الدولي الإنساني».

واستعرض الوزير الجهود المصرية خلال الفترة الأخيرة لتحقيق التقارب بالداخل الفلسطيني، مشدداً على «موقف مصر الثابت بشأن تمكين السُلطة الوطنية الفلسطينية من الاضطلاع بواجباتها في قطاع غزة، وحرص على التأكيد على ثوابت الموقف المصري، وفي مقدمتها رفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وضرورة توحيد الضفة الغربية وغزة تحت قيادة السلطة الفلسطينية باعتبارها وحدة متكاملة من الأراضي الفلسطينية، وأهمية تنفيذ حل الدولتين».