وسط حالة من الترقب انتظاراً لمعرفة رد إسرائيل وحركة «حماس» على المقترح الأميركي الأخير بشأن «هدنة» في قطاع غزة يجري خلالها تنفيذ صفقة لتبادل الأسرى من الجانبين، يعول مراقبون على جهود الوسطاء في قطر ومصر والولايات المتحدة لتفادي «عثرات» تعترض الاتفاق، في ظل حديث من بعض الخبراء عن «انسداد الأفق السياسي» للحل.
ومنذ نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي يسعى الوسطاء إلى «هدنة» في قطاع غزة، من 3 مراحل، جرى الاتفاق على إطارها العام في اجتماع عُقد في باريس حضره رؤساء استخبارات مصر والولايات المتحدة وإسرائيل، إضافة إلى رئيس الوزراء القطري، وصف مسؤولون أميركيون وإسرائيليون نتائجه في حينه بـ«البناءة».
لكن هذه النتائج «البناءة» لم تفضِ إلى اتفاق حتى الآن رغم جولات مفاوضات ماراثونية بين الدوحة والقاهرة وباريس مرة ثانية، كانت تأمل الاتفاق على هدنة خلال شهر رمضان، ليبدأ الشهر وينتهي دون تحقيق ذلك. وتجددت الآمال بالوصول إلى اتفاق عقب جولة مباحثات غير مباشرة استضافتها القاهرة، الأحد الماضي، لا سيما مع تصريحات نُسبت إلى مصدر مصري رفيع أشارت إلى «تقدم ملحوظ في المفاوضات».
وخلال مفاوضات القاهرة غير المباشرة عرض مدير المخابرات المركزية الأميركية، ويليام بيرنز، مقترحاً أميركياً للتهدئة جرى تسليمه إلى حركة «حماس». وينص المقترح، وفق ما جرى تداوله إعلامياً، على هدنة من 6 أسابيع يجري خلالها إطلاق سراح 40 رهينة إسرائيلية في مقابل إطلاق سراح 800 إلى 900 فلسطيني تعتقلهم إسرائيل، ودخول 400 إلى 500 شاحنة من المساعدات الغذائية يومياً، وعودة النازحين من شمال غزة إلى بلداتهم.
ومرة أخرى يبدو أن «التقدم» اصطدم بـ«تعقيدات» و«عثرات» اعترضت طريق المفاوضات، لتنتهي مهلة الـ48 التي حددتها القاهرة لاستئناف المباحثات، من دون رد رسمي من «حماس» أو إسرائيل على المقترح الأميركي بشأن هدنة طال انتظارها.
وحتى الآن نجحت جهود الوساطة المصرية - القطرية في وقف القتال مرة واحدة لمدة أسبوع في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أطلقت خلاله «حماس» سراح ما يزيد على 100 من المحتجزين لديها في حين أطلقت إسرائيل سراح نحو 3 أمثال هذا العدد من الأسرى الفلسطينيين.
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس، الدكتور جهاد الحرازين، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مفاوضات التوصل إلى هدنة في قطاع غزة لا تزال تراوح مكانها بسبب تمسُّك كل طرف بشروطه ومواقفه التي لم تتغير منذ اتفاق الهدنة السابق في نوفمبر الماضي».
وأوضح الحرازين أن «كل طرف يناور في المفاوضات معلياً مصلحته الشخصية على المصلحة العامة، حيث يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي لإطالة أمد العملية العسكرية ليحمي مكانته بوصفه رئيساً للحكومة، بينما تتمسك حركة (حماس) بما أعلنته من شروط». وقال: «للأسف الشعب الفلسطيني هو من يدفع الثمن»، مطالباً الطرفين بـ«إعلاء المصلحة العامة سواء للشعب الفلسطيني الذي يعاني أزمة إنسانية غير مسبوقة، أو للمجتمع الإسرائيلي الذي يتظاهر ضد حكومته».
وتطالب «حماس» بوقف نهائي لإطلاق النار، وسحب إسرائيل قواتها من كل أنحاء قطاع غزة، وزيادة تدفق المساعدات مقابل إطلاق سراح المحتجزين لديها منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بينما تصر إسرائيل على مواصلة الحرب بهدف «القضاء على (حماس)»، وتهدّد بتنفيذ عملية عسكرية واسعة في مدينة رفح الفلسطينية التي باتت الملاذ الأخير لسكان قطاع غزة. وأكد الحرازين أنه «على الوسطاء إدراك أنه إذا لم تكن هناك عملية إلزامية تلزم إسرائيل بإيقاف الحرب، فستبقى المناورات مستمرة دون أي اختراق على الأرض»، مشيراً إلى أنه «رغم كل ما طرحه الوسطاء من حلول لجسر الهوة؛ فإن كل طرف يعرقل تلك المساعي». وقال: «دون قرار دولي حقيقي ملزم لإسرائيل، ليس من الممكن وضع نهاية لهذه الحرب».
ولم تفصح حركة «حماس» حتى الآن عن موقفها من المقترح الأميركي، مكتفية بالقول إنها «تسلمته وتدرسه»، مع إشارة إلى أنه «لا يلبي طموحات الشعب». وقال عضو المكتب السياسي لحركة «حماس»، باسم نعيم، الخميس، إن «هدنة في غزة باتت ضرورية لتحديد أماكن ومصير المحتجزين الإسرائيليين في القطاع». وأضاف نعيم، في بيان صحافي، أن «جزءاً من المفاوضات هو التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار ليكون لدينا ما يكفي من الوقت والأمان لجمع بيانات نهائية وأكثر دقة عن الأسرى الإسرائيليين»، مشيراً إلى أنهم في أماكن مختلفة ومع مجموعات مختلفة «وبعضهم تحت الأنقاض قُتلوا مع شعبنا، ونتفاوض للحصول على معدات ثقيلة لهذا الغرض».
وكانت شبكة «سي إن إن» الأميركية قد نقلت عن مسؤول إسرائيلي، ومصدر مطلع على المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل و«حماس»، الأربعاء، قولهما إن «حركة (حماس) أبلغت الوسطاء بأنها غير قادرة حالياً على تحديد 40 محتجزاً إسرائيلياً تنطبق عليه الشروط في المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار».
يأتي هذا بينما اتهم المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، ديفيد منسر، حركة «حماس» بـ«إدارة ظهرها» لمقترح التهدئة. وقال: «ثمة عرض معقول جداً على الطاولة، و(حماس) تواصل إدارة ظهرها له»، منتقداً «الضغوط الدولية على إسرائيل التي تؤدي إلى مساعدة (حماس)، وإبعادها عن المفاوضات»، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.
ومن جانبه، أشار خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، إلى «انسداد الأفق السياسي للحل». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حلحلة الأمور مرتبطة بتغير عسكري كبير على الأرض، لا سيما مع اعتماد الطرفين (حماس) وإسرائيل حتى الآن على المناورات لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة». وأوضح أنه «في ظل انخفاض وتيرة العمليات العسكرية والضحايا، لا توجد محفزات للمفاوضين للقبول بصفقة، لا سيما بعد انقضاء العيد وسط احتمالات بتصعيد عسكري في رفح». ورجح عكاشة «إقدام إسرائيل على زيادة الضغط العسكري عبر عملية كبيرة في رفح لتغيير الوضع على الأرض قبل إقرار الهدنة». وقال عكاشة إن «إسرائيل بدأت تتخذ إجراءات للتمهيد لعملية رفح، والضغط على (حماس)، وتأكيد جديتها في الموضوع، من بينها السماح بعودة 150 ألف نازح من الجنوب إلى الشمال». وكانت وكالة «رويترز» قد نقلت عن مسؤولين إسرائيليين، الأربعاء، قولهما إن «إسرائيل وافقت خلال محادثات القاهرة على تنازلات تتعلق بعودة 150 ألف فلسطيني إلى شمال قطاع غزة».
وهنا، أشار أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة العلوم التطبيقية بالأردن، الدكتور عبد الحكيم القرالة، إلى «جملة من التحديات التي تقف في وجه نجاح الهدنة في غزة، وعلى رأسها الوقف المستدام للعنف وعودة النازحين من الجنوب إلى الشمال، وبعض عقبات صفقة التبادل»، لكنه قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الواقع الذي يفرض نفسه يؤكد أن الطرفين بحاجة لاتفاق هدنة في ظل مبررات جوهرية لدى كل طرف مدعومة بجهود ورغبة الوسطاء خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية». وأضاف أن «التعنت الإسرائيلي يبقى العصا التي تعوق دولاب الهدنة»، مشيراً إلى أن «نتنياهو يعتمد على نظرية الإلهاء والمماطلة كرسائل للداخل الإسرائيلي، وللأطراف الخارجية تستهدف إطالة عمره السياسي، وعدم تعرضه للمساءلة من المعارضة الداخلية».