تضع باريس اللمسات الأخيرة على حدث مزدوج تستضيفه الاثنين المقبل، 15 أبريل (نيسان)، يتناول الوضع السوداني في جانبيه السياسي والإنساني، وهي تنظمه بالتعاون مع ألمانيا والاتحاد الأوروبي، في غياب التمثيل الرسمي السوداني.
في الجانب السياسي، يلتئم اجتماع صباح الاثنين على المستوى الوزاري في المقر التاريخي للخارجية الفرنسية المطلّ على نهر السين برئاسة مشتركة فرنسية - ألمانية – أوروبية، وغرضه، وفق بيان صادر عن الخارجية، «دعم مبادرات السلام الإقليمية والدولية» الهادفة إلى وضع حد للحرب المندلعة في السودان منذ عام كامل. وجاء اختيار يوم الخامس عشر من أبريل لأنه يصادف الذكرى الأولى للحرب التي شرَّدت ملايين السودانيين، وأوجدت انقسامات يصعب اليوم تجاوزها، فضلاً عن ضرب كل ما جاءت به المرحلة الانتقالية الديمقراطية. وبعد الاجتماع السياسي، يلتئم المؤتمر الإنساني في مقر رديف للخارجية، بعد الظهر، برئاسة الوزيرين الفرنسي والألماني: ستيفان سيجورنيه، وأنالينا بيربوك، ومسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، والمفوض الأوروبي لإدارة الأزمات يانيز لينارسيتش، إلى جانب «السلطات الأفريقية والأوروبية، ومسؤولي المنظمات الدولية والمجتمع المدني».
ثلاثة أهداف
وقالت الخارجية الفرنسية أمس، في إطار مؤتمرها الصحافي الأسبوعي، إن المطلوب من المؤتمر تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية؛ أولها «الالتزام بتمويل الاستجابة الدولية للحاجات الإنسانية الضرورية للسودان»، ولكن أيضاً لدول الجوار المعنية بالأزمة السودانية. والهدف الثاني إحراز تقدم في ضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وآمن ودون عوائق إلى جميع أنحاء السودان. أما الهدف الثالث، وهو لا يقل أهمية عن الهدفين السابقين فعنوانه «ألا يطغى عدم الاستقرار في النظام الدولي على الأزمات التي تؤثر في الأفارقة: سواء في السودان، حيث نزح نحو 8 ملايين شخص، أو في الأزمة التي تؤثر في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية». ولدى سؤال المسؤول في الخارجية عن مشاركة ممثل للدولة السودانية أو المعارضة في الاجتماعين السياسي والإنساني، كان الجواب أن «الهدف من مؤتمر السودان هو الجمع بين جميع الشركاء المعنيين وجميع الشركاء المفيدين. وهذا يعني أن جميع دول المنطقة ستتم دعوتها». بيد أن الخارجية الفرنسية لم تكن قادرة على توفير لائحة كاملة للمشاركين في المؤتمر بانتظار تلقيها الأجوبة كافة على الدعوات التي وجَّهتها منذ شهر فبراير (شباط) الماضي.
وباختصار، فإن توفير الأموال الضرورية للاستجابة للوضع الإنساني الدراماتيكي في السودان وفي الدول المجاورة، ودعوة أطراف النزاع «لوضع حد للقتال الدائر وضمان الوصول الآمن للمساعدات الإنسانية»، سيشكّلان المحورين الأساسيين للمؤتمر.
اللافت في المقاربة الفرنسية هو تغييب الجهات الرسمية السودانية عن المؤتمر، فيما سيكون هناك حضور للمجتمع المدني. وفي هذا الإطار أعرب سفير السودان لدى فرنسا، الدكتور خالد فرح، عن دهشته واستنكاره لغياب حكومة بلاده عن المؤتمر. وقال «المؤتمر يتعلق بشأن يخص دولة مستقلة وذات سيادة، جرى الترتيب له دون استشارة السودان تماماً، فضلاً عن أن حكومته التي تمثل الشرعية، ولها شخصيتها الاعتبارية والقانونية، لم تدعَ للمشاركة فيه أصلاً على أي مستوى من المستويات».
احتجاج سوداني
وانتقد الدبلوماسي السوداني مساواة حكومته بـ«ميليشيا الدعم السريع المتمردة»، رافضاً بعض العبارات السائرة التي ظلت تتردد بتوصيف الحرب الدائرة في السودان بـ«الطرفين المتحاربين» أو «طرفي الصراع» أو «الحرب بين جنرالين»، وأسوأ من ذلك وصف الوضع بأنه «حرب أهلية». وأوضح أن «الأمر هو ببساطة محاولة انقلاب عسكري فاشلة بغرض الاستيلاء على السلطة، بدعم وتواطؤ من بعض الدوائر الإقليمية والدولية».وأشار السفير السوداني إلى أن «أحد الطرفين، وهو بالتحديد (ميليشيا الدعم السريع) المتمردة، سيكون وحده الحاضر ضمناً، والمشارك بقوة في هذا المؤتمر، من خلال مشاركة حلفائه السياسيين والمتعاطفين معه، الذين تمت دعوتهم بالفعل للمشاركة فيه، مثل ما يسمى بـ(تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية - تقدم)، (يقودها رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك)، وغيرها من المنظمات غير الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني، وممثلي بعض التنظيمات السياسية والأفراد، بل من خلال مشاركة بعض الدول الأجنبية المشاركة في المؤتمر، المساندة للميليشيا المتمردة، سواء علناً أم سراً». وقال: «إننا نخشى بشدة من أن يتمخض هذا المؤتمر في المحصلة النهائية عن مجرد مهرجان دعائي وترويجي، ومنشط سياسي وإعلامي ودبلوماسي، واستنفار مالي، هدفه الأوحد هو تقديم الدعم والمساندة المادية والمعنوية لـ(ميليشيا الدعم السريع) المتمردة، وحليفها السياسي، تحت ستار الاهتمام بمأساة الشعب السوداني».
ويختلف المؤتمر المقبل عن القمة الدولية التي نظّمتها باريس في شهر مايو (أيار) 2021، تحت شعار «دعم الانتقال الديمقراطي» في السودان والتي مثَّل السودان فيها رئيس الحكومة الانتقالية عبد الله حمدوك، ورئيس مجلس السيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان. ورغم الدعم الدولي والاقتصادي والمالي الذي وفّرته القمة المشار إليها لعملية الانتقال الديمقراطي، فإن السودان أضاع الفرصة المقدمة إليه وجاءت الحرب المندلعة منذ عام بين الجيش من جهة و«قوات الدعم السريع» من جهة أخرى لتحرم السودان من الحضور الرسمي في مؤتمر هدفه إخراج البلاد من أتون الحرب المشتعلة.
ولا شيء يشي بأن مؤتمر الاثنين المقبل سيمثل خطوة إخراج السودان من أتون الحرب. واللافت ما آلت إليه المواجهة الحاصلة ميدانياً بين روسيا من جهة، ممثلةً بميليشيا «فاغنر» الداعمة لـ«قوات الدعم السريع»، وبين أوكرانيا التي أرسلت مجموعة من خبرائها لمساعدة وتدريب القوات السودانية، خصوصاً لجهة استخدام المُسيرات التي نقلت أعداداً منها إلى السودان.
إعادة أزمة السودان إلى الواجهة الدولية
تريد باريس ألا تتدحرج الحرب في السودان إلى دهاليز النسيان، وألا يعتاد عليها العالم إلى درجة أن يفقد أي اهتمام بها رغم المآسي التي تستولدها. والخميس، وصفت الخارجية الفرنسية ما يدور في السودان بأنه «أزمة إنسانية بالغة الخطورة»، وأن الشق السياسي غرضه «محاولة إيجاد حل للنزاع»، فيما الجانب الإنساني يستهدف «إيجاد حلول للمسائل الإنسانية الملحّة» ليس فقط على الأراضي السودانية، ولكن أيضاً في دول الجيران، حيث نزح مئات الآلاف من السودانيين هرباً من الحرب ومآسيها. وتفيد تقارير الأمم المتحدة بأن الحرب أدّت إلى نزوح ثمانية ملايين شخص، فيما الخطر الأكبر بالنسبة إلى فرنسا أن تتحول حرب السودان إلى «أزمة منسية». وحسب باريس، فإن المؤتمر «سيوفر للسودانيين وللأسرة الدولية فرصة التعبير عن التطلع إلى السلام وإلى الحوكمة الديمقراطية».
وخلال جلسة في البرلمان الفرنسي، منتصف مارس (آذار)، قالت وزيرة شؤون التنمية والشراكات الدولية كريسولا زاكاروبولو، رداً على سؤال للنائب كريستوف ماريون، من مجموعة الصداقة البرلمانية «فرنسا - السودان»، إن الحرب الدائرة في السودان «تسببت في إحدى كبرى الأزمات الإنسانية في العالم»، وأن موقف باريس يقوم على «التنديد بتواصل القتال وبالانتهاكات التي ترتكبها القوات السودانية و(قوات الدعم السريع) لحقوق الإنسان»، وأنه «إزاء الوضع الراهن، فإن فرنسا تتحمل مسؤولياتها». وأضافت الوزيرة الفرنسية أن المؤتمر سيضم الأسرة الدولية والمنظمات الفاعلة في الحقل الإنساني الدولية والمحلية على السواء لتعبئة الموارد المالية ولدفع الأطراف المتناحرة إلى تسهيل الوصول الحرّ والآمن للمساعدات واحترام منطوق القانون الدولي الإنساني. وإذ أشارت إلى أن فرنسا وفَّرت العام الماضي 50 مليون يورو من المساعدات الإنسانية المختلفة، فقد أكدت أنها ستواصل توفير الدعم للأطراف التي شاركت في مؤتمر جدة للدعم الإنساني، للوفاء بتعهداتها.
أما في المجال السياسي، فقد أشارت الوزيرة الفرنسية إلى أن باريس «تدعم مجمل مبادرات السلام الإقليمية والدولية وتعمل مع شركائها على تنسيق جهود السلام» في السودان. ولم تفت الوزيرة الإشارة إلى أن الحرب الدائرة «يجب ألا تُخرج من دائرة الانتباه وجود مجتمع مدني سوداني يتطلع إلى السلام، ولذا علينا أن نكون متيقظين وأن نأخذ بعين الاعتبار تطلعاته».