«الاستقرار» لتدشين مشروعات جديدة تستهدف ربوع ليبيا
درنة تشهد إعادة إعمار بعد عاصفة «دانيال» (حكومة الاستقرار)
أعلنت حكومة الاستقرار «الموازية» في ليبيا إطلاق حزمة من المشاريع في ربوع ليبيا كلها، عقب الانتهاء من مشاريع إعمار درنة، التي تضررت بشدة من إعصار «دانيال» في سبتمبر (أيلول) الماضي، بينما تواصل حكومة الوحدة «المؤقتة» تأمين معبر «رأس جدير» الحدودي مع تونس عقب الاضطرابات التي شهدها منذ بدايات مارس (آذار) الماضي.
وقال رئيس حكومة «الاستقرار» المكلفة من مجلس النواب، أسامة حماد، إن حكومته بصدد وضع خطة لمشاريع في كل ربوع ليبيا عقب عيد الفطر، وذكر خلال جولة بمدينة درنة إنه «جرى تحديد موعد الانتهاء من أغلب مشروعات إعمار درنة نهاية العام الحالي». وأضاف حماد، مساء الأربعاء، أن «مدينة درنة لها خصوصية، لذلك جرى إنشاء صندوق إعادة إعمار درنة والمناطق المتضررة»، مشيراً إلى أن «حكومته تقوم بدورها على أكمل وجه وبكل الإمكانات المتاحة، ولا تزال تعمل في سبيل توفير الاحتياجات الضرورية للمواطنين».
واطلع حماد على سير أعمال إعادة إعمار درنة، بحضور مدير عام صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا بالقاسم حفتر، والمجلس الاجتماعي بدرنة، مثمناً «جهود القيادة العامة للقوات المسلحة ومجلس النواب وصندوق التنمية الذي جعل مدينة درنة تشهد تنمية غير مسبوقة»، وفق بيان نشرته حكومة «الاستقرار» على صفحتها بـ«فيسبوك».
وكانت العاصفة «دانيال» قد ضربت مدينة درنة شمال شرقي ليبيا في سبتمبر الماضي، وأدت إلى مقتل أكثر من 11 ألف شخص، وأكثر من 10 آلاف مفقود، ونزوح نحو 40 ألف مواطن، وفق إحصاءات أممية، فضلاً عن تضرر 1500 مبنى من إجمالي 6142 مبنى بالمدينة.
ورأى الكاتب والأكاديمي الليبي، علي بوقرين، أن «المشروعات التنموية في ليبيا يُمكنها أن تُسهم في استقرار البلاد وتوحيد الصف»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أنه من «الضروري الاستعانة بدول الجوار لمساعدة ليبيا في إعادة الإعمار، والاستفادة بما لدى هذه الدول من إمكانات وخبرات في البناء والتشييد والبنية التحتية»، مشيراً إلى أن «ما يحدث في درنة وبنغازي حالياً من تنمية وإعادة إعمار أمر مُبشر».
إضافة إلى ذلك، استمرت قوى إنفاذ القانون في تأمين المعبر الحدودي بين ليبيا وتونس «رأس جدير»، وفق ما ذكرته وزارة الداخلية في حكومة «الوحدة»، الخميس.
وكان رئيس الغرفة الأمنية الليبية المشتركة، عبد الحكيم الخيتوني، قد أعلن في 4 أبريل (نيسان) الحالي، تسلم مهام تأمين المنفذ الحدودي من رئاسة الأركان العامة، لتؤول مسؤوليته لقوات حكومة الوحدة الوطنية. وأكد الخيتوني الذي يرأس إدارة إنفاذ القانون بحكومة الوحدة، أن «وزير الداخلية، عماد الطرابلسي كلف الإدارة بالبقاء في المنفذ لحين تسليمه للأجهزة المعنية المكلفة بصيانته وإعادة هيكلته وتشغيله من جديد».
ولا يزال معبر «رأس جدير» مغلقاً منذ 19 مارس الماضي، إثر قرار الطرابلسي، الذي جاء على خلفية اشتباكات مسلحة شهدها المعبر في 18 مارس الماضي، عقب وصول قوة تابعة لإدارة إنفاذ القانون للمعبر الحدودي، واتهمت بلدية زوارة (التابع لها المعبر) حينها القوة بـ«اقتحامه دون أي تنسيق مع إدارة المعبر أو الجهات المعنية في البلدية».
وعقب هذه الأحداث، أصدر وزير الداخلية في حكومة الوحدة قراراً يقضي بتشكيل غرفة مشتركة بالتنسيق مع رئاسة الأركان العامة ومكتب النائب العام، تتولى مسؤولية تأمين وتنظيم المنطقة الحدودية مع تونس، الممتدة من البحر المتوسط في الشمال حتى حدود منطقة العسة في الجنوب.
وحدد وزير الداخلية قوة الغرفة بواقع 20 دورية مجهزة من جهاز الأمن الداخلي، وعدد كافٍ من جهاز الردع، و50 دورية من جهاز دعم الاستقرار، وعدد كافٍ من جهاز الطيران الإلكتروني، و50 دورية لجهاز الأمن العام، ومثلها من جهاز دعم المديريات، وجهاز مكافحة «الهجرة غير المشروعة، و30 دورية من جهاز مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، بالإضافة لعدد من الدوريات التابعة لإدارات أخرى مثل حرس الحدود».
وكانت السلطات الليبية قد أعلنت أكثر من مرة عن قرب افتتاح المعبر الحدودي من جديد بعد تأمينه بالاتفاق مع الجانب التونسي، إلا أن هذه الخطوة ما زالت قيد التأجيل، رغم تحركات دبلوماسية كثيرة من الجانب التونسي لإعادة فتح المعبر ذي الأبعاد الاقتصادية المهمة للبلدين، حيث بلغ حجم التبادل التجاري عبر المعبر عام 2023 «نحو 976 مليون دولار بزيادة نحو 300 مليون دولار عن عام 2022»، وفق تقارير محلية.
تصاعدت أزمة النزاع على رئاسة المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، اليوم الثلاثاء، بعد إعلان رئيسه السابق محمد تكالة فوزه مجدداً برئاسته، وسط اعتراض خالد المشري.
«غزيو مصر» لم يحملوا الغربة في حقائبهمhttps://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A/%D8%B4%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7/5080960-%D8%BA%D8%B2%D9%8A%D9%88-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%84%D9%85-%D9%8A%D8%AD%D9%85%D9%84%D9%88%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%AD%D9%82%D8%A7%D8%A6%D8%A8%D9%87%D9%85
مائدة تجمع مصريين وغزيين داخل شقة في القناطر الخيرية (الشرق الأوسط)
القاهرة:«الشرق الأوسط»
TT
القاهرة:«الشرق الأوسط»
TT
«غزيو مصر» لم يحملوا الغربة في حقائبهم
مائدة تجمع مصريين وغزيين داخل شقة في القناطر الخيرية (الشرق الأوسط)
منزل بسيط في مدينة «القناطر الخيرية»، يخبرك موقعه على الخريطة أنك تحتاج إلى عبور جسر وترعة حتى تصل إليه، بعد 25 كيلومتراً من ميدان «التحرير»، وسط القاهرة. تقف حبيبة على بابه تنتظر الضيوف، ومريم في الشرفة تترقب، بينما الجدة تجلس مرتدية الثوب الفلسطيني المميز، والأم تعد المنسف في المطبخ. يوم جمعة يذكرهم بأيامهم التقليدية في غزة قبل الحرب، حين كانت العائلة تجتمع على الطعام.
تتحدث الأم نهى عبد الرازق، الشهيرة بأم حبيبة، لـ«الشرق الأوسط»، بينما تعدّ الغداء، عن مشاعر كثيرة حملتها أسرتها معها من القطاع؛ القلق على زوجها الذي تركوه خلفهم مضطرين، وهو من الصم والبكم، الحزن على القطاع، الصدمات النفسية العالقة بحقائبهم القليلة التي خرجوا بها من هناك: «لسه بنتي الصغيرة بتسألني ماما هو ممكن السقف هذا يقع علينا».
ثم تُلمح إلى شعور جيد وحيد نبت في مصر بالألفة، قائلة وهي تشير إلى ضيوفها من المصريين والغزيين: «مثل هذه الزيارات بتهون علينا كتير». وتتذكر: «هناك مصريون عملوا لبناتي عيد ميلاد في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي حتى يفرحوهن».
جاءت الأسرة للعلاج في مارس (آذار) الماضي، «دخلت مريم ذات السنوات السبع المصابة بحمى البحر المتوسط، العناية المركزة لمدة أسبوعين في مستشفى القناطر، وبعدها رآنا مصريان يتطوعان لمساعدة الغزاوية، ووفرا لنا شقة في قرية أبو الغيط، جوارنا»، حسب نهى.
وتضيف: «في القرية الأهالي لم يتركونا، كل يوم يطرقون علينا الباب، مرة بسؤال عن الصحة، وأخرى ببعض الجبن أو الألبان أو الدجاج». وحين اضطرت الأسرة للانتقال إلى قرب المستشفى لمواجهة أي طارئ للصغيرة، وفر لها المصريان نفسهما الشقة الثانية.
عائلة الجدة ليست حالة استثنائية؛ إذ لاحظت «الشرق الأوسط» انتشار العائلات الفلسطينية في مناطق مختلفة، ليس داخل القاهرة والجيزة فقط، بل في قرى ومناطق شعبية دون التكتل في تجمعات سكنية، على عكس الجاليات العربية الأخرى، حيث تمركز السوريون، سواء في التجارة أو السكن، في منطقة «6 أكتوبر»، والسودانيون في منطقة فيصل، واليمنيون في الدقي، لكن الغزيين ذابوا وسط المصريين.
وقدّر السفير الفلسطيني في مصر دياب اللوح عدد الوافدين بعد الحرب، بـ103 آلاف فلسطيني، خلال الفترة من 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وحتى مايو (أيار) الماضي، وفق تصريح له الشهر الماضي.
وانقطع التدفق الفلسطيني إلى مصر مع إغلاق معبر رفح بعد سيطرة الجيش الإسرائيلي عليه من الجانب الفلسطيني، منذ مايو الماضي، ورفض القاهرة التنسيق معه.
ويوجد في مصر حتى نهاية سبتمبر الماضي، 792 ألفاً و783 لاجئاً وطالبَ لجوء من 62 دولة، وفق تقرير لمفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. لا يتضمن هذا الإحصاء الفلسطينيين؛ إذ أوضحت وثيقة للمفوضية في فبراير (شباط) الماضي، أن مساعداتها للوافدين الفلسطينيين في مصر لا تتم بشكل مباشر، بل عبر الهلال الأحمر المصري.
أجواء الأُلفة
تفتح نهى مكالمة فيديو مع زوجها بلغة الإشارة، لتعريفه على الضيوف، فيما يغدق عليهم الابتسامات والترحاب. تتذكر وهم في غزة: «لم يكن يستدل على القصف سوى من وميضه الكبير المفاجئ، يقوم يتحسسنا في الظلام ليتأكد أننا بخير، ثم يجري على الشباك ليرى ما يحدث».
فرح الأب حين رأى الضيوف، وكذلك من قبل حين حكت له حبيبة ذات الـ12 عاماً، عن صديقاتها الكثيرات في المعهد الأزهري الذي التحقت به جوار منزلها الجديد. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «كل اللي تعرف إني من غزة تيجي تقولي بالله صاحبيني»، هذا بخلاف أصدقاء عائلتها الذين يزدادون كل يوم.
مثل حبيبة، أصبح لدى العم محمد مصلح الشهير بـ«أبو مصباح»، والذي دخل العقد السادس من عمره، أصدقاء مصريون كثيرون، يشاركهم جلسات المقهى يومياً في منطقة «الكيت كات» الشعبية بحي إمبابة شمال محافظة الجيزة: «قالوا لي حين تعود إلى غزة ستقطع بنا (نشتاق إليك)، فأرد ضاحكاً: وماذا أفعل أضلني هون»، مشيراً إلى أنه بعد الحرب سيترك أسرته ويعود: «أعمَّر البيت ثم يلحقون بي».
اختار «أبو مصباح» هو وأولاده الستة وزوجته، المنطقة الشعبية باقتراح من الزوجة التي سمعت عنها من حكاوي والدتها المصرية، لكن لم تسنح لها الفرصة من قبل لزيارتها. ورغم أن الزوج قلق في البداية من مواجهة صعوبات في الاندماج، لكن سرعان ما تبددت المخاوف، وحلّت الألفة بالمكان وناسه. ولفت أيضاً إلى أن الأسعار في المنطقة جيدة سواء في الإيجارات أو الطعام، وهذا هوّن على أسرته الكبيرة العيش.
أنساب ممتدة
لا يتعجب الكاتب الفلسطيني محسن الخزندار من اندماج وافدي غزة في المجتمع المصري، بل يعدّه من طبائع الأمور. ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «بين المصريين والغزيين اختلاط في الأنساب كبير وممتد عبر أجيال، بدأ مع استعانة محمد علي بك الكبير بشبان مصريين أغلبهم من محافظة الشرقية، لحفر ترعة في غزة، وظل بعضهم هناك وتزوجوا وأنجبوا... الأجيال التالية جاءت إلى مصر للزواج من أقاربهم والعكس، ما حوّل العلاقات من جيرة إلى أنساب»، مشيراً إلى أن عائلته نفسها «الخزندار» أصلها مصري.
يتفق معه أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة المصرية - اليابانية الدكتور سعيد صادق، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»، إن الوجود الغزاوي في مصر «قديم منذ 1948، وثقافة الغزيين تشبه ثقافة الصعيد المصري، فلا توجد حواجز ثقافية تحول دون اندماجهم وسط المصريين، بل هم جزء من النسيج المجتمعي المصري بحكم الجغرافيا والتاريخ، ولهم أقارب، وتعلموا في مصر، وبينهم تجارة مع المصريين، لذلك لا يتجمعون في حي واحد مثل المهاجرين الجدد لمصر؛ كالعراقيين والسوريين».
وأوضح صادق أن «وجود الفلسطينيين قديم، وحربهم قديمة... السودانيون في مصر يعيشون في مناطق خاصة، وأولادهم في مدارس خاصة بهم، أما السوري فوجوده قديم في مصر لكنه صغير، التوافد الحديث جاء مع ثورة سوريا وسط اتهامات بتعاطفهم مع (الإخوان)، ومنافستهم الاقتصادية مع المصريين، ما خلق حملات في شبكات التواصل الاجتماعي ضد وجودهم وتأثيرهم على الهوية المصرية».
وتشكل الجالية السودانية في مصر من المقيمين والمهاجرين الجدد، أكثر من نصف عدد الأجانب في مصر، والذين يصفهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأنهم «ضيوف مصر»، وتقدر حكومته عددهم بنحو 9 ملايين شخص، بينهم أكثر من 5 ملايين سوداني.
ويؤكد الناشط الفلسطيني رامي أمان، الذي يقيم في مصر منذ عامين، ويتطوع لمساعدة أبناء القطاع ممن وفدوا بعد الحرب، تلك العلاقة الخاصة بين المصريين والغزيين، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»، حتى العائلات التي ليس لها نسب في مصر، فغالباً إما مرّوا منها، أو درس أبناؤهم فيها، أو زاروها ولو للسياحة... هي بالنسبة لنا إجازتنا الصيفية، كنا نأتي دائماً ونحن صغار، زرت القناطر الخيرية، ودرست في جامعة بمصر، وأي غزي يرغب في السفر للخارج يمر أولاً بمصر».
ويعدّ معبر رفح البري المنفذ شبه الوحيد لأهالي القطاع، في ظل الحصار الذي تفرضه إسرائيل، حيث تسيطر أيضاً على المنفذ الآخر «معبر كرم أبو سالم».
ويلفت أستاذ علم الاجتماع المصري إلى بُعد آخر في تعامل المصريين مع الغزيين، يتمثل في «المجازر التي تحدث في القطاع، ومتابعتهم لها عن كثب، ما جعلهم لا يرغبون في التربح منهم، عكس الجاليات الأخرى».
وقبل 9 شهور، عبرت «أم الخليل» الحدود من غزة إلى مصر، لأول مرة، ينتابها قلق شديد وألم. القلق على مصيرها هي وأطفالها الأربعة وهذه أول مرة تغادر القطاع، ولا أحد لها هنا، والألم جرّاء شظايا كثيرة علقت بجسدها إثر قصف منزل مجاور.
تتذكر «أم الخليل»، التي تسكن الآن مدينة «العاشر من رمضان» في محافظة الشرقية، أن الرحلة «استغرقت 6 ساعات قضيناها في الطريق من سيناء إلى مدينة 6 أكتوبر للعلاج في مستشفى الشيخ زايد، وبمجرد دخولنا المعبر، كان فريق الإغاثة المصري يعاملنا بود شديد، وكذلك الممرضون والأطباء والمرضى في المستشفى».
انتقلت إلى «العاشر» بعدما وفرت لها جمعية فلسطينية الشقة، ورغم أن العمارة كان بها وافدون آخرون من غزة، لكن علاقة الصداقة تعمقت أكثر بينها وبين جيرانها المصريين، حتى تعلمت اللهجة المصرية بطلاقة، وأصبحت تستخدمها بإتقان.
اصطحبت الأم أبناءها يوماً إلى أهرامات الجيزة «الولاد قالولي يا ماما بدنا نشوفها». لم يجد الأطفال صعوبة في الاندماج بمصر، خصوصاً أنها كانت حاضرة في غزة بشكل أو بآخر، مثلاً «طفلها الأصغر حمود (اسم تدليل لمحمد) يشجع الأهلي ويشاهد مبارياته بانتظام»، تقول «أم الخليل».
أما هدى عبد العزيز، التي جاءت إلى مصر وسكنت في «كومباوند الفردوس» في مدينة «6 أكتوبر»، فيشجع زوجها فريق الإسماعيلي، يقول هو «مصنع اللاعبين... منه يأخذ الأهلي والزمالك المواهب»، تتذكر ذلك ضاحكة، فيما تحكي لـ«الشرق الأوسط» تجربة خروجها من القطاع هي وابنتها وزوجات أبنائها وأحفادها إلى مصر، وتعلق: «ليست غريبة عنا ولا نحن غرباء عنها».
لسنا بحاجة إلى سور
اعتادت هدى عبد العزيز زيارة القاهرة كل فترة، تلتقي أقاربها المصريين، بعضهم يسكن منطقة «رابعة العدوية» في مدينة نصر، وآخرون في حي «العجوزة» بمحافظة الجيزة جنوب القاهرة، أما هي فقد اختارت أن تسكن «الفردوس».
تقول: «سمعت أنه جيد وآمن... لذا فضلت أن نسكن فيه أنا وزوجات أبنائي وأحفادي»، وتضيف: «كان مهم لنا ونحن سيدات وحدنا أن نشعر بسور يحوطنا، في أمان».
مع الوقت، عبَرت السيدة الفلسطينية السور، ذهبت إلى «المقطم» و«الحصري» وغيرهما من الأماكن، «كانوا أماناً أيضاً لا فارق». تتحدث السيدة عن رعاية الجيران من المصريين لها، بل مَن تصادفهم ويعرفون أنها من غزة، متذكرة سيدة مصرية التقت بها عند طبيب، وقالت لها: «مصر فيها كتير من الجنسيات، بس أنتم غير».
ويقول الناشط الفلسطيني رامي أمان: «إن الفلسطينيين لم يكونوا بحاجة إلى أن يتمركزوا حول بعضهم، أو يحاولوا استحضار غزة في مصر، وهي موجودة بالفعل في كل مكان، انظري إلى السيارات التي تضع ملصقات بكلمة فلسطين، أو الأعلام الموجودة، القضية حاضرة هنا دائماً».
وتستدرك السيدة الفلسطينية أن مصر أيضاً حاضرة دائماً لدى الغزاوية في القطاع: «ابني درس في الأزهر، والأكل المصري أتعلمه من شيفات مصريات مثل نادية السيد. وتشجيع الكرة المصرية أساسي في القطاع، وقت المباريات الكبرى كانت المقاهي تتكدس بالمتفرجين».
«كأننا بغزة»
لدى «أم الوليد» حيلة أخرى لاستحضار غزة في مصر، بعدما تركت القطاع في مارس (آذار) الماضي، مرافقة - هي وابنتها - لابنة أختها التي جاءت لتلقي العلاج، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «هناك مصرية تعرفت علينا في مستشفى الشيخ زايد، ووفرت لنا الشقة التي نمكث فيها حالياً في منطقة حدائق أكتوبر، والمنطقة جديدة، حين أسير لركوب المواصلات أضطر للمشي مسافة، أضحك وأقول لبناتي كأننا في غزة، رايحين لمنطقة الجامع».
بدأت «أم الوليد» في مشروع أشغال يدوية، ورسم أعلام فلسطينية على «ماجّات» للشرب، وبيعها عبر «الإنترنت» أو من خلال معارض تشارك فيها، أو بين شبكة معارفها التي تتوسع مع المصريين. ما زال مشروعها في بدايته، وكذلك مشروع مشابه افتتحته هدى عبد العزيز لعمل مشغولات يدوية، وكلتاهما تأمل أن تتوسع أكثر، وتغطي مصاريف إقامتها في مصر.
ويشير الكاتب الفلسطيني، وهو أيضاً أحد رجال الأعمال في القطاع، محسن الخزندار في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «التجارة مفتاح آخر لفهم عمق العلاقات المصرية - الغزاوية، فيستمد التجار المصريون من غزة الزيوت والعطور، ومن مصر يستمد الكثير من الغزيين بضائعهم...مصر شريان حياة لغزة».
ويشير إلى علاقات ممتدة «عبر التاريخ وما قبله، فغزة امتداد لمصر، وخط الدفاع الأول عنها في عصور الفراعنة الذين أقاموا أول نقطة حدودية لهم هناك»، ثم يتقدم بالتاريخ: «في عهد عبد الناصر وما قبله، كل الغزاوية من المفكرين والقادة درسوا في مصر، وإلى الآن تعد ساحة عِلم كبيرة لأهالي القطاع».
وكان السفير الفلسطيني أشار إلى أن في مصر 13 ألف طالب جامعي فلسطيني يدرسون في المعاهد والجامعات المصرية.
فرصة ثانية للتعلم
منحت الحرب في قطاع غزة إبراهيم نعيم (اسم مستعار بناء على طلبه) فرصة ثانية للتعلم، صحيح أنها لم تأتِ به إلى مصر، إذ وفد إليها قبل اندلاعها بشهرين للعلاج دون عائلته، لكنه علِق بعدها هنا، وهم في خيمة نزوح في خان يونس.
يقول لـ«الشرق الأوسط» إنه حين كان بالقطاع تزوج صغيراً، هو الآن في الـ30 من عمره ولديه 3 أطفال. حين رسب في امتحان الثانوية العامة، ترك التعليم وركز في العمل: «اشتغلت في كل شيء، شيفاً في مطاعم وكهربائياً وعامل رخام».
وخلال إقامته بمصر فكر في أن يمتحن الثانوية العامة مجدداً، وبالفعل خضع للامتحان دون أي عوائق في مدرسة بمدينة الغردقة في محافظة البحر الأحمر، حيث يقيم حالياً ويعمل في مطعم.
مرّ نعيم هذه المرة من الامتحان، ويفكر حالياً في استكمال دراسته بكلية أو معهد، لحين انتهاء الحرب وجمع شمل أسرته مجدداً. يخرج نعيم من الغردقة في إجازته، ويزور العاصمة القاهرة وضواحيها، وتحديداً منطقة «بولاق الدكرور» الشعبية في الجيزة، التي تقطن فيها ابنة عمته المتزوجة من مصري، أو يزور صديق والده في وسط القاهرة المتزوج من مصرية.
وبينما يجمع الغزيون الذين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» في هذا التقرير، على رغبتهم في العودة إلى القطاع، وتعمير بيوته مجدداً، فإن أحداً منهم لم يشر إلى «الغربة» أو يشكو «الوحشة والقلق».