ليبيا تدخل العيد بأزمة خانقة في السيولة النقدية

زحام شديد أمام المصارف وسط «استياء مجتمعي واسع»

جانب من انتظار الليبيين أمام أحد المصارف للحصول على سيولة نقدية (مواقع التواصل)
جانب من انتظار الليبيين أمام أحد المصارف للحصول على سيولة نقدية (مواقع التواصل)
TT

ليبيا تدخل العيد بأزمة خانقة في السيولة النقدية

جانب من انتظار الليبيين أمام أحد المصارف للحصول على سيولة نقدية (مواقع التواصل)
جانب من انتظار الليبيين أمام أحد المصارف للحصول على سيولة نقدية (مواقع التواصل)

تزاحم الليبيون بشكل غير مسبوق أمام المصارف التجارية في غالبية مدن البلاد للحصول على سيولة نقدية قبل يوم من عيد الفطر، في مشهد لم يخل من تدافع واشتباكات بالأيدي، فيما يرى كثير من المراقبين أن الشعب الليبي «يواجه أسوأ عيد يمر عليه».

وخلال الأيام الماضية تزايدت حدة الإقبال على المصارف للحصول على سيولة نقدية، واصطف المواطنون بأعداد كبيرة ولساعات طويلة، ما دفع بعضهم لاقتحام المصارف عنوة.

وعبّر مواطنون كثر عن خيبة أملهم لعدم تمكنهم من الحصول على سيولة نقدية، مع تأخر رواتبهم، علماً بأن سقف السحب المسموح به هو 1500 دينار فقط. (الدولار يساوي 4.83 دينار).

تزاحمُ الليبيين أمام مصرف في طرابلس (مواقع التواصل)

ومن طرابلس بغرب ليبيا إلى طبرق بشرقها، تكررت الأزمة التي دفعت الصحافي الليبي محمود المصراتي، إلى القول إن «الليبيين يواجهون أسوأ عيد يمر عليهم على الإطلاق: غلاء فاحش، وشحّ سيولة، وذل أمام المصارف».

ومنذ بداية شهر رمضان، يشتكي تجار في العاصمة الليبية من حالة ركود في الأسواق المحلية، ويرجعونها إلى ضعف السيولة المالية لدى المواطنين والتأخر في تسليم المرتبات للموظفين.

وعادة ما يتأخر صرف الرواتب في ليبيا. وفي الثاني من أبريل (نسيان) أعلنت وزارة المالية في حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة تسليم أذونات صرف رواتب شهر مارس (آذار) لجميع الجهات الممولة من الخزانة العامة للدولة، إلى إدارة العمليات المصرفية بـ«مصرف ليبيا المركزي».

وقال الناشط الليبي علي العسبلي، إن «مشهد الزحام وتدافع جموع المواطنين أمام أحد مصارف مدينة طبرق يذكرني بأفلام الزومبي»، وبعدما وصفه بأنه «مذل ومهين»، رأى أنه «يستحق مائة ثورة ضد كل من تسبب في هذه المأساة»، فيما يلوم كثيرون المصرف المركزي لعدم تعامله مع الأزمة الخانقة التي تعتصرهم.

وعدّ نصر الدين عبد الرحمن، الذي يعمل موظفاً في متجر بيع ملابس بالعاصمة طرابلس، أن «البيع قليل جدا خلال الأيام الماضية، وتبقى السنوات الماضية أفضل من هذه السنة بكثير».

المصرف المركزي الليبي (موقع المصرف)

ووصف رئيس «المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان» في ليبيا أحمد عبد الحكيم حمزة، «التزاحم على المصارف وماكينات سحب النقود، بأنه أكثر من مؤسف»، وقال في تصريح صحافي: «لو خرجوا إلى الشوارع بتلك الأعداد وذلك الحماس والجهد لصنعوا التغيير المنشود».

ورأى أن الانتظار أمام المصارف يؤرق المواطنين، ويزيد من معاناتهم الإنسانية خلال شهر رمضان الكريم وقبل عيد الفطر المبارك، متابعا: «عودة مشاهد طوابير المواطنين أمام المصارف بمختلف أنحاء البلاد في ظل الأزمة المالية، وشح السيولة المالية بالمصارف، وارتفاع الأسعار عوامل فاقمت من معاناة المواطنين، والتي أدت إلى تراجع قوتهم الشرائية بشكل ملحوظ في الأسواق».

وعدّ حمزة هذه الأزمة «دليلاً على فشل حكومتي الدبيبة، وأسامة حماد، ومصرف ليبيا المركزي في إيجاد معالجات وحلول سريعة لسلسلة الأزمات الاقتصادية والمعيشية والإنسانية التي يمر بها المواطنون بعموم البلاد».

وقال محمود الكميتي، مالك متجر بيع ذهب وفضة في طرابلس، إن «السيولة غير متوفرة، هذا ما لاحظناه بكثرة، قوة البيع أكثر من الشراء، الناس بدأت تبيع أكثر من أن تشتري، وهذا ملحوظ في الوقت الراهن، لا يوجد شراء بسبب عدم وجود السيولة، المواطنون متعبون وبالكاد يستطيعون توفير الاحتياجات الأساسية».

وتقدّر بيانات رسمية للمصرف المركزي مجموع العملة المتداولة خارج المصارف التجارية بنحو 43 مليار دينار حتى نهاية العام الماضي، مما يفوق المعدلات الطبيعية بسبع مرات. ويقول إنه وجّه بتوزيع 16 مليار دينار على فروع المصارف التجارية بجميع المدن الليبية خلال الربع الأول من العام الحالي؛ سعياً لحل أزمة نقص السيولة النقدية.


مقالات ذات صلة

مطالب أممية بمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان في ترهونة الليبية

شمال افريقيا عناصر من هيئة البحث عن المفقودين يتفقدون موقعاً لمقابر جماعية تم العثور عليها في ترهونة (الهيئة)

مطالب أممية بمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان في ترهونة الليبية

حذّر تقرير للأمم المتحدة من أن غياب المساءلة، والسنوات الطويلة من إفلات المتسببين في انتهاكات حقوق الإنسان، والتجاوزات المرتكبة في مدينة ترهونة الليبية

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا محافظ المصرف المركزي الجديد خلال اجتماع بمساعديه (المصرف المركزي)

«النواب» الليبي يُصر على رفض محافظ «المركزي»... ويدعو للتهدئة

دخلت أزمة المصرف المركزي الليبي، مرحلة جديدة، السبت، وسط محاولة من حكومة الوحدة المؤقتة في العاصمة طرابلس، لاحتواء لانتقادات أميركية.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا لقاء سابق يجمع صالح والمشري وستيفان ويليامز المبعوثة الأممية بالإنابة (المكتب الإعلامي لرئيس مجلس النواب الليبي)

ليبيون يعلّقون آمالهم على تقارُب صالح والمشري لإحياء المسار الانتخابي

تدفع أزمة المصرف المركزي الليبي بإمكانية العودة إلى بحث العملية السياسية، في ظل عقد البعض آمالاً على عودة التقارب بين مجلسَي النواب و«الأعلى للدولة».

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا لقاء سابق يجمع صالح وسفير الاتحاد الأوروبي إلى ليبيا (حساب السفير على «إكس»)

«الأوروبي» يدعو قادة ليبيا إلى «خفض التوترات»... وتشغيل النفط

أطلقت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى ليبيا عدداً من التحذيرات لقادة البلاد ودعتهم للتحاور والاستجابة لمبادرة الأمم المتحدة، كما شددت على ضرورة إعادة إنتاج وضخ النفط.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا طالبت لجنة الأزمات والطوارئ ببلدية زليتن المواطنين بالابتعاد عن مجرى الوادي (مديرية أمن طرابلس)

سيول جارفة تضرب مناطق متفرقة في ليبيا... وتنشر المخاوف

ضربت أمطار غزيرة وصلت إلى حد السيول مناطق عدة في شمال غربي ليبيا، وأعلن جهاز الإسعاف والطوارئ رفع درجة الاستعدادات وسط إنقاذ عائلات عالقة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«النواب» الليبي يُصر على رفض محافظ «المركزي»... ويدعو للتهدئة

محافظ المصرف المركزي الجديد خلال اجتماع بمساعديه (المصرف المركزي)
محافظ المصرف المركزي الجديد خلال اجتماع بمساعديه (المصرف المركزي)
TT

«النواب» الليبي يُصر على رفض محافظ «المركزي»... ويدعو للتهدئة

محافظ المصرف المركزي الجديد خلال اجتماع بمساعديه (المصرف المركزي)
محافظ المصرف المركزي الجديد خلال اجتماع بمساعديه (المصرف المركزي)

دخلت أزمة المصرف المركزي الليبي مرحلة جديدة، اليوم (السبت)، وسط محاولة حكومة الوحدة المؤقتة في العاصمة طرابلس، احتواء انتقادات أميركية رسمية بشأن الإدارة الجديدة للمصرف، التي نصبها المجلس الرئاسي، بينما تمسك عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، بموقفه الرافض للاعتراف بها.

وعدّت وزارة الخارجية بحكومة الوحدة أن بيان إدارة شؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية الأميركية، بشأن تطورات الوضع المتعلق بالمصرف، يعكس «التزام الولايات المتحدة بدعم الاستقرار المالي، وتعزيز الشفافية في مؤسساتنا المالية»، وعدّته خطوة إيجابية نحو توحيد وإصلاح المصرف المركزي.

واجهة مصرف ليبيا المركزي في طرابلس (رويترز)

وقالت «خارجية الوحدة»، اليوم (السبت): «نتفهم القلق حيال حملات التشويه والأكاذيب التي تستهدف مؤسسات الدولة الليبية، ونتفق على أن هذه المخاوف ستنتهي بمجرد زوال تلك الحملات، وتوحيد الصفوف خلف مؤسساتنا الوطنية». وأشارت إلى الحاجة المزدادة للتدقيق في المعاملات المالية خلال المراحل الانتقالية للمؤسسات النقدية، لافتة إلى أنها تعدّ هذه الإجراءات البروتوكولية «ضرورية لضمان الشفافية والمساءلة».

لقاء سابق بين رئيس مجلس النواب والسفير والمبعوث الأميركي الخاص (أرشيفية)

وأكدت الوزارة إعلان الإدارة الجديدة للمصرف «تسلم مهامها بسلاسة، ومباشرة تفعيل المنظومات المختلفة، والتجاوب الذي لاقته الإدارة الجديدة مع المنظومة المصرفية الدولية، بعد 9 سنوات من غياب الحوكمة والعمل الفردي، الأمر الذي كان مطلباً أساسياً لكل المنظمات الدولية المعنية. وهذه الخطوة تمثل تطوراً مهماً في مسيرة الإصلاح المالي والإداري في ليبيا».

وبعدما أكدت التزامها باحترام سيادة ليبيا، واستمرار ثقتها بالدولار الأميركي والمؤسسات الأميركية، خصوصاً في ظل التحديات الحالية والتجاذبات والصراع على النفوذ في أفريقيا، أعربت «خارجية الوحدة» عن التطلع لتعزيز التعاون الثنائي مع الولايات المتحدة، لتحقيق الاستقرار والنمو المستدام في ليبيا. وأوضحت أن المجلس الرئاسي، وفي خطوة لإضفاء مزيد من التوافق، أعلن التزامه بالانفتاح على الحوار برعاية بعثة الأمم المتحدة، مع منح فرصة أخيرة للمجلسين لتحقيق توافق بعد 10 سنوات من التخاذل، ما أدى لتعزيز الحكم الفردي وغياب الشفافية، وزيادة المخاطر المرتبطة بتنفيذ سياسات لا تعكس إرادة الدولة الليبية.

الصديق الكبير (رويترز)

وكانت «الخارجية» الأميركية قد أعلنت عبر مكتبها لشؤون الشرق الأدنى، أن البنوك الأميركية والدولية قامت بإعادة تقييم علاقاتها مع المصرف المركزي الليبي، وفي بعض الحالات وقف المعاملات المالية، حتى يكون هناك مزيد من الوضوح بشأن القيادة الشرعية لـ«المركزي».

وطالبت الجهات الفاعلة الليبية باتخاذ خطوات للحفاظ على مصداقية المصرف، وإيجاد حل لا يضر بسمعته، ومشاركته مع النظام المالي الدولي، معبرة عن شعورها بالقلق من أن مزيداً من الاضطرابات مع البنوك الدولية، يمكن أن يضر بالاقتصاد الليبي ورفاهية الأسر الليبية.

وشددت على دعوة مجلس الأمن للجهات الفاعلة الليبية للعمل بشكل عاجل معاً، ومع البعثة الأممية لإيجاد حل سياسي، يعيد القيادة المختصة وذات المصداقية للبنك المركزي الليبي.

بدوره، حذر رالف تاراف، سفير ألمانيا لدى ليبيا، من أن تؤدي ما وصفه بـ«الإجراءات أحادية الجانب» إلى الانحراف عن طريق الاستقرار والانتخابات الديمقراطية.

وأعرب في بيان مقتضب، اليوم (السبت)، عن دعم بلاده بقوة لدعوة البعثة الأممية لإجراء اجتماع عاجل لإيجاد حل للوضع الراهن.

في المقابل، دعا عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، إلى ضرورة الالتزام ببنود الإعلان الدستوري، والاتفاق السياسي، الذي ينص على صلاحيات واختصاصات مجلس النواب في التكليف بالمناصب السيادية بالتشاور مع مجلس الدولة، وعدّ القرار الصادر بتكليف محافظ ومجلس إدارة للمصرف معدوماً، لافتقاده للأسباب ومخالفاً للإعلان الدستوري والاتفاق السياسي، ولأنه جاء بعد جهود مضنية لتوحيد المصرف.

ورحب صالح، في بيان وزعه مركزه الإعلامي، مساء الجمعة، ببيان مجلس الأمن الدولي. وأكد «دعوة مختلف الأطراف للتهدئة، والتوقف عن إصدار قرارات والقيام بتصرفات من شأنها زعزعة الاستقرار، وتعميق الانقسام المؤسسي وتقويض الثقة بين الليبيين».

من جهته، نفى مصدر بالمجلس الرئاسي، لوسائل إعلام محلية، صحة بيان منسوب للمجلس، يعيد تكليف الصديق الكبير، المحافظ السابق للمصرف، في منصبه مجدداً، علماً بأن الكبير فر إلى خارج البلاد، مدعياً تلقيه تهديدات من مجموعات مسلحة، لم يحددها.

اجتماع نجل حفتر مع رئيس المجلس الحاكم في النيجر (القوات البرية بالجيش الوطني)

في غضون ذلك، أعلنت الإدارة الجديدة للمصرف استعادة العمل بجميع الأنظمة المستخدمة، بينما شدد محافظه المكلف، عبد الفتاح عبد الغفار، خلال اجتماعه مع مسؤولي المصرف، على ضرورة رفع وتيرة العمل في كل الإدارات بكفاءة عالية، لإنجاز الملفات في أسرع وقت ممكن، وتعهد بأن تعمل إدارة المصرف على حلحلة كل العراقيل التي تواجه العمل المصرفي.

إلى ذلك، قال الفريق صدام، نجل المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني، إنه اجتمع، اليوم (السبت)، باعتباره مبعوثاً لوالده، ورئيس القوات البرية بالجيش، مع عبد الرحمن تشياني، رئيس المـجلس الحاكم في النيجر لتنسيق التعاون الثنائي بين الجانبين، ضمن جولة تشمل عدداً من الدول الأفريقية لتعزيز التعاون وأمن الحدود.

لقاء حماد مع الرئيس التشادي في إنجامينا (حكومة الاستقرار)

وكان أسامة حماد، رئيس حكومة الاستقرار، قد أوضح أن رئيس تشاد محمد إدريس ديبي، الذي التقاه مساء الجمعة بالعاصمة إنجامينا، أشاد بالمشير خليفة حفتر، ودعمه اللوجيستي لبلاده في تأمين الحدود المشتركة، ومكافحة ظاهرة «الهجرة غير المشروعة» والجريمة المنظمة بما يحمي السلم والاستقرار في البلدين الجارين.