عودة سفير الجزائر إلى إسبانيا من دون إنهاء خلافات البلدين

الأزمة نشأت إثر إعلان مدريد تأييدها خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء

الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير خارجية إسبانيا الحالي في 30 سبتمبر 2021 (وكالة الأنباء الجزائرية)
الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير خارجية إسبانيا الحالي في 30 سبتمبر 2021 (وكالة الأنباء الجزائرية)
TT

عودة سفير الجزائر إلى إسبانيا من دون إنهاء خلافات البلدين

الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير خارجية إسبانيا الحالي في 30 سبتمبر 2021 (وكالة الأنباء الجزائرية)
الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير خارجية إسبانيا الحالي في 30 سبتمبر 2021 (وكالة الأنباء الجزائرية)

أعادت الجزائر، الاثنين، سفيرها إلى مدريد بعد عام من سحبه احتجاجاً على «انحياز إسبانيا لخطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية». لكن العودة لم ترفق برفع الحظر عن التجارة مع الجار المتوسطي الجنوبي، بشكل كامل، ما يعني أن الخلاف ما زال على حاله.

وأكدت وسائل إعلام إسبانية أن الدبلوماسي الجزائري عبد الفتاح دغموم، كان مع 5 سفراء آخرين قدموا أوراق اعتمادهم للملك فيليب السادس. وأعلن في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عن قرار الجزائر إعادة سفيرها إلى مدريد، إيذاناً بطيّ الخلاف بين البلدين على إثر لقاءات عالية المستوى بين مسؤوليهما، جرت في سبتمبر (أيلول) الماضي بنيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز (أ.ف.ب)

وأتبعت الجزائر قراراها بإلغاء حظر جزئي عن مواد ومنتجات كانت تشتريها من إسبانيا، وكانت قد أوقفت استيرادها في مارس 2023، بعد إعلان العاهل المغربي الملك محمد السادس، تلقيه رسالة من رئيس الحكومة الإسباني بيدرو ساشنيز، يعبر له فيها عن تأييد مقترح الحكم الذاتي الذي ترفضه الجزائر و«بوليساريو» بشدة، حيث يطالبان بـ«دولة للصحراويين ذات سيادة».

وقالت مصادر حكومية جزائرية إن قرار إعادة السفير إلى مدريد، «اتُّخذ بعد أن قدم سانشيز إشارات إيجابية تخص عودة إسبانيا إلى حيادها من نزاع الصحراء». في إشارة إلى خطاب رئيس الحكومة في الجمعية العامة الأممية، الذي أكد فيه أن بلاده «تؤيد حلاً سياسياً مقبولاً للطرفين في ما يتعلق بالصحراء الغربية، كما تؤيد عمل المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، الذي نعده حاسماً جداً». وشدد على أن إسبانيا «ستواصل دعم سكان الصحراء في مخيمات اللاجئين، كما فعلت دائماً، بصفتها المانح الدولي الرئيسي للمساعدات الإنسانية في هذا السياق».

من شوارع العاصمة الجزائرية (مواقع التواصل)

وبما أن خطاب سانشيز لم يتضمن، ولو بشكل غير مباشر، الموقف من الحكم الذاتي للصحراء، فإن الجزائر عدَت ذلك «توبة عن ذنب». كما أن «تسريبات» نشرتها الصحافة الجزائرية، عن اللقاءات التي جرت بين دبلوماسيي البلدين بمقر الأمم المتحدة، أكدت أن الإسبان «طمأنوا» نظراءهم الجزائريين، بأن مدريد «عازمة على أن تبقى على الحياد من المسألة الصحراوية»، وبأنها «ترى أن الأمم المتحدة هي الإطار الأمثل لحل هذا النزاع». وكانت الجزائر عندما قطعت المعاملات التجارية، وعلقت «اتفاق الصداقة» مع شريكها المتوسطي الكبير، وبررت قرارها بأن إسبانيا «انتهكت التزاماتها القانونية والأخلاقية والسياسية بوصفها قوة محتلة للصحراء الغربية».

وسارت الحكومتان بعد لقاءات نيويورك في اتجاه إيجابي، وجرت ترتيبات لزيارة وزير الخارجية خوسيه مانويل ألباريس، للجزائر في فبراير (شباط) الماضي، بمثابة رسالة من الطرفين على إنهاء خلافاتهما. وفي الفترة نفسها، أبلغت «الجمعية المهنية للبنوك» الجزائرية، مسيري المصارف بإلغاء تجميد توطين العمليات التجارية مع إسبانيا، علماً أن خسائر التجارة التي أفرزتها الأزمة فاقت مليار دولار، وقد تحمَّلتها أساساً مؤسسات إسبانية تتعامل مع الجزائر.

أعلام الجزائر ترفرف في أحد شوارع العاصمة (رويترز)

لكن في الشهر نفسه، حدثت انتكاسة في الانفراجة القصيرة. فقد أعلن الديوان الملكي المغربي، بمناسبة زيارة سانشيز إلى الرباط، أنه «جدد موقف إسبانيا الداعم لمبادرة الحكم الذاتي المغربي». وسعت الجزائر إلى وضع رئيس الحكومة الإسبانية على المحك، من خلال زيارة وزير خارجيته المتفق عليها إلى الجزائر، على أن يطلق تصريحات في نهاية الزيارة تفيد بأن بلاده «باقية على الحياد في قضية الصحراء». غير أن ألباريس تحفَّظ على هذه الخطوة، ما تسبب في إلغاء الزيارة عشية إجرائها، وفق ما نشرته صحيفة «إندبندنتي» الإسبانية، التي أكدت أنه «كان يريد تفادي مسألة الصحراء الغربية، والبحث في قضايا التجارة فقط، وهو ما لم يعجب الجزائريين».


مقالات ذات صلة

قلق جزائري إزاء ملفات حساسة مشتركة مع فرنسا

تحليل إخباري الرئيسان الجزائري والفرنسي على هامش قمة مجموعة الـ7 بإيطاليا في 13 يونيو 2024 (الرئاسة الجزائرية)

قلق جزائري إزاء ملفات حساسة مشتركة مع فرنسا

تُطرح تساؤلات بالجزائر حول احتمال رؤية تبون مع رئيس حكومة من اليمين المتشدد قياساً إلى الخصومة الشديدة التي يبديها رموز هذا الطيف السياسي تجاه الجزائر ومهاجريها

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا هاريس في اجتماع مع كبار المسؤولين بالخارجية الجزائرية شهر سبتمبر 2023 (الخارجية الجزائرية)

تنسيق أميركي - جزائري لـ«منع التدهور» في ليبيا

كتبت وزارة الخارجية الأميركية بحسابها على منصة «إكس» أن هاريس «أكد تطلع بلاده إلى العمل بشكل وثيق مع الجزائر لتحقيق الأهداف الثنائية والإقليمية المشتركة».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيسان الجزائري والفرنسي خلال قمة مجموعة السبع بإيطاليا في يونيو الحالي (الرئاسة الجزائرية)

مناكفات انتخابية فرنسية بظل جزائري

بينما تتخوّف الجزائر من مصير ملفات مشتركة مع فرنسا حال تحقيق اليمين المتطرف فوزاً عريضاً تجدّدت مناكفات بين متنافسين فرنسيين على خلفية حرب غزة وجرائم الاستعمار.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا من العاصمة الجزائرية (مواقع التواصل)

الجزائر: مرشحون لـ«الرئاسية» يتحدثون عن «عقبات وعراقيل»

«سلطة الانتخابات» مسؤولة، بموجب الدستور، عن «توفير الظروف والشروط القانونية الفعلية لانتخابات رئاسية مفتوحة وشفافة ونزيهة».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا أحد شوارع العاصمة الجزائر (رويترز)

الجزائر ترفض «اتهامات ومآخذ حقوقية» صادرة عن الأمم المتحدة

أكدت الحكومة الجزائرية أن الإجراءات التي اتخذتها «تتوافق مع الشروط السارية على المستوى الدولي، خصوصاً بمجلس الأمن، وحتى على المستوى الإقليمي».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

أول تغيير في «الخارجية» خلال عهد السيسي... هل تتبدل السياسات؟

بدر عبد العاطي (صفحته على «فيسبوك»)
بدر عبد العاطي (صفحته على «فيسبوك»)
TT

أول تغيير في «الخارجية» خلال عهد السيسي... هل تتبدل السياسات؟

بدر عبد العاطي (صفحته على «فيسبوك»)
بدر عبد العاطي (صفحته على «فيسبوك»)

شهدت حقيبة وزارة الخارجية المصرية أول تغيير في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، مع تولي السفير بدر عبد العاطي قيادتها، خلفاً لسامح شكري، الذي أمضى 10 أعوام على رأس الوزارة.

وهذا ما أثار تساؤلات بشأن أسباب التغيير، وتأثير ذلك في مسار الدبلوماسية المصرية والسياسات الخارجية. وبينما عد سياسيون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» التغيير «أمراً طبيعياً»، أكدوا أنه «لن يؤثر في مسار الدبلوماسية المصرية».

وقال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق علي الحفني، لـ«الشرق الأوسط»، إن عبد العاطي «ابن وزارة الخارجية ويعرف ملفاتها جيداً وسياسة الدبلوماسية المصرية العريقة»، واصفاً إياه بأنه «أحد مهندسي الشراكة المصرية - الأوروبية». وقال إن «اختياره يعزز صعود تلك الشراكة مستقبلاً». وأضاف الحفني أن استمرار شكري في «الخارجية» عشر سنوات «أمر طبيعي مرتبط بحقيبة الخارجية، التي تشهد تغييرات على فترات طويلة. فالدولة قد تحتاج أحياناً للاستفادة من مزايا وشبكات العلاقات التي كونها الوزير مع نظرائه في دول أخرى، وبالتالي يستمر فترة أطول».

وقال عضو مجلس النواب المصري (البرلمان) النائب مجدي عاشور، لـ«الشرق الأوسط»، إن «وزارة الخارجية من الوزارات التي تشهد تغييرات محدودة في أسماء من يتولى حقيبتها، وربما التغيير يحمل دعماً لمسار العلاقات المصرية - الأوروبية التي يتميز عبد العاطي بنجاحاته في إدارتها».

ملف عبد العاطي

ويبدو أن هذا الملف يحظى فعلاً باهتمام عبد العاطي، حيث أكد وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج الجديد، الأربعاء، «الأهمية الخاصة لشراكة مصر والاتحاد الأوروبي»، لافتاً إلى أنها تأتي «نتيجة استقرار مصر وتماسكها ودورها الريادي الإقليمي والدولي».

ودلل الوزير المصري على ذلك بانعقاد مؤتمر الاستثمار الأول من نوعه بين مصر والاتحاد الأوروبي، قبل أيام، وما سبقه من توقيع على الإعلان المشترك لتدشين شراكة استراتيجية وشاملة بينهما، قبل أشهر.

صورة التُقطت لبعض إنشاءات «سد النهضة» في سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)

وعمل عبد العاطي سفيراً لمصر في ألمانيا من 2015 حتى 2019. ووقع أول اتفاقية مصرية - ألمانية بشأن مكافحة «الهجرة غير المشروعة»، ونال تكريماً ألمانياً رفيعاً في2020 عبر «وسام صليب الاستحقاق». كما شغل عبد العاطي، منصب سفير مصر لدى مملكة بلجيكا ودوقية لوكسمبورغ والاتحاد الأوروبي من مارس (آذار) 2022، ومنصب مندوب مصر الدائم لدى حلف الناتو، ونائب مساعد وزير الخارجية للاتحاد الأوروبي وغرب أوروبا، فيما وصفته صحيفة «الأهرام» المصرية الرسمية، الأربعاء، بأنه «مهندس العلاقات المصرية - الأوروبية».

وكان عبد العاطي، مسؤولاً داخل وزارة الخارجية عن ملف الشؤون الأفريقية، ومديراً لشؤون فلسطين، ومتحدثاً باسم الوزارة بين 2013 و2015، وترأس الوفد المصري في اجتماع دول جوار ليبيا في 2014.

وقال عبد العاطي في تصريحات صحافية أدلى بها عقب إدلائه بالقسم، إن منطقة الشرق الأوسط «تموج بالصراعات والأزمات من جميع الاتجاهات، وإن الاتحاد الأوروبي والشركاء الغربيين لم يجدوا دولة يعتمدون عليها في حفظ الأمن والاستقرار مثل مصر».

فلسطينيون ينظرون إلى الدمار بعد غارة إسرائيلية على رفح بقطاع غزة (أ.ب)

ويعتقد الوزير المصري أن ذلك «هو الوضع أيضاً بالنسبة لباقي دول العالم التي تحرص على أن يكون دور القاهرة مهماً ونشيطاً حتى لا يحدث في المنطقة أزمات أكثر مما هو قائم بالفعل»، مشدداً على أن مصر كانت وستكون «ركيزة الاستقرار في هذه المنطقة».

لا تغيير

إلا أن حنفي يرى أن «مسار الدبلوماسية المصرية لن يشهد تغييراً مع عبد العاطي»، موضحاً أن «مصر لديها سياسة خارجية عريقة وثوابت لا تتغير بتغيير الأشخاص». وتعهد عبد العاطي في بيان للخارجية المصرية «باستكمال مسيرة من سبقوه في تولي هذه المسؤولية في الدفاع عن المصالح المصرية وأمن مصر القومي، والاهتداء بالخطى والتوجيهات التي رسمها الرئيس المصري للحكومة الجديدة».

ويعتقد الحفني أن أبرز الملفات التي ستكون على طاولة الوزير الجديد «هي الملفات السابقة نفسها للوزير شكري، وفي مقدمتها ملف غزة والمفاوضات لوقف الحرب المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي». لكن الحفني يشير أيضاً إلى أنه «سيكون هناك اهتمام أكبر بملف العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن الملفات المستمرة كـ(سد النهضة) والصراعات في السودان وليبيا واليمن وسوريا».