تحركات حكومية مصرية للسيطرة على غلاء السلع الأساسية

أعلنت عن مبادرة لخفض أسعار المنتجات الداجنة بنسبة تصل لـ15 %

أسعار الدواجن في مصر شهدت ارتفاعات غير مسبوقة خلال الأشهر الماضية (وزارة الزراعة المصرية)
أسعار الدواجن في مصر شهدت ارتفاعات غير مسبوقة خلال الأشهر الماضية (وزارة الزراعة المصرية)
TT

تحركات حكومية مصرية للسيطرة على غلاء السلع الأساسية

أسعار الدواجن في مصر شهدت ارتفاعات غير مسبوقة خلال الأشهر الماضية (وزارة الزراعة المصرية)
أسعار الدواجن في مصر شهدت ارتفاعات غير مسبوقة خلال الأشهر الماضية (وزارة الزراعة المصرية)

واصلت الحكومة المصرية تحركاتها ونقاشاتها المتبادلة مع المُصنعين والمُنتجين والتجار بهدف السيطرة على أسعار السلع الأساسية، واحتواء موجة الغلاء التي شهدتها البلاد على مدار الأشهر الماضية. وجاءت أحدث تلك التحركات بمبادرة مع «اتحاد مُنتجي الدواجن» لخفض أسعار الدواجن وبيض المائدة بنسبة 10 إلى 15 في المائة.

وعانت مصر من ارتفاع غير مسبوق في أسعار الدواجن خلال الأشهر الماضية، جنباً إلى جنب مع ارتفاعات متتالية في أسعار جلّ السلع منذ بداية العام الحالي، خصوصاً المواد الغذائية، ومنتجات الألبان، واللحوم، نتيجة لتذبذب سعر الدولار أمام الجنيه المصري وعدم توافر العملة الصعبة في البلاد.

وأعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الاثنين، مبادرة «الاتحاد العام لمُنتجي الدواجن» لخفض أسعار الدواجن والبيض، تُحدد سعر كيلو الدجاج الحي في المزرعة ليكون 85 جنيهاً (الدولار يساوي 47.19 جنيه مصري)، وسعر كرتونة بيض المائدة ليكون 135 جنيهاً، على أن يتم بدء العمل بتلك الأسعار وتطبيقها ابتداءً من يوم الثلاثاء.

وأوضح وزير الزراعة السيد القصير أن تلك المبادرة هي استجابة لتوجيهات القيادة السياسية، وكذا مبادرات الحكومة وجهودها لخفض أسعار السلع، لا سيّما في ظل ما قدمته الدولة من تيسيرات لتخفيف العبء عن المستهلكين.

كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي طالب الحكومة، الأسبوع الماضي، بتنفيذ مبادرة لخفض الأسعار في البلاد على خلفية الارتفاع الكبير الذي تشهده أهم السلع في مصر.

وإثر ذلك توافق رئيس الوزراء في لقاء مع كبار مُصنعي ومُنتجي ومُوردي السلع الغذائية على متابعة حركة السوق وتحقيق انخفاض للأسعار بما يتراوح بين 15 إلى 20 في المائة خلال الفترة الحالية، مع العمل على الوصول بهذه النسبة إلى 30 في المائة عقب انتهاء عيد الفطر، وأشار رئيس الوزراء إلى أنه وفقاً لما تم التوافق عليه، فإنه يجب أن تنخفض الأسعار هذه الأيام بالنسب المقررة، على أن تزيد مستويات الانخفاض تدريجياً خلال الأيام المقبلة.

ولتفعيل تلك التحركات الحكومية، وجه مدبولي بنزول فرق عمل من مجلس الوزراء للتأكد من تطبيق خفض الأسعار بالسلاسل التجارية والسوبر ماركت للوقوف على حقيقة استجابة المصنعين والتجار لمبادرة خفض الأسعار.

ووفق المستشار محمد الحمصاني، المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء، فإن هناك استعدادات ضخمة من الحكومة لاستقبال عيد الفطر من خلال إتاحة مزيد من السلع في الأسواق ومتابعة ضبط أسعار السلع، مضيفاً: «الفترة الماضية شهدت الإفراجات الجمركية عن السلع الأساسية وضخها بالأسواق، خصوصاً الأدوية والأعلاف ومستلزمات الإنتاج ما يسهم في ضبط أسعار السلع بعد العيد».

وأضاف في تصريحات متلفزة: «سنتابع مزيد من انخفاض الأسعار للسلع خلال الفترة المقبلة حتى تصل إلى 30 في المائة وفقاً لاتفاقات مع الشركات الخاصة».

وفيما تهدف مبادرة «اتحاد مُنتجي الدواجن» لأن يكون سعر الدواجن للمستهلك 95 جنيهاً كحد أقصى، و145 جنيهاً لكرتونة البيض، قال عبد العزيز السيد، رئيس شعبة الدواجن باتحاد الغرف التجارية في مصر، لـ«الشرق الأوسط»: إن «سعر كيلو الدواجن تجاوز حالياً المائة جنيه، ووصل سعر كرتونة البيض إلى نحو 170 جنيهاً، وهي بالطبع أسعار فيها مبالغات غير مبررة، لأن الدواجن هي الملاذ الآمن لكل فئات المجتمع».

وأوضح السيد أن المبادرة الجديدة ستنعكس على الأسواق خلال المرحلة المقبلة، بل من المتوقع أن تنخفض إلى أقل مما هو معلن مع اقتراب عيد الفطر، وانصراف المواطنين إلى شراء ملابس العيد والكعك والبسكويت، إلى جانب أن الدواجن سلعة حية لا يفضل تخزينها.

وأوضح أن «التحدي الأبرز في المبادرة يتعلق بالبيض، فهناك منتجون حالياً يؤكدون وجود شح في قطاع الأمهات المسؤول عن إنتاج البيض، لذا إذا استطاع اتحاد مُنتجي الدواجن أن يعالج ذلك الأمر، وبالفعل استطاع توفير كرتونة البيض للمستهلك بسعر 145 جنيهاً، فسيكون ذلك أمراً جيداً للغاية، ويعني نجاح المبادرة في خفض الأسعار».

ويرى الخبير الاقتصادي، أشرف غراب، أن «كافة التحركات الحكومية مع المُصنعين والتجار سيكون لها أثر إيجابي على خفض أسعار السلع بالأسواق واستقرار السوق خلال الفترة المقبلة»، مستطرداً: «حان الوقت لتخفيض سعر السلع بالأسواق وبشكل سريع، حتى يشعر المواطن بتحسن، ويستطيع تلبية احتياجاته اليومية، وهذا يحتاج إلى رقابة شديدة على الأسواق من الجهات الرقابية الحكومية، للتأكد من مدى الالتزام بتطبيق مبادرات السيطرة على غلاء السلع الأساسية».

وأوضح غراب لـ«الشرق الأوسط»، أن كافة المبادرات الحكومية الأخيرة، وكذلك قرار وزير المالية بإتاحة 120 مليار جنيه تمويلات ميسرة لأنشطة الإنتاج الزراعي والصناعي بفائدة لا تزيد على 15 في المائة، تسهم في دفع عجلة الإنتاج وتعظيم الصناعة الوطنية وتحقيق الأمن الغذائي، ما ينعكس بالإيجاب على الاقتصاد المصري، كما سيكون لها أثر إيجابي في انخفاض الأسعار وتراجع معدلات التضخم خلال الفترة المقبلة.

وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية قفز إلى 35.7 في المائة في فبراير (شباط) الماضي من 29.8 في المائة في يناير (كانون الثاني) الماضي، مدفوعاً بشكل أساسي بارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات.


مقالات ذات صلة

الحكومة المصرية لتشديد عقوبات «سرقة الكهرباء»

شمال افريقيا مجلس الوزراء المصري برئاسة مصطفى مدبولي (مجلس الوزراء)

الحكومة المصرية لتشديد عقوبات «سرقة الكهرباء»

وسط إجراءات مصرية مكثفة لاستمرار «تنفيذ خطة عدم قطع الكهرباء» في البلاد، تدرس الحكومة المصرية تشديد عقوبات «سرقة الكهرباء».

أحمد إمبابي (القاهرة )
شمال افريقيا عامل في محطة وقود بالعاصمة المصرية القاهرة (رويترز)

مصر ترفع أسعار الوقود محلياً قبل مراجعة من صندوق النقد

رفعت مصر، الخميس، أسعار مجموعة واسعة من منتجات الوقود، قبل 4 أيام من إجراء صندوق النقد الدولي مراجعة لبرنامج قروض موسع للبلاد بقيمة 8 مليارات دولار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد العاصمة المصرية القاهرة (رويترز)

محللون يتوقعون نمو الاقتصاد المصري 4 % في السنة المالية الجديدة

توقع اقتصاديون أن يكون نمو الاقتصاد المصري أبطأ قليلاً في السنة المالية الجديدة، عند 4 % عما كان متوقعاً في أبريل (نيسان) الماضي، عند 4.3 %.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد مقر البنك المركزي المصري في العاصمة القاهرة (رويترز)

الدين الخارجي لمصر يسجل أكبر تراجع تاريخي

قال مصدر رفيع بالبنك المركزي المصري، إن الدين الخارجي يتراجع من مستوياته المرتفعة، ليسجل «أكبر تراجع تاريخي، بقيمة تتجاوز 14 مليار دولار منذ ديسمبر 2023».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد وزير الطاقة السعودي يتوسط وزيري الكهرباء والبترول المصريين في الرياض (الشرق الأوسط)

مصر: الربط الكهربائي مع السعودية قبل الصيف المقبل

أكد وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري، محمود عصمت، أن مشروع الربط الكهربائي مع السعودية سيبدأ التشغيل والربط على الشبكة الموحدة قبل بداية الصيف المقبل.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
TT

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)

في الوقت الذي يتجه فيه السودان صوب المجاعة، يمنع جيشه الأمم المتحدة من جلب كميات هائلة من الغذاء إلى البلاد عبر معبر حدودي حيوي؛ ما يؤدي فعلياً إلى قطع المساعدات عن مئات الآلاف من الناس الذين يعانون من المجاعة في أوج الحرب الأهلية. ويحذّر الخبراء من أن السودان، الذي بالكاد يُسيّر أموره بعد 15 شهراً من القتال، قد يواجه قريباً واحدة من أسوأ المجاعات في العالم منذ عقود. ولكن رفْض الجيش السوداني السماح لقوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة بالمرور عبر المعبر يقوّض جهود الإغاثة الشاملة، التي تقول جماعات الإغاثة إنها ضرورية للحيلولة دون مئات الآلاف من الوفيات (ما يصل إلى 2.5 مليون شخص، حسب أحد التقديرات بحلول نهاية العام الحالي).

ويتعاظم الخطر في دارفور، المنطقة التي تقارب مساحة إسبانيا، والتي عانت من الإبادة الجماعية قبل عقدين من الزمان. ومن بين 14 ولاية سودانية معرّضة لخطر المجاعة، تقع 8 منها في دارفور، على الجانب الآخر من الحدود التي تحاول الأمم المتحدة عبورها، والوقت ينفد لمساعدتها.

نداءات عاجلة

ويقع المعبر الحدودي المغلق -وهو موضع نداءات عاجلة وملحة من المسؤولين الأميركيين- في أدري، وهو المعبر الرئيسي من تشاد إلى السودان. وعلى الحدود، إذ لا يزيد الأمر عن مجرد عمود خرساني في مجرى نهر جاف، يتدفق اللاجئون والتجار والدراجات النارية ذات العجلات الأربع التي تحمل جلود الحيوانات، وعربات الحمير المحملة ببراميل الوقود.

رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

لكن ما يُمنع عبوره إلى داخل السودان هو شاحنات الأمم المتحدة المليئة بالطعام الذي تشتد الحاجة إليه في دارفور؛ إذ يقول الخبراء إن هناك 440 ألف شخص على شفير المجاعة بالفعل. والآن، يقول اللاجئون الفارّون من دارفور إن الجوع، وليس الصراع، هو السبب الرئيسي وراء رحيلهم. السيدة بهجة محكر، وهي أم لثلاثة أطفال، أصابها الإعياء تحت شجرة بعد أن هاجرت أسرتها إلى تشاد عند معبر «أدري». وقالت إن الرحلة كانت مخيفة للغاية واستمرت 6 أيام، من مدينة الفاشر المحاصرة وعلى طول الطريق الذي هددهم فيه المقاتلون بالقضاء عليهم.

دهباية وابنها النحيل مؤيد صلاح البالغ من العمر 20 شهراً في مركز علاج سوء التغذية بأدري (نيويورك تايمز)

لكن الأسرة شعرت بأن لديها القليل للغاية من الخيارات. قالت السيدة محكر، وهي تشير إلى الأطفال الذين يجلسون بجوارها: «لم يكن لدينا ما نأكله». وقالت إنهم غالباً ما يعيشون على فطيرة واحدة في اليوم.

الجيش: معبر لتهريب الأسلحة

وكان الجيش السوداني قد فرض قراراً بإغلاق المعبر منذ 5 أشهر، بدعوى حظر تهريب الأسلحة. لكن يبدو أن هذا لا معنى له؛ إذ لا تزال الأسلحة والأموال تتدفق إلى السودان، وكذلك المقاتلون، من أماكن أخرى على الحدود الممتدة على مسافة 870 ميلاً، التي يسيطر عليها في الغالب عدوه، وهو «قوات الدعم السريع».

لاجئون فرّوا حديثاً من منطقة في دارفور تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في مخيم بتشاد (نيويورك تايمز)

ولا يسيطر الجيش حتى على المعبر في أدري، إذ يقف مقاتلو «قوات الدعم السريع» على بُعد 100 متر خلف الحدود على الجانب السوداني. وعلى الرغم من ذلك، تقول الأمم المتحدة إنها يجب أن تحترم أوامر الإغلاق من الجيش، الذي يتخذ من بورتسودان مقراً له على بُعد 1000 ميل إلى الشرق، لأنه السلطة السيادية في السودان. وبدلاً من ذلك، تضطر الشاحنات التابعة للأمم المتحدة إلى القيام برحلة شاقة لمسافة 200 ميل شمالاً إلى معبر «الطينة»، الذي تسيطر عليه ميليشيا متحالفة مع الجيش السوداني؛ إذ يُسمح للشاحنات بدخول دارفور. هذا التحول خطير ومكلّف، ويستغرق ما يصل إلى 5 أضعاف الوقت الذي يستغرقه المرور عبر «أدري». ولا يمر عبر «الطينة» سوى جزء يسير من المساعدات المطلوبة، أي 320 شاحنة منذ فبراير (شباط)، حسب مسؤولين في الأمم المتحدة، بدلاً من آلاف شاحنات المساعدات الضرورية التي يحتاج الناس إليها. وقد أُغلق معبر «الطينة» أغلب أيام الأسبوع الحالي بعد أن حوّلت الأمطار الموسمية الحدود إلى نهر.

7 ملايين مهددون بالجوع

وفي الفترة بين فبراير (شباط)، عندما أُغلق معبر «أدري» الحدودي، ويونيو (حزيران)، ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات طارئة من الجوع من 1.7 مليون إلى 7 ملايين شخص. وقد تجمّع اللاجئون الذين وصلوا مؤخراً على مشارف مخيم أدري، في حين انتظروا تسجيلهم وتخصيص مكان لهم. ومع اقتراب احتمالات حدوث مجاعة جماعية في السودان، أصبح إغلاق معبر «أدري» محوراً أساسياً للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة، كبرى الجهات المانحة على الإطلاق، من أجل تكثيف جهود المساعدات الطارئة. وصرّحت ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مؤخراً للصحافيين: «هذه العرقلة غير مقبولة على الإطلاق».

أحد مراكز سوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود» في أدري إذ يُطبّب طفل من جرح ملتهب في ذراعه ناجم عن العلاج الوريدي المستمر لسوء التغذية (نيويورك تايمز)

وكان إيصال المساعدات إلى دارفور صعباً حتى قبل الحرب. وتقع أدري تقريباً على مسافة متساوية من المحيط الأطلسي إلى الغرب والبحر الأحمر إلى الشرق، أي نحو 1100 ميل من الاتجاهين. فالطرق مليئة بالحفر، ومتخمة بالمسؤولين الباحثين عن الرشوة، وهي عُرضة للفيضانات الموسمية. وقال مسؤول في الأمم المتحدة إن الشاحنة التي تغادر ميناء «دوالا» على الساحل الغربي للكاميرون تستغرق نحو 3 أشهر للوصول إلى الحدود السودانية. ولا يقتصر اللوم في المجاعة التي تلوح في الأفق على الجيش السوداني فحسب، فقد مهّدت «قوات الدعم السريع» الطريق إليها أيضاً، إذ شرع مقاتلو «الدعم السريع»، منذ بدء الحرب في أبريل (نيسان) 2023 في تهجير ملايين المواطنين من منازلهم، وحرقوا مصانع أغذية الأطفال، ونهبوا قوافل المساعدات. ولا يزالون يواصلون اجتياح المناطق الغنية بالغذاء في السودان، التي كانت من بين أكثر المناطق إنتاجية في أفريقيا؛ ما تسبّب في نقص هائل في إمدادات الغذاء.

استجابة دولية هزيلة

وكانت الاستجابة الدولية لمحنة السودان هزيلة إلى حد كبير، وبطيئة للغاية، وتفتقر إلى الإلحاح.

في مؤتمر عُقد في باريس في أبريل، تعهّد المانحون بتقديم ملياري دولار مساعدات إلى السودان، أي نصف المبلغ المطلوب فقط، لكن تلك التعهدات لم تُنفذ بالكامل. وفي مخيمات اللاجئين المزدحمة في شرق تشاد، يُترجم الافتقار للأموال إلى ظروف معيشية بائسة. وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، التي تدير مخيمات اللاجئين في تشاد، إن عملياتها ممولة بنسبة 21 في المائة فقط في شهر يونيو. وقد اضطر برنامج الأغذية العالمي مؤخراً إلى خفض الحصص الغذائية، إثر افتقاره إلى الأموال.

يعيش ما يقرب من 200 ألف شخص في مخيم أدري الذي يمتد إلى الصحراء المحيطة حيث المأوى نادر ولا يوجد ما يكفي من الطعام أو الماء (نيويورك تايمز)

ومع هطول الأمطار بغزارة، جلست عائشة إدريس (22 عاماً)، تحت غطاء من البلاستيك، تمسّكت به بقوة في وجه الرياح، في حين كانت تُرضع ابنتها البالغة من العمر 4 أشهر. وكان أطفالها الثلاثة الآخرون جالسين بجوارها، وقالت: «نحن ننام هنا»، مشيرة إلى الأرض المبتلة بمياه الأمطار. لم يكن هناك سوى 3 أسرّة خالية في مركز لسوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود»، وكان ممتلئاً بالرضع الذين يعانون من الجوع. وكان أصغرهم يبلغ من العمر 33 يوماً، وهي فتاة تُوفيت والدتها في أثناء الولادة. في السرير التالي، كان الطفل مؤيد صلاح، البالغ من العمر 20 شهراً، الذي كان شعره الرقيق وملامحه الشاحبة من الأعراض المعروفة لسوء التغذية، قد وصل إلى تشاد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد أن اقتحم مسلحون منزل أسرته في الجنينة، عبر الحدود في دارفور، وقتلوا جده. وقالت السيدة دهباية، والدة الطفل مؤيد: «لقد أردوه قتيلاً أمام أعيننا». والآن، صار كفاحهم من أجل البقاء على قيد الحياة بفضل حصص الأمم المتحدة الضئيلة. ثم قالت، وهي تضع ملعقة من الحليب الصناعي في فم طفلها: «أياً كان ما نحصل عليه، فهو ليس كافياً بالمرة».

سفير سوداني: المساعدات مسيّسة

وفي مقابلة أُجريت معه، دافع الحارث إدريس الحارث محمد، السفير السوداني لدى الأمم المتحدة، عن إغلاق معبر «أدري»، مستشهداً بالأدلة التي جمعتها الاستخبارات السودانية عن تهريب الأسلحة.

مندوب السودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس خلال جلسة سابقة لمجلس الأمن (أ.ب)

وقال إن الأمم المتحدة «سعيدة» بترتيب توجيه الشاحنات شمالاً عبر الحدود في الطينة. وأضاف أن الدول الأجنبية التي تتوقع مجاعة في السودان تعتمد على «أرقام قديمة»، وتسعى إلى إيجاد ذريعة «للتدخل الدولي». ثم قال: «لقد شهدنا تسييساً متعمّداً ودقيقاً للمساعدات الإنسانية إلى السودان من الجهات المانحة». وفي معبر أدري، يبدو عدم قدرة الجيش السوداني على السيطرة على أي شيء يدخل البلاد واضحاً بشكل صارخ. وقال الحمّالون، الذين يجرّون عربات الحمير، إنهم يُسلّمون مئات البراميل من البنزين التي تستهلكها سيارات الدفع الرباعي التابعة لـ«قوات الدعم السريع»، التي عادة ما تكون محمّلة بالأسلحة.

*خدمة نيويورك تايمز