سجن رئيس «منظمة الشفافية» يُعيد ملف الفساد إلى واجهة الأحداث في موريتانيا

أحزاب عدَّت القرار بمثابة «تهديد مبطّن» لكل من يتجرأ على فضح الخروقات

رئيس «منظّمة الشفافية الشاملة» الموريتانية محمد ولد غده (الشرق الأوسط)
رئيس «منظّمة الشفافية الشاملة» الموريتانية محمد ولد غده (الشرق الأوسط)
TT

سجن رئيس «منظمة الشفافية» يُعيد ملف الفساد إلى واجهة الأحداث في موريتانيا

رئيس «منظّمة الشفافية الشاملة» الموريتانية محمد ولد غده (الشرق الأوسط)
رئيس «منظّمة الشفافية الشاملة» الموريتانية محمد ولد غده (الشرق الأوسط)

بعد أن نشر تقارير تتحدّث عن فساد وخروقات، ارتكبتها إحدى الشركات الخاصة خلال تنفيذها مشاريع تابعة للدولة، أعاد قرار وضع رئيس «منظمة الشفافية الشاملة» الموريتانية، محمد ولد غده، في السجن ملف الفساد إلى الواجهة في البلاد. وكان القضاء قد أحال ولد غده إلى السجن، الثلاثاء الماضي، بناء على طلب النيابة العامة، التي اتهمته بارتكاب جريمة «القذف والافتراء، ونشر معلومات كاذبة عن الغير عبر الإنترنت للضرر به».

واستحوذ قرار وضع ولد غده في السجن على اهتمام الموريتانيين وتفاعلوا معه، كما أصدرت أحزاب سياسية، وبينها أحزاب معارضة، بيانات تندد بتوقيف السيناتور السابق، موضحة أن هذا القرار بمثابة تهديد مبطّن «لكل من يتجرأ على فضح الفساد في موريتانيا».

عقاب مُخالف للقانون

قال رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، أحمد سالم ولد بوحبيني، في تصريحات نقلتها (وكالة أنباء العالم العربي)، إنّ توقيف ولد غده على خلفية شكوى من طرف شركة (بيس تي بي) «عقاب سابق لأوانه ومخالف للقانون، بسبب عدم توفّر شروط الحبس الاحتياطي المنصوص عليها في المادة 138 من مجلّة المرافعات الجنائية، ومخالف لمبدأ قرينة البراءة، ويضعف من مركزه مقابل الطرف الآخر».

ورأى ولد بوحبيني أن «الإجراء المتّخذ في حق ولد غده لا مسوغ له، ولا مسوّغ حتى للمراقبة القضائيّة في حقه، ويدخل في إطار السلوكيّات المخالفة للقانون، التي ما زالت راسخة، وتعيق التقيد الحاصل في مجال حقوق الإنسان».

رؤساء أحزاب معارضة رأوا أن توقيف محمد ولد غده بمثابة «تهديد مبطّن» لكل من يتجرأ على فضح الفساد في موريتانيا (الشرق الأوسط)

أما رئيس حزب (اتحاد قوى التقدّم) المعارض، محمد ولد مولود، فقال إنّ غياب المسوّغ لحبس رئيس المنظمة «أمر خطير... يبدّد الثقة في جديّة مكافحة الفساد»، مبيناً أنّ سجن ولد غده «محاولة لوأد عمل جاد للمجتمع المدني للإسهام في مكافحة هذا الداء العضال (الفساد). بدوره، قال النائب المعارض، العيد ولد محمدن، إن «من أبرز مميزات هذا النظام سعيه الدؤوب لتحصين الفساد والمفسدين، وتدوير الفاشلين، وتكرار ممارسات بائدة سيدفع ثمنها».

ادعاءات وترهيب

على الجانب الآخر، قال فريق دفاع شركة (بيس تي بي) إنّ تحريك الدعوى ضد ولد غده جاء بسبب تجاهل «منظمة الشفافية الشاملة» الشركات الأخرى، رغم أن حصة الشركة لا تتجاوز نسبة 0.26 في المائة من الصفقة. وكانت «منظمة الشفافية» نشرت في فبراير (شباط) الماضي تقريراً معززاً بالوثائق يشير إلى اختلاس نحو مليار أوقية قديمة (نحو 2.8 مليون دولار أميركي) من مشروع تشييد ممر إسمنتي طوله 380 متراً.

وقالت المنظمة إن التقرير يسلّط الضوء على «صفقة فاسدة تم احتيال 90 في المائة من قيمتها، حيث تم تنفيذ بلاط من الإسمنت، بدلاً من الممرات المُعلن عنها، ما تسبب في خسارة للدولة تقدّر بنحو 728 مليون أوقيّة قديمة».

وفنّد فريق دفاع الشركة المتهمة ما جاء في التقرير، مشيراً إلى أنّ الشركة نفّذت هذه الأشغال في ظرف قياسي وفي أثناء أزمة «كوفيد 19»، ونجحت في إكماله وفق المواصفات وبالطريقة المطلوبة.

ويرى الكاتب الصحافي، محمد سالم ولد الشيخ أنّ سجن ولد غده يمثّل عاملاً أساسياً ودوراً في «تخويف وترهيب منظّمات المجتمع المدني المهتمّة بمكافحة الفساد، ومتابعة الطرق الملتوية التي يسلكها المفسدون».

وقال لـ«وكالة أنباء العالم العربي»: «بدلاً من فتح تحقيق في المعلومات التي قدمتها المنظمة، ومعرفة مصادرها وصدقيّتها، ومن ثم محاسبة الجهات المخلّة بالعقود والالتزامات الفنيّة في الصفقات، يتم توقيف رئيس منظمة الشفافية بصفة استباقية لكي ترسل رسالة لكلّ من يحاول دسّ أنفه في الصفقات الكبرى، وكيفيّة تطبيقها، أن عليه أن يتوقع مصيراً مشابهاً»، مبيناً أن اعتقال السيناتور السابق «غير مشجّع البتّة للصحافة المهتمة بالفساد وكشفه، وبمنظمات المجتمع المدني ولو كانت مرخصة وتعمل بطريقة شفافة».

الحكومة تنأى بنفسها عن القضية

من جهتها، سارعت الحكومة الموريتانية إلى النأي بنفسها عن ملف محمد ولد غده، بعد أن تم توجيه تهم إليها من طرف معارضين على أنها تغض الطرف عن رئيس اتحاد أرباب العمل، زين العابدين ولد محمد. وقال وزير البترول والناطق الرسمي باسم الحكومة، الناني ولد اشروقه، إن الحكومة «ليست طرفاً في هذه القضية، وهذا موضوع يعود إلى التقاضي بين طرفين، والحكومة لا تعلّق على هذه القضية»، مؤكداً أن «القضاء مستقل، واللجوء إليه سلوك مدني وحق قانوني».

الناطق الرسمي باسم الحكومة أكد أن الأخيرة «ليست طرفاً في هذه القضية» (الشرق الأوسط)

وتأتي إحالة ولد غده إلى السجن في ظل حديث منظمات ومؤسسات عن ارتفاع وتيرة الفساد في موريتانيا في السنوات الأخيرة واستشرائه، وذلك ما أكدته محكمة الحسابات في تقرير نشرته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عن عمليات المراقبة التي قامت بها خلال الأعوام من 2019 حتى 2021.

وتحدث ذلك التقرير عن وجود خروقات وعمليات فساد في عدد من الوزارات والإدارات العمومية. وقالت المحكمة إنها خرجت بعدة ملاحظات بعد زيارة فرق المراقبة؛ من أهمها «وجود نواقص جوهريّة في أنظمة الرقابة الداخلية للجهات التي خضعت للرقابة»، مبرزة أن من بين النواقص التي لاحظتها «الجمع بين وظائف متعارضة، وعدم تفعيل اللجان الداخلية للصفقات والمفتشيات، وضعف أنظمة التنسيق والمتابعة».

كما كشف التقرير عن أن الإدارات التي شملها التقرير لا تحترم نظام الصفقات العمومية، وأن «عدم احترام بنود البرامج التعاقدية منح عطايا وهبات دون أساس قانوني». وقالت المحكمة إن «هذه الانتهاكات تثري مخاوف بشأن مدى امتثال الهيئات الخاضعة للرقابة للمبادئ الأساسية للنزاهة، والمساءلة في تسيير الموارد العمومية».

الإطاحة بمسؤولين حكوميين

وتسبب التقرير في الإطاحة بمسؤولين حكوميين كبار، بينهم الأمين العام السابق لوزارة الشؤون الاجتماعية والأمين العام لوزارة البيئة. وتقول المعارضة إن المسؤولين المشمولين في ملفات الفساد لم يتم تقديمهم للعدالة، تمهيداً لمحاكمتهم، وهو ما تعده «عجزاً حكومياً عن معاقبة المفسدين».

الرئيس الموريتاني أكد في مقابلة أجريت معه في أكتوبر الماضي أنه لا ينفي وجود ظاهرة الفساد بالبلاد (الشرق الأوسط)

وسبق أن قال الرئيس الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني، في مقابلة أجريت معه في أكتوبر الماضي إنه لا ينفي وجود ظاهرة الفساد في البلاد لسببين؛ أولهما استحالة ذلك في أي بلد من العالم، والثاني أنه ليس ممن يهتمون بخطابات ديماغوغية تغطي على الحقائق، مشدداً على أن ما ينفيه هو «تفاقم الفساد وزيادة انتشاره في السنوات الأربع الأخيرة».

(الدولار يساوي 357 أوقية موريتانية قديمة تقريباً)



كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
TT

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

يواجه الكاتب الجزائري - الفرنسي الشهير بوعلام صنصال، عقوبة سجن تتراوح بين 12 شهراً و5 سنوات، بسبب تصريحات مستفزة بالنسبة للسلطات، أطلقها في فرنسا، تخص الجزائر والمغرب و«بوليساريو»، والاحتلال الفرنسي لشمال أفريقيا خلال القرنين الـ19 والـ20.

وأكدت وكالة الأنباء الجزائرية، أمس، في مقال شديد اللهجة ضد صنصال وقطاع من الطيف الفرنسي متعاطف معه، أنه موقوف لدى مصالح الأمن، وذلك بعد أيام من اختفائه، حيث وصل من باريس في 16 من الشهر الجاري، وكان يفترض أن يتوجه من مطار العاصمة الجزائرية إلى بيته في بومرداس (50 كم شرقاً)، عندما تعرض للاعتقال.

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (متداولة)

وفيما لم تقدم الوكالة الرسمية أي تفاصيل عن مصير مؤلف رواية «قرية الألماني» الشهيرة (2008)، رجح محامون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، أن يتم عرضه على النيابة قبل نهاية الأسبوع الجاري (عمل القضاة يبدأ الأحد من كل أسبوع)، بناء على قرائن تضعه تحت طائلة قانون العقوبات.

وبحسب آراء متوافقة لمختصين في القانون، قد يتعرض صنصال (75 سنة) لتهم تشملها مادتان في قانون العقوبات: الأولى رقم «79» التي تقول إنه «يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات كل من ارتكب فعلاً من شأنه الإضرار بالمصلحة الوطنية، أو أمن الدولة، أو تهديد سيادتها». والمادة «87 مكرر»، التي تفيد بأنه «يعتبر عملاً إرهابياً أو تخريبياً كل فعل يستهدف أمن الدولة، والوحدة الوطنية، واستقرار المؤسسات وسيرها العادي».

وإن كانت الوقائع التي يمكن أن تُبنى عليها هذه التهم غير معروفة لحد الساعة، فإن غالبية الصحافيين والمثقفين متأكدون أن تصريحات صنصال التي أطلقها في الإعلام الفرنسي، هي التي ستجره إلى المحاكم الجزائرية. ففي نظر بوعلام صنصال فقد «أحدث قادة فرنسا مشكلة عندما ألحقوا كل الجزء الشرقي من المغرب بالجزائر»، عند احتلالهم الجزائر عام 1830، مشيراً إلى أن محافظات وهران وتلمسان ومعسكر، في غرب الجزائر، «كانت تابعة للمغرب».

وذهب صنصال إلى أبعد من ذلك، عندما قال إن نظام الجزائر «نظام عسكري اخترع (بوليساريو) لضرب استقرار المغرب». كما قال إن فرنسا «لم تمارس استعماراً استيطانياً في المغرب؛ لأنه دولة كبيرة... سهل جداً استعمار أشياء صغيرة لا تاريخ لها»، ويقصد بذلك ضمناً الجزائر، وهو موقف من شأنه إثارة سخط كبير على المستويين الشعبي والرسمي.

الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود (أ.ب)

وهاجمت وكالة الأنباء الجزائرية بشدة الكاتب، فيما بدا أنه رد فعل أعلى سلطات البلاد من القضية؛ إذ شددت على أن اليمين الفرنسي المتطرف «يقدّس صنصال»، وأن اعتقاله «أيقظ محترفي الاحتجاج؛ إذ تحركت جميع الشخصيات المناهضة للجزائر، والتي تدعم بشكل غير مباشر الصهيونية في باريس، كجسد واحد»، وذكرت منهم رمز اليمين المتطرف مارين لوبان، وإيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» المعروف بمواقفه المعادية للمهاجرين الجزائريين في فرنسا، وجاك لانغ وزير الثقافة الاشتراكي سابقاً، وكزافييه دريانكور سفير فرنسا بالجزائر سابقاً الذي نشر كتاب «الجزائر اللغز» (2024)، والذي هاجم فيه السلطات الجزائرية. كما ذكرت الوكالة الكاتب الفرنسي - المغربي الطاهر بن جلون.

إيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» اليميني (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

كما تناول مقال الوكالة أيضاً الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود، المتابع قضائياً من طرف امرأة ذكرت أنه «سرق قصتها» في روايته «حور العين» التي نال بها قبل أيام جائزة «غونكور» الأدبية. وقالت الوكالة بشأن داود وصنصال: «لقد اختارت فرنسا في مجال النشر، بعناية، فرسانها الجزائريين في مجال السرقات الأدبية والانحرافات الفكرية».

يشار إلى أن الإعلام الفرنسي نقل عن الرئيس إيمانويل ماكرون «قلقه على مصير صنصال»، وأنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه. ورأى مراقبون في ذلك محاولة من باريس للضغط على الجزائر في سياق قطيعة تامة تمر بها العلاقات الثنائية، منذ أن سحبت الجزائر سفيرها من دولة الاستعمار السابق، في يوليو (تموز) الماضي، احتجاجاً على قرارها دعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء. كما طالبت دار النشر الفرنسية «غاليمار» بـ«الإفراج» عن الكاتب الفرنسي - الجزائري صنصال بعد «اعتقاله» على يد «أجهزة الأمن الجزائرية»، غداة إبداء الرئاسة الفرنسية قلقها إزاء «اختفائه». وكتبت دار النشر في بيان: «تُعرب دار غاليمار (...) عن قلقها العميق بعد اعتقال أجهزة الأمن الجزائرية الكاتب، وتدعو إلى الإفراج عنه فوراً».

الرئيس إيمانويل ماكرون أبدى «قلقه على مصير صنصال» وأكد أنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه (الرئاسة الجزائرية)

ويعاب على صنصال الذي كان مسؤولاً بوزارة الصناعة الجزائرية لمدة طويلة، «إدراج الجزائر شعباً وتاريخاً، في أعماله الأدبية، كمادة ضمن سردية ترضي فرنسا الاستعمارية». ومن هذه الأعمال «قرية الألماني» (2008) التي يربط فيها ثورة الجزائر بالنازية، و«قسم البرابرة» (1999) التي تستحضر الإرهاب والتوترات الاجتماعية في الجزائر. و«2084: نهاية العالم» (2015) التي تتناول تقاطع الأنظمة المستبدة مع الدين والسياسة.