هل يعزز العثور على «مقبرة» لمهاجرين في ليبيا الضغوط على تجّار البشر؟

وسط أنباء عن غرق قارب بـ«المتوسط» قبالة الزاوية

موقع «المقبرة الجماعية» التي عثر عليها بمنطقة الشويرف في ليبيا (جهاز المباحث الجنائية)
موقع «المقبرة الجماعية» التي عثر عليها بمنطقة الشويرف في ليبيا (جهاز المباحث الجنائية)
TT

هل يعزز العثور على «مقبرة» لمهاجرين في ليبيا الضغوط على تجّار البشر؟

موقع «المقبرة الجماعية» التي عثر عليها بمنطقة الشويرف في ليبيا (جهاز المباحث الجنائية)
موقع «المقبرة الجماعية» التي عثر عليها بمنطقة الشويرف في ليبيا (جهاز المباحث الجنائية)

عبّرت أوساط حقوقية في ليبيا عن صدمتها وانزعاجها الشديدين بعد إعلان العثور على «مقبرة جماعية» تضم جثث 65 مهاجراً غير نظامي، في جنوب غربي ليبيا، وسط مطالب بسرعة التحقيق في «الجريمة»، التي لم يكشف حتى الآن عمن يقف خلفها.

وطرح العثور على المقبرة التي كان «جهاز المباحث الجنائية» أول من أعلن عنها في منطقة الشويرف، أسئلة حول مدى إمكانية تعزيز الضغوط على مهربي البشر في ليبيا... ولم يكشف جهاز المباحث التابع لإدارة المختبرات والأدلة الجنائية بغرب ليبيا عن أي تفاصيل تتعلق بالضحايا الذين عثر على رفاتهم، أو معرفة جنسياتهم، منذ الكشف عن المقبرة قبل خمسة أيام، لكن «المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان» رجحت أن يكون الضحايا قضوا «أثناء عملية تهريبهم عبر الصحراء».

جانب من الجثث التي استخرجتها السلطات المحلية بالشويرف من «المقبرة الجماعية» (جهاز المباحث الجنائية)

وتوصف الشويرف جنوب غربي مدينة غريان بالجبل الغربي، بأنها من المناطق المشهورة بكثرة مخازن الاتجار بالبشر، وإحدى أبرز مسالك طرق ومسارات تهريب المهاجرين غير النظاميين من الحدود المترامية إلى الداخل الليبي.

وقال الحقوقي الليبي طارق لملوم، إن هذه «المقبرة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة»، ولفت إلى أنه تزامناً مع اليوم الدولي للحق في معرفة الحقيقة (الأحد)، نطالب في ليبيا أيضاً، بكشف الحقيقة فيما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

غير أن لملوم وهو رئيس «مؤسسة بلادي لحقوق الإنسان»، عبّر عن أسفه في تصريح إلى «الشرق الأوسط»، لأنه لم ينتج عن هذه الحادثة «توقيف أو ردع هؤلاء المتورطين في هذه الجرائم».

وفيما أبدى استغرابه من الإعلان عن المقبرة الجماعية «ثم إعادة مواراة الثرى من كانوا بها، مرة ثانية»، وجّه سؤالاً عن «كيفية التحقق من أن الرفات لمهاجرين، وليس لليبيين».

وعقب الإعلان عن «المقبرة الجماعية»، دعت «المنظمة الدولية للهجرة» في بيان، جميع الحكومات والسلطات الأفريقية إلى «تعزيز التعاون الإقليمي لضمان سلامة وحماية المهاجرين غير النظاميين».

مهاجرون تم إنقاذهم من قِبل السلطات اليونانية بعد انطلاقهم من سواحل ليبيا (رويترز)

ورأت أن حالات الوفاة هذه تُظهر «الحاجة الملحة إلى التعامل مع تحديات الهجرة غير المنظمة، بما في ذلك عبر استجابة منسّقة لتهريب المهاجرين والاتجار بالبشر»، عادّةً أنه «في غياب طرق منظّمة تمنح فرصاً للهجرة القانونية، سيتواصل وقوع هذا النوع من المآسي على هذه الطريق».

وذهبت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، في تصريح صحافي (الأحد) إلى أن اكتشاف مقابر الشويرف يُذكر «بالجرائم والانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون واللاجئون من حوادث الخطف، والاحتجاز مقابل دفع مبالغ مالية باهظة نظير إطلاق سراحهم»، كما أشارت إلى «الاتجار بهم من قبل عصابات الجريمة والجريمة المنظمة، وتصاعد نشاط شبكات تهريب المهاجرين التي تغلغلت في المدن الليبية، وبشكلٍ خاص في مناطق الجبل الغربي الشويرف والقريات ونسمة ومزدة».

وهي النقطة التي نوه إليها لملوم، وقال: «لو سلمنا بأن هذه مقبرة خاصة بمهاجرين، فقد سبقتها حوادث كثيرة من هذه النوع»، من بينها «مقبرة جماعية» عثر عليها في مارس (آذار) 2017 لمهاجرين، وجد على جثثهم آثار لإطلاق نار، ولم يتم الحديث بعد ذلك عن الحداثة.

كما ذكّر لملوم، بمقتل 30 مهاجراً بمدينة مزدة (جنوب غربي العاصمة)، في مايو (أيار) عام 2020، «قيل حينها إنه تم القبض على المتهم، لكن لا توجد نتائج حقيقية».

إعادة دفن 65 مهاجراً بمقبرة ثانية بمعرفة السلطات المحلية في ليبيا (جهاز المباحث الجنائية)

وسبق أن أعلنت حكومة «الوفاق الوطني» الليبية، برئاسة فائز السراج آنذاك، أن 30 مهاجراً قتلوا في بلدة مزدة، «على خلفية ثأرية، بعد أن قتل أحد  المشتبه بضلوعهم في عمليات الاتجار بالبشر على يد مهاجرين غير شرعيين، أثناء عملية تهريبهم».

ومزدة، بلدة جبلية (150 كيلومتراً جنوب غربي طرابلس)، تعد إحدى الطرق المفضلة لدى المهاجرين المقبلين من منطقة الساحل وغرب أفريقيا.

ورأت «المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان»، أن مأساة مقبرة الشويرف، «تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتصدي للتحديات والمخاطر المرتبطة بالهجرة غير النظامية، وكذلك التصدي لخطر تنامي وزيادة نشاط عصابات الاتجار بالبشر»، وقالت إن لم يحدث ذلك «ستظل تتواصل الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الضحايا من المهاجرين على يد هذه الشبكات الإجرامية».

وتُثمن المؤسسة، مباشرة النيابة العامة بمكتب النائب العام وجهاز المباحث الجنائية التحقيقات في ملابسات وظروف الواقعة، ودعت إلى اتخاذ الإجراءات القانونية كافة التي تكفل ملاحقة المتهمين في ارتكابها، وبما يضمن إنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم التي ترتكب بحق المهاجرين.

من عملية ترحيل عشرات المهاجرين من ليبيا إلى بنغلاديش (المنظمة الدولية للهجرة)

وأعربت المنظمة الأممية عن تقديرها لإطلاق السلطات الليبية تحقيقاً في وفاة المهاجرين، ودعتها إلى «ضمان انتشال رفات المهاجرين المتوفين والتعرف عليه ونقله في شكل يحفظ كرامة» الضحايا وإبلاغ عائلاتهم ومساعدتها.

غير أن لملوم انتهى إلى أن «التحقيق في مثل هذه الجرائم صعب المنال في ليبيا حتى الآن»، مبرراً ذلك بأنه لم تتوفر ردة فعل قوية في ليبيا سواء على مستوى الحكومة، التي تخضع منطقة الشويرف لسلطتها، أو حتى المؤسسات الدينية، ولا سيما ونحن في رمضان.

يأتي ذلك، في وقت تحدثت مؤسسة «العابرين» لمساعدة المهاجرين والخدمات الإنسانية، عن غرق قارب غرب ليبيا قبالة منطقة الحرشة بالقرب من الزاوية، كان على متنه 46 مهاجراً أغلبهم من سوريا ومصر، مشيرة إلى أنه تم إنقاذ 24 منهم، ولا يزال البحث يجري عن الباقين.


مقالات ذات صلة

مطالب بالتحقيق في «وقائع فساد» كشفها «المحاسبة» الليبي

شمال افريقيا الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)

مطالب بالتحقيق في «وقائع فساد» كشفها «المحاسبة» الليبي

عضو مجلس النواب الليبي جبريل أوحيدة لـ«الشرق الأوسط» تعليقاً على تقرير ديوان المحاسبة: «ما نتوقعه من فساد وهدر للمال العام أكبر مما ورد بتقرير ديوان المحاسبة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الوفد البرلماني الليبي برئاسة صالح في إيطاليا (مكتب صالح)

رئيس «النواب» يُشدد من روما على «حاجة ليبيا لحكومة موحدة»

دافع عقيلة صالح عن مجلسه خلال زيارته إلى روما، وقال إن «الجمود في العملية السياسية ليس بسبب البرلمان؛ بل نتيجة القوة القاهرة التي ذكرتها مفوضية الانتخابات».

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا مسؤولون ليبيون خلال عملية إنقاذ عدد من المهاجرين بعد تعطل مركبهم أثناء محاولتهم الهجرة السرية نحو أوروبا (الشرق الأوسط)

شبح «توطين المهاجرين» في ليبيا يستحضر نظام «الكفيل الخاص»

إلى جانب المخاطر الدستورية المحتملة، يخشى مراقبون من تهديدات «التوطين» للأمن القومي في ليبيا؛ إذ قد ينذر «باختراقات أمنية خطيرة وارتفاع معدلات الجريمة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من اجتماع الوفد الأممي مع القيادات المحلية في سبها جنوب ليبيا (البعثة الأممية)

خوري: حان الوقت ليمسك الليبيون بزمام أمورهم

ناقش وفد أممي بقيادة خوري، خلال زيارته مدينة سبها بجنوب ليبيا مع كبار المسؤولين العسكريين، تحسن الوضع الأمني في الجنوب وتحديات أمن الحدود.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا صورة لسيف القذافي تداولها أنصاره على صفحاتهم الشخصية

تصريحات منسوبة لسيف القذافي تعيده للساحة السياسية الليبية

يُبقي أنصار سيف الإسلام القذافي عليه حاضراً في المشهد السياسي الراهن بتصريحات غير موثقة للتأكيد على قربه من الحياة العامة رغم أنه لم يظهر في مكان عام منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

مطالب بالتحقيق في «وقائع فساد» كشفها «المحاسبة» الليبي

الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)
الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)
TT

مطالب بالتحقيق في «وقائع فساد» كشفها «المحاسبة» الليبي

الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)
الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)

فتح تقرير ديوان المحاسبة الليبي لعام 2023، الذي تم تسريبه قبل صدوره رسمياً، باباً جديداً من الانتقادات الموجهة للسلطة التنفيذية في طرابلس والمؤسسات التابعة لها، بعدما كشف عن «وقائع فساد»، وسط مطالب سياسية ومجتمعية بفتح تحقيق فيما تضمنه من تجاوزات.

وتنوعت أشكال الإنفاق و«التجاوزات المالية»، التي أوردها تقرير الديوان، الذي يعدّ أكبر جهاز رقابي في ليبيا، بين رواتب قطاع السفارات والقنصليات والبعثات الليبية لـ3478 موظفاً، منهم 1923 دبلوماسياً، و1555 عمالة محلية، والإنفاق ببذخ على شراء سيارات فارهة للمسؤولين، واستئجار طائرات خاصة.

المنفي والدبيبة في لقاء سابق (المجلس الرئاسي الليبي)

وأفاد التقرير بأن رواتب قطاع السفارات والقنصليات والبعثات وصل إلى 1.5 مليار دينار. (الدولار يساوي 4.8 دينار في السوق الرسمية)، كما أظهر تخصيص قرابة 50 مليون دينار لبند «سيارات»، وقرابة نصف مليار دينار للتدريب ضمن نفقات المؤسسة الوطنية للنفط.

ورغم ما كشف عنه التقرير من «تجاوزات مالية» أثارت حفيظة جل الليبيين الذين يعانون في صرف رواتبهم الشهرية، فقد قال عضو مجلس النواب، جبريل أوحيدة: «ما نتوقعه من فساد وهدر للمال العام أكبر مما ورد في تقرير ديوان المحاسبة».

شكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)

كما رصد التقرير إنفاق نفقات بدل سكن موظفي ديوان مجلس الوزراء ما مجموعه 847 ألف دينار، وسداد الحكومة 316.44 ألف دينار مقابل حجوزات فندقية لفترات طويلة لأشخاص، دون توضيح صفاتهم أو تبعيتهم، إلى جانب صرف 717 ألف دينار لشركة (ر. ال) التموينية، مقابل خدمات إعاشة استمرت بالوتيرة نفسها حتى في شهر رمضان.

وأرجع أوحيدة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» ازدياد حجم التجاوزات المالية إلى «غياب المتابعة والمحاسبة، وشرعنة الأجسام التنفيذية من الخارج، والصرف بترتيبات مالية خارج قوانين الميزانية، وما إلى ذلك من انقسام وفوضى».

النائب العام المستشار الصديق الصور (المكتب الإعلامي للنائب العام)

ولم يستثن التقرير أي جهاز من الأجهزة الليبية، حيث رصد إنفاق 10 آلاف دولار مقابل إقامة وفود رئاسية لليلة الوحدة في جناح فندقي خلال زيارتها إلى نيويورك، رغم وجود مقر ليبي لضيافة الشخصيات المرموقة. كما تضمن التقرير صرف 720 ألف دينار، مقابل توفير طائرة لنقل نائب رئيس المجلس الرئاسي إلى دولة غينيا مؤخراً.

وأظهر التقرير أيضاً توسع حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، في الإنفاق بشكل كبير، بداية من الصرف على «رحلات الطيران» قيمتها أكثر من مليوني ونصف مليون، وصولاً إلى إنفاقها 665 ألف دينار على «إحياء ليلة القدر» خلال شهر رمضان الماضي، بالإضافة إلى تخصيص نحو نصف مليون دينار لإقامة ندوة تتعلق بالانتخابات.

وقال الباحث والمحلل السياسي الليبي، محمد إمطيريد، إن هذه المخالفات ستتطلب إجراء تحقيقات موسعة ضد حكومة الدبيبة، متوقعاً أن يبدأ خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، في التحرك، وكذلك النائب العام المستشار الصديق الصور.

إمطيريد توقع أن يبدأ خالد المشري في التحرك للتحقيق في التجاوزات التي أبرزها التقرير (المكتب الإعلامي للمجلس)

ورأى إمطيريد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن ظهور هذه التقارير عادة ما يستهدف إزاحة الحكومة، وهو ما يقصد به راهناً الدبيبة، وذكّر بالتقارير التي أصدرها الديوان في الأعوام السابقة ضد حكومة فائز السراج السابقة، والصديق الكبير، محافظ المصرف المركزي المقال.

ويعتقد إمطيريد أن الولايات المتحدة «تقف وراء صدور مثل هذه التقارير. وديوان المحاسبة يبدأ في الضغط عندما يأخذ الضوء الأخضر منها ومن لندن، ويعمل على تحقيق رغبات المجتمع الدولي بالضغط، الذي يكون ربما لإنهاء حالة الخمول السياسي في ليبيا، وتحقيق الاستقرار».

لكن «الديوان» استبق تلك الاتهامات، وحذر من «الانحراف بالتقرير عن مساره المهني والموضوعي، واستغلاله في الصراعات السياسية أو لتحقيق أغراض خاصة». ودافع عن نفسه قائلاً إنه يمارس مهامه، وفقاً للقانون والمعايير الدولية، وأوضح أنه يهدف إلى تعزيز الشفافية والمساءلة والنزاهة في بيئة القطاع العام، ومعالجة أوجه عدم الالتزام، أو القصور والضعف في الأنظمة والسياسات المعمول بها، بما يضمن حسن إدارة المال العام وتوجيهه بالشكل الصحيح.

يشار إلى أن تقرير 2022 تضمن أيضاً «وقائع فساد» كثيرة، بداية من «اختلاس المال العام عن طريق عقود وهمية»، «والتوسع في إبرام عقود للتوريد»، بالإضافة إلى إنفاق الملايين على شراء سيارات، فضلاً عن إقامة أشخاص لا تربطهم علاقة وظيفية بديوان الحكومة في فنادق خارج البلاد.

وإلى جانب ما رصده التقرير من «تضخم الرواتب في وزارة الداخلية، والإسراف في التكليف المباشر والتعاقدات غير الضرورية»، تحدث أيضاً عن «سوء إدارة الموارد والمخصصات المالية في وزارة الدفاع»، بالإضافة إلى «الانحراف في توجيهها عن التوجيه السليم بما يخدم بناء وتنظيم المؤسسة العسكرية».

وأمام استفحال التجاوزات ووقائع الفساد، تساءل أوحيدة: «مَن سيحاسب من في ظل هذا النهب للمال العام؟».

وللعلم، فإن مكتب النائب العام فتح تحقيقات عديدة فيما تضمنه تقرير الديوان لعام 2022.