لماذا تثير أعمال درامية غضب داعمي «القضية الفلسطينية»؟

أحدثها المسلسل المصري «لانش بوكس»

الملصق الدعائي لمسلسل «لانش بوكس» (حساب الشركة المنتجة عبر «فيسبوك»)
الملصق الدعائي لمسلسل «لانش بوكس» (حساب الشركة المنتجة عبر «فيسبوك»)
TT

لماذا تثير أعمال درامية غضب داعمي «القضية الفلسطينية»؟

الملصق الدعائي لمسلسل «لانش بوكس» (حساب الشركة المنتجة عبر «فيسبوك»)
الملصق الدعائي لمسلسل «لانش بوكس» (حساب الشركة المنتجة عبر «فيسبوك»)

أعاد الجدل المصاحب لمشهد في المسلسل الكوميدي «لانش بوكس» لتشابه جملة قالتها الفنانة المصرية جميلة عوض مع العبارة الشهيرة لوالدة الطفل الفلسطيني يوسف، خلال رحلة البحث عنه تحت الأنقاض قبل اكتشاف وفاته؛ الحديث عن الأسباب التي تثير غضب داعمي «القضية الفلسطينية» من بعض الأعمال الفنية.

وظهرت جميلة عوض في المسلسل، وهي تبحث عن شخص يدعى «يوسف» أو «ياسين»، وسألت الموظف المسؤول قائلة: «أنا كنت جاية أسأل عن حد بيشتغل عندكو هنا اسمه يوسف أو ياسين، أشقر كده شعره كيرلي وحليوة»، ليرد عليها الموظف قائلاً: «قصدك ياسين، هو إجازة حالياً».

ورغم أن المشهد لم يستغرق سوى ثوانٍ قليلة، فإنه حظي بتفاعل كبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مع اتهامات لصناع العمل بالإساءة إلى القضية الفلسطينية. وشهدت «السوشيال ميديا» سجالاً حول المشهد مع اقتطاعه من أحداث الحلقة، وتداوله على نطاق واسع بشكل منفرد، وكتب حساب باسم «أحمد الصادق» عبر «إكس» منتقداً التطابق في الألفاظ والأسماء...

ووصف حساب باسم «ليلي» المشهد باعتباره «سقطة كبيرة بحاجة لاعتذار وتوضيح ضروري من فريق العمل».

الانتقادات الحادة دفعت مخرج العمل هشام الرشيدي لكتابة اعتذار عبر حسابه الشخصي على «فيسبوك»، وتوضيح أن «أي تشابه بين المشهد ومشهد الأم الفلسطينية أمر غير مقصود بالمرة»، مشدداً على أن «القضية الفلسطينية لن تكون في يوم مجالاً لأي شيء غير كل الدعم والاحترام».

ونشر كاتب العمل عمرو مدحت صورة من النص المكتوب بالحلقة لم تكن بها الجملة التي ذكرتها بطلة العمل، لكن جميلة عوض شاركت عبر حسابها على «إكس» تنفي قصدهم مشهد الأم الفلسطينية، مطالبة بـ«الاتحاد ضد العدو»، ومراجعة تعديل الحوار خلال التصوير لاختلاف الممثل الذي أُسند إليه الدور.

ورغم قناعة الناقد المصري أحمد سعد الدين بأن خطأ فريق العمل لم يكن مقصوداً، فإنه يبدي تفهماً لحالة الجدل التي صاحبت المشهد عبر «السوشيال ميديا»، مؤكداً أن وجود القضية الفلسطينية في الوجدان العربي والتعاطف الكبير مع أهالي غزة خلال الفترة الحالية كانا سبباً في زيادة السجال حول المشهد.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن توقيت عرض المشهد بعد أسابيع قليلة من الفيديو، ومع استمرار العدوان على أهالي غزة، بالإضافة للتشابه في الاسم والمواصفات، أمور ساهمت في تأجيج الغضب، مشيداً بسرعة اعتذار المخرج مع استشعاره حدوث الخطأ.

جميلة عوض على الملصق الدعائي للمسلسل (حساب الشركة المنتجة عبر «فيسبوك»)

«جزء من الموضوع مرتبط بحالة المزايدة التي تحدث على القضية الفلسطينية»، برأي الخبير بمركز «الأهرام للدراسات»، الدكتور سعيد عكاشة الذي يؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن أي عمل فني لا يمكن لصناعه تعمد الإساءة للقضية الفلسطينية، لكن الفكرة أن كل شخص يتعامل مع القضية من منظوره الشخصي بما يخضع تفسيرات عدة للأهواء الشخصية.

وأضاف أن فكرة مقارنة مقطع فيديو انتشر في وقت سابق بمشهد في عمل درامي ليس له علاقة بالقضية الفلسطينية من الأساس، تطرح تساؤلات عن الهدف من هذه المقارنة، وسبب الربط، بل والدخول في سجال بشأنها عبر «السوشيال ميديا»، في حين أن الأمر لا يتجاوز حدود المصادفة.

وكان فيلم «أميرة» الذي عُرض عام 2021 وتناول موضوع تهريب نطف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية قد أثار جدلاً كبيراً دفع لوقف عرضه وعدم طرحه بالصالات السينمائية، في حين سحبه الأردن من تمثيله للترشح إلى «الأوسكار» على خلفية اعتراضات من الأسرى المحررين وعائلاتهم. ورغم تأكيد صناع الفيلم الذي حصد إشادات نقدية وعُرض في مهرجانات سينمائية عدة، أن الأحداث «خيالية وليست مبنية على قصة واقعية»، فإن الفيلم واجه عاصفة انتقادات حادة وسط اتهامات لصناعه بالإساءة إلى الأسرى الفلسطينيين.

مشهد من كواليس تصوير مسلسل «مليحة» (الشركة المنتجة)

لا ينكر الناقد أحمد سعد الدين وجود حساسية في تناول القضية الفلسطينية باعتبار أن بها الكثير من الأمور الشائكة التي يجب التعامل معها بحرص شديد، خاصة في ظل الأهمية الكبيرة للفن كقوة ناعمة في دعم القضية الفلسطينية وتسليط الضوء عليها.

رأي يدعمه الخبير بمركز «الأهرام» الذي يختتم حديثه بالإشارة لضرورة التعامل مع الدراما والسينما من وجهة نظر فنية وباعتبارهما تطرحان قضايا ومشكلات موجودة في الواقع، مع ضرورة عدم الترصد للأعمال التي تطرح قضايا لم يجرِ تناولها من قبل. الجدير بالذكر أن هناك عملاً درامياً عن القضية الفلسطينية سيُعرض في النصف الثاني من شهر رمضان باسم «مليحة»، ويقوم ببطولته كل من دياب وميرفت أمين.


مقالات ذات صلة

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

يوميات الشرق لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

حظي مسلسل «رقم سري» الذي ينتمي إلى نوعية دراما الغموض والتشويق بتفاعل لافت عبر منصات التواصل الاجتماعي.

رشا أحمد (القاهرة )
يوميات الشرق زكي من أبرز نجوم السينما المصرية (أرشيفية)

مصر: تجدد الجدل بشأن مقتنيات أحمد زكي

تجدد الجدل بشأن مقتنيات الفنان المصري الراحل أحمد زكي، بعد تصريحات منسوبة لمنى عطية الأخت غير الشقيقة لـ«النمر الأسود».

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق تجسّد شخصية «دونا» في «العميل» (دانا الحلبي)

دانا الحلبي لـ«الشرق الأوسط»: لو طلب مني مشهد واحد مع أيمن زيدان لوافقت

تُعدّ تعاونها إلى جانب أيمن زيدان إضافة كبيرة إلى مشوارها الفني، وتقول إنه قامة فنية كبيرة، استفدت كثيراً من خبراته. هو شخص متعاون مع زملائه يدعم من يقف أمامه.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق آسر ياسين وركين سعد في لقطة من المسلسل (الشركة المنتجة)

«نتفليكس» تطلق مسلسل «موعد مع الماضي» في «القاهرة السينمائي»

رحلة غوص يقوم بها بعض أبطال المسلسل المصري «موعد مع الماضي» تتعرض فيها «نادية» التي تقوم بدورها هدى المفتي للغرق، بشكل غامض.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق مسلسل «6 شهور»   (حساب Watch IT على «فيسبوك»)

«6 شهور»... دراما تعكس معاناة حديثي التخرّج في مصر

يعكس المسلسل المصري «6 شهور» معاناة الشباب حديثي التخرج في مصر عبر دراما اجتماعية تعتمد على الوجوه الشابة، وتحاول أن ترسم الطريق إلى تحقيق الأحلام.

نادية عبد الحليم (القاهرة )

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
TT

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)

بعد تأكيدات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، الأسبوع الماضي، باستمرار سريان مذكرة التوقيف التي صدرت بحق سيف الإسلام، نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي عام 2011، عاد اسم سيف الإسلام ليتصدر واجهة الأحداث بالساحة السياسية في ليبيا.

وتتهم المحكمة الجنائية سيف الإسلام بالمسؤولية عن عمليات «قتل واضطهاد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية» بحق مدنيين، خلال أحداث «ثورة 17 فبراير»، التي خرجت للشارع ضد نظام والده، الذي حكم ليبيا لأكثر من 40 عاماً.

* تنديد بقرار «الجنائية»

بهذا الخصوص، أبرز عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، أن القوى الفاعلة في شرق البلاد وغربها «لا تكترث بشكل كبير بنجل القذافي، كونه لا يشكل خطراً عليها، من حيث تهديد نفوذها السياسي في مناطق سيطرتها الجغرافية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «رغم قلة ظهور سيف منذ إطلاق سراحه من السجن 2017، فإن تحديد موقعه واعتقاله لن يكون عائقاً، إذا ما وضعت القوى المسلحة في ليبيا هذا الأمر هدفاً لها».

صورة التُقطت لسيف الإسلام القذافي في الزنتان (متداولة)

وفي منتصف عام 2015 صدر حكم بإعدام سيف الإسلام لاتهامه بـ«ارتكاب جرائم حرب»، وقتل مواطنين خلال «ثورة فبراير»، إلا أن الحكم لم يُنفَّذ، وتم إطلاق سراحه من قبل «كتيبة أبو بكر الصديق»، التي كانت تحتجزه في الزنتان. وبعد إطلاق سراحه، لم تظهر أي معلومات تفصيلية تتعلق بحياة سيف الإسلام، أو تؤكد محل إقامته أو تحركاته، أو مَن يموله أو يوفر له الحماية، حتى ظهر في مقر «المفوضية الوطنية» في مدينة سبها بالجنوب الليبي لتقديم ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021.

وأضاف التكبالي أن رفض البعض وتنديده بقرار «الجنائية الدولية»، التي تطالب بتسليم سيف القذافي «ليس لقناعتهم ببراءته، بقدر ما يعود ذلك لاعتقادهم بوجوب محاكمة شخصيات ليبية أخرى مارست أيضاً انتهاكات بحقهم خلال السنوات الماضية».

* وجوده لا يشكِّل خطراً

المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، انضم للرأي السابق بأن سيف الإسلام «لا يمثل خطراً على القوى الرئيسية بالبلاد حتى تسارع لإزاحته من المشهد عبر تسليمه للمحكمة الدولية»، مشيراً إلى إدراك هذه القوى «صعوبة تحركاته وتنقلاته». كما لفت إلى وجود «فيتو روسي» يكمن وراء عدم اعتقال سيف القذافي حتى الآن، معتقداً بأنه يتنقل في مواقع نفوذ أنصار والده في الجنوب الليبي.

بعض مؤيدي حقبة القذافي في استعراض بمدينة الزنتان (متداولة)

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى وهي حكومة «الوحدة» المؤقتة، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، وتتخذ من طرابلس مقراً لها، والثانية مكلفة من البرلمان برئاسة أسامة حماد، وهي مدعومة من قائد «الجيش الوطني»، المشير خليفة حفتر، الذي تتمركز قواته بشرق وجنوب البلاد.

بالمقابل، يرى المحلل السياسي الليبي، حسين السويعدي، الذي يعدّ من مؤيدي حقبة القذافي، أن الولاء الذي يتمتع به سيف الإسلام من قبل أنصاره وحاضنته الاجتماعية «يصعّب مهمة أي قوى تُقدم على اعتقاله وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية»، متوقعاً، إذا حدث ذلك، «رد فعل قوياً جداً من قبل أنصاره، قد يمثل شرارة انتفاضة تجتاح المدن الليبية».

ورغم إقراره في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن «كل القوى الرئيسية بالشرق والغرب الليبيَّين تنظر لسيف الإسلام بوصفه خصماً سياسياً»، فإنه أكد أن نجل القذافي «لا يقع تحت سيطرة ونفوذ أي منهما، كونه دائم التنقل، فضلاً عن افتقاد البلاد حكومة موحدة تسيطر على كامل أراضيها».

ورفض المحلل السياسي ما يتردد عن وجود دعم روسي يحظى به سيف الإسلام، يحُول دون تسليمه للمحكمة الجنائية، قائلاً: «رئيس روسيا ذاته مطلوب للمحكمة ذاتها، والدول الكبرى تحكمها المصالح».

* تكلفة تسليم سيف

من جهته، يرى الباحث بمعهد الخدمات الملكية المتحدة، جلال حرشاوي، أن الوضع المتعلق بـ(الدكتور) سيف الإسلام مرتبط بشكل وثيق بالوضع في الزنتان. وقال إن الأخيرة «تمثل رهانات كبيرة تتجاوز قضيته»، مبرزاً أن «غالبية الزنتان تدعم اللواء أسامة الجويلي، لكنه انخرط منذ عام 2022 بعمق في تحالف مع المشير حفتر، ونحن نعلم أن الأخير يعدّ سيف الإسلام خطراً، ويرغب في اعتقاله، لكنهما لا يرغبان معاً في زعزعة استقرار الزنتان، التي تعدّ ذات أهمية استراتيجية كبيرة».

أبو عجيلة المريمي (متداولة)

ويعتقد حرشاوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الدبيبة يتبع أيضاً سياسة تميل إلى «عدم معارضة القذافي». ففي ديسمبر (كانون الأول) 2022، سلم المشتبه به في قضية لوكربي، أبو عجيلة المريمي، إلى السلطات الأميركية، مما ترتبت عليه «تكلفة سياسية»، «ونتيجة لذلك، لا يرغب الدبيبة حالياً في إزعاج أنصار القذافي. فالدبيبة مشغول بمشكلات أخرى في الوقت الراهن».