العلاقات بين الجزائر والمغرب تزداد توتراً

مشهد من العاصمة المغربية الرباط (مواقع التواصل)
مشهد من العاصمة المغربية الرباط (مواقع التواصل)
TT

العلاقات بين الجزائر والمغرب تزداد توتراً

مشهد من العاصمة المغربية الرباط (مواقع التواصل)
مشهد من العاصمة المغربية الرباط (مواقع التواصل)

في فصل جديد من السجال بين الجزائر والمغرب، تحدثت تقارير إعلامية مغربية عن مشروع مصادرة عقارات ملك للسفارة الجزائرية في الرباط، في خطوة نددت بها وزارة الخارجية الجزائرية وعدتها «استفزازاً».

وبعدما أعلن المغرب عن مشروع لتوسيع مباني وزارة الخارجية في قرار نشره في جريدته الرسمية، عدت الجزائر أن هذا التحرك يشكل «مرحلة تصعيدية جديدة... وانتهاكاً صارخاً لحرمة وواجب حماية الممثليات الدبلوماسية للدول».

وقال المغرب في القرار المنشور بالجريدة الرسمية: «المنفعة العامة تقتضي... نزع ملكية العقارات اللازمة لهذا الغرض». وتضمنت المباني التي شملها القرار عقارات تابعة للجزائر.

أعلام الجزائر ترفرف في أحد شوارع العاصمة (رويترز)

أما البيان الجزائري فوصف الأمر بأنه «عملية سلب متكاملة الأركان»، وقال إن حكومة الجزائر «سترد على هذه الاستفزازات بكل الوسائل التي تراها مناسبة. كما أنها ستلجأ إلى كافة السبل والطرق القانونية المتاحة، لا سيما في إطار الأمم المتحدة، بغرض ضمان احترام مصالحها».

وأثار التراشق المتبادل القلق مجدداً من مسار العلاقات بين البلدين، على ما أفادت «وكالة أنباء العالم العربي» في تقرير لها الاثنين نقلت فيه تحذير المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر توفيق بوقاعدة من اتجاه هذه العلاقات قائلاً إنه يحمل «نذر حرب بين الدولتين الشقيقتين».

وقال بوقاعدة إن بيان الخارجية الذي استنكر الخطوة «لم يتحدث عن المعاملة بالمثل، بل قال إنه يتوجه للمؤسسات الدولية حفاظاً على ممتلكاته». وعدَّ الرد «خطوة إيجابية لتجنب التصعيد في الموقف».

والعلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والرباط مقطوعة منذ 24 أغسطس (آب) 2021، حيث تزامن القرار الذي اتخذته الجزائر من طرف واحد مع أسوأ سلسلة حرائق غابات في تاريخها أودت بحياة قرابة 100 شخص، بخاصة في منطقة القبائل.

واتهمت السلطات الجزائرية، جماعات «إرهابية»، بأنها وراء تلك الحرائق، منها منظمة انفصالية تدعى «حركة استقلال القبائل» وتعرف اختصاراً بحركة «ماك»، يقودها مغني الطابع القبائلي السابق، فرحات مهني، الذي يتخذ من فرنسا منفى اختيارياً له.

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (أرشيفية - رويترز)

وصنفت الجزائر حركة «ماك» منظمة إرهابية، هي وحركة «رشاد» ذات التوجه الإسلامي، التي يقودها الدبلوماسي السابق محمد العربي زيتوت المقيم ببريطانيا.

وكانت خطوة قطع العلاقات الدبلوماسية «الباردة» أصلاً بين البلدين بسبب شكوك الجزائر بأن الرباط تدعم حركة «ماك»، وهو ما عبَّر عنه صراحة وزير خارجيتها السابق رمطان لعمامرة، موجهاً أصابع الاتهام إلى المغرب بأن «الأعمال العدائية ضد الجزائر لم تتوقف».

ولا تتهم الجزائر الرباط بدعم الحركة الانفصالية «ماك» وحسب، بل وبالسماح لإسرائيل بأن تهددها من الأراضي المغربية.

فقد تزامن هذا مع زيارة للمغرب قام بها في 12 أغسطس (آب) 2021 وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك يائير لابيد الذي رد على حملة قادتها الجزائر ضد قبول إسرائيل عضواً مراقباً في الاتحاد الأفريقي، قائلاً: «نحن نشارك المملكة القلق بشأن دور دولة الجزائر في المنطقة، التي باتت أكثر قرباً من إيران، وتقوم حالياً بشن حملة ضد قبول إسرائيل في الاتحاد الأفريقي بصفة مراقب».

الملك المغربي محمد السادس (ماب)

وفي أكتوبر (تشرين الأول) من السنة نفسها، قررت الجزائر فرض عقوبات اقتصادية على جارتها، بتوقيف توريد الغاز نحو إسبانيا عبر الأنبوب العابر للأراضي المغربية، الذي كان يستفيد منه المغرب بنسبة 7 في المائة من الكمية المنقولة ما يؤمّن له أكثر من 3 مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً، وهو ما يمثل قرابة 65 في المائة من الطلب الداخلي على الغاز.

لكن جذور الأزمة ضاربةٌ في عمق العلاقات من قبل، فالحدود البرية بينهما موصدة منذ 1994 بعد أن فرض الملك المغربي الراحل الحسن الثاني تأشيرة على الجزائريين قبل الدخول إلى الأراضي المغربية، وذلك على خلفية تفجير فندق بمراكش.

وقتها كانت الجزائر تعاني أزمة أمنية عصفت بها منذ توقيف المسار الانتخابي عام 1992، بعدما تقرر إلغاء نتائج انتخابات تشريعية فازت فيها «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» بالأغلبية.

ورد الرئيس الجزائري آنذاك اليمين زروال على الملك الحسن الثاني بإعلان غلق الحدود البرية بين البلدين ابتداء من عام 1994.

قوات لجبهة «البوليساريو» (الشرق الأوسط)

وسبق للبلدين أن تواجها عسكرياً؛ أول مرة بعد عام من استقلال الجزائر، وكان ذلك بسبب نزاع على الحدود التي رسمت في معاهدة بين الرئيس الجزائري الراحل الهواري بومدين وملك المغرب الحسن الثاني في عام 1972.

وسرعان ما عادت المعارك بين الطرفين في 1976 لدى هجوم الجيش المغربي على جنود جزائريين تقول التقارير الجزائرية إنهم «كانوا ينقلون مساعدات إنسانية إلى مخيمات (جبهة البوليساريو) التي تسعى لإقامة دولة مستقلة في الصحراء الغربية».

وأعلنت الجزائر منذ ذلك الوقت دعمها لـ«جبهة البوليساريو» التي تبحث عن استقلال الصحراء الغربية، بينما يريد المغرب الذي يسيطر على قرابة 80 في المائة من الأراضي الصحراوية منحها حكماً ذاتياً تحت السيادة المغربية.

وفي مارس (آذار) 2023، قال تبون إن العلاقات بين البلدين وصلت إلى نقطة «اللاعودة».


مقالات ذات صلة

الرئيس الجزائري: قطاع الزراعة حقق 37 مليار دولار العام الحالي

شمال افريقيا الرئيس عبد المجيد تبون (أ.ف.ب)

الرئيس الجزائري: قطاع الزراعة حقق 37 مليار دولار العام الحالي

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يؤكد أن قطاع الزراعة بات يساهم بـ15 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الروائي المعتقل في الجزائر بوعلام صنصال (متداولة)

باريس تمنح «حمايتها» للكاتب صنصال المعتقل في الجزائر

أعلنت الحكومة الفرنسية، رسمياً، أنها ستقدم «حمايتها» للكاتب الشهير بوعلام صنصال الذي يحتجزه الأمن الجزائري منذ الـ16 من الشهر الحالي.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا تبون يلقي خطاباً أمام القضاة (الرئاسة)

الجزائر: تبون يهاجم فترة حكم بوتفليقة في ملف «محاسبة المسيرين النزهاء»

تبون: «مؤسسات الجمهورية قوية بالنساء والرجال المخلصين النزهاء، ومنهم أنتم السادة القضاة… فلكم مني أفضل تحية».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا من لقاء سابق بين الرئيسين الفرنسي والجزائري (الرئاسة الفرنسية)

لائحة الخلافات بين الجزائر وفرنسا في اتساع متزايد

يقول صنصال إن «أجزاء كبيرة من غرب الجزائر تعود إلى المغرب»، وإن قادة الاستعمار الفرنسي «كانوا سبباً في اقتطاعها، مرتكبين بذلك حماقة».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

يواجه الكاتب الجزائري - الفرنسي الشهير بوعلام صنصال، عقوبة سجن تتراوح بين 12 شهراً و5 سنوات، بسبب تصريحات مستفزة بالنسبة للسلطات، أطلقها في فرنسا.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

«النفوذ الروسي» في ليبيا يلاحق زيارة المبعوث الأميركي للجنوب

زيارة وفد السفارة الأميركية في ليبيا إلى سبها (السفارة الأميركية على إكس)
زيارة وفد السفارة الأميركية في ليبيا إلى سبها (السفارة الأميركية على إكس)
TT

«النفوذ الروسي» في ليبيا يلاحق زيارة المبعوث الأميركي للجنوب

زيارة وفد السفارة الأميركية في ليبيا إلى سبها (السفارة الأميركية على إكس)
زيارة وفد السفارة الأميركية في ليبيا إلى سبها (السفارة الأميركية على إكس)

ألقى «النفوذ الروسي» في ليبيا بظلاله على تقديرات محللين ليبيين بشأن أبعاد زيارة المبعوث الأميركي الخاص إلى البلاد، ريتشارد نورلاند، غير المسبوقة إلى الجنوب الليبي.

ولم تُكشف تفاصيل كافية عن نتائج مباحثات نورلاند مع رئيس أركان القوات البرية التابعة للقيادة العامة، الفريق صدام، نجل المشير خليفة حفتر، في مدينة سبها الجنوبية، في وقت سابق هذا الأسبوع. لكنّ متابعين تحدثوا عن «رمزية» زيارة نورلاند إلى سبها، خصوصاً أنها «الأولى لمسؤول أميركي للمدينة الجنوبية، في ظل أوضاع أمنية مستقرة بعد موجات انفلات أمني سابقة»، وفق أستاذ العلوم السياسية بجامعة درنة، يوسف الفارسي.

المبعوث الأميركي إلى ليبيا والقائم بالأعمال خلال زيارة لسبها (السفارة الأميركية على إكس)

ويبدو أنه لم تغب «ظلال الخطة الاستراتيجية العشرية لليبيا، ومحاولات احتواء النفوذ الروسي عن زيارة المبعوث الأميركي إلى الجنوب الليبي»، في رأي عضو معهد السياسات الخارجية بجامعة «جون هوبكنز»، حافظ الغويل، الذي يرى أن «امتداد نفوذ روسيا في الجنوب الليبي ليس بمنأى عن توجهات الاستراتيجية الأميركية للمناطق الهشة وزيارة نورلاند»، علماً بأن تسريبات ظهرت منذ مارس (آذار) الماضي تتحدث عن أكثر من جسر جوي تقوده طائرات شحن عسكرية روسية نحو قاعدة براك الشاطئ، الواقعة جنوب البلاد.

من لقاء سابق للدبيبة مع مدير وكالة الاستخبارات الأميركية ويليام بيرنز في طرابلس (الحكومة)

ومنذ أقل من عامين أطلقت إدارة بايدن ما يعرف بـ«استراتيجية الولايات المتحدة لمنع الصراع وتعزيز الاستقرار - الخطة الاستراتيجية العشرية لليبيا»، وتهدف هذه الخطة من بين بنودها إلى «دمج الجنوب الليبي المهمش تاريخياً في الهياكل الوطنية، مما يؤدي إلى توحيد أوسع، وتأمين الحدود الجنوبية».

ومع أن نورلاند اكتفى عقب لقاء صدام حفتر بحديث عام عن الدور الحيوي الذي يلعبه جنوب ليبيا في استقرار المنطقة، وحماية سيادة ليبيا، والتغلب على الانقسامات، فإن زيارته حسب الدكتور أحمد الأطرش، أستاذ العلوم السياسية بـ«جامعة طرابلس»: «قد لا تخرج عن سياقات صراع نفوذ مع موسكو، واستكشاف التمدد الروسي في المنطقة».

وكان اللافت أيضاً حديث المبعوث الأميركي عن دعم الجهود الليبية لتوحيد المؤسسات الأمنية، عبر «الانخراط مع القادة العسكريين الليبيين من جميع أنحاء البلاد»، وهو ما رآه الأطرش في تصريح إلى «الشرق الأوسط» غطاء لحقيقة هذه الزيارة، التي تستهدف موسكو بالأساس، مقللاً من رؤى تستند إلى لقاء سابق جمع بين وزير الداخلية المكلف في غرب البلاد، عماد الطرابلسي وصدام، وهو تصرف أحادي.

من زيارة سابقة لنائب وزير الدفاع الروسي رفقة وفد رفيع المستوى من الحكومة الروسية إلى بنغازي (الشرق الأوسط)

في المقابل، ذهب فريق من المحللين إلى الحديث عن مخاوف أميركية شديدة من توسيع ما سموه بالأنشطة الصينية في ليبيا، إذ إن الجنوب الليبي، وفق المحلل السياسي عز الدين عقيل «يمكن أن يكون محطة مهمة بقطع طريق الحرير الصيني، واستخدامه أيضاً بوصفه قاعدة لإزعاج ومواجهة الصينيين بأفريقيا».

ويستند عقيل إلى ما ذُكر بشأن الصين في إحاطة «الدبلوماسية الأميركية جنيفر غافيتو، حيث كان من المقرر تعيينها سفيرة لواشنطن في طرابلس قبل أن تعتذر في صيف هذا العام».

وفي يونيو (حزيران) الماضي، نبهت غافيتو في بيان أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، إلى «النجاحات العميقة» لشركات مرتبطة بالصين في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في ليبيا.

وسبق أن حصلت الصين على حقوق تعدين الذهب الليبي في الجزء الجنوبي من البلاد «بشروط مغرية للغاية» في عهد رئيس الحكومة الليبية السابق، فتحي باشاغا، وفق المستشار في مؤسسة «أنفرا غلوبال بارتنرز»، جوناثان باس، الذي لفت إلى دعم بكين القائد العام لقوات القيادة العامة المشير خليفة حفتر.

يُشار إلى أن منطقة الساحل شهدت خلال العامين الأخيرين الإطاحة ببعض الأنظمة الراسخة الموالية لفرنسا، تزامناً مع انخراط روسيا في المنطقة، بوصفها حليفة للأنظمة الجديدة.

اللافت أنه غداة زيارة نورلاند إلى سبها، كان السفير الروسي لدى ليبيا أيدار أغانين خلف عجلة قيادة الشاحنة الروسية «أورال»، محتفياً، في لقطة لا تخلو من الدلالات، بدخولها السوق الليبية، بعد وصولها بالفعل إلى البلاد ضمن المئات منها إلى جانب الشاحنة «أورال».