معارك عنيفة في الخرطوم بعد استعادة «الإذاعة»

تدور في مدن العاصمة الثلاث وإقليم دارفور غرب السودان

قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان (حميدتي) أيام تحالفهما (أرشيفية)
قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان (حميدتي) أيام تحالفهما (أرشيفية)
TT

معارك عنيفة في الخرطوم بعد استعادة «الإذاعة»

قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان (حميدتي) أيام تحالفهما (أرشيفية)
قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان (حميدتي) أيام تحالفهما (أرشيفية)

تجددت هجمات «قوات الدعم السريع» على الوحدات العسكرية التابعة للجيش السوداني في عدد من مناطق البلاد. وقالت مصادر إن الجيش صد هجوماً شنته «قوات الدعم السريع» على سلاح «الإشارة» التابع للجيش، والواقع على الضفة الغربية لنهر النيل الأزرق في مدينة بحري، إحدى مدن العاصمة الثلاث، بينما شهدت مناطق شرق النيل وشمال بحري معارك متفرقة، يزعم كل طرف أنه ألحق فيها خسائر فادحة بخصمه. كما هاجمت «قوات الدعم السريع» مقر «الفرقة 22» التابعة للجيش في مدينة بابنوسة غرب البلاد، المحاصرة منذ أشهر.

وأعلن الجيش في تصريح رسمي أنه تصدى للهجوم وأحبطه، ملحقاً خسائر فادحة بالقوات المهاجمة في الرجال والعتاد؛ غير أن «قوات الدعم السريع» جددت الهجوم على المنطقة ذاتها، بينما دارت معارك في الوقت ذاته حول مقر «سلاح الأسلحة» في شرق الخرطوم.

وتعد منطقة سلاح «الإشارة» إحدى منطقتين عسكريتين في وسط العاصمة، يسيطر عليهما الجيش، بالإضافة إلى مقر «القيادة العامة». ويربط بين المنطقتين جسر «النيل الأزرق»، وهو أيضاً الجسر الوحيد الذي يسيطر عليه الجيش كلياً، ويتم نقل العتاد والرجال عبره من الموقعين العسكريين.

ووفقاً لشهود، فإن الهجمات المتكررة على سلاح الإشارة تهدف للسيطرة عليه، أو في الحد الأدنى السيطرة على جسر «النيل الأزرق»، وبالتالي إكمال طوق العزلة على مقر القيادة العامة للجيش.

وشهد عدد من نقاط المواجهة بين الجيش و«قوات الدعم السريع» قصفاً متبادلاً، واستخداماً مكثفاً للمدفعية، وتبادل قذائفها حول «سلاح الأسلحة» في شرق مدينة بحري، بينما تشهد المنطقة الشمالية من المدينة عمليات نصب كمائن وتبادل إطلاق نار بين القوات، بالقرب من منطقة الكدرو.

آلية للجيش السوداني في الخرطوم (رويترز)

معارك «كسر عظم»

ووصف الناشط السياسي محمد خليفة المعارك التي تشهدها مدينة بحري بأنها معارك «كسر عظم» حقيقية، تظهر نتائجها في الفترة المقبلة، قائلاً: «ستظهر نتائج هذه المعارك بعد عدة أسابيع، ولن تظل بحري على حالها الآن». وأرجع خليفة تصاعد حدة المعارك في بحري إلى رغبة «قوات الدعم السريع» في تحقيق «انتصار معنوي»، يعوضها خسارتها الكبيرة في مباني الإذاعة والتلفزيون، قائلاً: «من يمتلك الإرادة الكاملة والتصميم الكبير سيكسر عظم الآخر».

وكان الجيش قد استعاد السيطرة على مباني الإذاعة والتلفزيون القومي، الأسبوع الماضي، بعد أن كانت تقع تحت سيطرة «قوات الدعم السريع» منذ الأسابيع الأولى للحرب التي اشتعلت في 15 أبريل (نيسان) الماضي.

ودار قتال عنيف بين الطرفين في محيط «سلاح الإشارة»، وسمعت أصوات الأسلحة الثقيلة من مناطق بعيدة، بينما شوهدت أعمدة الدخان تتصاعد حول المنطقة، ونقل الشهود أن الجيش قصف تجمعات «قوات الدعم السريع» بالمدفعية الثقيلة، في مدينتي أمدرمان وبحري.

وذكرت مصادر أن المدفعية والطيران الحربي التابع للجيش شارك في صد هجوم «قوات الدعم السريع»، وأجبر المهاجمين على الانسحاب شمالاً، بينما أعلن الجيش أن «قوات العمل الخاص» ووحدة تابعة لجهاز المخابرات، نفذتا عمليات نوعية حول منطقة «الشجرة» العسكرية، وأحرزتا تقدماً في المحور الشرقي من المنطقة؛ حيث دمرتا عدداً من تجمعات «قوات الدعم السريع»، وأخرجت عدداً من تلك القوات من منازل المواطنين في حي جبرة، جنوب الخرطوم.

كما شن الطيران الحربي غارات على أهداف تابعة لـ«قوات الدعم السريع» في بعض الولايات؛ خصوصاً حول مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، وحول «الفرقة 22» في مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان، بينما ردت «قوات الدعم السريع» بالمضادات الأرضية لصد غارات الطيران.


مقالات ذات صلة

البرهان يحط في الخرطوم بطائرته الرئاسية للمرة الأولى منذ بدء الحرب

شمال افريقيا رئيس مجلس السيادة السوداني يهبط بطائرته في مدرج مطار الخرطوم (إعلام مجلس السيادة)

البرهان يحط في الخرطوم بطائرته الرئاسية للمرة الأولى منذ بدء الحرب

حط رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان في مطار الخرطوم الدولي للمرة الأولى منذ بدء الحرب وسط مساعي المجلس لعودة عمل المؤسسات من العاصمة.

وجدان طلحة (الخرطوم)
شمال افريقيا البرهان و«حميدتي» خلال تعاونهما في إطاحة نظام البشير (أرشيفية - أ.ف.ب) play-circle

عقوبات أوروبية على قائدين تابعين للجيش السوداني و«الدعم السريع»

فرض الاتحاد الأوروبي حزمة رابعة من العقوبات على كيانين وفردين مرتبطين بالجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، بسبب مسؤوليتهم عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان

محمد أمين ياسين (نيروبي)
تحليل إخباري سودانيون أرغمتهم ظروف الحرب على اللجوء إلى مخيم أبو النجا شرق غضارف (أ.ف.ب)

تحليل إخباري معركة الفاشر «حرب استنزاف» طويلة المدى... ودون حسم

تستمر معركة الفاشر بإقليم دارفور غرب السودان منذ شهور طويلة دون حسم لصالح الجيش السوداني أو «قوات الدعم السريع»، وتحوّلت المواجهات «حرب استنزاف» طويلة المدى.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا تجار يجتمعون أمام متاجرهم المحترقة في إحدى الصالات التجارية بالخرطوم (خاص)

الخرطوم بين ركام الأطلال... عودة خجولة للحياة

بعد أكثر من عامين من الحرب الطاحنة بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، تشهد العاصمة السودانية الخرطوم، عودة تدريجية خجولة للنشاط التجاري والحياة اليومية.

وجدان طلحة (الخرطوم)
خاص تجار يجتمعون أمام متاجرهم المحترقة في إحدى الصالات التجارية بالخرطوم (خاص)

خاص الخرطوم بين ركام الأطلال... وعودة خجولة للحياة

قامت «الشرق الأوسط» بجولة في الخرطوم، سجلت خلالها عودة تدريجية للحياة والنشاط التجاري في وسط المدينة، رغم الركام الذي يطوقها.

وجدان طلحة (الخرطوم)

إلى أي مدى يصل التصعيد بين أسمرة وأديس أبابا؟

الرئيس الإريتري ورئيس الوزراء الإثيوبي خلال افتتاح السفارة الإريترية في أديس أبابا يوليو (تموز) 2018 (رويترز)
الرئيس الإريتري ورئيس الوزراء الإثيوبي خلال افتتاح السفارة الإريترية في أديس أبابا يوليو (تموز) 2018 (رويترز)
TT

إلى أي مدى يصل التصعيد بين أسمرة وأديس أبابا؟

الرئيس الإريتري ورئيس الوزراء الإثيوبي خلال افتتاح السفارة الإريترية في أديس أبابا يوليو (تموز) 2018 (رويترز)
الرئيس الإريتري ورئيس الوزراء الإثيوبي خلال افتتاح السفارة الإريترية في أديس أبابا يوليو (تموز) 2018 (رويترز)

تتزايد نبرة التهديدات بين إريتريا وإثيوبيا في مشهد يعيد إلى الأذهان توترات الماضي، وسط «شبح صراع جديد» يلوح في الأفق، تغذّيه خلافات حدودية ومصالح متشابكة في «إقليم مضطرب».

وحذّر الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، إثيوبيا، من «شن حرب جديدة»، في ظل تصاعد التوترات بين البلدين، خاصة بسبب سعي أديس أبابا للوصول إلى مواني بحرية.

وقال أفورقي، في تصريحات للتلفزيون الإريتري، نقلتها «وكالة الصحافة الفرنسية»، الأحد، إن اجتياح بلاده «ليس بهذه السهولة»، محذراً رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، بالقول: «إذا كان (رئيس الوزراء الإثيوبي) يظن أنه يستطيع اجتياح (القوات الإريترية) بهجومٍ بشري، فهو مخطئ»، مضيفاً: «قبل جرّ شعب إثيوبيا إلى حروب غير مرغوب فيها أو استغلاله لأغراض سياسية أخرى، يجب أولاً معالجة مشكلات البلاد الداخلية وحلها».

وكانت العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا متوتّرة منذ استقلال الأخيرة عام 1993، وخاض البلدان حرباً دامية بين 1998 و2000، قُتل فيها عشرات الآلاف، وانتهت بتوقيع اتفاق سلام عام 2018.

وشهدت العلاقة بين أديس أبابا وأسمرة توتراً ملحوظاً عقب توقيع إثيوبيا اتفاق بريتوريا للسلام مع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، من دون مشاورة حلفائها في الحرب التي استمرت لعامين كاملين (2020-2022)، وازدادت حدة التوتر بعد إعلان أديس أبابا رغبتها في امتلاك منفذ على البحر الأحمر، واتهمتها أسمرة بـ«التطلع إلى ميناء عصب الإريتري».

وعدَّ البرلماني الإثيوبي، محمد نور أحمد، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن تصريحات رئيس إريتريا «ليس لها أساس ولا سند ولا دليل جملة وتفصيلاً»، لافتاً إلى أنه يحاول أن يشغل الداخل لديه بهذه «الادعاءات»، وعليه أن يراجع تصريحاته. وشدّد على أن «آبي أحمد يحترم دول الجوار، ويعطي أولوية للتعاون معها، ولم يصرح أنه سيهاجم إريتريا تماماً، أو سيقطع العلاقات معها».

وطيلة الأشهر الماضية، كان التوتر حاضراً بين أسمرة وأديس أبابا، وأفادت وزارة الإعلام الإريترية، في نهاية يونيو (حزيران) الماضي، بأن «إثيوبيا تستخدم أكاذيب لتبرير الصراع وإشعاله»، موضحة أنه «في الأيام القليلة الماضية، كثّف النظام الإثيوبي حملاته الدبلوماسية، بما في ذلك إرسال رسائل إلى الأمين العام للأمم المتحدة وعدد من رؤساء الدول والحكومات لاتهام إريتريا بالتعدي على السيادة الإثيوبية وسلامة أراضيها».

وكان الرئيس الإريتري شنّ أيضاً هجوماً على أديس أبابا، في مايو (أيار) الماضي، متهماً إياها بـ«السعي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي تحت شعارات تتعلق بمنفذ على البحر الأحمر»، تزامناً مع تصريحات لمستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء الإثيوبي، قنا يدتا، كرّر فيها «التشديد على ضرورة حصول بلاده على منفذ بحري».

دبابة عسكرية إريترية متضررة بالقرب من بلدة ويكرو (رويترز)

وفي مارس (آذار) الماضي، حذّر نائب حاكم إقليم تيغراي، تسادكان قبرتسائيل، من أن حرباً جديدة بين إثيوبيا وإريتريا قد تكون على الأبواب، مشيراً إلى أن «هناك استعدادات عسكرية متسارعة في المنطقة»، واتهم أسمرة بـ«انتهاج سياسات توسعية وعدوانية».

وفي فبراير (شباط) الماضي، اتهم الرئيس الإثيوبي الأسبق مولاتو تيشومي، إريتريا بـ«العمل على إعادة إشعال الصراع ودعم المتمردين في منطقة شمال إثيوبيا»، ونفت أسمرة عبر وزير الإعلام، يماني غبريمسقل، ذلك، معتبراً أنه «إطلاق إنذار كاذب»، كما استضافت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مؤتمراً لمعارضين للنظام الحاكم في أسمرة، بشكل علني في فبراير الماضي.

وفي سبتمبر (أيلول) 2024، نشرت وكالة الأنباء الإثيوبية تقريراً تحت عنوان «السلوكيات العدائية لإريتريا في القرن الأفريقي»، معتبراً «إريتريا تمثل عامل زعزعة استقرار المنطقة».

وانضمت إريتريا لتحالف مع مصر والصومال، واستضافت قمة ثلاثية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بين قادة البلدان الثلاثة عقب إعلان أديس أبابا عن رغبتها مطلع 2024 في امتلاك منافذ بحرية سيادية على البحر الأحمر، مع توقيع مذكرة تفاهم مع إقليم «أرض الصومال الانفصالي» التي رفضتها مقديشو.

وأكّد البرلماني الإثيوبي أن بلاده «مشغولة بالتنمية وتقديم الخدمات لشعبها، ولا تنوي دخول حرب ضد إريتريا»، مؤكداً أن «هذا التصعيد من أسمرة يهدد المنطقة؛ لكن لن يجر أديس أبابا؛ إلا إذا تم الاعتداء عليها ولن تسمح بحدوث ذلك». وشدد على حق بلاده في «الوصول للبحر، وأنه لا يمكن منعها من هذا، خاصة وهي تريد تعزيز التعاون وتحقيق التنمية لكل دول الجوار، ولا تريد ذلك بالحرب والقتال، لأنه هذا ليس مطروحاً إطلاقاً من جانب إثيوبيا».