لهذه الأسباب... فرنسا تأمل في تنشيط علاقاتها مع المغرب والجزائر بشكل متزامن

مقاربة دبلوماسية فشلت حتى الآن لكنها تعود بقوة

الملك محمد السادس مستقبلاً الرئيس ماكرون خلال زيارته للرباط في نوفمبر 2018 (رويترز)
الملك محمد السادس مستقبلاً الرئيس ماكرون خلال زيارته للرباط في نوفمبر 2018 (رويترز)
TT

لهذه الأسباب... فرنسا تأمل في تنشيط علاقاتها مع المغرب والجزائر بشكل متزامن

الملك محمد السادس مستقبلاً الرئيس ماكرون خلال زيارته للرباط في نوفمبر 2018 (رويترز)
الملك محمد السادس مستقبلاً الرئيس ماكرون خلال زيارته للرباط في نوفمبر 2018 (رويترز)

تصر فرنسا على طموحها لتحسين علاقاتها مع الجزائر والمغرب بشكل متزامن، وهي مقاربة دبلوماسية فشلت حتى الآن، لكنها تعود بقوة في سياق دولي محفوف بالمخاطر.

وعبر إعلانه، هذا الأسبوع، أن الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، سيقوم بزيارة دولة لفرنسا في الخريف المقبل، أشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بوضوح إلى أن تنشيط العلاقات مع الرباط لا يعني تباعداً مع الجزائر.

ويوضح مصدر دبلوماسي في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية أن الرئيس ماكرون «لم يفضل قط الجزائر على المغرب، ولم يفكر أبداً في القيام بالعكس أيضاً»، مؤكداً: «نحن لا ننظر إلى العلاقات الفرنسية - الجزائرية والفرنسية - المغربية على أنها مترابطة».

وكلف ماكرون وزير الخارجية، ستيفان سيغورنيه، كتابة فصل جديد في العلاقات مع المغرب، بعد سنوات من الخلافات الدبلوماسية، المرتبطة خصوصاً بالتقارب بين باريس والجزائر.

من حفل الاستقبال الذي نظمته في قصر الإليزيه السيدة الأولى بريجيت ماكرون لأخوات ملك المغرب محمد السادس (ماب)

وخلال زيارته للرباط في 26 من فبراير (شباط)، قال سيغورنيه إنه «اختار» المغرب لزيارته الأولى للمنطقة بعد توليه حقيبة الخارجية. وسبق هذه الزيارة حفل استقبال في قصر الإليزيه، نظمته السيدة الأولى بريجيت ماكرون لأخوات ملك المغرب محمد السادس.

ويرى المؤرخ والأستاذ بجامعة السوربون، بيار فيرميرين، أن «التزامن» الذي يريده الإليزيه «ليس خياراً، بل ضرورة لفرنسا التي يجب أن تكون لها علاقات سليمة مع المغرب والجزائر». مضيفاً أن «أحداث الشرق الأوسط واحتدام الحرب في أوكرانيا، والصعوبات في منطقة الساحل تفرض التحلي بالحكمة»، ومشيراً إلى أن هذه الرغبة «تتقاسمها» الدول الثلاث التي «تحتاج الواحدة إلى الأخرى».

ضغوط قوية

داخلياً، تعرض إيمانويل ماكرون إلى «ضغوط قوية» لإعادة التوازن إلى دبلوماسيته في المغرب العربي، فقد ضغط كثير من البرلمانيين والسياسيين، وحتى الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، من أجل تنشيط العلاقات مع الرباط، كما يوضح الباحث في مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسط في جنيف، حسني عبيدي، الذي أكد أنه جرى إبلاغ رسالة واضحة، مفادها أن «فرنسا لن تكسب الجزائر، وتخاطر بخسارة المغرب».

الرئيس الجزائري والفرنسي بالجزائر في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)

وبالنسبة للرباط، فقد تبيّن في نهاية المطاف أن فرنسا شريك أكثر موثوقية «على المدى الطويل» من الولايات المتحدة أو إسرائيل، وفق بيار فيرميرين، الذي يؤكد أن المغرب ليس أولوية بالنسبة لواشنطن، في حين أن إسرائيل فقدت مصداقيتها على الساحة العربية منذ بدء الحرب مع «حماس» في غزة.

حبل مشدود

في الوقت نفسه، تبدو اللحظة أكثر ملاءمة للتقارب مع الجزائر، التي لم تستفد من الفراغ الذي تركه الفرنسيون في منطقة الساحل. والأسوأ من ذلك، يبدو أن الجزائر تجد نفسها في موقف فرنسا نفسه في مالي، بعدما أنهى المجلس العسكري الحاكم اتفاق الجزائر، المبرم عام 2015 مع الجماعات الانفصالية في شمال البلاد، والذي عُدَّ لفترة طويلة ضرورياً لتحقيق الاستقرار.

ويتابع الأستاذ في جامعة السوربون أن منطقة الساحل «تجتذب كل قوى الهيمنة... وهذا يزعج المغرب والجزائر وفرنسا، ما يخلق أرضية للتوافق». ويضيف أن قضية الساحل ليست محورية في المصالحة لكنها «تسهم فيها»، غير أن تحسين العلاقات بشكل مستدام مع كلا البلدين في وقت واحد يظل مسألة صعبة.

ويذكر الخبراء أنه بالنسبة للرباط، تظل مسألة الاعتراف بمغربية الصحراء «ضرورية» لتحقيق المصالحة الكاملة مع باريس. وعن هذا الموضوع الحساس، يشير حسني عبيدي إلى أن وزير الخارجية الفرنسي كان «حذراً جداً»، وقد أقر سيغورنيه بأن هذه «مسألة وجودية بالنسبة للمغرب»، لكن الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء يعني تهديد العلاقات مع الجزائر، ما يجعل «فرنسا تسير باستمرار على حبل مشدود»، وفق عبارة حسني عبيدي.



مصر تحمّل «التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»

مصر تحمّل «التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»
TT

مصر تحمّل «التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»

مصر تحمّل «التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»

حمّلت مصر مجدداً «التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»، الذي تقيمه أديس أبابا على الرافد الرئيسي لنهر النيل، ويواجه باعتراضات دولتي المصب (مصر والسودان). وقال وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم، الاثنين، إن «التصرفات الأحادية الإثيوبية تتسبب في تخبط كبير في منظومة إدارة المياه بنظام النهر، وارتباك في منظومة إدارة السدود».

واستعرض سويلم، خلال لقائه عدداً من أعضاء دورة التمثيل الدبلوماسي العسكري المصري بالخارج، رؤية مصر للتعامل مع قضية «سد النهضة»، وتاريخ المفاوضات، ونقاط الاختلاف مع إثيوبيا، مع «إبراز أوجه التعنت الإثيوبي خلال العملية التفاوضية، وخطورة التصرفات الإثيوبية الأحادية».

سويلم يلتقي عدداً من أعضاء دورة التمثيل الدبلوماسي العسكري المصري بالخارج (وزارة الري المصرية)

وفشلت آخر جولة مفاوضات بشأن «سد النهضة» بين مصر وإثيوبيا والسودان في ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي دون التوصل لاتفاق.

وقال الوزير المصري إن «دول منابع حوض النيل تتمتع بوفرة في مواردها المائية، إذ يصل حجم الأمطار المتساقطة على حوض نهر النيل إلى حوالى 1600 مليار متر مكعب سنوياً، بينما يصل حجم الأمطار المتساقطة على دول حوض النيل - داخل حوض نهر النيل أو غيره من الأحواض بهذه الدول - إلى حوالي 7000 مليار متر مكعب سنوياً، في وقت تصل حصة مصر من المياه إلى 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، تعتمد عليها مصر بنسبة 98 في المائة لتوفير مواردها المائية».

وحذر خبراء مصريون من عدم التوصل لاتفاق قانوني بشأن «سد النهضة» يضمن حقوق دولتي المصب، وقال أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة الدكتور عباس شراقي لـ«الشرق الأوسط»، إن «خطورة عدم التوصل لاتفاق بشأن سد النهضة لا تتوقف عند ما يثيره السد من مخاوف، إذ إنه قد يتحول لسابقة تدفع دولاً أخرى من دول المصب إلى إنشاء سدود دون اتفاقيات ودون التشاور مع دولتي المصب».

وأكد شراقي أن «النهج الإثيوبي في بناء سد النهضة في كل مراحله ينطوي على قدر كبير من التخبط وعدم الوضوح، ففي الوقت الراهن مثلاً لا نعرف متى تعمل توربينات توليد الكهرباء ومتى تتوقف». وحسب شراقي، فإن «الممارسات الإثيوبية بشأن سد النهضة تعمق الخلافات بين دول حوض النيل وتتسبب في توترات».

وتحرص مصر، وفق وزير الري، على دعم جهود التنمية المستدامة في دول حوض النيل بتنفيذ «العديد من المشروعات في مجال المياه لخدمة المواطنين في هذه الدول مثل مشروعات تطهير المجاري المائية من الحشائش، وإنشاء سدود لحصاد مياه الأمطار، وآبار جوفية تعمل بالطاقة الشمسية بالمناطق النائية، وإنشاء مراكز للتنبؤ بالأمطار وقياس نوعية المياه بتكلفة إجمالية 100 مليون دولار لكافة المشروعات».

وزير الموارد المائية والري المصري يلقي كلمة عن التحديات المائية لبلاده (وزارة الري المصرية)

ويرى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بمصر الدكتور أيمن عبد الوهاب أن «استمرار السياسات الإثيوبية الأحادية يزيد مخاطر توتر العلاقات بين دول حوض النيل، ويحول قضية المياه إلى أداة للصراع، خصوصاً مع ازدياد متطلبات التنمية بالعديد من دول الحوض»، وحسب تصريحات عبد الوهاب لـ«الشرق الأوسط»، فإنه «لا يمكن إدارة ملف المياه بين دول حوض النيل دون اتفاق قانوني بشأن سد النهضة».

بدورها، أشارت مديرة البرنامج الأفريقي بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بمصر، الدكتورة أماني الطويل، إلى خلاف آخر بين مصر وإثيوبيا يتعلق بما يعرف بـ«اتفاقية عنتيبي»، وهي الاتفاقية التي أبرمت عام 2010، وتعارضها مصر والسودان، وتسمح لدول المنبع بإنشاء مشروعات مائية دون التوافق مع دولتي المصب.

وقالت الطويل لـ«الشرق الأوسط» إن «الاتفاقية أحدثت شرخاً في العلاقات بين دول المنابع والمصب، وهو ما سيؤدي إلى عرقلة أي جهود تنموية أو مشروعات مائية بدول حوض النيل، لأن الشرط الأساسي للمؤسسات الدولية المانحة هو وجود توافق وإجماع بين دول الحوض حول هذه المشروعات».

ووفق الطويل، فإن «السياسات الإثيوبية الإقليمية في مجملها تؤثر سلباً على العلاقات بين دول حوض النيل».