لماذا أقال الرئيس التونسي وزيري النقل والشؤون الثقافية؟

الإعفاء طرح عدة تساؤلات حول أسبابه وتوقيته

سعيد خلال زيارة لورشات النقل (الرئاسة)
سعيد خلال زيارة لورشات النقل (الرئاسة)
TT

لماذا أقال الرئيس التونسي وزيري النقل والشؤون الثقافية؟

سعيد خلال زيارة لورشات النقل (الرئاسة)
سعيد خلال زيارة لورشات النقل (الرئاسة)

أقال الرئيس التونسي قيس سعيد، مساء أمس (الثلاثاء)، اثنين من وزراء الحكومة، وقال بيان لرئاسة الجمهورية إن الرئيس قرر إعفاء وزير النقل ربيع المجيدي من مهامه، وتكليف وزيرة التجهيز والإسكان سارة الزنزري الزعفراني بتسيير الوزارة بصفة وقتية، كما قرر إنهاء مهام وزيرة الثقافة حياة قطاط القرمازي، وتعيين وزير التعليم العالي منصف بوكثير لتسيير الوزارة بصفة وقتية. ومباشرةً بعد هذا القرار بدأ الشارع التونسي يطرح عشرات الأسئلة حول أسباب هذه الإقالة؟ ولماذا جاءت في هذا التوقيت بالذات؟

بالنسبة لإقالة وزير النقل؛ فقد ظهرت في السابق عدة إرهاصات تشير إلى توقُّع حدوثها. لكن الزيارة التي قام الرئيس بها أمس لورشات سيدي فتح الله بالعاصمة، التابعة لـ«الشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية» (حكومية)، عجلت باتخاذ هذا القرار، حيث أبدى الرئيس سعيّد انتقادات شديدة لوضعية العربات المهملة، وندّد في انتقاد صريح لأداء «شركة سكك الحديد» بظاهرة الفساد التي استشرت في البلاد «حتّى أصبحت سرطاناً يُعربد في جسم الدولة، وفي جسم المجتمع»، على حد تعبيره.

وزير النقل المقال ربيع المجيدي (الشرق الأوسط)

كما عبّر الرئيس سعيد، خلال زيارة قام بها، مساء الثلاثاء، إلى مستودع القطارات بجبل جلود، ومحطة المترو الخفيف بتونس البحرية، حيث عاين الحالة التي توجد عليها وسائل النقل العمومي وظروف صيانتها، عن استغرابه من طول المدّة التي استغرقتها أشغال مشروع الشبكة الحديدية السريعة، قائلاً: «عشرون سنة ونحن ننتظر استكمال أشغال هذا المشروع». وشدد في هذا السياق على «ضرورة وضع حدّ للخراب والفساد الذي يشكوه هذا المرفق العمومي الأساسي، فأكثر العربات مُهملة، وتحوّلت إلى ركام من الحديد الذي أصابه الصدأ، ولم يعد صالحاً للاستعمال، في حين يعاني المواطنون من أجل التنقل».

وإثر هذه الزيارة قرر الرئيس إقالة وزير النقل من مهامه، وكلف سارة الزعفراني تسيير وزارة النقل بصفة وقتية.

كما استعرض الرئيس سعيد عدداً من الأمثلة على الفساد الذي عرفه قطاع النقل منذ عقود، من بينها السكة الحديدية للمترو الخفيف، التي تم وضعها بعد أن خسرت المجموعة الوطنية آلاف المليارات، ثم وقع ردمها في شارع «جان جوريس» وشارع «لوي براي» بتونس العاصمة نتيجة تدخل المتنفذين آنذاك داخل السلطة.

وسبق أن قالت البرلمانية فاطمة المسدي خلال جلسة في البرلمان التونسي إن وزير المواصلات ربيع المجيدي جدد في 20 يونيو (حزيران) 2023 رخصة شركة الطيران الخاصة «سيفاكس آيرلاينز»، دون استيفائها للشروط القانونية والمالية والفنية، محملةً إياه مسؤولية ذلك، مبرزة أنه «تم في بداية ديسمبر (كانون الأول) الحالي إعلان الشركة في حالة إفلاس، وعدم سداد، من قبل محكمة الاستئناف بتونس».

وزيرة الثقافة المقالة حياة قطاط القرمازي (الشرق الأوسط)

وفي تعليقه على قرار إقالته، قال المجيدي في رسالة على حسابه في «فيسبوك» إنه يغادر منصبه مطمئن الضمير، واعترف بجسامة المسؤولية التي كان يتولاها بقوله: «المهمة لم تكن سهلة في قطاع بكل تراكمات السنوات المضنية؛ فهو متشعب المجالات، ومتشابك الإشكاليات، ويتوجب السير فيه بتأنٍّ ويقظة على مسار الإصلاح، الذي يتدفق أحياناً وينحبس أحياناً أخرى، في ظل إمكانيات يدركها كل من عايشنا وتابع معنا ملفات النقل».

أما بالنسبة لقرار إقالة القرمازي وزيرة الشؤون الثقافية من منصبها، فقد رجح مراقبون أنه يعود إلى قرارها تأجيل «معرض تونس الدولي للكتاب»، الذي من المنتظَر أن ينعقد في أبريل (نيسان) المقبل، دون إجراء المشاورات الضرورية، وهو ما استدعى تدخل الرئيس التونسي لتنظيم المعرض في موعده المحدد.



زلازل إثيوبيا المتكررة تثير قلقاً مصرياً بشأن سلامة «سد النهضة»

جانب من إنشاءات «سد النهضة» (أ.ف.ب)
جانب من إنشاءات «سد النهضة» (أ.ف.ب)
TT

زلازل إثيوبيا المتكررة تثير قلقاً مصرياً بشأن سلامة «سد النهضة»

جانب من إنشاءات «سد النهضة» (أ.ف.ب)
جانب من إنشاءات «سد النهضة» (أ.ف.ب)

مع ازدياد وتكرار النشاط الزلزالي في إثيوبيا، تسود مخاوف مصرية بشأن إجراءات الأمن والسلامة المطبقة في «سد النهضة» الإثيوبي، المقام على الرافد الرئيسي لنهر النيل، والذي يثير توترات مع دولتي المصب (مصر والسودان).

وطالب خبراء مصريون، أديس أبابا، بضرورة عمل دراسات جيولوجية شاملة للمنطقة المحيطة بالسد، مؤكدين أن النشاط الزلزالي زاد بصورة غير مسبوقة في إثيوبيا خلال السنوات الأخيرة، ما يتطلب الانتباه، وإن كان لا يزال بعيداً عن محيط السد.

وتقيم إثيوبيا السد منذ عام 2011، بداعي إنتاج الكهرباء. وتطالب مصر والسودان بإبرام «اتفاق قانوني ملزم» ينظم قواعد ملء وتشغيل «السد»، بما يؤمن حصتيهما من مياه النيل، فضلاً عن تجنب أضرار بيئية واقتصادية أخرى، لكن المفاوضات بين الأطراف الثلاثة لم تنجح في الوصول إلى ذلك الاتفاق على مدار السنوات الماضية.

جانب من آخر جولة مفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن نزاع السد - العام الماضي (وزارة الري المصرية)

وشهدت إثيوبيا مساء السبت، زلزالاً بقوة 5 درجات على مقياس ريختر، وهو الزلزال التاسع خلال شهر، والسادس والعشرون خلال العام الحالي، وفق أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي.

ويقول شراقي، في منشور له بموقع «فيسبوك»، إن النشاط الزلزالي «ازداد في إثيوبيا بصورة غير مسبوقة خلال السنوات الثلاث الأخيرة»، لافتاً إلى أن «متوسط النشاط الزلزالي في إثيوبيا كان نحو 6 زلازل في العام، لكنه وصل إلى 12 في عام 2022، و38 في 2023، وبلغ عدد الزلازل في العام الحالي 26 زلزالاً حتى الآن».

وبشأن معدل الأمان بـ«سد النهضة» مع تكرار الزلازل في إثيوبيا، قال شراقي لـ«الشرق الأوسط»: «من المهم وجود دراسات جيولوجية حديثة تتابع زيادة معدلات النشاط الزلزالي في إثيوبيا».

وبحسب شراقي، فإنه «توجد دراسات جيولوجية قديمة للمنطقة، تم على أساسها تحديد مواصفات فنية للسد، ولم تلتزم بها إثيوبيا أيضاً، ورفضت كل التقارير والخطط التي وضعها خبراء دوليون، ومنها خطة المكتب الاستشاري الفرنسي عام 2018».

وكشف شراقي أن مواصفات ومعدلات أمان «سد النهضة» قضية مثارة من قبل بدء إنشائه، فما بين عامي 1958 و1964 أجرى مكتب الاستصلاح الأميركي دراسات بطلب من حكومة أديس أبابا، وضع خلالها مواصفات السد الذي كان يسمى حينها «سد الحدود»، لأنه على الحدود السودانية، وكان من بين هذه المواصفات التي وضعت بسبب الطبيعة الزلزالية للمنطقة ألا يتجاوز حجم تخزين المياه خلف السد 11.1 مليار متر مكعب، لكن إثيوبيا تجاهلت كل الدراسات، ووصل تخزين السد إلى 64 مليار متر مكعب.

وسبق أن اتفقت مصر والسودان وإثيوبيا عام 2011 على تشكيل «لجنة دولية» لتقييم مشروع «سد النهضة»، ضمت في عضويتها خبيرين من السودان، وخبيرين من مصر، و4 خبراء دوليين في مجالات هندسة السدود وتخطيط الموارد المائية والأعمال الهيدرولوجية والبيئية والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للسدود، من ألمانيا وفرنسا وجنوب أفريقيا.

وفي مايو (أيار) 2013، خلصت اللجنة الدولية في تقريرها الشامل إلى أن «إنشاء (السد) يحتاج إلى مزيد من الدراسات من جانب الحكومة الإثيوبية لمنع الآثار السلبية»، وأبدت اللجنة حينها عدداً من التحفظات، منها «تحفظات تتعلق بسلامة السد، وتأثير قلة تدفق المياه على دولتي المَصب».

في السياق ذاته، دعا أستاذ الاستشعار عن بعد بجامعة تشابمان الأميركية الدكتور هشام العسكري، إلى ضرورة «إجراء دراسات جيولوجية شاملة للمنطقة المحيطة بسد النهضة، وتقييم دوري لسلامته».

وأضاف العسكري، في مداخلة تلفزيونية مساء الأحد: «الزلازل التي وقعت في إثيوبيا مؤخراً تبعد نحو 500 كيلومتر عن سد النهضة، لكن هذا لا يعني أن السد في مأمن من الخطر، خصوصاً أن منطقة الفالق الأفريقي تشهد نشاطاً زلزالياً مزداداً».

وسبق أن طالبت القاهرة، الجانب الإثيوبي، بتقديم «دراسات فنية تفصيلية» بشأن «السد»، ومعاملات الأمان المتعلقة بالإنشاءات والتشغيل. وحذر وزير الموارد المائية والري المصري، الدكتور هاني سويلم، خلال «المنتدى العالمي العاشر للمياه» الذي عقد بإندونيسيا في مايو (أيار) الماضي، الجانب الإثيوبي، من مخاطر «الاستمرار في بناء (السد) دون تقديم دراسات فنية تفصيلية حول آثاره البيئية والاقتصادية على دول المَصب».

ويرى المستشار الأسبق لوزير الري المصري خبير الموارد المائية الدكتور ضياء الدين القوصي، ضرورة إجراء دراسات جيولوجية حديثة ومتابعة مستمرة للنشاط الزلزالي في المنطقة المحيطة بسد النهضة.

وقال القوصي لـ«الشرق الأوسط»: «رغم بعد المسافة بين مراكز الزلازل التي حدثت مؤخراً في إثيوبيا، والسد، فإن الخطر ما زال قائماً، حيث يمكن أن يتسبب السد نفسه بكمية المياه المخزنة في نشاط زلزالي، إذ يمكن لتسرب المياه بين الشقوق الصخرية أن يؤدي لاهتزاز القشرة الأرضية، خصوصاً مع وجود فالق أرضي، لذا فإن السد ليس بعيداً عن مخاطر الزلازل، ومن الممكن أن يحدث زلزال قريب منه».