«نقص السيولة» يزيد من أعباء الليبيين مع حلول رمضان

على خلفية أزمة حادة بين الدبيبة ومحافظ «المركزي»

ليبيون يتسوقون في محل بطرابلس 24 فبراير 2024 (أ.ف.ب)
ليبيون يتسوقون في محل بطرابلس 24 فبراير 2024 (أ.ف.ب)
TT

«نقص السيولة» يزيد من أعباء الليبيين مع حلول رمضان

ليبيون يتسوقون في محل بطرابلس 24 فبراير 2024 (أ.ف.ب)
ليبيون يتسوقون في محل بطرابلس 24 فبراير 2024 (أ.ف.ب)

تشتكي أطياف ليبية كثيرة من نقص السيولة في المصارف، وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار بالسوق الموازية، معبرة عن غضبها لا سيما مع حلول شهر رمضان، وتأخر صرف الرواتب.

فمن طرابلس إلى بنغازي مروراً بجبل نفوسة (شمال غربي ليبيا) تتصاعد شكاوى المواطنين من تدني قيمة الدينار أمام الدولار في السوق الموازية، بجانب شح السيولة النقدية في المصارف. (الدولار يساوي 4.84 دينار في السوق الرسمية)، فيما يبلغ في السوق الموازية (السوق السوداء) 7.26 دينار.

ونقلت وسائل إعلام محلية عن مواطنين في مدن ليبية كثيرة، انتقاداتهم للأوضاع المالية التي يرون أنها تزيد من معاناتهم، في ظل تدني الرواتب، وتأخرها لبعض الوقت.

ليبيون يتسوقون في محل بطرابلس 24 فبراير 2024 (أ.ف.ب)

وانعكست أزمة نقص السيولة على هتافات الجمهور الذي حضر افتتاح ملعب طرابلس الدولي مساء الجمعة، مردداً عند دخول رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة عبد الحميد الدبيبة: «وين وين وين (أين)... وين السيولة وين؟!».

وعلى مدار الأسبوعين الماضيين، تنقل وسائل إعلام محلية عن مواطنين يشتكون تضررهم من قلة السيولة وغلاء أسعار السلع الغذائية وزيادة الأعباء، ما تسبب في تراجع القوة الشرائية لبعض الأسر، على الرغم من ذلك تشهد الأسواق الشعبية ازدحاماً على التبضع من اللحوم والخضراوات والسلع.

ووعد الدبيبة بتوفير السيولة بالمصارف، فيما تشهد العلاقة بينه وبين محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، توتراً ملحوظاً خلال الأسبوع الماضي، بعدما دعا الأخير إلى «ميزانية وطنية موحدة» في تحد واضح لحليفه السابق الدبيبة، الذي انتقد حكومته «بزيادة الإنفاق»، وطالب مجلس النواب بإصدار قرار بتعديل سعر الصرف.

طرابلس - ليبيا (شاترستوك)

وفيما يؤكد مواطنون في شمال غربي البلاد، على معاناتهم من نقص السيولة، تحدث القانوني الليبي علي إمليمدي، الذي يقطن مدينة سبها (جنوب ليبيا) إلى «الشرق الأوسط» بأنها «بدأت تتوفر تدريجياً» في منطقته، لافتاً إلى أن «الأزمة ممتدة في ليبيا منذ قرابة شهرين».

ومنذ بداية العام الحالي، اشتكى عدد من سكان مدينة بني وليد (شمال غربي ليبيا) من نقص السيولة في المصارف، مما تسبب في حالة الغضب والخوف بين المواطنين.

ويرى الخبير الاقتصادي الليبي، سليمان الشحومي، أن «نقص السيولة أمر طبيعي في ظل وضع النظام المصرفي الليبي والذي يقوده توافر الدولار بالسوق لمختلف الأغراض»، مشيراً إلى «عدم وجود أي أدوات تحفز على جذب السيولة خارج القطاع المصرفي والتي أصبحت تتزايد بشكل ملحوظ، حيث تبلغ حوالي 40 مليار دينار وتشكل أكثر من 30 في المائة من عرض النقود بالاقتصاد الليبي مما يزيد الضغط على طلب الدولار».

ونوه الشحومي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «تعثر عرض الدولار وتوقفه من وقت لآخر يزيد من نقص تدفق ودوران النقود الكاش بالاقتصاد مما ينعكس في نقص السيولة».

مقر مصرف ليبيا المركزي بطرابلس (مواقع ليبية محلية)

ونقلت وكالة «رويترز» عن مصدر من مصرف ليبيا المركزي في بنغازي الأسبوع الماضي، وصفته بالمسؤول، أن «سبب نقص السيولة هو إغلاق الاعتمادات خلال الفترة الماضية»، ولكنه توقع «انفراجة في الأزمة قبل شهر رمضان، حيث سيتم فتح الاعتمادات».

وعبر صلاح العمامي، وهو تاجر للمواد الغذائية في بنغازي، عن مخاوفه في حديثه للوكالة، وقال: «يبدو أننا رجعنا للمربع الأول في موضوع السيولة. فنحن التجار نعاني الأمرّين من نقص السيولة وارتفاع سعر الدولار... وهناك شح في إقبال الزبائن خلال الأسبوعين الماضيين».

وعلّق أستاذ الاقتصاد الليبي عطية الفيتوري، على أزمة ارتفاع سعر الدولار، بشيء من الاستغراب، وقال: «للأسف الشديد يبدو أن رئيس مجلس النواب اقتنع برأي محافظ المصرف المركزي، أنه لو لم تفرض ضريبة على بيع الدولار فإن سعره سيرتفع في (السوق الموازية) إلى 10 أو 12 دينارا، وإذا فرض ضريبة على بيعه فإنه سيستقر وتستقر أسعار السلع، ولا يعاني المواطن من التضخم».

شارع «النصر» وجزيرة بومشماشة وسط العاصمة طرابلس (حكومة الوحدة)

وسبق للخبير الاقتصادي الليبي عطية الشريف، أن أرجع سبب نقص السيولة إلى «الإجراءات المتقطعة والمتذبذبة، والقرارات العشوائية لمصرف ليبيا المركزي، مما أدى إلى انقطاع الثقة بين المصرف والمواطنين والتجار».

ورأى أن المواطن الليبي «يسحب أي مبلغ أولاً بأول، والتاجر لا يضع أمواله داخل المصارف، مما أدى إلى التضخم».

وتعاني ليبيا من انقسام حاد بين حكومتين: الأولى في طرابلس بقيادة الدبيبة، والثانية في شرق ليبيا مكلفة من مجلس النواب ويترأسها أسامة حماد. وعاد مصرف ليبيا المركزي في أغسطس (آب) الماضي، مؤسسة سيادية موحدة، بعد قرابة عقد من الانقسام، إلى فرعين بسبب الحرب الأهلية.


مقالات ذات صلة

مطالب أممية بمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان في ترهونة الليبية

شمال افريقيا عناصر من هيئة البحث عن المفقودين يتفقدون موقعاً لمقابر جماعية تم العثور عليها في ترهونة (الهيئة)

مطالب أممية بمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان في ترهونة الليبية

حذّر تقرير للأمم المتحدة من أن غياب المساءلة، والسنوات الطويلة من إفلات المتسببين في انتهاكات حقوق الإنسان، والتجاوزات المرتكبة في مدينة ترهونة الليبية

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا محافظ المصرف المركزي الجديد خلال اجتماع بمساعديه (المصرف المركزي)

«النواب» الليبي يُصر على رفض محافظ «المركزي»... ويدعو للتهدئة

دخلت أزمة المصرف المركزي الليبي، مرحلة جديدة، السبت، وسط محاولة من حكومة الوحدة المؤقتة في العاصمة طرابلس، لاحتواء لانتقادات أميركية.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا لقاء سابق يجمع صالح والمشري وستيفان ويليامز المبعوثة الأممية بالإنابة (المكتب الإعلامي لرئيس مجلس النواب الليبي)

ليبيون يعلّقون آمالهم على تقارُب صالح والمشري لإحياء المسار الانتخابي

تدفع أزمة المصرف المركزي الليبي بإمكانية العودة إلى بحث العملية السياسية، في ظل عقد البعض آمالاً على عودة التقارب بين مجلسَي النواب و«الأعلى للدولة».

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا لقاء سابق يجمع صالح وسفير الاتحاد الأوروبي إلى ليبيا (حساب السفير على «إكس»)

«الأوروبي» يدعو قادة ليبيا إلى «خفض التوترات»... وتشغيل النفط

أطلقت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى ليبيا عدداً من التحذيرات لقادة البلاد ودعتهم للتحاور والاستجابة لمبادرة الأمم المتحدة، كما شددت على ضرورة إعادة إنتاج وضخ النفط.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا طالبت لجنة الأزمات والطوارئ ببلدية زليتن المواطنين بالابتعاد عن مجرى الوادي (مديرية أمن طرابلس)

سيول جارفة تضرب مناطق متفرقة في ليبيا... وتنشر المخاوف

ضربت أمطار غزيرة وصلت إلى حد السيول مناطق عدة في شمال غربي ليبيا، وأعلن جهاز الإسعاف والطوارئ رفع درجة الاستعدادات وسط إنقاذ عائلات عالقة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«النواب» الليبي يُصر على رفض محافظ «المركزي»... ويدعو للتهدئة

محافظ المصرف المركزي الجديد خلال اجتماع بمساعديه (المصرف المركزي)
محافظ المصرف المركزي الجديد خلال اجتماع بمساعديه (المصرف المركزي)
TT

«النواب» الليبي يُصر على رفض محافظ «المركزي»... ويدعو للتهدئة

محافظ المصرف المركزي الجديد خلال اجتماع بمساعديه (المصرف المركزي)
محافظ المصرف المركزي الجديد خلال اجتماع بمساعديه (المصرف المركزي)

دخلت أزمة المصرف المركزي الليبي مرحلة جديدة، اليوم (السبت)، وسط محاولة حكومة الوحدة المؤقتة في العاصمة طرابلس، احتواء انتقادات أميركية رسمية بشأن الإدارة الجديدة للمصرف، التي نصبها المجلس الرئاسي، بينما تمسك عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، بموقفه الرافض للاعتراف بها.

وعدّت وزارة الخارجية بحكومة الوحدة أن بيان إدارة شؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية الأميركية، بشأن تطورات الوضع المتعلق بالمصرف، يعكس «التزام الولايات المتحدة بدعم الاستقرار المالي، وتعزيز الشفافية في مؤسساتنا المالية»، وعدّته خطوة إيجابية نحو توحيد وإصلاح المصرف المركزي.

واجهة مصرف ليبيا المركزي في طرابلس (رويترز)

وقالت «خارجية الوحدة»، اليوم (السبت): «نتفهم القلق حيال حملات التشويه والأكاذيب التي تستهدف مؤسسات الدولة الليبية، ونتفق على أن هذه المخاوف ستنتهي بمجرد زوال تلك الحملات، وتوحيد الصفوف خلف مؤسساتنا الوطنية». وأشارت إلى الحاجة المزدادة للتدقيق في المعاملات المالية خلال المراحل الانتقالية للمؤسسات النقدية، لافتة إلى أنها تعدّ هذه الإجراءات البروتوكولية «ضرورية لضمان الشفافية والمساءلة».

لقاء سابق بين رئيس مجلس النواب والسفير والمبعوث الأميركي الخاص (أرشيفية)

وأكدت الوزارة إعلان الإدارة الجديدة للمصرف «تسلم مهامها بسلاسة، ومباشرة تفعيل المنظومات المختلفة، والتجاوب الذي لاقته الإدارة الجديدة مع المنظومة المصرفية الدولية، بعد 9 سنوات من غياب الحوكمة والعمل الفردي، الأمر الذي كان مطلباً أساسياً لكل المنظمات الدولية المعنية. وهذه الخطوة تمثل تطوراً مهماً في مسيرة الإصلاح المالي والإداري في ليبيا».

وبعدما أكدت التزامها باحترام سيادة ليبيا، واستمرار ثقتها بالدولار الأميركي والمؤسسات الأميركية، خصوصاً في ظل التحديات الحالية والتجاذبات والصراع على النفوذ في أفريقيا، أعربت «خارجية الوحدة» عن التطلع لتعزيز التعاون الثنائي مع الولايات المتحدة، لتحقيق الاستقرار والنمو المستدام في ليبيا. وأوضحت أن المجلس الرئاسي، وفي خطوة لإضفاء مزيد من التوافق، أعلن التزامه بالانفتاح على الحوار برعاية بعثة الأمم المتحدة، مع منح فرصة أخيرة للمجلسين لتحقيق توافق بعد 10 سنوات من التخاذل، ما أدى لتعزيز الحكم الفردي وغياب الشفافية، وزيادة المخاطر المرتبطة بتنفيذ سياسات لا تعكس إرادة الدولة الليبية.

الصديق الكبير (رويترز)

وكانت «الخارجية» الأميركية قد أعلنت عبر مكتبها لشؤون الشرق الأدنى، أن البنوك الأميركية والدولية قامت بإعادة تقييم علاقاتها مع المصرف المركزي الليبي، وفي بعض الحالات وقف المعاملات المالية، حتى يكون هناك مزيد من الوضوح بشأن القيادة الشرعية لـ«المركزي».

وطالبت الجهات الفاعلة الليبية باتخاذ خطوات للحفاظ على مصداقية المصرف، وإيجاد حل لا يضر بسمعته، ومشاركته مع النظام المالي الدولي، معبرة عن شعورها بالقلق من أن مزيداً من الاضطرابات مع البنوك الدولية، يمكن أن يضر بالاقتصاد الليبي ورفاهية الأسر الليبية.

وشددت على دعوة مجلس الأمن للجهات الفاعلة الليبية للعمل بشكل عاجل معاً، ومع البعثة الأممية لإيجاد حل سياسي، يعيد القيادة المختصة وذات المصداقية للبنك المركزي الليبي.

بدوره، حذر رالف تاراف، سفير ألمانيا لدى ليبيا، من أن تؤدي ما وصفه بـ«الإجراءات أحادية الجانب» إلى الانحراف عن طريق الاستقرار والانتخابات الديمقراطية.

وأعرب في بيان مقتضب، اليوم (السبت)، عن دعم بلاده بقوة لدعوة البعثة الأممية لإجراء اجتماع عاجل لإيجاد حل للوضع الراهن.

في المقابل، دعا عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، إلى ضرورة الالتزام ببنود الإعلان الدستوري، والاتفاق السياسي، الذي ينص على صلاحيات واختصاصات مجلس النواب في التكليف بالمناصب السيادية بالتشاور مع مجلس الدولة، وعدّ القرار الصادر بتكليف محافظ ومجلس إدارة للمصرف معدوماً، لافتقاده للأسباب ومخالفاً للإعلان الدستوري والاتفاق السياسي، ولأنه جاء بعد جهود مضنية لتوحيد المصرف.

ورحب صالح، في بيان وزعه مركزه الإعلامي، مساء الجمعة، ببيان مجلس الأمن الدولي. وأكد «دعوة مختلف الأطراف للتهدئة، والتوقف عن إصدار قرارات والقيام بتصرفات من شأنها زعزعة الاستقرار، وتعميق الانقسام المؤسسي وتقويض الثقة بين الليبيين».

من جهته، نفى مصدر بالمجلس الرئاسي، لوسائل إعلام محلية، صحة بيان منسوب للمجلس، يعيد تكليف الصديق الكبير، المحافظ السابق للمصرف، في منصبه مجدداً، علماً بأن الكبير فر إلى خارج البلاد، مدعياً تلقيه تهديدات من مجموعات مسلحة، لم يحددها.

اجتماع نجل حفتر مع رئيس المجلس الحاكم في النيجر (القوات البرية بالجيش الوطني)

في غضون ذلك، أعلنت الإدارة الجديدة للمصرف استعادة العمل بجميع الأنظمة المستخدمة، بينما شدد محافظه المكلف، عبد الفتاح عبد الغفار، خلال اجتماعه مع مسؤولي المصرف، على ضرورة رفع وتيرة العمل في كل الإدارات بكفاءة عالية، لإنجاز الملفات في أسرع وقت ممكن، وتعهد بأن تعمل إدارة المصرف على حلحلة كل العراقيل التي تواجه العمل المصرفي.

إلى ذلك، قال الفريق صدام، نجل المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني، إنه اجتمع، اليوم (السبت)، باعتباره مبعوثاً لوالده، ورئيس القوات البرية بالجيش، مع عبد الرحمن تشياني، رئيس المـجلس الحاكم في النيجر لتنسيق التعاون الثنائي بين الجانبين، ضمن جولة تشمل عدداً من الدول الأفريقية لتعزيز التعاون وأمن الحدود.

لقاء حماد مع الرئيس التشادي في إنجامينا (حكومة الاستقرار)

وكان أسامة حماد، رئيس حكومة الاستقرار، قد أوضح أن رئيس تشاد محمد إدريس ديبي، الذي التقاه مساء الجمعة بالعاصمة إنجامينا، أشاد بالمشير خليفة حفتر، ودعمه اللوجيستي لبلاده في تأمين الحدود المشتركة، ومكافحة ظاهرة «الهجرة غير المشروعة» والجريمة المنظمة بما يحمي السلم والاستقرار في البلدين الجارين.