انتخابات الرئاسة التونسية تفجر خلافات عميقة بين الأحزاب

أهمها تهيئة المناخ العام للاقتراع المرتقب وتحديد شروط الترشح

تونسي يدلي بصوته خلال الانتخابات السابقة (رويترز)
تونسي يدلي بصوته خلال الانتخابات السابقة (رويترز)
TT

انتخابات الرئاسة التونسية تفجر خلافات عميقة بين الأحزاب

تونسي يدلي بصوته خلال الانتخابات السابقة (رويترز)
تونسي يدلي بصوته خلال الانتخابات السابقة (رويترز)

كشفت تصريحات عدد من السياسيين التونسيين بخصوص الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، المقررة نهاية السنة الحالية، عن وجود خلافات عميقة حول عدد من الملفات المرتبطة بهذه الانتخابات، ومن أهمها تهيئة المناخ العام لإجراء الاقتراع المرتقب، وتحديد شروط الترشح بشكل نهائي، وعلى رأسها شرط توفر «الحقوق السياسية والمدنية»، علاوة على تحديد موقف بعض الأحزاب من المشاركة في هذه الانتخابات، أو الإعلان بشكل صريح عن مقاطعتها، إضافة إلى اتخاذ موقف حاسم من الدعوات التي أطلقها أنصار الرئيس قيس سعيد لتأجيل الانتخابات الرئاسية إلى 2027 في حال تنفيذ مقتضيات دستور 2022.

منذر الزنايدي الوزير السابق في عهد بن علي (موقع النهضة)

وعلاوة على هذه التساؤلات زادت تصريحات منذر الزنايدي، الوزير السابق في عهد بن علي، بخصوص إثارة قضية فساد ضده، والحديث عن إصدار أمر دولي بحقه بعد أيام قليلة من إعلان نيته الترشح للانتخابات الرئاسية، من حدة التساؤلات حول إمكانية إقصاء بعض المنافسين المحتملين للرئيس الحالي، الذي دعته عدة أحزاب مناصرة له إلى الترشح لعهدة رئاسية ثانية، كما أن اشتراط توفر الحقوق السياسية والمدنية في ملف الترشح أضاف بدوره عدة تساؤلات، على اعتبار أن الموقوفين السياسيين المتهمين في قضية «التآمر ضد أمن الدولة» قد يتعرضون إلى الإقصاء في حال قرروا المشاركة.

عبير موسي رئيسة «الدستوري الحر» المعارض (موقع الحزب)

ويقبع عدد من المرشحين المحتملين للموعد الانتخابي المرتقب في السجون منذ أكثر من سنة، من بينهم عبير موسي رئيسة «الحزب الدستوري الحر»، وعصام الشابي رئيس «الحزب الجمهوري»، وغازي الشواشي الرئيس السابق لحزب «التيار الديمقراطي»، دون الخضوع لجلسات استماع قضائية، وبمجرد صدور أحكام قضائية نهائية، فإن ترشحهم سيصبح غير ممكن.

أما حركة «النهضة»، التي قاطعت المحطات الانتخابية السابقة، وانحازت لموقف «جبهة الخلاص الوطني» المعارضة والمتمسكة برفض المسار السياسي للرئيس سعيد، فإنها لم تحدد موقفها بعد من هذه المحطة الانتخابية، التي تعد الأكثر أهمية بالنسبة لها مقارنة مع الانتخابات البرلمانية والانتخابات المحلية التي قاطعتها، على اعتبار أن توجه تونس نحو نظام رئاسي يحظى فيه رئيس الجمهورية بصلاحيات سياسية واسعة قد يكون أغرى، وفق مراقبين، الكثير من الوجوه السياسية بالعودة إلى المشهد السياسي من بوابة الانتخابات الرئاسية، والإعلان عن إمكانية ترشحها.

بلقاسم حسن (أول يمين) (موقع حسن على فيسبوك)

في هذا السياق، أكد بلقاسم حسن، عضو المكتب التنفيذي لحركة «النهضة»، لـ«الشرق الأوسط» أن قيادات الحزب «لم تحسم في أمر المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهناك أكثر من رأي في هذا الباب».

وفي كل الحالات، فإن الحركة تظل بحسب متابعين للمشهد السياسي الحالي، مخيرة بين المشاركة في حال توفرت الشروط الديمقراطية للترشح، وقد تُقدم بناء على تلك الشروط مرشحاً باسمها، أو قد تدعم مرشحاً من خارج الحركة. وفي هذا الصدد كشف حسن عن تواصل المشاورات داخل الحركة، بالنظر إلى أهمية هذا الموقف بالنسبة لمواقفها السابقة من المسار السياسي المعتمد في تونس بعد 25 يوليو (تموز) 2021.

قيادات جبهة الخلاص الوطني المعارضة في وقفة احتجاجية (موقع حركة النهضة)

ومن أهم الشروط التي قد تدفع «النهضة» إلى المشاركة في حل تحققها، إفراغ السجون التونسية من الموقوفين بسبب أنشطة سياسية، وعلى خلفية مواقف من المسار السياسي الذي اعتمده الرئيس سعيد، وتحديد شروط الترشح التي تتماشى مع المعايير الدولية، وهذه الشروط قد لا تقبل بها منظومة الحكم الحالية، التي تنكر وجود معتقلين سياسيين لديها، وتؤكد أن الاعتقال تم في قضايا «حق عام». وفي هذا السياق صرح رفيق عبد السلام، القيادي في حركة «النهضة» ووزير الخارجية السابق، في وقت سابق أن «العنوان الرئيسي للمعركة اليوم في تونس هو ضمان انتخابات حرّة ونزيهة وشفّافة، وأولها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ورفع الوصاية على القضاء والمجتمع المدني والإعلام»، على حد تعبيره.



​ليبيون يأملون في إخضاع المتورطين بـ«جرائم حرب» للمحاكمة

صلاة جنازة على اثنين من ضحايا المجازر الجماعية في ترهونة غرب ليبيا) (رابطة ضحايا ترهونة)
صلاة جنازة على اثنين من ضحايا المجازر الجماعية في ترهونة غرب ليبيا) (رابطة ضحايا ترهونة)
TT

​ليبيون يأملون في إخضاع المتورطين بـ«جرائم حرب» للمحاكمة

صلاة جنازة على اثنين من ضحايا المجازر الجماعية في ترهونة غرب ليبيا) (رابطة ضحايا ترهونة)
صلاة جنازة على اثنين من ضحايا المجازر الجماعية في ترهونة غرب ليبيا) (رابطة ضحايا ترهونة)

يأمل ليبيون في إخضاع متهمين بـ«ارتكاب جرائم» خلال السنوات التي تلت إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي إلى «محاكمة عادلة وسريعة».

وكان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، تحدث ضمن إحاطة أمام مجلس الأمن الأسبوع الماضي، عن «خريطة طريق» لمحاكمة المتهمين في ليبيا من بينهم المتورطون في «المقابر الجماعية» في ترهونة (غرب البلاد).

وقفة احتجاجية لعدد من أهالي ضحايا ترهونة بغرب ليبيا (رابطة ضحايا ترهونة)

ورغم تعهد خان في إحاطته، بالعمل على «قدم وساق لتنفيذ خريطة طريق لاستكمال التحقيقات في جرائم حرب حتى نهاية 2025»، فإنه لم يوضح تفاصيلها، إلا أن عضو «رابطة ضحايا ترهونة» عبد الحكيم أبو نعامة، عبّر عن تفاؤل محاط بالتساؤلات على أساس أن «4 من المطلوبين للجنائية الدولية في جرائم حرب وقعت بالمدينة منذ سنوات لا يزالون خارج قبضة العدالة».

ويقصد أبو نعامة، في تصريح إلى «الشرق الأوسط» قائد الميليشيا عبد الرحيم الشقافي المعروف بـ«الكاني»، إلى جانب فتحي زنكال، ومخلوف دومة، وناصر ضو، فيما يخضع عبد الباري الشقافي ومحمد الصالحين لتصرف النيابة، بعد القبض على الأخير السبت.

ومن بين ملفات اتهام متنوعة في ليبيا، قفزت منذ أشهر إلى مقدمة أجندة المحكمة الدولية جرائم «مقابر جماعية» ارتكبت في ترهونة (غرب ليبيا) إبان سيطرة ما تعرف بـ«ميليشيا الكانيات» بين أبريل (نيسان) 2019 ويونيو (حزيران) 2020، علماً بأن الدائرة التمهيدية لـ«الجنائية الدولية» قرّرت رفع السرية عن ستة أوامر اعتقال لمتهمين في الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وينتاب من يتهمون بهذا الملف وأسر ضحايا في ترهونة، القلق مما يرونه «تسييس عمل المحكمة الدولية، وغياب الآلية الفعّالة لتنفيذ مذكرات القبض ضد المتهمين، في ظل وجودهم في بعض الدول»، وفق ما أفاد علي عمر، مدير «منظمة رصد الجرائم في ليبيا» لـ«الشرق الأوسط».

يُشار إلى أن خان، أبلغ مجلس الأمن الدولي عن اتفاقه مع النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور، على آلية جديدة للتعاون بين الطرفين، لكنه لم يكشف عن تفاصيلها.

إلى جانب مخاوف «التسييس»، يبدو أن تحديد المدعي العام للجنائية الدولية إطاراً زمنياً للانتهاء من التحقيقات نهاية العام المقبل، قد يكون مثار قلق أكبر لعائلات الضحايا.

ووفق عمر: «قد يفاقم الإفلات من العقاب ويشجع مرتكبي الجرائم الدولية على مواصلة أفعالهم»، مع إيحاء سائد لدى البعض «بعدم وجود نية لملاحقة مرتكبي الجرائم أو فتح جميع ملفات الجرائم التي تندرج تحت اختصاص المحكمة».

ومن بين الاتهامات التي تلاحق «ميليشيا الكانيات» كانت تصفية أغلب نزلاء سجن «القضائية»، و«الدعم المركزي» بترهونة، في 14 سبتمبر (أيلول) 2019، في رواية نقلتها «رابطة ضحايا ترهونة».

ويلاحظ متابعون، أن ظلال الانقسام السياسي انعكست على زيارة خان إلى طرابلس، وفق أستاذ العلوم السياسية الدكتور عبد الواحد القمودي. وعلى نحو أكثر تفصيلاً، يشير مدير «منظمة رصد الجرائم في ليبيا» علي عمر، في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن غياب التعاون من قِبل السلطات في شرق ليبيا وغربها، من بين عراقيل أخرى تقف أمام «نزاهة التحقيقات».

مقبرة جماعية مكتشفة بترهونة (غرب ليبيا) (هيئة التعرف على المفقودين في ليبيا)

في غضون ذلك، فرض الدور الروسي الزائد في ليبيا نفسه على إحاطة خان، أمام مجلس الأمن، بعدما شككت مندوبة روسيا في ولاية المحكمة على الملف الليبي، مذكرة بأن ليبيا «ليست طرفاً في نظام روما الأساسي».

وفي حين يستبعد أمين «المنظمة العربية لحقوق الإنسان» في ليبيا عبد المنعم الحر دوراً روسياً معرقلاً للمحاكمات، فإنه يتفق مع مندوبة روسيا في أن «الإحالة من جانب مجلس الأمن لم تعط المحكمة الجنائية الدولية ولاية مطلقة على ليبيا»، مشيراً إلى أنها «اقتصرت على جرائم حصلت قبل تاريخ 19 فبراير (شباط) 2011».

ويستند الحر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى نظام روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية الذي أجاز «التحقيق في جريمة أو أكثر ارتكبت»، وهو «ما يجعل القضايا التي وقعت بعد هذا التاريخ خارج ولاية المحكمة».

وقد يبدو «التفاؤل محدوداً» بمثول المطلوبين في جرائم الحرب بليبيا أمام المحكمة في لاهاي، وفق «مدير منظمة رصد الجرائم»، لكنه يشير إلى مخرج من هذا المأزق، وهو «اتخاذ خطوات أكثر جرأة، تشمل دعماً دولياً لضمان استقلالية التحقيقات، ووضع آلية فعّالة لتنفيذ مذكرات القبض».

وعلى نحو يبدو عملياً، فإن أمين المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا يقترح «حلاً قانونياً بتشكيل محكمة خاصة مختلطة يترأسها قاض ليبي تضم في هيئتها قضاة ليبيين ودوليين، على غرار المحكمة الدولية التي تم إنشاؤها للتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005».