إحياء النقاش في فرنسا حول «مسؤولية» التعذيب خلال حرب الجزائر

صورة التقطت في 2 يوليو 1962 لشباب في الجزائر يحتفلون باستقلال بلادهم (أ.ف.ب)
صورة التقطت في 2 يوليو 1962 لشباب في الجزائر يحتفلون باستقلال بلادهم (أ.ف.ب)
TT

إحياء النقاش في فرنسا حول «مسؤولية» التعذيب خلال حرب الجزائر

صورة التقطت في 2 يوليو 1962 لشباب في الجزائر يحتفلون باستقلال بلادهم (أ.ف.ب)
صورة التقطت في 2 يوليو 1962 لشباب في الجزائر يحتفلون باستقلال بلادهم (أ.ف.ب)

طالبت منظمات غير حكومية وجمعيات عدة، لا سيما من المحاربين القدامى، الاثنين، بأن تعترف الدولة الفرنسية بـ«مسؤوليتها» عن ممارسة التعذيب خلال حرب الجزائر (1954 - 1962) في مبادرة لـ«تهدئة» التوتر بين البلدين.

وكتبت نحو 20 منظمة في ملف أُرسل إلى الإليزيه وقُدِّم في مؤتمر صحافي أن «سلوك طريق فهم الدوامة القمعية التي أدت إلى ممارسة التعذيب، والذي شكَّل الاغتصاب أداته الأساسية (...) ليس تعبيراً عن الندم، بل هو عامل من عوامل الثقة بقيم الأمة». ومن بين هذه المنظمات رابطة حقوق الإنسان و«المجندون السابقون في (حرب) الجزائر وأصدقاؤهم ضد الحرب».

واتخذت الرئاسة الفرنسية خطوة أولى في هذا الاتجاه قبل عامين، خلال تكريم المحاربين القدامى الذين شاركوا في حرب الجزائر. وجاء في بيان أصدره الإليزيه في 18 أكتوبر (تشرين الأول) الفائت: «نعترف مُدركين بأنه في هذه الحرب» قامت «أقلية من المقاتلين بنشر الرعب، وممارسة التعذيب».

وعدَّ نيل أندرسون، رئيس منظمة «العمل ضد الاستعمار اليوم» في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية هذا اعترافاً «مهماً» و«شجاعاً»، لكنه غير مكتمل لأنه لا يحدد سلسلة من المسؤوليات، خصوصاً في أعلى هرم الدولة. وقال إن «الأمر لا يتعلق بالإدانة ولا بالحكم على أحد، بل بالنظر إلى التاريخ وجهاً لوجه، بهدف التهدئة» ما «سيسمح لنا بالانتقال إلى الخطوة التالية، وهي فهم كيف أمكن حدوث ذلك ثم المضي قدماً في العيش معاً. وهذا مهم لأن المسألة الجزائرية حساسة في الرأي الفرنسي».

ووفق المنظمات الموقعة على النداء فإنه خلال ما سمّي فترة طويلة «أحداث» الجزائر «جرى التنظير للتعذيب بوصفه نظام حرب وتعليمه وممارسته والتستر عليه وتصديره من قبل الحكومات الفرنسية، الأمر الذي ينطوي على مسؤولية الدولة الكاملة». والدليل الذي قدمته المنظمات هو أن التعذيب «دُرِّس منذ عام 1955» في المدارس العسكرية الكبرى مثل «سان سير»، وأن أولئك الذين عارضوه خلال حرب الجزائر «أُدِينُوا» في المحاكم.

ومنذ عام 1958، قدم الكاتب الصحافي والمناضل الشيوعي هنري أللاغ شهادته على التعذيب الذي تعرض له من جانب الجيش الفرنسي، في كتاب صادم حُظِرَ على الفور عنوانه «السؤال».

وبعد أكثر من 4 عقود، اعترف الجنرال بول أوساريس بممارسة التعذيب. ولدعم مبادرتها نشرت المنظمات غير الحكومية والجمعيات التي استنكرت عدم استقبالها في الإليزيه، عشرات الشهادات لأشخاص تعرضوا للتعذيب خلال الحرب التي أدت إلى استقلال الجزائر.

وفي هذا السياق، قال حور كبير، الذي وصف اعتقاله في 1957 في رسالة إلى المدعي العام في ليون: «لقد عانينا من أفظع الانتهاكات»، لافتاً إلى «التعذيب بالإغراق في حوض الاستحمام» أو «الصعقات الكهربائية» في «الأعضاء التناسلية». وأضاف هذا السجين السابق: «مع نهاية هذه الجلسة (من التعذيب)، مشينا فترة طويلة وأقدامنا في أحذية داخلها مسامير حادة اخترقت أقدامنا».

ومن جانبها، أوضحت غابرييل بينيشو جيمينيز لمحاميها أنها تعاملت مع هذه المحنة «بكل ثقة بالذات» في أكتوبر 1956، بعد أن تعرضت للتعذيب بالفعل خلال حرب الجزائر، علماً بأنها تعرضت للممارسات نفسها في الحرب العالمية الثانية عام 1941.

وأكدت تعرضها «للجلد»، و«الإجبار على الاستحمام بالماء البارد في فصل الشتاء» و«اللكمات»، من دون أن «تنطق بكلمة» عن المعلومات التي كان يريدها الجلّادون. وأضافت: «لا بد من أنني تسببت بخيبة أمل. فبعد إحدى عشرة ساعة من هذا التعذيب، لم يعد بإمكاني الصمود».

منذ عام 2022، كثفت باريس والجزائر جهودهما لإعادة بناء علاقة أكثر هدوءاً، من خلال إزالة العقبات تدريجياً من المسائل المتعلقة بفترة الاستعمار الفرنسي وحرب استقلال الجزائر. وجرى إنشاء لجنة من المؤرخين الفرنسيين والجزائريين في العام نفسه، من قبل رئيسي الدولتين من أجل «فهم متبادل بشكل أفضل والتوفيق بين الذكريات الجريحة» كما جاء في بيان الرئاسة الفرنسية.

ولم تجب رئاسة الجمهورية الفرنسية إلى الآن على طلب توضيحات تقدمت به وكالة الصحافة الفرنسية.


مقالات ذات صلة

الجزائر: إضراب «إسلاميين» معتقلين عن الطعام لـ«تأخر» محاكمتهم

شمال افريقيا علي بن حاج قيادي «جبهة الإنقاذ» التي تم حلها (متداولة)

الجزائر: إضراب «إسلاميين» معتقلين عن الطعام لـ«تأخر» محاكمتهم

بدأ عدد من «الإسلاميين» في الجزائر إضراباً عن الطعام داخل سجنهم بعاصمة البلاد، احتجاجاً على طول مدة إقامتهم في الحبس الاحتياطي.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا من لقاء سابق بين الرئيس تبون ونظيره الفرنسي (الرئاسة)

قرار جزائري يهدد العلاقات التجارية مع فرنسا

جمعية البنوك والمؤسسات المالية الجزائرية تُبلغ البنوك بإجراء جديد يتعلق بوقف معالجة عمليات الاستيراد والتصدير من وإلى فرنسا.

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة عربية إيمان خليف وقعت ضحية جدل حول هويتها الجنسية منذ وصولها إلى باريس (رويترز)

الجزائرية إيمان خليف تتقدم بدعوى قضائية لمزاعم تسريب سجلات طبية

تقدمت الملاكمة الجزائرية ايمان خليف حاملة ذهبية وزن 66 كلغ في أولمبياد باريس الصيف الماضي بدعوى قضائية، الأربعاء، بسبب تقارير إعلامية عن سجلات طبية مسربة.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شمال افريقيا الرئيس تبون في اجتماع سابق لمجلس الوزراء (الرئاسة)

الجزائر: ترقب تشكيل حكومي جديد بعد عزل 10 محافظين

تترقب الأوساط السياسية والإعلامية في البلاد تشكيل حكومة جديدة مطلع عام 2025 في سياق فوز تبون بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
الاقتصاد بنك الجزائر المركزي (الموقع الإلكتروني للبنك)

ارتفاع احتياطي الجزائر من النقد الأجنبي إلى 72 مليار دولار

أكد وزير المالية الجزائري ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي خارج الذهب 4 في المائة منتقلاً من 69 مليار دولار بنهاية 2023 إلى 72 ملياراً بنهاية العام الحالي.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

حمدوك يخشى «إبادة جماعية» في السودان على غرار رواندا

رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك (غيتي)
رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك (غيتي)
TT

حمدوك يخشى «إبادة جماعية» في السودان على غرار رواندا

رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك (غيتي)
رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك (غيتي)

حذر رئيس وزراء السودان السابق، عبد الله حمدوك، من انزلاق الوضع في السودان إلى ما هو أسوأ من الإبادة الجماعية التي شهدتها رواندا في تسعينات القرن الماضي، مرجعاً ذلك إلى تعدد الجيوش وأمراء الحرب، وتحشيد وتجنيد المدنيين، وتنامي خطاب الكراهية والاصطفاف العرقي والجهوي

وأعرب حمدوك الذي يترأس تحالف «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم)، عن تخوفه من أن يتمزق السودان إلى كيانات كثيرة تصبح بؤراً جاذبة لجماعات التطرف والإرهاب.

وقالت «تنسيقية تقدم» في بيان، إن حمدوك شارك في الفترة من 3 إلى 6 نوفمبر (تشرين الثاني)، في اجتماع مجلس «مؤسسة مو إبراهيم»، التي تعنى بالحكم الرشيد في أفريقيا، الذي حضره عدد من الرؤساء الأفارقة والأوروبيين السابقين، إلى جانب مسؤولين من الاتحاد الأوروبي ومنظمات إقليمية ودولية.

وطالب حمدوك المجتمع الدولي باتخاذ تدابير وإجراءات عاجلة لحماية المدنيين.