البرهان في القاهرة وحميدتي في طرابلس... ما أهداف الزيارتين؟

السيسي والبرهان في قصر الاتحادية بالقاهرة (الرئاسة المصرية)
السيسي والبرهان في قصر الاتحادية بالقاهرة (الرئاسة المصرية)
TT

البرهان في القاهرة وحميدتي في طرابلس... ما أهداف الزيارتين؟

السيسي والبرهان في قصر الاتحادية بالقاهرة (الرئاسة المصرية)
السيسي والبرهان في قصر الاتحادية بالقاهرة (الرئاسة المصرية)

في توقيت متزامن، زار طرفا الحرب السودانية دولتي الجوار مصر وليبيا، حيث استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في القاهرة، الخميس، رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، بينما التقى قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية عبد الحميد الدبيبة، في طرابلس.

وتأتي الزيارتان على وقع استمرار تعثر جهود التوصل لتسوية سياسية تنهي الحرب التي اقتربت من إكمال عامها الأول.

وتحمل زيارة البرهان للقاهرة دلالات سياسية عدة في ظل «غياب الاهتمام الدولي بالأزمة السودانية»، وفق أمين سر لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، النائبة سحر البزار، التي قالت لـ«الشرق الأوسط» إن «مسألة استئناف الحوار السياسي كانت في مقدمتها، خاصة أن مصر تعدّ بمثابة قناة للتواصل بين الجيش السوداني والأطراف الدولية».

وعقب مباحثاته مع البرهان في القاهرة، شدد الرئيس المصري على «دعم وحدة الصف السوداني وتسوية النزاع القائم»، مع تأكيد «استمرار مصر في الاضطلاع بدورها لتخفيف الآثار الإنسانية للنزاع على الشعب السوداني»، وفق بيان المتحدث الرئاسي.

ويحاول كل طرف من طرفي النزاع «كسب أنصار ومؤيدين إقليمين لموقفه»، كما يرى الخبير السوداني محمد تورشين الذي أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «تداعيات الحرب في السودان متعددة على مختلف الأطراف الإقليمية، وبالتالي هناك اهتمام بسرعة حلها، وهو أمر يدركه القادة العسكريون السودانيون، ويعملون على الاستفادة منه لتعزيز مواقفهم».

رأي يدعمه، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير صلاح حليمة الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «المواقف الإقليمية لها تأثير كبير على المشهد السوداني الداخلي، فرغم عدم نجاح المبادرات والتحركات الإقليمية لجمع البرهان وحميدتي على طاولة المفاوضات، فإن كلاً منهما يسعى لإحداث تأثير أكبر في المشهد السوداني سواء داخل أو خارج السودان».

وأضاف: «تعثر المبادرات المختلفة التي طرحت لأسباب متباينة، وإخفاق تحركات الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، بجانب التوقف الذي حدث في محاولات تقريب وجهات النظر، جميعها أمور تدفع نحو البحث عن مسارات بديلة، وحوار مع طرفي الأزمة، وهو الأمر الذي تعمل عليه أطراف عدة، وتأتي في إطاره دعوة الدبيبة للبرهان وحميدتي لزيارة طرابلس».

الدبيبة خلال استقبال حميدتي في طرابلس (إكس)

وبينما شدد الدبيبة، عقب لقائه حميدتي على ضرورة «إنهاء الحرب»، نشر قائد «الدعم السريع» بياناً، عبر حسابه على «إكس» عقب لقاء الدبيبة، الخميس، مؤكداً تقديمه «رؤيتهم لوقف الحرب وتحقيق السلام وإعادة بناء السودان على أسس جديدة وعادلة».

وتربط الخبيرة في الشأن الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أماني الطويل، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، بين لقاءات القاهرة وطرابلس بوصفها «إشارة على التفاعل الإقليمي، ودخول ليبيا ممثلة في حكومة الدبيبة طرفاً جديداً من أجل المساعدة في الوصول إلى تسوية، و(بوصفها) جزءاً من التحركات العربية الجديدة في الملف السوداني».

وأضافت: «المساعي العربية في الأيام الماضية تأتي استكمالاً للقاء الذي جرى في المنامة، الشهر الماضي، وجمع بين نائب البرهان، شمس الدين الكباشي، والقائد الثاني لـ(قوات الدعم السريع) عبد الرحيم دقلو»، مؤكدة أن «إنهاء الأزمة في السودان أولوية للسياسة الخارجية المصرية».

وتكتسب زيارة البرهان للقاهرة أبعاداً عدة في ظل «متغيرات إقليمية ليس فقط في الداخل السوداني لكن في منطقة البحر الأحمر أيضاً»، وفق السفير صلاح حليمة الذي يشير إلى «وجود تنسيقات أمنية بين مصر والجيش السوداني بشكل واضح لحماية الأمن القومي».

وتأتي زيارة البرهان إلى القاهرة بعد توجهه إلى العاصمة الليبية طرابلس، الاثنين الماضي، في زيارة رسمية أجري خلالها مباحثات مع رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي ورئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنيّة عبد الحميد الدبيبة.

الرئيس المصري خلال استقبال رئيس مجلس السيادة السوداني في مطار القاهرة (الرئاسة المصرية)

وحذرت دراسة نشرها المركز المصري للفكر والدراسات في فبراير (شباط)، من تداعيات تمكّن «قوات الدعم السريع» من حصد عدة مكاسب ميدانية خلال المرحلة الأولى من الحرب، بوصفها «أمراً يُنذر بتداعيات خطرة على مستقبل الدولة السودانية المتجه نحو سيناريو التقسيم على غرار السيناريو الليبي، والذي سيلقي بظلاله على أمن دول الجوار السوداني، لا سيما مصر، وكذلك على حدة التوترات في الممر الدولي البحر الأحمر».

ورأت الدراسة أن هذه التحركات «تفرض على البرهان إعادة النظر في استراتيجيته القتالية، والبحث عن مصادر دعم عسكري جديدة حتى يتمكن من صدّ تقدم (قوات الدعم السريع)، وإعادة فرض سيطرته على المناطق الخاضعة لسيطرة قوات حميدتي».

وتشدد البرلمانية المصرية سحر البزار على دعم مصر «استقرار ووحدة السودان»، وهو ما يعكس التشاورات المستمرة من أجل «تسوية الأزمة والحفاظ على سيادة ووحدة وتماسك السودان».

بينما تشير الخبيرة بمركز الأهرام إلى تطرق زيارة البرهان للقاهرة لتطورات الأوضاع الميدانية، خاصة مع التصعيد العسكري الذي حدث في الفترة الماضية في ظل غياب الضغط الدولي والانشغال بالأوضاع في غزة، بجانب مناقشة ما جرى طرحه خلال زيارة البرهان الأخيرة لطرابلس ولقاءاته وجولاته التي قام بها إقليمياً في الأسابيع الماضية.

رأي يدعمه، محمد تورشين الذي يشير إلى قوة العلاقات بين القاهرة ومجلس السيادة السوداني منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب، وبالتالي جرى مناقشة وطرح التحديات التي تواجه مجلس السيادة السوداني، وتصورات العمل عليها، فضلاً عن رؤية المجلس للمرحلة المقبلة والتعامل معها سياسياً وعسكرياً.


مقالات ذات صلة

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

شمال افريقيا رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

في الوقت الذي يتجه فيه السودان صوب المجاعة، يمنع جيشه شاحنات الأمم المتحدة من جلب كميات هائلة من الغذاء إلى البلاد عبر معبر «أدري» الحدودي الحيوي مع تشاد.

ديكلان والش (نيويورك)
شمال افريقيا صورة أرشيفية تُظهر دخاناً يتصاعد فوق الخرطوم مع اشتباك الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» (رويترز)

«الخارجية السودانية»: ندرس المبادرة الأميركية لوقف إطلاق النار

تقتصر المحادثات بين طرفي القتال في السودان؛ الجيش و«الدعم السريع»، على بحث وقف إطلاق النار والعنف في جميع أنحاء البلاد، لتمكين وصول المساعدات.

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا مسلّحون من «الدعم السريع» في سنار (مواقع التواصل)

«الدعم السريع» يعلن الاستيلاء على السوكي وإحكام الحصار على سنار

تعد مدنية السوكي واحدة من مدن ولاية سنار الاستراتيجية وتقع على الضفة الشرقية لنهر النيل الأزرق وتبعد عن العاصمة الخرطوم بنحو 300 كيلومتر.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا الرئيس الإريتري آسياس أفورقي (تصوير: بشير صالح)

أفورقي يفاجئ الجيش بطرد القائم بأعمال السفارة السودانية في أسمرا

«التحول الراهن في الموقف الإريتري، يمكن أن يكون حافزاً لاستعادة الموقف الإريتري لجانب القوى المدنية، إذا ضربنا على الحديد وهو ساخن».

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا جانب من «سد النهضة» (رويترز)

«سد النهضة»... هل تُضعف «زيادة الفيضانات» موقف مصر والسودان؟

يرى خبراء أن تأثير سنوات ملء السد الإثيوبي «منخفض حتى الآن على مصر والسودان».

أحمد إمبابي (القاهرة )

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
TT

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)

في الوقت الذي يتجه فيه السودان صوب المجاعة، يمنع جيشه الأمم المتحدة من جلب كميات هائلة من الغذاء إلى البلاد عبر معبر حدودي حيوي؛ ما يؤدي فعلياً إلى قطع المساعدات عن مئات الآلاف من الناس الذين يعانون من المجاعة في أوج الحرب الأهلية. ويحذّر الخبراء من أن السودان، الذي بالكاد يُسيّر أموره بعد 15 شهراً من القتال، قد يواجه قريباً واحدة من أسوأ المجاعات في العالم منذ عقود. ولكن رفْض الجيش السوداني السماح لقوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة بالمرور عبر المعبر يقوّض جهود الإغاثة الشاملة، التي تقول جماعات الإغاثة إنها ضرورية للحيلولة دون مئات الآلاف من الوفيات (ما يصل إلى 2.5 مليون شخص، حسب أحد التقديرات بحلول نهاية العام الحالي).

ويتعاظم الخطر في دارفور، المنطقة التي تقارب مساحة إسبانيا، والتي عانت من الإبادة الجماعية قبل عقدين من الزمان. ومن بين 14 ولاية سودانية معرّضة لخطر المجاعة، تقع 8 منها في دارفور، على الجانب الآخر من الحدود التي تحاول الأمم المتحدة عبورها، والوقت ينفد لمساعدتها.

نداءات عاجلة

ويقع المعبر الحدودي المغلق -وهو موضع نداءات عاجلة وملحة من المسؤولين الأميركيين- في أدري، وهو المعبر الرئيسي من تشاد إلى السودان. وعلى الحدود، إذ لا يزيد الأمر عن مجرد عمود خرساني في مجرى نهر جاف، يتدفق اللاجئون والتجار والدراجات النارية ذات العجلات الأربع التي تحمل جلود الحيوانات، وعربات الحمير المحملة ببراميل الوقود.

رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

لكن ما يُمنع عبوره إلى داخل السودان هو شاحنات الأمم المتحدة المليئة بالطعام الذي تشتد الحاجة إليه في دارفور؛ إذ يقول الخبراء إن هناك 440 ألف شخص على شفير المجاعة بالفعل. والآن، يقول اللاجئون الفارّون من دارفور إن الجوع، وليس الصراع، هو السبب الرئيسي وراء رحيلهم. السيدة بهجة محكر، وهي أم لثلاثة أطفال، أصابها الإعياء تحت شجرة بعد أن هاجرت أسرتها إلى تشاد عند معبر «أدري». وقالت إن الرحلة كانت مخيفة للغاية واستمرت 6 أيام، من مدينة الفاشر المحاصرة وعلى طول الطريق الذي هددهم فيه المقاتلون بالقضاء عليهم.

دهباية وابنها النحيل مؤيد صلاح البالغ من العمر 20 شهراً في مركز علاج سوء التغذية بأدري (نيويورك تايمز)

لكن الأسرة شعرت بأن لديها القليل للغاية من الخيارات. قالت السيدة محكر، وهي تشير إلى الأطفال الذين يجلسون بجوارها: «لم يكن لدينا ما نأكله». وقالت إنهم غالباً ما يعيشون على فطيرة واحدة في اليوم.

الجيش: معبر لتهريب الأسلحة

وكان الجيش السوداني قد فرض قراراً بإغلاق المعبر منذ 5 أشهر، بدعوى حظر تهريب الأسلحة. لكن يبدو أن هذا لا معنى له؛ إذ لا تزال الأسلحة والأموال تتدفق إلى السودان، وكذلك المقاتلون، من أماكن أخرى على الحدود الممتدة على مسافة 870 ميلاً، التي يسيطر عليها في الغالب عدوه، وهو «قوات الدعم السريع».

لاجئون فرّوا حديثاً من منطقة في دارفور تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في مخيم بتشاد (نيويورك تايمز)

ولا يسيطر الجيش حتى على المعبر في أدري، إذ يقف مقاتلو «قوات الدعم السريع» على بُعد 100 متر خلف الحدود على الجانب السوداني. وعلى الرغم من ذلك، تقول الأمم المتحدة إنها يجب أن تحترم أوامر الإغلاق من الجيش، الذي يتخذ من بورتسودان مقراً له على بُعد 1000 ميل إلى الشرق، لأنه السلطة السيادية في السودان. وبدلاً من ذلك، تضطر الشاحنات التابعة للأمم المتحدة إلى القيام برحلة شاقة لمسافة 200 ميل شمالاً إلى معبر «الطينة»، الذي تسيطر عليه ميليشيا متحالفة مع الجيش السوداني؛ إذ يُسمح للشاحنات بدخول دارفور. هذا التحول خطير ومكلّف، ويستغرق ما يصل إلى 5 أضعاف الوقت الذي يستغرقه المرور عبر «أدري». ولا يمر عبر «الطينة» سوى جزء يسير من المساعدات المطلوبة، أي 320 شاحنة منذ فبراير (شباط)، حسب مسؤولين في الأمم المتحدة، بدلاً من آلاف شاحنات المساعدات الضرورية التي يحتاج الناس إليها. وقد أُغلق معبر «الطينة» أغلب أيام الأسبوع الحالي بعد أن حوّلت الأمطار الموسمية الحدود إلى نهر.

7 ملايين مهددون بالجوع

وفي الفترة بين فبراير (شباط)، عندما أُغلق معبر «أدري» الحدودي، ويونيو (حزيران)، ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات طارئة من الجوع من 1.7 مليون إلى 7 ملايين شخص. وقد تجمّع اللاجئون الذين وصلوا مؤخراً على مشارف مخيم أدري، في حين انتظروا تسجيلهم وتخصيص مكان لهم. ومع اقتراب احتمالات حدوث مجاعة جماعية في السودان، أصبح إغلاق معبر «أدري» محوراً أساسياً للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة، كبرى الجهات المانحة على الإطلاق، من أجل تكثيف جهود المساعدات الطارئة. وصرّحت ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مؤخراً للصحافيين: «هذه العرقلة غير مقبولة على الإطلاق».

أحد مراكز سوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود» في أدري إذ يُطبّب طفل من جرح ملتهب في ذراعه ناجم عن العلاج الوريدي المستمر لسوء التغذية (نيويورك تايمز)

وكان إيصال المساعدات إلى دارفور صعباً حتى قبل الحرب. وتقع أدري تقريباً على مسافة متساوية من المحيط الأطلسي إلى الغرب والبحر الأحمر إلى الشرق، أي نحو 1100 ميل من الاتجاهين. فالطرق مليئة بالحفر، ومتخمة بالمسؤولين الباحثين عن الرشوة، وهي عُرضة للفيضانات الموسمية. وقال مسؤول في الأمم المتحدة إن الشاحنة التي تغادر ميناء «دوالا» على الساحل الغربي للكاميرون تستغرق نحو 3 أشهر للوصول إلى الحدود السودانية. ولا يقتصر اللوم في المجاعة التي تلوح في الأفق على الجيش السوداني فحسب، فقد مهّدت «قوات الدعم السريع» الطريق إليها أيضاً، إذ شرع مقاتلو «الدعم السريع»، منذ بدء الحرب في أبريل (نيسان) 2023 في تهجير ملايين المواطنين من منازلهم، وحرقوا مصانع أغذية الأطفال، ونهبوا قوافل المساعدات. ولا يزالون يواصلون اجتياح المناطق الغنية بالغذاء في السودان، التي كانت من بين أكثر المناطق إنتاجية في أفريقيا؛ ما تسبّب في نقص هائل في إمدادات الغذاء.

استجابة دولية هزيلة

وكانت الاستجابة الدولية لمحنة السودان هزيلة إلى حد كبير، وبطيئة للغاية، وتفتقر إلى الإلحاح.

في مؤتمر عُقد في باريس في أبريل، تعهّد المانحون بتقديم ملياري دولار مساعدات إلى السودان، أي نصف المبلغ المطلوب فقط، لكن تلك التعهدات لم تُنفذ بالكامل. وفي مخيمات اللاجئين المزدحمة في شرق تشاد، يُترجم الافتقار للأموال إلى ظروف معيشية بائسة. وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، التي تدير مخيمات اللاجئين في تشاد، إن عملياتها ممولة بنسبة 21 في المائة فقط في شهر يونيو. وقد اضطر برنامج الأغذية العالمي مؤخراً إلى خفض الحصص الغذائية، إثر افتقاره إلى الأموال.

يعيش ما يقرب من 200 ألف شخص في مخيم أدري الذي يمتد إلى الصحراء المحيطة حيث المأوى نادر ولا يوجد ما يكفي من الطعام أو الماء (نيويورك تايمز)

ومع هطول الأمطار بغزارة، جلست عائشة إدريس (22 عاماً)، تحت غطاء من البلاستيك، تمسّكت به بقوة في وجه الرياح، في حين كانت تُرضع ابنتها البالغة من العمر 4 أشهر. وكان أطفالها الثلاثة الآخرون جالسين بجوارها، وقالت: «نحن ننام هنا»، مشيرة إلى الأرض المبتلة بمياه الأمطار. لم يكن هناك سوى 3 أسرّة خالية في مركز لسوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود»، وكان ممتلئاً بالرضع الذين يعانون من الجوع. وكان أصغرهم يبلغ من العمر 33 يوماً، وهي فتاة تُوفيت والدتها في أثناء الولادة. في السرير التالي، كان الطفل مؤيد صلاح، البالغ من العمر 20 شهراً، الذي كان شعره الرقيق وملامحه الشاحبة من الأعراض المعروفة لسوء التغذية، قد وصل إلى تشاد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد أن اقتحم مسلحون منزل أسرته في الجنينة، عبر الحدود في دارفور، وقتلوا جده. وقالت السيدة دهباية، والدة الطفل مؤيد: «لقد أردوه قتيلاً أمام أعيننا». والآن، صار كفاحهم من أجل البقاء على قيد الحياة بفضل حصص الأمم المتحدة الضئيلة. ثم قالت، وهي تضع ملعقة من الحليب الصناعي في فم طفلها: «أياً كان ما نحصل عليه، فهو ليس كافياً بالمرة».

سفير سوداني: المساعدات مسيّسة

وفي مقابلة أُجريت معه، دافع الحارث إدريس الحارث محمد، السفير السوداني لدى الأمم المتحدة، عن إغلاق معبر «أدري»، مستشهداً بالأدلة التي جمعتها الاستخبارات السودانية عن تهريب الأسلحة.

مندوب السودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس خلال جلسة سابقة لمجلس الأمن (أ.ب)

وقال إن الأمم المتحدة «سعيدة» بترتيب توجيه الشاحنات شمالاً عبر الحدود في الطينة. وأضاف أن الدول الأجنبية التي تتوقع مجاعة في السودان تعتمد على «أرقام قديمة»، وتسعى إلى إيجاد ذريعة «للتدخل الدولي». ثم قال: «لقد شهدنا تسييساً متعمّداً ودقيقاً للمساعدات الإنسانية إلى السودان من الجهات المانحة». وفي معبر أدري، يبدو عدم قدرة الجيش السوداني على السيطرة على أي شيء يدخل البلاد واضحاً بشكل صارخ. وقال الحمّالون، الذين يجرّون عربات الحمير، إنهم يُسلّمون مئات البراميل من البنزين التي تستهلكها سيارات الدفع الرباعي التابعة لـ«قوات الدعم السريع»، التي عادة ما تكون محمّلة بالأسلحة.

*خدمة نيويورك تايمز