هل تتحول موريتانيا إلى «بوابة تجارية» للجزائر نحو دول غرب أفريقيا؟

بعد أن أطلق البلدان مشروع طريق صحراوي يربطهما ومنطقة حرة للتبادل التجاري

الرئيسان الموريتاني والجزائري يضعان حجر الأساس لمشروع طريق تربط البلدين (الرئاسة الموريتانية)
الرئيسان الموريتاني والجزائري يضعان حجر الأساس لمشروع طريق تربط البلدين (الرئاسة الموريتانية)
TT

هل تتحول موريتانيا إلى «بوابة تجارية» للجزائر نحو دول غرب أفريقيا؟

الرئيسان الموريتاني والجزائري يضعان حجر الأساس لمشروع طريق تربط البلدين (الرئاسة الموريتانية)
الرئيسان الموريتاني والجزائري يضعان حجر الأساس لمشروع طريق تربط البلدين (الرئاسة الموريتانية)

قبل 10 سنوات، بدأت الجزائر وموريتانيا التفكير في تعزيز مستوى التبادل التجاري بينهما، من خلال معبر بري هو الأول من نوعه على الحدود بين البلدين، التي ظلت منذ الاستقلال شبه مغلقة بسبب صعوبة تضاريس المنطقة، والتحديات الأمنية المتمثلة في شبكات التهريب والمنظمات الإرهابية.

لكن بعد سنوات من العمل، أطلق رئيسا البلدين محمد ولد الشيخ الغزواني وعبد المجيد تبون، الخميس الماضي في تندوف، المرحلة الأخيرة من المشروع، تتمثل في طريق تربط مدينة تندوف الجزائرية بمدينة الزويرات الموريتانية، على مسافة 840 كيلومتراً تقطع الصحراء القاحلة في شمال موريتانيا، وهو المشروع الذي ستنفذه 10 شركات جزائرية، إضافة إلى منطقة حرة للتبادل التجاري لم تكشف عنها أي تفاصيل.

بوابة السوق الأفريقية

التوجه الجزائري نحو السوق الموريتانية خلال السنوات الأخيرة، رافقته رغبة واضحة في الانفتاح على أسواق دول غرب أفريقيا، وذلك ضمن مشروع جزائري قديم، أطلق عليه «طريق الوحدة الأفريقية»، الذي يمتد على مدى نحو 5 آلاف كيلومتر، ويمر من الجزائر نحو النيجر ومالي وموريتانيا وتشاد ونيجيريا.

مصافحة بين الرئيسين الموريتاني والجزائري بعد إطلاق مشروع طريق تربط البلدين (الرئاسة الموريتانية)

غير أن المشروع الذي سمّته الصحافة المحلية في الجزائر «طريق الحرير الجزائرية»، اعترضته أزمات أمنية في الساحل الأفريقي، خصوصاً في النيجر ومالي، بالإضافة إلى تدهور العلاقات خلال الأشهر الأخيرة بين الجزائر والنظام العسكري الحاكم في باماكو، ليبدأ تسريع العمل في مقاطع الطريق التي تمر عبر موريتانيا.

وفي هذا السياق، يقول سيدي عثمان الشيخ الطالب اخيار، وهو رجل أعمال موريتاني مهتم بالسوق الجزائرية لـ«الشرق الأوسط»، إن «مشروع الطريق تندوف - الزويرات... سيكون رابطاً بين عدد من الدول الأفريقية... وربما وجد أهميته في هذه الظرفية، لأن الطرق الأخرى التي تمر بمالي والنيجر تواجه تحديات أمنية، والطريق الوحيدة السالكة والآمنة هي تلك التي تمر عبر موريتانيا نحو دول غرب أفريقيا، لتربطها بالجزائر وتونس، وبالتالي تكون موريتانيا بوابة تربط شمال أفريقيا بغربها».

الرئيسان الموريتاني والجزائري بعد إطلاق مشروع الطريق (الرئاسة الموريتانية)

ومنذ أكثر من عامين، بدأت البضائع الجزائرية تتدفق على السوق الموريتانية، وتسلك طريقاً صحراوية وعرة وشاقة، تزيد من مخاطر وتكاليف النقل، إذ عليها أن تسلك أكثر من ألف كيلومتر شبه مهجورة، لتصل إلى مدينة الزويرات الموريتانية. ولذلك ستشكل وعورة هذه المنطقة وجغرافيتها الصعبة، وانقطاعها عن العالم، أكبر تحدٍ أمام المشروع، الذي لم تحدد أي مدة زمنية لاكتماله، مع أن الرئيس الجزائري كان خلال إطلاق أشغاله حازماً حين طلب من الشركات «المرور إلى السرعة القصوى في التنفيذ».

* علامات استفهام حول المنطقة الحرة

إلى جانب الطريق والمعبر البري، أعلن الجانبان الموريتاني والجزائري عن إقامة منطقة حرة للتبادل التجاري بالقرب من المعبر الحدودي، وهي التي اهتم بها كثيراً رجال الأعمال الموريتانيون، وكانت محور كثير من الأسئلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وبهذا الخصوص يقول رجل الأعمال الموريتاني، سيدي عثمان، إن «المنطقة الحرة فكرة طموحة، لكنها جاءت بعرض من الجانب الجزائري، وربما تكون داخل أراضي الجزائر، لكن حتى الآن لم تحدد ملامحها، ولا الحيز الجغرافي الذي ستقام عليه، ولا الإجراءات والتحفيزات الموجودة فيها... والجانب الموريتاني لم تصل إليه حتى الآن أي معلومات حول هذه المنطقة، بما في ذلك القطاعات الموريتانية المختصة كالجمارك الموريتانية، التي لا تملك أبسط معلومة عن المنطقة الحرة».

* ترحيب جزائري - موريتاني

احتفى الموريتانيون بالمشروعات التي أطلقت لتعزيز التبادل التجاري مع الجزائر، خصوصاً الطريق البرية التي ستفك في نظرهم العزلة وتعيد الحياة لمنطقة نائية ظلت لعقود مهجورة، ومسرحاً لمطاردات الجيش الموريتاني مع شبكات التهريب. وأكثر ما احتفى به الموريتانيون هو أن الطريق التي تمتد لأكثر من 800 كيلومتر، ستتولى الجزائر بشكل كامل تمويلها، مع شركات محلية، رغم أن الجانب الجزائري لم يفصح عن تكاليف التنفيذ ولا مدته الزمنية.

الرئيسان الجزائري لدى وصوله إلى تندوف بجنوب غربي الجزائر (الرئاسة الموريتانية)

وقال الطالب اخيار إن مشروع التبادل التجاري بين موريتانيا والجزائر ستكون له إيجابيات على البلدين، لكنه شدد على ضرورة أن يكون ذلك التبادل «وفق قاعدة رابح - رابح، وبين طرفين تربطهما علاقة اقتصادية متكافئة»، مشيراً إلى أن «الوضعية الآن تشير إلى أن التبادل التجاري بين موريتانيا والجزائر غير متكافئ، لأن صادرات الجزائر نحو موريتانيا أكبر بكثير من صادرات موريتانيا نحو الجزائر»، وفق تعبيره.

وفي الجزائر، أولت الصحافة المحلية أهمية بالغة للأهداف التي دفعت الرئيسين للاجتماع بالمدينة الحدودية، على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، فيما تحدث مراقبون عن «محاولة الجزائر استدراك تأخر في علاقتها بنواكشوط، في ظل تقارب لافت حدث مؤخراً بين المغرب وموريتانيا».

الرئيسان الموريتاني والجزائري يتابعان مراسيم إطلاق مشروع الطريق التي ستربط البلدين (الرئاسة الموريتانية)

والمعروف أن علاقات الجزائر بجيرانها في المنطقة جنوب الصحراء، خصوصاً مالي والنيجر، تمر بظروف سيئة، وقد ترك ذلك أثراً بالغاً على نفوذها السياسي والأمني كقوة إقليمية. ووفق هذا المعطى الجديد، جاء لقاء تبون بولد الغزواني ليؤكد عزم الجزائريين تطوير علاقتهم بالجار المغاربي، الذي يشكل امتداداً لبلدان الساحل جنوب الصحراء. وقد تمت ترجمة هذه الإرادة بتحمل الجزائر تمويل مشروع الطريق الذي قدرت قيمته المالية بـ700 مليون دولار. كما أن الشركات التي ستنجزه كلها جزائرية، وتملك تجربة طويلة في قطاع الأشغال العامة وشق الطرقات في الصحراء.

ونشرت الرئاسة الجزائرية على حساباتها بالإعلام الاجتماعي تصريحات الرئيسين، وهما يطلقان المشروعات الجديدة، بشكل متواصل طوال يومي الخميس والجمعة. وأظهر تبون ارتياحاً لـ«الديناميكية الجديدة التي ستفتح آفاقاً، وتعطي حيوية بالمناطق الحدودية، بفضل الطريق الرابطة بين تندوف والزويرات، علماً بأن هذه المناطق خالية وجرداء حالياً، ويرتقب أن تنتعش قياساً إلى الأنشطة التي ستستحدث في مجال الإطعام والفندقة وبناء محطات البنزين»، مؤكداً أن «شعبينا يترقبان إنجاز هذا المشروع».

أما ولد الغزواني فقال إن الموريتانيين «يعدّون الجزائر بلداً فعالاً في المنطقة، وهم فخورون بذلك... وأشكر تبون على إنجاز الطريق الرابطة بين تندوف والزويرات، فقد تعهد لي بأنها سترى النور عن قريب... أخي الرئيس تبون قرر أن نلمس المشروع، وأن نستفيد منه، لذلك فأنا أشكره».

رئيس «حركة البناء» اقترح وحدة مغاربية ثلاثية (من حساب حزبه بالإعلام الاجتماعي)

وسارع عبد القادر بن قرينة، رئيس «حركة البناء» المشاركة في الحكومة بوزيرين، إلى الإشادة بنتائج «لقاء تندوف»، مؤكداً في بيان أصدره أمس (الجمعة)، أن مشروعي الطريق ومنطقة التجارة الحرة «يؤكدان الإرادة السياسية القوية للرئيس عبد المجيد تبون لإعمار المنطقة وإسعاد شعوبها، وهما رد واقعي ورسالة واضحة لكل المغرضين والحاسدين المعروفة أهدافهم»، من دون توضيح من يقصد، لكن كلامه فيه تلميح للرباط، وفق قراءة صحافيين.

وحذر بن قرينة من «حالة التوتر المزداد وعدم الاستقرار والاضطراب، التي تمر بها منطقة الساحل والصحراء، بسبب ما تعيشه بعض دولها من أزمات داخلية تغذيها أجندات خارجية، وكيانات وظيفية طفيلية، باتت معروفة عند الجميع، وما تبعه من فك للارتباط للخروج من عباءة المستعمر القديم»، في إشارة إلى تصدع علاقات مالي والنيجر مع فرنسا.

واقترح الوزير الأسبق «وحدة مغاربية للدول الثلاث: تونس والجزائر وموريتانيا كخطوة أولى، إلى حين انتفاء الموانع، والتحاق بقية الدول بما يبهج ويفرح مواطني دولنا المغاربية جميعاً».



«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
TT

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)
سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)

بعد تأكيدات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، الأسبوع الماضي، باستمرار سريان مذكرة التوقيف التي صدرت بحق سيف الإسلام، نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي عام 2011، عاد اسم سيف الإسلام ليتصدر واجهة الأحداث بالساحة السياسية في ليبيا.

وتتهم المحكمة الجنائية سيف الإسلام بالمسؤولية عن عمليات «قتل واضطهاد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية» بحق مدنيين، خلال أحداث «ثورة 17 فبراير»، التي خرجت للشارع ضد نظام والده، الذي حكم ليبيا لأكثر من 40 عاماً.

* تنديد بقرار «الجنائية»

بهذا الخصوص، أبرز عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، أن القوى الفاعلة في شرق البلاد وغربها «لا تكترث بشكل كبير بنجل القذافي، كونه لا يشكل خطراً عليها، من حيث تهديد نفوذها السياسي في مناطق سيطرتها الجغرافية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «رغم قلة ظهور سيف منذ إطلاق سراحه من السجن 2017، فإن تحديد موقعه واعتقاله لن يكون عائقاً، إذا ما وضعت القوى المسلحة في ليبيا هذا الأمر هدفاً لها».

صورة التُقطت لسيف الإسلام القذافي في الزنتان (متداولة)

وفي منتصف عام 2015 صدر حكم بإعدام سيف الإسلام لاتهامه بـ«ارتكاب جرائم حرب»، وقتل مواطنين خلال «ثورة فبراير»، إلا أن الحكم لم يُنفَّذ، وتم إطلاق سراحه من قبل «كتيبة أبو بكر الصديق»، التي كانت تحتجزه في الزنتان. وبعد إطلاق سراحه، لم تظهر أي معلومات تفصيلية تتعلق بحياة سيف الإسلام، أو تؤكد محل إقامته أو تحركاته، أو مَن يموله أو يوفر له الحماية، حتى ظهر في مقر «المفوضية الوطنية» في مدينة سبها بالجنوب الليبي لتقديم ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021.

وأضاف التكبالي أن رفض البعض وتنديده بقرار «الجنائية الدولية»، التي تطالب بتسليم سيف القذافي «ليس لقناعتهم ببراءته، بقدر ما يعود ذلك لاعتقادهم بوجوب محاكمة شخصيات ليبية أخرى مارست أيضاً انتهاكات بحقهم خلال السنوات الماضية».

* وجوده لا يشكِّل خطراً

المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، انضم للرأي السابق بأن سيف الإسلام «لا يمثل خطراً على القوى الرئيسية بالبلاد حتى تسارع لإزاحته من المشهد عبر تسليمه للمحكمة الدولية»، مشيراً إلى إدراك هذه القوى «صعوبة تحركاته وتنقلاته». كما لفت إلى وجود «فيتو روسي» يكمن وراء عدم اعتقال سيف القذافي حتى الآن، معتقداً بأنه يتنقل في مواقع نفوذ أنصار والده في الجنوب الليبي.

بعض مؤيدي حقبة القذافي في استعراض بمدينة الزنتان (متداولة)

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى وهي حكومة «الوحدة» المؤقتة، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، وتتخذ من طرابلس مقراً لها، والثانية مكلفة من البرلمان برئاسة أسامة حماد، وهي مدعومة من قائد «الجيش الوطني»، المشير خليفة حفتر، الذي تتمركز قواته بشرق وجنوب البلاد.

بالمقابل، يرى المحلل السياسي الليبي، حسين السويعدي، الذي يعدّ من مؤيدي حقبة القذافي، أن الولاء الذي يتمتع به سيف الإسلام من قبل أنصاره وحاضنته الاجتماعية «يصعّب مهمة أي قوى تُقدم على اعتقاله وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية»، متوقعاً، إذا حدث ذلك، «رد فعل قوياً جداً من قبل أنصاره، قد يمثل شرارة انتفاضة تجتاح المدن الليبية».

ورغم إقراره في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن «كل القوى الرئيسية بالشرق والغرب الليبيَّين تنظر لسيف الإسلام بوصفه خصماً سياسياً»، فإنه أكد أن نجل القذافي «لا يقع تحت سيطرة ونفوذ أي منهما، كونه دائم التنقل، فضلاً عن افتقاد البلاد حكومة موحدة تسيطر على كامل أراضيها».

ورفض المحلل السياسي ما يتردد عن وجود دعم روسي يحظى به سيف الإسلام، يحُول دون تسليمه للمحكمة الجنائية، قائلاً: «رئيس روسيا ذاته مطلوب للمحكمة ذاتها، والدول الكبرى تحكمها المصالح».

* تكلفة تسليم سيف

من جهته، يرى الباحث بمعهد الخدمات الملكية المتحدة، جلال حرشاوي، أن الوضع المتعلق بـ(الدكتور) سيف الإسلام مرتبط بشكل وثيق بالوضع في الزنتان. وقال إن الأخيرة «تمثل رهانات كبيرة تتجاوز قضيته»، مبرزاً أن «غالبية الزنتان تدعم اللواء أسامة الجويلي، لكنه انخرط منذ عام 2022 بعمق في تحالف مع المشير حفتر، ونحن نعلم أن الأخير يعدّ سيف الإسلام خطراً، ويرغب في اعتقاله، لكنهما لا يرغبان معاً في زعزعة استقرار الزنتان، التي تعدّ ذات أهمية استراتيجية كبيرة».

أبو عجيلة المريمي (متداولة)

ويعتقد حرشاوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الدبيبة يتبع أيضاً سياسة تميل إلى «عدم معارضة القذافي». ففي ديسمبر (كانون الأول) 2022، سلم المشتبه به في قضية لوكربي، أبو عجيلة المريمي، إلى السلطات الأميركية، مما ترتبت عليه «تكلفة سياسية»، «ونتيجة لذلك، لا يرغب الدبيبة حالياً في إزعاج أنصار القذافي. فالدبيبة مشغول بمشكلات أخرى في الوقت الراهن».