موريتانيا تبدأ «الحوار السياسي» مع الاتحاد الأوروبي

نفت أي نيات لأن تكون وطناً بديلاً للمهاجرين المرحلين من أوروبا

من جلسات الحوار السياسي بين الحكومة الموريتانية والاتحاد الأوروبي (الوكالة الموريتانية للأنباء)
من جلسات الحوار السياسي بين الحكومة الموريتانية والاتحاد الأوروبي (الوكالة الموريتانية للأنباء)
TT

موريتانيا تبدأ «الحوار السياسي» مع الاتحاد الأوروبي

من جلسات الحوار السياسي بين الحكومة الموريتانية والاتحاد الأوروبي (الوكالة الموريتانية للأنباء)
من جلسات الحوار السياسي بين الحكومة الموريتانية والاتحاد الأوروبي (الوكالة الموريتانية للأنباء)

بدأت الحكومة الموريتانية في العاصمة نواكشوط جلسات «الحوار السياسي» مع الاتحاد الأوروبي لبحث المسار الديمقراطي، والتحضير للانتخابات الرئاسية المقبلة بمنتصف السنة الحالية، بالإضافة إلى التعاون الموريتاني - الأوروبي في مجالات متعددة، أبرزها الهجرة والأمن والتنمية.

وانطلقت الجلسات، أمس (الثلاثاء)، وهي تنعقد بشكل دوري طبقا لاتفاقية كوتونو التي تنظم العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول مجموعة أفريقيا والكاريبي والمحيط الهادي، وينتظر منها هذه المرة أن تتطرق أيضاً إلى الأوضاع في منطقة الساحل؛ حيث ينتشر الإرهاب وانعدام الأمن، وموجة الانقلابات العسكرية التي تجتاح منطقة غرب أفريقيا منذ سنوات.

وقالت الوكالة الموريتانية للأنباء (رسمية) إن الجلسات ترأسها الوزير الأول الموريتاني محمد ولد بلال، وحضرها عدد من أعضاء الحكومة الموريتانية، بالإضافة إلى سفراء دول الاتحاد الأوروبي في موريتانيا (فرنسا وإسبانيا وألمانيا وبعثة الاتحاد الأوروبي).

وأضاف المصدر نفسه أن الجانب الموريتاني والأوروبي عبّرا في بداية الجلسات عن «ارتياحهما لجودة العلاقات الموريتانية الأوروبية»، مؤكدين على ضرورة الدفع بالشراكة بين موريتانيا والاتحاد الأوروبي إلى «مزيد من التدعيم والفاعلية».

جانب من جلسات الحوار السياسي بين الحكومة الموريتانية والاتحاد الأوروبي (الوكالة الموريتانية للأنباء)

لكن هذه الجلسات تنعقد في ظل جدل واسع تعيشه موريتانيا حول التعاون مع الاتحاد الأوروبي في ملف الهجرة، وهو الجدل الذي احتدم منذ زيارة رئيس الحكومة الإسبانية ورئيسة المفوضية الأوروبية لنواكشوط مطلع الشهر، وإعلان نية الأوروبيين استثمار مئات ملايين اليورو في موريتانيا، مقابل أن تلعب موريتانيا دوراً محورياً في محاربة أمواج المهاجرين القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، ويعبرون قبالة الشواطئ الموريتانية نحو أوروبا.

وبدأت بالفعل «مفاوضات أولية» في نواكشوط، الاثنين الماضي، بين الحكومة الموريتانية وبعثة أوروبية من أجل صياغة اتفاق بخصوص محاربة الهجرة غير الشرعية، وينتظر من هذه المفاوضات أن تسفر عن صياغة «مسودة إعلان مشترك» يتعلق بالهجرة، طبقاً لخريطة طريق ناقشها الطرفان في بروكسل نهاية العام الماضي (2023).

الرئيس الموريتاني أجرى محادثات مع بعثة أوروبية من أجل صياغة اتفاق بخصوص محاربة الهجرة غير الشرعية (أ.ف.ب)

وعلى الرغم من أنه لم يتم التوصل حتى الآن إلى أي اتفاق بين الطرفين، فإن هذه المفاوضات تثير مخاوف جل الموريتانيين من أن تتحول بلادهم إلى «وطن بديل» للمهاجرين المرحلين من الأراضي الأوروبية، وهو ما دفع وزارة الداخلية الموريتانية إلى إصدار بيان صحافي، قالت فيه بشكل صريح إن موريتانيا «لن تكون وطناً بديلاً للمهاجرين».

وأوضحت وزارة الداخلية الموريتانية أن نقاشها مع الأوروبيين يهدف إلى «تقريب وجهات النظر بخصوص ما يؤسس لاتفاق متوازن ومنصف، يضمن احترام السيادة والمصالح المشتركة لكلا الطرفين، وينسجم مع المواثيق والنظم والقوانين المعمول بها في إطار المعاهدات والاتفاقيات الدولية في مجال الهجرة».

كما أكدت الوزارة أن النقاش سيستمر لعدة أيام، مشيرة إلى أنه في حالة التوصل إلى مسودة وثيقة الاتفاق بين الطرفين حول الهجرة، سيجري التوقيع عليها خلال لقاء وزاري أوروبي –موريتاني مطلع مارس (آذار) المقبل في نواكشوط. مشددة على أن الهدف من المفاوضات مع الأوروبيين هو «التوصل إلى تفاهم مشترك يخدم مصالح الطرفين، فيما يخص محاربة الهجرة غير الشرعية، ويأخذ في الحسبان التحديات التي تواجهها بلادنا في هذا المجال، بعيداً عما يروج له البعض بخصوص فرضية توطين المهاجرين غير الشرعيين في موريتانيا».

كما قالت وزارة الداخلية إنها «تنفي جملة وتفصيلا كل ما يتداول ويشاع حول التوجه لجعل موريتانيا وطناً بديلاً لتوطين، أو استقبال أو إيواء المهاجرين الأجانب غير الشرعيين في بلادنا؛ حيث إن هذه الإشاعات عارية تماماً عن الصحة، وهذا الموضوع لم يتم تداوله على الإطلاق، وليس مطروحاً ولا وارداً البتة».

مهاجرون أفارقة في العاصمة نواكشوط (الشرق الأوسط)

وكان الأمين العام لوزارة الداخلية الموريتاني، محفوظ ولد إبراهيم، قد أكد في بداية المفاوضات أن الشراكة التي يسعى لها الطرفان «يجب أن تسمح بتقاسم الأعباء والمسؤوليات المشتركة، بشكل عادل ومنصف يتناسب مع المخاطر التي يتعرض لها كل طرف والتحديات التي يواجهها».

وأضاف المسؤول الموريتاني أن «موريتانيا تدفع فاتورة باهظة» بسبب الهجرة غير الشرعية، مشيراً إلى أن موريتانيا «في الأصل ليست بلد وجهة، كما هو الحال بالنسبة لأوروبا، وليست بلداً مصدّراً للمهاجرين غير الشرعيين، وإنما هي بالأساس بلد عبور بحكم موقعها الجغرافي».

وخلال السنوات الأخيرة أصبح «الطريق الأطلسي» طريق الهجرة الأكثر نشاطاً نحو الشواطئ الأوروبية، بسبب انعدام الأمن في منطقة الصحراء الكبرى، التي كان يسلكها سنوياً آلاف المهاجرين نحو شواطئ البحر الأبيض المتوسط.

وتشير تقارير منظمات الهجرة إلى أن آلاف المهاجرين أصبحوا يفضلون الانطلاق من مدن في السنغال وغامبيا وغينيا، على متن زوار تتبع شبكات تهريب منظمة، يعبرون المحيط الأطلسي قبالة الشواطئ الموريتانية، وصولاً إلى شواطئ جزر الخالدات الإسبانية، القريبة جداً من موريتانيا.

وسبق أن وقعت موريتانيا اتفاقية مع إسبانيا لمحاربة الهجرة غير الشرعية، توجد بموجبها وحدات من الحرس المدني الإسباني على الشواطئ الموريتانية، لمساعدة خفر السواحل الموريتاني على محاربة أمواج المهاجرين، كما سبق أن استقبلت موريتانيا خلال السنوات الأخيرة عدداً من الطائرات الإسبانية المحملة بالمهاجرين المرحلين، قامت بترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية في أفريقيا جنوب الصحراء.



غضب بين أنصار القذافي لاتهامه بالتسبب في «ضياع ليبيا»

الرئيس الليبي الراحل معمّر القذافي (إ.ب.أ)
الرئيس الليبي الراحل معمّر القذافي (إ.ب.أ)
TT

غضب بين أنصار القذافي لاتهامه بالتسبب في «ضياع ليبيا»

الرئيس الليبي الراحل معمّر القذافي (إ.ب.أ)
الرئيس الليبي الراحل معمّر القذافي (إ.ب.أ)

سادت حالة من الغضب بين أنصار الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، بعد اتهامه بـ«التسبب في ضياع ليبيا، من دون تحقيق شيء لشعبها».

ومكث القذافي في الحكم نحو 42 عاماً، وقُتل إثر اندلاع ثورة شعبية عام 2011، ورغم مرور ما يزيد على 13 عاماً على إسقاط حكمه، فإنه لا يزال مثار جدل بين مؤيدين يرون أنه «أنشأ دولة ذات مقومات»، وآخرين يحمّلونه مسؤولية «انهيار ليبيا وتراجعها».

جانب من لقاء بالقاسم حفتر في جامعة وادي الشاطئ في يوليو 2024 (الجامعة)

وكان بالقاسم حفتر، «مدير صندوق إعادة إعمار ليبيا»، يتحدث عن القذافي في إطار نقاش عام خلال زيارة سابقة إلى جامعة وادي الشاطئ (جنوباً) في يوليو (تموز) الماضي، وتطرق إلى وضع منطقة جنوب البلاد البائس، وقال إنه (القذافي) «لم يقدم شيئاً وأضاع عمر ليبيا».

جانب من لقاء بالقاسم حفتر في جامعة وادي الشاطئ في يوليو 2024 (الجامعة)

وأعاد مقطع فيديو تصريحات بالقاسم حفتر، التي مضى عليها 5 أشهر، إلى واجهة الأحداث، ما أثار حفيظة قطاع واسع من أنصار القذافي، وعدّها الدكتور عقيلة دلهوم، رئيس اللجنة الحقوقية والإعلامية لهانيبال القذافي، «تطاولاً» على الرئيس الراحل.

وقال في تصريح مطوّل إن القذافي «قدم لشعبه الحرية والسيادة الحقيقية، وترجم مفاهيم العدالة المجتمعية والديمقراطية»، بالإضافة إلى «حقول النفط والغاز وأرصدة المال والذهب».

وفي معرض رده على بالقاسم، عدّد دلهوم إنجازات القذافي على مدار 4 عقود، وقال إنه «لم يدمر ليبيا»، مستعرضاً ما تركه، بداية من «25 جامعة حكومية ومعاهد ومدارس»، بالإضافة إلى «أطول شبكة للطرق البرية في أفريقيا»، و«أكبر أسطول جوي بمطاراته».

فنيون خلال عملية صيانة بمسار «النهر الصناعي» في ليبيا (إدارة النهر الصناعي)

وتطرق دلهوم إلى «مشاريع القذافي الكبرى»، وقال إنه «أنشأ أعظم نهر صناعي عظيم، واستصلح عشرات الآلاف من الهكتارات والمشاريع الزراعية الإنتاجية التي أسهمت في تحقيق الاكتفاء الذاتي».

ولا تزال سيرة القذافي حاضرة في الاجتماعات والمنتديات، وبين فئات شبابية من أطياف متباينة لم تعاصر حكمه أو تشهد أيامه، يستحضرونه ويهتفون له.

وزيارة بالقاسم حفتر إلى جامعة وادي الشاطئ، التي اصطحب فيها اللواء المبروك سحبان، آمر المنطقة العسكرية الجنوبية، جاءت في إطار «جهود صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، لتعزيز التنمية المستدامة والنهوض بالبنية التحتية التعليمية في ليبيا».

والغضب الذي أحدثته تصريحات بالقاسم حفتر، تصاعد في أوساط المؤيدين للنظام السابق، ودفع سعد السنوسي البرعصي، القيادي في «التيار الداعم لسيف الإسلام القذافي» إلى القول إن «الزعيم التاريخي أكبر من أن ينال منه أحد»، مخاطباً بالقاسم: «إذا أرادت أن تعيش حاضرك اليوم فعليك عدم إنكار الماضي وبكل حقيقة».

ومضى البرعصي مدافعاً عن حقبة الرئيس الراحل، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «عندما جاءت (ثورة الفاتح العظيم) كان الجنوب الليبي نسياً منسياً مهمشاً».

ورداً على أن القذافي «أضاع عمر ليبيا، ولم يحقق شيئاً»، قال البرعصي إن الزعيم «ترك إنجازات في الجنوب؛ والمشاريع الزراعية الممتدة على رقعة الصحراء خير شاهد على ما فعله».

فنيون داخل أنبوب النهر الصناعي أثناء عملية صيانة سابقة (إدارة النهر الصناعي)

كما تحدث عن وحدات سكنية وطرق، مذكّراً بمشروع «النهر الصناعي العظيم» الممتد من الجنوب إلى الشمال وبنغازي بالشرق، متسائلاً: «أليس هذا خير شاهد؟»، و«كيف يأتي اليوم مَن يتحدث بعكس ذلك؟!».

ويعد «النهر الصناعي» المصدر الرئيسي للمياه النقية لغالبية الليبيين، ويوصف بأنه «أضخم مشروع لنقل المياه الجوفية في العالم»، بتكلفة بلغت حينها 35 مليار دولار، في حين كانت البلاد سابقاً تعتمد على محطات تحلية المياه وعلى طبقات المياه الجوفية القريبة من الساحل.

والعلاقة بين أنصار القذافي خصوصاً المؤيدين لنجله سيف الإسلام، وقائد «الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر، يسودها التوتر في أوقات كثيرة، لا سيما في مدينة سرت التي سبق واشتكى هؤلاء من «التضييق عليهم» من حفتر وقواته.

وينضوي كثير من شباب القبائل الموالية للقذافي في صفوف «الجيش الوطني» الذي يبسط سيطرته على شرق ليبيا ومناطق عدة بجنوبها.

ولا يزال ليبيون يرون أيضاً أن القذافي حكم ليبيا بـ«الديكتاتورية ورسّخ لحكم الفرد؛ وما تشهده البلاد راهناً نتيجة حتمية لما خلفه من إهدار لثرواتها، وإقصائه لمعارضيه».