رفع البرلمان الموريتاني الحصانة عن الناشط الحقوقي والنائب المعارض، بيرام ولد اعبيد، مساء أمس (الثلاثاء)؛ استجابة لطلب من وزارة العدل، التي تلقت شكوى تقدم بها رئيس حزب سياسي معارض يتهمه فيها بـ«التشهير والقذف».
وجاء رفع الحصانة خلال اجتماع عقده مكتب البرلمان، وهو لجنة مصغرة تحال إليها صلاحية رفع الحصانة البرلمانية، حين يكون البرلمان في حالة عطلة، وعدم انعقاد أي دورة برلمانية، ويتكون المكتب من 12 عضواً، اثنان منهم من نواب المعارضة، قاطع أحدهما اجتماع رفع الحصانة.
وتعد هذه المرة الثانية في غضون أشهر قليلة التي يرفع فيها البرلمان الموريتاني الحصانة عن أحد نوابه؛ من أجل إتاحة الفرصة لملاحقته أمام القضاء، بعد شكوى ضده، حيث رفعت الحصانة البرلمانية عن النائب محمد بوي ولد الشيخ محمد فاضل في يوليو (تموز) من العام الماضي؛ لتتم محاكمته بتهمة الإساءة لرئيس الجمهورية.
غير أن رفع الحصانة عن ولد اعبيد أثار الكثير من الجدل في الشارع الموريتاني؛ وذلك بسبب سهولة مسطرة رفع الحصانة البرلمانية، وثانياً بالنظر إلى أن سبب رفعها هو شكوى تقدم بها رئيس حزب «اتحاد قوى التقدم» المعارض، محمد ولد مولود، وهو واحد من أعرق الأحزاب اليسارية التقدمية في موريتانيا.
ويرى موريتانيون أن وصول الخلاف بين قادة المعارضة إلى أروقة القضاء يثبت حالة التشرذم، التي تعيشها المعارضة الموريتانية منذ سنوات، بينما كانت الخلافات السياسية عادة تحسم داخل دائرة النقاش العام، وبعيداً عن أروقة القضاء.
ويعد ولد اعبيد أحد أبرز الناشطين الحقوقيين في موريتانيا، حيث اشتهر خلال السنوات العشر الماضية بنضاله ضد العبودية، وآثارها في المجتمع الموريتاني، وترشح للانتخابات الرئاسية عامي 2014 و2019، وحلّ في المرتبة الثانية خلال الرئاسيات الأخيرة، خلف الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني.
وسبق أن أعلن ولد اعبيد نيته الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة (منتصف 2024)، وهو يقدم نفسه على أنه المعارض الأكثر قدرة على منافسة مرشح السلطة، معتمداً في ذلك على انتمائه إلى شريحة العبيد السابقين، وتقاربه مع الأوساط الأفريقية في المجتمع الموريتاني. لكن ولد اعبيد مطالب الآن أن يتجاوز محاكمته بتهمة «التشهير والقذف»، التي وجهها له رئيس حزب اتحاد قوى التقدم، وذلك بعد أن أدلى بتصريحات قال فيها إن الأخير حصل على نصف مليار أوقية قديمة (1.2 مليون دولار أميركي) من أحد رجال الأعمال الموريتانيين؛ قصد تمويل حملته الانتخابية في رئاسيات 2019. وهو ما نفاه ولد مولود في الشكوى التي تقدم بها أمام القضاء الموريتاني، وقال إن تصريحات ولد اعبيد سبّبت له مشاكل داخل حزبه، وعليه أن يقدم الدليل عليها أو يعتذر عنها، وهو ما رفضه ولد اعبيد، كما رفض أيضاً وساطة حاول حزب معارض آخر أن يقوم بها لتسوية القضية ودياً.
ومع أنه شكر الحزب المعارض على «مساعيه الحميدة»، إلا أن ولد اعبيد قال: «نحن لا نطلب المساعي الحميدة، ولا نبحث عنها ولا تعنينا»، بل إن ولد اعبيد تبنى خطاباً تصعيدياً ضد ولد مولود، قائلاً إنه تقدم بالشكوى بناءً على طلب من السلطات الحاكمة، التي تسعى لخلق مشاكل له قبيل الانتخابات الرئاسية.
وأضاف ولد اعبيد أن صراعه «يبقى مع النظام الحاكم وليس مع أي جهة أخرى»، مشيراً إلى أن النظام السياسي يستهدفه لأنه «يقف مع الشعب، الذي منحه الأمل في تحقيق التغيير عن طريق صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية المرتقبة». مشدداً على أن أركان النظام «أصابها الرعب من الهزيمة في الرئاسيات المقبلة»، وبالتالي تسعى إلى «سحق المعارضة الجادة، والمرشح الحقيقي الذي كلفه الشعب والظروف بقيادة معركة الشعب الموريتاني، من أجل التغير في الانتخابات القادمة».
وتعيش موريتانيا منذ وصول الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى سدة الحكم (2019) حالة من التهدئة السياسية، والتقارب الكبير بين المعارضة والسلطة الحاكمة، حيث يجري ولد الغزواني لقاءات دورية مع قادة المعارضة «للتشاور» معهم حول الأوضاع العامة في البلد.
لكن مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، بدأ الخطاب السياسي يزداد حدة، رغم أنه لم تتضح بعد قائمة المرشحين لهذه الانتخابات، في ظل تأكيد الأغلبية الرئاسية أن ولد الغزواني سيكون مرشحها للرئاسيات، كما أعلن ولد اعبيد ترشحه للانتخابات، بينما لا تزال بقية أحزاب المعارضة تلتزم الصمت.
وكانت الأحزاب الداعمة لترشح ولد الغزواني قد حققت نصراً كاسحاً في الانتخابات التشريعية والمحلية والجهوية، التي نظمت منتصف العام الماضي (2023)، وهي الانتخابات التي عُدّت «بروفة» قبل الرئاسيات. ونالت هذه الأحزاب أكثر من ثلثي مقاعد البرلمان، البالغ عددها 176 مقعداً، كما فازت بجميع المجالس الجهوية، ونسبة كبيرة من المجالس المحلية؛ وهو ما يمهد الطريق نحو فوز مريح لولد الغزواني بالانتخابات الرئاسية، حسب أغلب المراقبين.