رفع الحصانة عن نائب ينوي الترشح للرئاسة يفجّر جدلاً سياسياً في موريتانيا

سياسيون يرون أن وصول خلافات المعارضة للقضاء يثبت حالة التشرذم التي باتت تعيشها

محمد ولد مولود (يسار) وبجواره بيرام ولد اعبيد خلال مؤتمر صحافي عام 2019 عقب الرئاسيات (أرشيفية - أ.ف.ب)
محمد ولد مولود (يسار) وبجواره بيرام ولد اعبيد خلال مؤتمر صحافي عام 2019 عقب الرئاسيات (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

رفع الحصانة عن نائب ينوي الترشح للرئاسة يفجّر جدلاً سياسياً في موريتانيا

محمد ولد مولود (يسار) وبجواره بيرام ولد اعبيد خلال مؤتمر صحافي عام 2019 عقب الرئاسيات (أرشيفية - أ.ف.ب)
محمد ولد مولود (يسار) وبجواره بيرام ولد اعبيد خلال مؤتمر صحافي عام 2019 عقب الرئاسيات (أرشيفية - أ.ف.ب)

رفع البرلمان الموريتاني الحصانة عن الناشط الحقوقي والنائب المعارض، بيرام ولد اعبيد، مساء أمس (الثلاثاء)؛ استجابة لطلب من وزارة العدل، التي تلقت شكوى تقدم بها رئيس حزب سياسي معارض يتهمه فيها بـ«التشهير والقذف».

وجاء رفع الحصانة خلال اجتماع عقده مكتب البرلمان، وهو لجنة مصغرة تحال إليها صلاحية رفع الحصانة البرلمانية، حين يكون البرلمان في حالة عطلة، وعدم انعقاد أي دورة برلمانية، ويتكون المكتب من 12 عضواً، اثنان منهم من نواب المعارضة، قاطع أحدهما اجتماع رفع الحصانة.

وتعد هذه المرة الثانية في غضون أشهر قليلة التي يرفع فيها البرلمان الموريتاني الحصانة عن أحد نوابه؛ من أجل إتاحة الفرصة لملاحقته أمام القضاء، بعد شكوى ضده، حيث رفعت الحصانة البرلمانية عن النائب محمد بوي ولد الشيخ محمد فاضل في يوليو (تموز) من العام الماضي؛ لتتم محاكمته بتهمة الإساءة لرئيس الجمهورية.

من اجتماع سابق لقادة المعارضة في موريتانيا (الشرق الأوسط)

غير أن رفع الحصانة عن ولد اعبيد أثار الكثير من الجدل في الشارع الموريتاني؛ وذلك بسبب سهولة مسطرة رفع الحصانة البرلمانية، وثانياً بالنظر إلى أن سبب رفعها هو شكوى تقدم بها رئيس حزب «اتحاد قوى التقدم» المعارض، محمد ولد مولود، وهو واحد من أعرق الأحزاب اليسارية التقدمية في موريتانيا.

ويرى موريتانيون أن وصول الخلاف بين قادة المعارضة إلى أروقة القضاء يثبت حالة التشرذم، التي تعيشها المعارضة الموريتانية منذ سنوات، بينما كانت الخلافات السياسية عادة تحسم داخل دائرة النقاش العام، وبعيداً عن أروقة القضاء.

ويعد ولد اعبيد أحد أبرز الناشطين الحقوقيين في موريتانيا، حيث اشتهر خلال السنوات العشر الماضية بنضاله ضد العبودية، وآثارها في المجتمع الموريتاني، وترشح للانتخابات الرئاسية عامي 2014 و2019، وحلّ في المرتبة الثانية خلال الرئاسيات الأخيرة، خلف الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني.

تجمّع لأنصار المعارضة وسط العاصمة لرفض نتائج الانتخابات السابقة (الشرق الأوسط)

وسبق أن أعلن ولد اعبيد نيته الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة (منتصف 2024)، وهو يقدم نفسه على أنه المعارض الأكثر قدرة على منافسة مرشح السلطة، معتمداً في ذلك على انتمائه إلى شريحة العبيد السابقين، وتقاربه مع الأوساط الأفريقية في المجتمع الموريتاني. لكن ولد اعبيد مطالب الآن أن يتجاوز محاكمته بتهمة «التشهير والقذف»، التي وجهها له رئيس حزب اتحاد قوى التقدم، وذلك بعد أن أدلى بتصريحات قال فيها إن الأخير حصل على نصف مليار أوقية قديمة (1.2 مليون دولار أميركي) من أحد رجال الأعمال الموريتانيين؛ قصد تمويل حملته الانتخابية في رئاسيات 2019. وهو ما نفاه ولد مولود في الشكوى التي تقدم بها أمام القضاء الموريتاني، وقال إن تصريحات ولد اعبيد سبّبت له مشاكل داخل حزبه، وعليه أن يقدم الدليل عليها أو يعتذر عنها، وهو ما رفضه ولد اعبيد، كما رفض أيضاً وساطة حاول حزب معارض آخر أن يقوم بها لتسوية القضية ودياً.

ومع أنه شكر الحزب المعارض على «مساعيه الحميدة»، إلا أن ولد اعبيد قال: «نحن لا نطلب المساعي الحميدة، ولا نبحث عنها ولا تعنينا»، بل إن ولد اعبيد تبنى خطاباً تصعيدياً ضد ولد مولود، قائلاً إنه تقدم بالشكوى بناءً على طلب من السلطات الحاكمة، التي تسعى لخلق مشاكل له قبيل الانتخابات الرئاسية.

وأضاف ولد اعبيد أن صراعه «يبقى مع النظام الحاكم وليس مع أي جهة أخرى»، مشيراً إلى أن النظام السياسي يستهدفه لأنه «يقف مع الشعب، الذي منحه الأمل في تحقيق التغيير عن طريق صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية المرتقبة». مشدداً على أن أركان النظام «أصابها الرعب من الهزيمة في الرئاسيات المقبلة»، وبالتالي تسعى إلى «سحق المعارضة الجادة، والمرشح الحقيقي الذي كلفه الشعب والظروف بقيادة معركة الشعب الموريتاني، من أجل التغير في الانتخابات القادمة».

أجرى الرئيس ولد الغزواني لقاءات دورية مع قادة المعارضة «للتشاور» معهم حول الأوضاع العامة في البلد (أ.ف.ب)

وتعيش موريتانيا منذ وصول الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى سدة الحكم (2019) حالة من التهدئة السياسية، والتقارب الكبير بين المعارضة والسلطة الحاكمة، حيث يجري ولد الغزواني لقاءات دورية مع قادة المعارضة «للتشاور» معهم حول الأوضاع العامة في البلد.

لكن مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، بدأ الخطاب السياسي يزداد حدة، رغم أنه لم تتضح بعد قائمة المرشحين لهذه الانتخابات، في ظل تأكيد الأغلبية الرئاسية أن ولد الغزواني سيكون مرشحها للرئاسيات، كما أعلن ولد اعبيد ترشحه للانتخابات، بينما لا تزال بقية أحزاب المعارضة تلتزم الصمت.

وكانت الأحزاب الداعمة لترشح ولد الغزواني قد حققت نصراً كاسحاً في الانتخابات التشريعية والمحلية والجهوية، التي نظمت منتصف العام الماضي (2023)، وهي الانتخابات التي عُدّت «بروفة» قبل الرئاسيات. ونالت هذه الأحزاب أكثر من ثلثي مقاعد البرلمان، البالغ عددها 176 مقعداً، كما فازت بجميع المجالس الجهوية، ونسبة كبيرة من المجالس المحلية؛ وهو ما يمهد الطريق نحو فوز مريح لولد الغزواني بالانتخابات الرئاسية، حسب أغلب المراقبين.



السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
TT

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)

في الوقت الذي يتجه فيه السودان صوب المجاعة، يمنع جيشه الأمم المتحدة من جلب كميات هائلة من الغذاء إلى البلاد عبر معبر حدودي حيوي؛ ما يؤدي فعلياً إلى قطع المساعدات عن مئات الآلاف من الناس الذين يعانون من المجاعة في أوج الحرب الأهلية. ويحذّر الخبراء من أن السودان، الذي بالكاد يُسيّر أموره بعد 15 شهراً من القتال، قد يواجه قريباً واحدة من أسوأ المجاعات في العالم منذ عقود. ولكن رفْض الجيش السوداني السماح لقوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة بالمرور عبر المعبر يقوّض جهود الإغاثة الشاملة، التي تقول جماعات الإغاثة إنها ضرورية للحيلولة دون مئات الآلاف من الوفيات (ما يصل إلى 2.5 مليون شخص، حسب أحد التقديرات بحلول نهاية العام الحالي).

ويتعاظم الخطر في دارفور، المنطقة التي تقارب مساحة إسبانيا، والتي عانت من الإبادة الجماعية قبل عقدين من الزمان. ومن بين 14 ولاية سودانية معرّضة لخطر المجاعة، تقع 8 منها في دارفور، على الجانب الآخر من الحدود التي تحاول الأمم المتحدة عبورها، والوقت ينفد لمساعدتها.

نداءات عاجلة

ويقع المعبر الحدودي المغلق -وهو موضع نداءات عاجلة وملحة من المسؤولين الأميركيين- في أدري، وهو المعبر الرئيسي من تشاد إلى السودان. وعلى الحدود، إذ لا يزيد الأمر عن مجرد عمود خرساني في مجرى نهر جاف، يتدفق اللاجئون والتجار والدراجات النارية ذات العجلات الأربع التي تحمل جلود الحيوانات، وعربات الحمير المحملة ببراميل الوقود.

رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

لكن ما يُمنع عبوره إلى داخل السودان هو شاحنات الأمم المتحدة المليئة بالطعام الذي تشتد الحاجة إليه في دارفور؛ إذ يقول الخبراء إن هناك 440 ألف شخص على شفير المجاعة بالفعل. والآن، يقول اللاجئون الفارّون من دارفور إن الجوع، وليس الصراع، هو السبب الرئيسي وراء رحيلهم. السيدة بهجة محكر، وهي أم لثلاثة أطفال، أصابها الإعياء تحت شجرة بعد أن هاجرت أسرتها إلى تشاد عند معبر «أدري». وقالت إن الرحلة كانت مخيفة للغاية واستمرت 6 أيام، من مدينة الفاشر المحاصرة وعلى طول الطريق الذي هددهم فيه المقاتلون بالقضاء عليهم.

دهباية وابنها النحيل مؤيد صلاح البالغ من العمر 20 شهراً في مركز علاج سوء التغذية بأدري (نيويورك تايمز)

لكن الأسرة شعرت بأن لديها القليل للغاية من الخيارات. قالت السيدة محكر، وهي تشير إلى الأطفال الذين يجلسون بجوارها: «لم يكن لدينا ما نأكله». وقالت إنهم غالباً ما يعيشون على فطيرة واحدة في اليوم.

الجيش: معبر لتهريب الأسلحة

وكان الجيش السوداني قد فرض قراراً بإغلاق المعبر منذ 5 أشهر، بدعوى حظر تهريب الأسلحة. لكن يبدو أن هذا لا معنى له؛ إذ لا تزال الأسلحة والأموال تتدفق إلى السودان، وكذلك المقاتلون، من أماكن أخرى على الحدود الممتدة على مسافة 870 ميلاً، التي يسيطر عليها في الغالب عدوه، وهو «قوات الدعم السريع».

لاجئون فرّوا حديثاً من منطقة في دارفور تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في مخيم بتشاد (نيويورك تايمز)

ولا يسيطر الجيش حتى على المعبر في أدري، إذ يقف مقاتلو «قوات الدعم السريع» على بُعد 100 متر خلف الحدود على الجانب السوداني. وعلى الرغم من ذلك، تقول الأمم المتحدة إنها يجب أن تحترم أوامر الإغلاق من الجيش، الذي يتخذ من بورتسودان مقراً له على بُعد 1000 ميل إلى الشرق، لأنه السلطة السيادية في السودان. وبدلاً من ذلك، تضطر الشاحنات التابعة للأمم المتحدة إلى القيام برحلة شاقة لمسافة 200 ميل شمالاً إلى معبر «الطينة»، الذي تسيطر عليه ميليشيا متحالفة مع الجيش السوداني؛ إذ يُسمح للشاحنات بدخول دارفور. هذا التحول خطير ومكلّف، ويستغرق ما يصل إلى 5 أضعاف الوقت الذي يستغرقه المرور عبر «أدري». ولا يمر عبر «الطينة» سوى جزء يسير من المساعدات المطلوبة، أي 320 شاحنة منذ فبراير (شباط)، حسب مسؤولين في الأمم المتحدة، بدلاً من آلاف شاحنات المساعدات الضرورية التي يحتاج الناس إليها. وقد أُغلق معبر «الطينة» أغلب أيام الأسبوع الحالي بعد أن حوّلت الأمطار الموسمية الحدود إلى نهر.

7 ملايين مهددون بالجوع

وفي الفترة بين فبراير (شباط)، عندما أُغلق معبر «أدري» الحدودي، ويونيو (حزيران)، ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات طارئة من الجوع من 1.7 مليون إلى 7 ملايين شخص. وقد تجمّع اللاجئون الذين وصلوا مؤخراً على مشارف مخيم أدري، في حين انتظروا تسجيلهم وتخصيص مكان لهم. ومع اقتراب احتمالات حدوث مجاعة جماعية في السودان، أصبح إغلاق معبر «أدري» محوراً أساسياً للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة، كبرى الجهات المانحة على الإطلاق، من أجل تكثيف جهود المساعدات الطارئة. وصرّحت ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مؤخراً للصحافيين: «هذه العرقلة غير مقبولة على الإطلاق».

أحد مراكز سوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود» في أدري إذ يُطبّب طفل من جرح ملتهب في ذراعه ناجم عن العلاج الوريدي المستمر لسوء التغذية (نيويورك تايمز)

وكان إيصال المساعدات إلى دارفور صعباً حتى قبل الحرب. وتقع أدري تقريباً على مسافة متساوية من المحيط الأطلسي إلى الغرب والبحر الأحمر إلى الشرق، أي نحو 1100 ميل من الاتجاهين. فالطرق مليئة بالحفر، ومتخمة بالمسؤولين الباحثين عن الرشوة، وهي عُرضة للفيضانات الموسمية. وقال مسؤول في الأمم المتحدة إن الشاحنة التي تغادر ميناء «دوالا» على الساحل الغربي للكاميرون تستغرق نحو 3 أشهر للوصول إلى الحدود السودانية. ولا يقتصر اللوم في المجاعة التي تلوح في الأفق على الجيش السوداني فحسب، فقد مهّدت «قوات الدعم السريع» الطريق إليها أيضاً، إذ شرع مقاتلو «الدعم السريع»، منذ بدء الحرب في أبريل (نيسان) 2023 في تهجير ملايين المواطنين من منازلهم، وحرقوا مصانع أغذية الأطفال، ونهبوا قوافل المساعدات. ولا يزالون يواصلون اجتياح المناطق الغنية بالغذاء في السودان، التي كانت من بين أكثر المناطق إنتاجية في أفريقيا؛ ما تسبّب في نقص هائل في إمدادات الغذاء.

استجابة دولية هزيلة

وكانت الاستجابة الدولية لمحنة السودان هزيلة إلى حد كبير، وبطيئة للغاية، وتفتقر إلى الإلحاح.

في مؤتمر عُقد في باريس في أبريل، تعهّد المانحون بتقديم ملياري دولار مساعدات إلى السودان، أي نصف المبلغ المطلوب فقط، لكن تلك التعهدات لم تُنفذ بالكامل. وفي مخيمات اللاجئين المزدحمة في شرق تشاد، يُترجم الافتقار للأموال إلى ظروف معيشية بائسة. وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، التي تدير مخيمات اللاجئين في تشاد، إن عملياتها ممولة بنسبة 21 في المائة فقط في شهر يونيو. وقد اضطر برنامج الأغذية العالمي مؤخراً إلى خفض الحصص الغذائية، إثر افتقاره إلى الأموال.

يعيش ما يقرب من 200 ألف شخص في مخيم أدري الذي يمتد إلى الصحراء المحيطة حيث المأوى نادر ولا يوجد ما يكفي من الطعام أو الماء (نيويورك تايمز)

ومع هطول الأمطار بغزارة، جلست عائشة إدريس (22 عاماً)، تحت غطاء من البلاستيك، تمسّكت به بقوة في وجه الرياح، في حين كانت تُرضع ابنتها البالغة من العمر 4 أشهر. وكان أطفالها الثلاثة الآخرون جالسين بجوارها، وقالت: «نحن ننام هنا»، مشيرة إلى الأرض المبتلة بمياه الأمطار. لم يكن هناك سوى 3 أسرّة خالية في مركز لسوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود»، وكان ممتلئاً بالرضع الذين يعانون من الجوع. وكان أصغرهم يبلغ من العمر 33 يوماً، وهي فتاة تُوفيت والدتها في أثناء الولادة. في السرير التالي، كان الطفل مؤيد صلاح، البالغ من العمر 20 شهراً، الذي كان شعره الرقيق وملامحه الشاحبة من الأعراض المعروفة لسوء التغذية، قد وصل إلى تشاد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد أن اقتحم مسلحون منزل أسرته في الجنينة، عبر الحدود في دارفور، وقتلوا جده. وقالت السيدة دهباية، والدة الطفل مؤيد: «لقد أردوه قتيلاً أمام أعيننا». والآن، صار كفاحهم من أجل البقاء على قيد الحياة بفضل حصص الأمم المتحدة الضئيلة. ثم قالت، وهي تضع ملعقة من الحليب الصناعي في فم طفلها: «أياً كان ما نحصل عليه، فهو ليس كافياً بالمرة».

سفير سوداني: المساعدات مسيّسة

وفي مقابلة أُجريت معه، دافع الحارث إدريس الحارث محمد، السفير السوداني لدى الأمم المتحدة، عن إغلاق معبر «أدري»، مستشهداً بالأدلة التي جمعتها الاستخبارات السودانية عن تهريب الأسلحة.

مندوب السودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس خلال جلسة سابقة لمجلس الأمن (أ.ب)

وقال إن الأمم المتحدة «سعيدة» بترتيب توجيه الشاحنات شمالاً عبر الحدود في الطينة. وأضاف أن الدول الأجنبية التي تتوقع مجاعة في السودان تعتمد على «أرقام قديمة»، وتسعى إلى إيجاد ذريعة «للتدخل الدولي». ثم قال: «لقد شهدنا تسييساً متعمّداً ودقيقاً للمساعدات الإنسانية إلى السودان من الجهات المانحة». وفي معبر أدري، يبدو عدم قدرة الجيش السوداني على السيطرة على أي شيء يدخل البلاد واضحاً بشكل صارخ. وقال الحمّالون، الذين يجرّون عربات الحمير، إنهم يُسلّمون مئات البراميل من البنزين التي تستهلكها سيارات الدفع الرباعي التابعة لـ«قوات الدعم السريع»، التي عادة ما تكون محمّلة بالأسلحة.

*خدمة نيويورك تايمز