حذّر الممثل الخاص للأمم المتحدة في ليبيا، عبد الله باتيلي، الخميس، من خطر «الانزلاق إلى التفكك» في هذا البلد العربي الأفريقي إذا لم تعمل الأطراف المؤسسية في البلاد على الجلوس إلى طاولة المفاوضات «من دون شروط مسبقة»، بهدف تسوية الخلافات المتواصلة للوصول لإجراء الانتخابات، داعياً أعضاء مجلس الأمن إلى «الضغط» على الأطراف الليبية للمشاركة بشكل بناء في هذه العملية.
وقال باتيلي إن الأطراف المؤسسية في البلاد غير مستعدة على ما يبدو لتسوية الخلافات المتبقية للتمهيد لإجراء الانتخابات. وأضاف أن الأطراف في ليبيا «مستمرة في وضع شروط قبل مشاركتها في الحوار، في أسلوب يُبقي على الوضع الراهن».
وأوضح باتيلي خلال إحاطة أمام أعضاء مجلس الأمن في نيويورك أنه بعد مضي 13 عاماً من الإطاحة بحكم العقيد معمر القذافي «لا يزال الليبيون ينتظرون تحقيق تطلعاتهم إلى السلام المستدام والديمقراطية»، مضيفاً أنه «على الرغم من الانتهاء من الإطار الدستوري والقانوني للانتخابات من قبل مجموعة (6 + 6)، المشتركة بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في عام 2023، واعتمادها لاحقاً من مجلس النواب، في عملية استمرت أكثر من 11 شهراً، يبدو أن أصحاب المصلحة الليبيين الرئيسيين غير راغبين في حل القضايا العالقة المتنازع عليها سياسياً، من أجل تمهيد الطريق إلى الانتخابات التي طال انتظارها».
وأضاف باتيلي أنه على الرغم من الجهود الدبلوماسية التي بذلها مع الأطراف الرئيسية «لم يقم أي أحد منهم بخطوة حاسمة من موقفه الأولي»، ملاحظاً أن الأطراف تكرر «الشروط المسبقة لمشاركتها في الحوار»، فيما يشير إلى أن «الحفاظ على الوضع الراهن يناسبهم».
كما كشف باتيلي عن جوانب من محادثاته مع رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، الذي يصر، حسبه، على أن القضية الرئيسية على جدول الأعمال «ينبغي أن تكون تشكيل حكومة موحدة». وفي المقابل «يتمسك رئيس المجلس الأعلى للدولة، محمد تكالة، برفض قوانين الانتخابات، كما نشرها مجلس النواب، مطالباً بالعودة إلى المشروع، الذي وافقت عليها اللجنة المشتركة (6 + 6). أما رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة فيصر من جهته، على أنه «لن يتنحى إلا بعد إجراء الانتخابات».
كما أوضح باتيلي أن قائد الجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، يطالب في المقابل بأن تكون الحكومتان جزءاً من المحادثات، أو استبعاد كليهما. فيما رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، «يرفض أن يُنظر إليه على أنه طرف، ولكنه مستعد للعمل بوصفه ميسرا لدعم مبادرتي». في سياق ذلك، رأى المبعوث الأممي أن «الطريق إلى الأمام تتطلب معالجة كل القضايا، التي حالت دون إجراء الانتخابات عام 2021 من خلال المفاوضات، والتسوية السياسية بين المؤسسات الرئيسية»، داعياً كل الجهات المؤسسية الليبية الفاعلة إلى «المشاركة في الحوار من دون نقاش الشروط المسبقة». وحض على معالجة المخاوف، التي عبّر عنها بعض أصحاب المصلحة الرئيسيين، بما في ذلك «إنشاء آلية مؤقتة لإدارة شفافة وعادلة لتوزيع الموارد، وتوفير الضمانات لتوفير فرص متكافئة لجميع المرشحين»، مع ضمان ألا تؤدي الانتخابات إلى «سيناريو أن الفائز يحصل على كل شيء على حساب الآخرين». ورأى أنه «يتعين على هذا المجلس والمجتمع الدولي القيام بدور حاسم للضغط على الأطراف الليبية للمشاركة بشكل بناء في هذه العملية». كما طالب بـ«عمل موحد ونهج منسق» من كل أعضاء المجتمع الدولي. بخصوص مشروع قانون المصالحة الوطنية، عبّر باتيلي عن «قلقه» من هذا المشروع، الذي ناقشه مجلس النواب في الثالث من يناير (كانون الثاني) الماضي، والذي "يبدو أنه تجاوز المجلس الرئاسي من خلال إنشاء آلية جديدة للمصالحة»، عادّاً أن هذا الاقتراح «يتعارض مع أفضل الممارسات الدولية، ولم يصغ من خلال مشاورات شاملة مع منظمات المجتمع المدني والضحايا».
وحول رؤيته للانتخابات ومدى إمكانيات تحققها على أرض الواقع، رأى باتيلي أن «التقدم في إجراء انتخابات وطنية ذات صدقية ليس ممكناً من دون تسوية سياسية بين أصحاب المصلحة الرئيسيين في ليبيا»، داعياً زعماء هذا البلد إلى «تنحية مصالحهم الذاتية جانباً، والجلوس إلى طاولة المفاوضات بحسن النية» لمناقشة القضايا المتنازع عليها كافة، مؤكداً أنه «لتجنب انزلاق ليبيا إلى التفكك كما هو متوقع من خلال كثير من العلامات المثيرة للقلق، هناك حاجة ماسة إلى اتفاق سياسي بين أصحاب المصلحة الرئيسيين لتشكيل حكومة موحدة تقود البلاد إلى الانتخابات».
وكان باتيلي قد التقى أعضاء من المجلس الاجتماعي لمدينة الخمس، الثلاثاء، الذين أعربوا عن مخاوفهم بشأن «التأثير المحتمل للقوانين الانتخابية الجديدة على مجتمعهم ودوائرهم الانتخابية». ولم تذكر البعثة تفاصيل إضافية عن الاجتماع، لكن باتيلي قال عبر «إكس» إن السياسيين الليبيين تحدثوا أيضاً عن «انشغالهم لاستمرار حالة الاستقطاب السياسي في البلاد»، مبرزاً أنهم شددوا على ضرورة تعزيز الوحدة وإجراء الانتخابات «بوصفها الوسيلة الوحيدة لإضفاء الشرعية على المؤسسات الوطنية، ومنع ليبيا من الانزلاق نحو مزيد من الانقسامات».