ما فرص نجاح «مؤتمر سرت» في تحقيق مصالحة وطنية بليبيا؟

أنصار القذافي يرهنون مشاركتهم فيه بالإفراج عن السجناء السياسيين

جانب من أعمال اللجنة التحضيرية لـ«مؤتمر المصالحة الوطنية» في زوارة الليبية (المجلس الرئاسي)
جانب من أعمال اللجنة التحضيرية لـ«مؤتمر المصالحة الوطنية» في زوارة الليبية (المجلس الرئاسي)
TT

ما فرص نجاح «مؤتمر سرت» في تحقيق مصالحة وطنية بليبيا؟

جانب من أعمال اللجنة التحضيرية لـ«مؤتمر المصالحة الوطنية» في زوارة الليبية (المجلس الرئاسي)
جانب من أعمال اللجنة التحضيرية لـ«مؤتمر المصالحة الوطنية» في زوارة الليبية (المجلس الرئاسي)

يعقد ليبيون كُثر آمالاً كبيرة على «المؤتمر الوطني الجامع للمصالحة الوطنية»، المزمع عقده بمدينة سرت (وسط) في 28 أبريل (نسيان) المقبل، رغم أن الانقسامات السياسية بين أطراف النزاع على حالها، وهو ما يعيد طرح السؤال حول مدى قدرة هذا المؤتمر على فتح باب المصالحة بين المتخاصمين.

وسعت اللجنة الرفيعة المستوى التابعة للاتحاد الأفريقي، التي عُقدت في الكونغو برازافيل، منتصف الأسبوع الماضي، إلى البحث في آليات استباقية تنظم عمل «المؤتمر الوطني الجامع للمصالحة» في سرت.

ومنذ سقوط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011، شهدت ليبيا اشتباكات وخلافات كثيرة بين قبائل ومدن عدة، بعضها يرتبط بتصفية حسابات مع النظام السابق. وبعد مضي أكثر من 13 عاماً وتراكم الخصومات، أعلن المجلس الرئاسي عند مجيئه إلى السلطة عن مشروع للمصالحة.

اللجنة التحضيرية للمصالحة الوطنية خلال اجتماع سابق في مدينة سبها (المجلس الرئاسي الليبي)

وخلال الأسابيع الماضية، احتضنت أكثر من مدينة ليبية اجتماعات اللجنة التحضيرية للمؤتمر المصالحة، التي رعاها المجلس الرئاسي بقيادة نائبه عبد الله اللافي، لكنّ سياسيين يضعون مجموعة من الشروط لنجاح هذا المؤتمر.

وقبل الموعد الذي ضربه المجلس الرئاسي لانعقاد مؤتمر «المصالحة الوطنية» في سرت، تحدث المحلل السياسي الليبي، إدريس إحميد، عن أهمية المصالحة الوطنية في ليبيا، لكنه أشار إلى أنه لدى بعض الأطراف السياسية «أجندات مختلفة»؛ كما أن «هناك أطرافاً أخرى ليست لها علاقة بالمصالحة تتدخل في مسارها، وتتخذها ذريعة لتعطيل الانتخابات الليبية».

وعدّ إحميد في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن اجتماعات المصالحة التي يرعاها المجلس الرئاسي «تنقصها الأولويات، كما أنها إضاعة للوقت»، وذهب إلى أنها اجتماعات «غير مجدية». كما رأى أن المصالحة «تتحقق في ظل وجود حكومة منتخبة وسلطة ودستور»، معتقدا أن المؤتمر المزمع انعقاده في سرت، «سيعرف التقاء الأطراف، لكن بعد انتهائه ستظل قراراته حبيسة الأدراج».

سيف الإسلام القذافي (أ.ب)

وكان الفريق الممثل لسيف القذافي قد انسحب من جلسات اجتماع اللجنة التحضيرية لـ«المؤتمر الجامع»، الذي عقد بسبها في 13 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وأرجعوا ذلك لأسباب عدة، من بينها عدم الإفراج عن بعض رموز النظام السابق الذين لا يزالون بالسجن، والدفاع عن «نسبة مشاركتهم» في اجتماعات اللجنة التحضيرية لـ«المؤتمر العام».

وقال فريق سيف: «لا يعقل أن يستمر إنسان في السجن دون محاكمة، وتؤجل الجلسات 14 مرة دون سبب قانوني وجيه»، في إشارة إلى عبد الله السنوسي (73 عاماً)، صهر القذافي، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية السابق.

كانت المتحدثة باسم «المجلس الرئاسي»، نجوى وهيبة، قالت في تصريح نقلته عنها وسائل إعلام محلية، إن النظام السابق «مُمثل بأكثر من تيار وأكثر من فئة». وفيما عدّت المتحدثة أن فريق سيف القذافي، يعد «أحد ممثلي النظام السابق، وليس الممثل الوحيد له»، دافع الفريق عن نسبة مشاركته في اجتماعات اللجنة التحضيرية، مستغرباً اتهامه بـ«المزايدة».

من جهته، عدّ المبعوث الأممي، عبد الله باتيلي، اجتماع اللجنة الأفريقية في برازافيل، المصالحة الوطنية «مهمة طويلة الأمد، تتطلب الصبر والتصميم، والاستناد إلى منهجية عمل أثبتت نجاحها». ورأى أن «إعادة توحيد المؤسسات السياسية، ولا سيما توحيد الحكومة وتجديد المؤسسات التشريعية، من شأنه أن يسهم في خلق بيئة مواتية، ويسهل الاتصال بين الأطراف الفاعلة من جميع المناطق، ويضع حداً للقيود المتعددة المفروضة على حركة المواطنين».

وأبرز باتيلي أن «إطلاق سراح المعتقلين من شأنه أن يشجع المشاركة الفعالة للعائلات السياسية، التي كانت حتى الآن مترددة في المشاركة في العملية»، وهو الرهان الذي يستند عليه أنصار النظام السابق.

السنوسي مدير الاستخبارات العسكرية في عهد القذافي (أرشيفية من رويترز)

وعلى عكس ما ذهب إحميد، فإن في ليبيا من يرى «ضرورة المضي أولاً في مسار المصالحة الوطنية؛ بما يواكبه من جبر الضرر، وتفعيل آليات المحاسبة»، وسط تأكيد على «أهمية أن يتزامن مسار المصالحة مع مسار العملية الديمقراطية».

وعلى مدار العام الماضي، أرجأت محكمة استئناف طرابلس محاكمة السنوسي، ومنصور ضو، رئيس الحرس الخاص للقذافي، مرات عدة إلى موعد آخر، وذلك بسبب رفض ميليشيا «قوة الردع الخاصة»، التي تحجزه في سجن معيتيقة بالعاصمة، مثوله أمام المحكمة. غير أن «قوة الردع»، التي تعتقلهما في طرابلس، سمحت الأسبوعين الماضيين بمثولهما أمام القضاء للمرة الأولى عبر دائرة تلفزيونية مغلقة.

ودعا وليد اللافي، وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية، أكثر من مرة ممثلي سيف القذافي، للمشاركة في الاجتماعات التحضيرية، مجدداً دعوته بضرورة مشاركتهم في «المؤتمر الوطني الجامع» المقرر في أبريل المقبل.

وعدّ اللافي في تصريح لقناة «ليبيا الأحرار» أن مشاركة أنصار القذافي «مهمة لإنجاح مسار المصالحة بين الأطياف كافة»، منوهاً إلى أنه سيلتقي ببعضهم لمناقشة ملف السجناء السياسيين الأسبوع المقبل.

وكان البيان الختامي لاجتماع اللجنة في الكونغو برازافيل قد دعا جميع أصحاب المصلحة الليبيين إلى «تبني جهود المصالحة بشكل كامل، بطريقة شاملة وبناءة»، كما دعا «جميع الأطراف الخارجية» إلى «التوقف والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية لليبيا»، ورأى أن ذلك «يقوض المصالح الأساسية للشعب الليبي وتطلعاته المشروعة».


مقالات ذات صلة

بعد سقوط الأسد... روسيا تركّز على ليبيا لتحقيق طموحاتها الأفريقية

تحليل إخباري وصول نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف إلى مطار بنينا العام الماضي (الجيش الوطني)

بعد سقوط الأسد... روسيا تركّز على ليبيا لتحقيق طموحاتها الأفريقية

أدى سقوط بشار الأسد في سوريا إلى عرقلة مشاريع روسيا في أفريقيا، وأرغمها على البحث عن نقطة إسناد بديلة بحوض البحر الأبيض المتوسط، متطلعة في هذا السياق إلى ليبيا.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شمال افريقيا من عملية إنقاذ سابقة لمهاجرين غير نظاميين بغرب ليبيا (جهاز مكافحة الهجرة)

تعذيب «مهاجرين» طلباً للفدية يذكّر مجدداً بـ«تجارة الرقيق» في ليبيا

يتداول حقوقيون ليبيون صوراً ومقاطع فيديو تظهر أشخاصاً من ذوي البشرة السمراء يتعرضون للضرب بخراطيم وأعواد خشبية وآخرين على أجسادهم آثار تعذيب.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا طائرة عسكرية روسية تقترب من قاعدة حميميم الجوية على ساحل اللاذقية بسوريا في 14 ديسمبر 2024 (رويترز)

روسيا تركّز على ليبيا لتحقيق طموحاتها بعد سقوط حليفها الأسد

أدى سقوط بشار الأسد في سوريا إلى عرقلة مشاريع روسيا في أفريقيا، وأرغمها على البحث عن نقطة إسناد بديلة في حوض البحر المتوسط، متطلعة في هذا السياق إلى ليبيا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا جانب من الاحتجاجات التي شهدتها العاصمة طرابلس (الشرق الأوسط)

ليبيون يطالبون بعزل الدبيبة... و«الوحدة» تنفي «حالة الطوارئ»

شهدت طرابلس احتجاجات واسعة مساء الاثنين للمطالبة برحيل الحكومة، بعد ساعات من بث نجلاء المنقوش، تفاصيل اجتماعها السري مع نظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا المنقوش في لقائها مع «منصة 360» التابعة لقناة «الجزيرة» القطرية

المنقوش: لقاء كوهين كان بتنسيق بين إسرائيل وحكومة الدبيبة

في أول ظهور إعلامي لوزيرة الخارجية المقالة بحكومة «الوحدة» الليبية، نجلاء المنقوش، قالت إن اللقاء الذي جمعها بنظيرها الإسرائيلي كوهين كان بتخطيط من «الوحدة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

ليبيون يطالبون بعزل الدبيبة... و«الوحدة» تنفي «حالة الطوارئ»

جانب من الاحتجاجات التي شهدتها العاصمة طرابلس (الشرق الأوسط)
جانب من الاحتجاجات التي شهدتها العاصمة طرابلس (الشرق الأوسط)
TT

ليبيون يطالبون بعزل الدبيبة... و«الوحدة» تنفي «حالة الطوارئ»

جانب من الاحتجاجات التي شهدتها العاصمة طرابلس (الشرق الأوسط)
جانب من الاحتجاجات التي شهدتها العاصمة طرابلس (الشرق الأوسط)

نفت حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة، إعلانها حالة الطوارئ في البلاد، التي شهدت بعض مدنها بالغرب مظاهرات للمطالبة برحيل الحكومة، وذلك بعد ساعات من بث اعتراف وزير خارجيتها السابقة، نجلاء المنقوش، في لقاء تلفزيوني بتفاصيل اجتماعها السري في إيطاليا العام قبل الماضي مع نظيرها الإسرائيلي، إيلي كوهين.

واندلعت مظاهرات مساء الاثنين في العاصمة طرابلس ومدن الزاوية ومصراتة وصبراتة في المنطقة الغربية، رافضة ما سمّاه المحتجون «تطبيع الدبيبة وحكومته»، واحتجاجاً على تصريحات نجلاء المنقوش.

وشهدت العاصمة انتشار مدرعات وسيارات مسلحة لـ«جهاز الدعم والاستقرار»، التابع للحكومة في طريق السكة بطرابلس؛ حيث مقرها الرسمي، تزامناً مع خروج مظاهرات في عدة مناطق، وإشعال إطارات وترديد هتافات رافضة للتطبيع مع إسرائيل.

وفي حين روّجت وسائل إعلام محلية لانضمام عناصر «جهاز الردع»، بقيادة عبد الرؤوف كاره، إلى المتظاهرين، وتوفير الحماية لهم أمام منزل الدبيبة، تحدّثت تقارير أخرى عن قيام قوات «جهاز الردع» بتطويق استراحة الدبيبة وتأمينها، قبل قيامها بتفريق المتظاهرين في سوق الجمعة، وردّ المتظاهرون على محاولة أحد عناصر الجهاز طمأنتهم، قائلين: «أعطونا الدبيبة وسنغادر».

كما أحرق أهالي صبراتة الإطارات المطاطية اعتراضاً على مقابلة نجلاء المنقوش لوزير الخارجية الإسرائيلي.

نجلاء المنقوش بررت مقابلتها التلفزيونية في إطار الرد على ما ورد بحقّها على لسان الدبيبة (أ.ب)

وأدرجت نجلاء المنقوش مقابلتها التلفزيونية في إطار الردّ على ما ورد بحقّها على لسان الدبيبة في مقابلة مماثلة، مشيرة إلى أنها «حلّت ضيفة لرفع اللبس».

في غضون ذلك، نفت حكومة «الوحدة» إصدار رئيسها الدبيبة تعليمات إلى وزير الداخلية المكلف، عماد الطرابلسي، بشأن تفعيل خطة الطوارئ، تتضمن إنشاء نقاط تفتيش، والتعامل الحازم مع أي تحركات تهدف إلى تنظيم تظاهرات غير مرخصة أو إثارة الشغب.

وتجاهل الدبيبة هذه التطورات، لكنه أكد مساء الاثنين، خلال اجتماع للاطلاع على خطة المشروعات المزمع افتتاحها وإطلاقها خلال العام الحالي، أهمية هذه المشروعات في تحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين، وتعزيز التنمية المستدامة، وشدد على ضرورة الالتزام بالجداول الزمنية لتنفيذها، وضمان جودة الأعمال، لافتاً إلى أن أي تأخير غير مبرر في التنفيذ لن يتم التسامح معه.

وبعدما تمنّى أن يكون العام الحالي سعيداً على جميع الليبيين، وأن يكون عام العمل والمثابرة لتحقيق الأهداف التنموية المرجوة، وجّه الدبيبة بضرورة المتابعة المستمرة، والتقيد الصارم بالمواعيد المحددة، مؤكداً أن الالتزام بالجدول الزمني يُمثل عنصراً حاسماً لتحسين حياة المواطنين، وتحقيق الأهداف المنشودة.

صورة وزعتها أركان قوات حكومة «الوحدة» لاجتماع الحداد العسكري بطرابلس

عسكرياً، قالت منطقة الساحل الغربي العسكرية التابعة لحكومة «الوحدة»، إنها تسلّمت تأمين شركة الزاوية لتكرير النفط (مصفاة الزاوية)، موضحة أنها تُعزز الآن من وجودها عبر وضع تمركزات عسكرية في المنطقة.

وكانت المنطقة قد أعلنت أنها نفّذت مساء الاثنين ما وصفته بضربة جوية دقيقة، استهدفت موقعاً يُستخدم لتهريب الوقود على طريق بن يوسف جنوب مدينة الزاوية، إضافة إلى مداهمات استهدفت مواقع تمتهن تهريب وبيع الوقود بطرق غير قانونية، ومداهمة أوكار اتخذتها العصابات حصوناً لها على أطراف مدينة الزاوية.

وبعدما تحدّثت عن هدم عدد كبير من المواقع، التي كانت تستخدم ملاذاً آمناً للعصابات الإجرامية، أكدت نشر تمركزات ثابتة على الطرق الرئيسية والفرعية داخل مدينة الزاوية، وأكدت أن قواتها تواصل متابعة الأهداف المرصودة في مدينة الزاوية والمدن الواقعة ضمن نطاقها، وطلبت من المواطنين الابتعاد عن المواقع التي جرى استهدافها خلال الضربات الجوية، حفاظاً على سلامتهم.

بدوره، قال محمد الحداد، رئيس أركان القوات الموالية لحكومة «الوحدة»، مساء الاثنين، إنه ناقش في اجتماع ضم عدداً من أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، ورئيس ركن حرس الحدود، الموقف الأمني بشكل عام، خصوصاً في المنطقة الجنوبية والغربية، وذلك في إطار متابعة الأحداث الجارية في ليبيا عامة، وفي الجنوب خاصة.

من جلسة لمجلس النواب (المجلس)

في غضون ذلك، استأنف مجلس النواب جلسته الرسمية بمقره في مدينة بنغازي (شرق)، بعد إحاطة قدمتها حكومة «الاستقرار»، برئاسة أسامة حماد، بشأن ما أنجزته العام الماضي، على أن تأخذ الحكومة بتوصيات النواب في الاعتبار خلال خطتها للعام الحالي.

من جهتها، نقلت ستيفاني خوري، القائمة بأعمال بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، عن ممثلات عن المجتمع المدني من مختلف أنحاء ليبيا، خلال لقاء مساء الاثنين، الحاجة الملحة إلى توحيد المؤسسات السياسية والأمنية، وتعزيز حقوق الإنسان، بما في ذلك مكافحة العنف ضد المرأة، وضمان المشاركة الفعالة للنساء في مراكز صنع القرار، ضمن سياق مناقشة العملية السياسية التي تيسرها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بقيادة ليبية.

اجتماع ممثلات للمجتمع المدني مع ستيفاني خوري في مقر البعثة (البعثة الأممية)

وقالت خوري إنها استمعت إلى التحديات التي تواجه النساء والجهات الفاعلة في المجتمع المدني، وأكدت التزام البعثة بدعم مشاركة المرأة في العملية السياسية.