أي مصير ينتظر ليبيا بعد قرابة 13 عاماً من رحيل القذافي؟

9 مبعوثين أمميين... والنزاع ما زال مستمراً

الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي (أرشيفية من «رويترز»)
الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي (أرشيفية من «رويترز»)
TT

أي مصير ينتظر ليبيا بعد قرابة 13 عاماً من رحيل القذافي؟

الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي (أرشيفية من «رويترز»)
الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي (أرشيفية من «رويترز»)

تنهي الأزمة الليبية عامها الثالث عشر، من دون حل في الأفق القريب، يضع حداً للانقسام السياسي والحكومي، الذي يسيطر على البلاد منذ عام 2014. بينما تبذل البعثة الأممية، برئاسة عبد الله باتيلي، جهوداً داخلية وخارجية لإحداث توافق بين الأطراف المتنازعة يدفع ليبيا إلى المسار الانتخابي.

ومنذ إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، إثر «ثورة» شعبية اندلعت في 17 فبراير (شباط) عام 2011، لا تزال الأزمة السياسية في ليبيا تراوح مكانها، علماً بأن 9 مبعوثين أمميين تناوبوا، حتى الآن على حل المعضلة المستعصية.

جلسة سابقة لمجلس الأمن الدولي (البعثة الأممية إلى ليبيا)

ورغم طرح عدد من المبادرات، بالإضافة إلى عقد عشرات المؤتمرات في الداخل والخارج، يظل الحال في ليبيا خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف، ليتجدد السؤال: أي مصير ينتظر البلاد في ظل تمسك كل طرف من أفرقاء السياسة بما يراه مناسباً له ولجبهته؟

ولذا، يرى أمين عام المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا، عبد المنعم الحر، أن «كل المبادرات المطروحة للخروج من الأزمة السياسية بالبلد أخفقت»، مشدداً على أن ما وصلت إليه الحالة الليبية من «تأزم وانسداد للأفق السياسي» بين الأفرقاء: «يستلزم التعجيل بإنهاء الأجسام السياسية الحالية كافة، وإقامة انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة، دون إقصاء أو تهميش لأي طرف، وفي أقرب المواعيد، مهما كانت النتائج».

لقاء سابق يجمع باتيلي والسايح في مقر مفوضية الانتخابات الليبية (البعثة الأممية)

ومنذ تأجيل الانتخابات الرئاسية والنيابية الليبية نهاية 2021، لم تتوافق الأطراف السياسية على حل ينهي الفترة الانتقالية، لأسباب عدها بعض السياسيين تتمثل في «علاقة الأطراف الليبية الفاعلة بجهات خارجية توجّه دفة الأحداث حيثما شاءت».

غير أن الحر رأى في حديث إلى «الشرق الأوسط» أن حل الأزمة الراهنة يستلزم «وجود جسم محايد متوازن، يشرف على الانتخابات بكل مهنية ودون انحياز... حكومة مصغرة تكون مهمتها تنظيم انتخابات رئاسية لاحقة». مشيراً إلى أن الأمر «يستدعي القيام بمشاورات موسعة تشمل الأطراف كافة للخروج بحل توافقي نهائي؛ بالإضافة إلى توسيع دائرة الترشح لقادة المجتمع المختلفين، وترك الحسم للشعب».

من لقاء سابق بين المبعوث الأممي ومحمد المنفي حول مصير الانتخابات الليببية المؤجلة (الوحدة)

ولفت الحر، وهو أكاديمي ليبي، إلى أنه يتوجب على كل الدول المتدخلة في الأزمة أن «تضغط على الأفرقاء من أجل الخروج من هذا المختنق نحو انتخابات ديمقراطية، تقوم على أساس التوزيع العادل للثروة، واستكمال بناء وتفعيل وتطوير وتوحيد مؤسسات الدولة المهمة».

وبالنظر إلى جملة العقبات التي تكرست في طريق عقد الانتخابات، لا تزال السلطات المحلية تتبادل الاتهامات بالتسبب في «إضاعة الفرصة»، بينما اكتفت الأطراف الدولية بتشجيع الليبيين على إجراء الاستحقاق في القريب العاجل. لكن سياسيين ليبيين ينقسمون بين من يرى أن «الأوضاع قاتمة»، وآخرين يتفاءلون ويستبشرون خيراً.

وقال رئيس حزب «صوت الشعب» الليبي، فتحي عمر الشبلي، إن ليبيا «تمرض ولا تموت، رغم التدخلات الإقليمية والدولية»، مشيراً إلى أن ما يحدث الآن في بلده «سحابة ستنقشع ذات يوم، وأعتقد أنه ليس بالبعيد».

وأرجع الشبلي ذلك في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «تاريخ الشعب الليبي وصلابته وتمسكه بدينه وأرضه ثبتت عبر التاريخ، رغم المؤامرات التي تسعى إليها بعض الدول الغربية».

وكان أعضاء مجلس الأمن الدولي قد أعربوا في ديسمبر (كانون الأول) 2022 عن بالغ قلقهم إزاء استمرار الانسداد السياسي في ليبيا، وعن خيبة أملهم إزاء التعثر الذي ما يزال يهدد تحقيق الاستقرار في البلاد، ويقوض وحدتها، وذلك بعد مرور ما يقارب عاماً على الانتخابات التي كان من المتوقع إجراؤها في 24 ديسمبر (كانون الأول) 2021، وانقضاء أكثر من عامين بعد الاتفاق على خريطة الطريق التي أقرها «ملتقى الحوار السياسي الليبي».

من اجتماع سابق لباتيلي مع المشير خليفة حفتر وعقيلة صالح (الجيش الوطني)

وعدّ عبد الرؤوف بيت المال، عضو المكتب السياسي لحزب «ليبيا النماء»، أنه «على المدى البعيد ستصل ليبيا إلى نهاية النفق بعون الله»، وقال موضحاً: «ربما تطول المدة أو تقصر؛ وهذا يعتمد على قوة القبضة التي تُمسك بخيوط اللعبة، سواء إقليمياً أو دولياً». كما تطرق بيت المال في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى علاقة الأطراف المحلية بالخارج، وتأثير ذلك على الأزمة، قائلاً: «نعرف جيداً أن كل من في المشهد السياسي في الوقت الراهن له ظهر إقليمي أو دولي».

وأضاف بيت المال إلى ما سبق عدم وجود خبرة كافية لدى عامة الشعب في العمل السياسي، عادّاً أنه «إذا استمر الشعب في سلبيته، واستمرت الأطراف الخارجية في لعبة شد الحبل، فإن فترة الانتظار ستطول وسندفع الثمن غالياً».

ويرى المبعوث الأممي أن «حسن النية والإرادة السياسية للقادة الرئيسيين لوضع حد للخلافات الداخلية، من شأنهما أن يفتحا الطريق أمام مرحلة من الانتقال السياسي التوافقي والسلمي لقيادة العملية الانتخابية، التي يطالب بها نحو 2.800.000 من الليبيين، الذين سُجلوا بحماس في القوائم الانتخابية».

وانتهى بيت المال إلى أن «لكل شيء نهاية، ولا مناص من التغيير... إما بناء دولة ديمقراطية كما نطمح ونرجو، وإما نظام سلطوي كما كنا سابقاً، أو كما هو الحال في معظم الدول العربية».

وسبق أن اقترح باتيلي مبادرة تقوم على عقد الانتخابات العامة في ليبيا قبل نهاية 2023. لكن العام انتهى، وبقيت الخلافات قائمة بين مجلسي النواب والأعلى للدولة، حول الشكل القانوني اللازم لإجراء الاستحقاقين الرئاسي والنيابي.


مقالات ذات صلة

ليبيا: اجتماع مرتقب لأعضاء مجلسي النواب و«الدولة» في درنة

شمال افريقيا صورة وزعها مجلس النواب لوصول أعضائه إلى مدينة درنة

ليبيا: اجتماع مرتقب لأعضاء مجلسي النواب و«الدولة» في درنة

أعلن عبد الله بليحق، المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب الليبي، وصول عدد من أعضائه إلى درنة التي ستستضيف، الاثنين، جلسة رسمية هي الأولى للمجلس بالمدينة.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة في افتتاح أعمال المؤتمر الأول لقادة الاستخبارات العسكرية لدول جوار ليبيا (حكومة الوحدة)

مدينة ليبية تنتفض ضد «المرتزقة»... وحكومة الدبيبة

احتشد مئات المتظاهرين في مدينة بني وليد، شمال غربي ليبيا، الموالية لنظام الرئيس الراحل معمر القذافي للتظاهر، منددين بـ«المرتزقة» والقوات والقواعد الأجنبية.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من اجتماع أعضاء بمجلسي «النواب» و«الأعلى للدولة» في بوزنيقة بالمغرب (المتحدث باسم مجلس النواب)

تباين ليبي بشأن تفعيل مخرجات «اجتماع بوزنيقة»

أعلن ممثلون عن مجلسَي النواب و«الأعلى للدولة» في ليبيا، نهاية الأسبوع الماضي، توصلهم إلى اتفاق يستهدف إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في البلاد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا جانب من أشغال مؤتمر «قادة دول الاستخبارات العسكرية لدول الجوار» في طرابلس (الوحدة)

الدبيبة: لن نسمح بأن تكون ليبيا ساحة لتصفية الحسابات

الدبيبة يؤكد أن بلاده «لن تكون ساحة لتصفية الصراعات الإقليمية، ولن تستخدم ورقة ضغط في الصراعات الدولية والإقليمية».

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا جانب من اجتماع اللجنة العسكرية الليبية المشتركة «5+5» في روما الخميس (البعثة الأوروبية)

ليبيا: خوري تسارع لتفعيل مبادرتها وسط صراع على ديوان المحاسبة

تسعى المبعوثة الأممية بالإنابة في ليبيا ستيفاني خوري إلى جمع الأفرقاء السياسيين على «المبادرة» التي أطلقتها أمام مجلس الأمن الدولي منتصف الأسبوع الماضي.

جمال جوهر (القاهرة)

الجزائر تعوّل على نمو الإنتاج العسكري لتطوير قطاعها الصناعي

الرئيس تبون مع مسؤولين عن الصناعة العسكرية (الرئاسة)
الرئيس تبون مع مسؤولين عن الصناعة العسكرية (الرئاسة)
TT

الجزائر تعوّل على نمو الإنتاج العسكري لتطوير قطاعها الصناعي

الرئيس تبون مع مسؤولين عن الصناعة العسكرية (الرئاسة)
الرئيس تبون مع مسؤولين عن الصناعة العسكرية (الرئاسة)

تعوّل الحكومة الجزائرية على تحسّن معدلات الصناعة العسكرية، بغرض رفع نسبة النمو في قطاع الصناعة وإنعاش الاقتصاد التابع تبعية مطلقة لإيرادات النفط والغاز.

وبرزت أهمية التصنيع الحربي في «معرض الإنتاج الوطني» السنوي الذي انطلق الخميس الماضي. ففي الجناح المخصص لوزارة الدفاع في المعرض الذي يقام بالضاحية الشرقية للعاصمة، يتم تقديم مختلف المنتجات الخاصة بالقوات المسلحة، والترويج لها على أساس أنها «قاطرة الصناعة في البلاد».

تصنيع عربات عسكرية بالشراكة مع شركة «مرسيدس» الألمانية (وزارة الدفاع)

وأبرز الرئيس عبد المجيد تبون، خلال افتتاح التظاهرة الاقتصادية والتجارية، «أهمية الصناعة العسكرية كنموذج يجب اتباعه وكرافعة للصناعة الوطنية». وأكد أن الجيش «حقق مستويات في الصناعة، أتمنى أن تصل إليها الشركات الأخرى»، وهنّأ القائمين على جناح وزارة الدفاع بالمعرض، لـ«معدل التكامل العالي الذي أنجزته الصناعة العسكرية»، من دون أن يقدم أي رقم فيما يخص التصنيع الحربي.

ولفت تبون إلى أن «السياسة التي تبنتها الدولة في السنوات الأخيرة، الهادفة إلى تشجيع الإنتاج المحلي، ساهمت في تقليص فاتورة الواردات بنسبة 40 في المائة»، داعياً إلى «عدم التفريق بين الشركات التي تتبع للجيش، وبين الشركات الحكومية والخاصة؛ إذ تساهم جميعها في رفع شأن الإنتاج الجزائري».

وتشارك في «معرض الإنتاج الوطني 2024» مئات المؤسسات الحكومية والخاصة. وغالباً ما تستعرض الحكومة «عضلاتها» من خلال هذا الحدث الاقتصادي، للتأكيد على «قدرة المنتوج الجزائري على المنافسة في الأسواق الدولية»، علماً أن الجزائر حققت الاكتفاء الذاتي في قطاع من المنتجات الزراعية، في حين تستورد كل حاجاتها من المواد المصنّعة ونصف المصنّعة.

الرئيس تبون يستمع إلى خطة عمل مؤسسات خاصة (الرئاسة)

ويقول مصدر حكومي، رفض نشر اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، إن الصناعة العسكرية في الجزائر «أصبحت اليوم نموذجاً يحتذى به في التنظيم والحوكمة، وكذلك في الجودة والأداء. إنه قطاع تمكن بفضل صرامته من التكيّف مع متطلبات ومعايير الإنتاج في عدة مجالات، بدءاً من صناعة الأسلحة ووصولاً إلى وسائل النقل واللوجستيات والملابس».

وأوضح المصدر ذاته، أن قطاع التصنيع العسكري «يواجه اليوم تحديات جديدة، تتمثل في التحكم في مجالات ذات قيمة تكنولوجية عالية، مثل صناعة المسيّرات ومعدات الاتصالات. ويتمثل التحدي الآخر في تحسين نسب الاندماج، من خلال الاعتماد على الإنتاج والمناولة المحلية، بهدف رفع مستويات الاندماج إلى أكثر من 60 في المائة في السنوات المقبلة».

ووفق المصدر ذاته، فإنه «يجب الإشادة بجهود والتزامات المؤسسة العسكرية في تحديث وتطوير هذه الصناعة الحربية التي تم تصنيفها كأولوية استراتيجية؛ نظراً لتأثيرها في تعزيز القوة العسكرية؛ كونها ركيزة أساسية للسيادة الوطنية». واللافت أنه لا تتوفر بيانات محددة حول نسبة مساهمة الصناعة العسكرية في نمو الصناعة الجزائرية بشكل عام.

رئيس البلاد مع مسؤولين من وزارة الدفاع في جناح الإنتاج الحربي في معرض الإنتاج الوطني (الرئاسة)

ويشار إلى أن موازنة الجيش لعام 2025 محددة بـ22 مليار دولار (الموازنة العامة مقدرة بـ126 مليار دولار)، وهي في زيادة مستمرة منذ 5 سنوات. وتبرر الحكومة حجم الإنفاق العسكري العالي بـ«التهديدات والمخاطر المحيطة بالجزائر»، وتقصد، ضمناً، الاضطرابات في مالي والنيجر، وفي ليبيا أيضاً، وتعاظم تجارة السلاح والمخدرات ونشاط المهربين في جنوب الجزائر الفسيح.

وكان تبون صرّح بنهاية 2023 بأن نسبة الاندماج في مجال الصناعات الميكانيكية العسكرية تجاوزت 40 في المائة؛ ما يدل على تقدم ملحوظ في هذا القطاع في تقدير السلطات. بالإضافة إلى ذلك، نجحت المؤسسات الصناعية التابعة للجيش الوطني الشعبي في أن تكون داعماً مهماً للنسيج الصناعي الجزائري، بعد أن وسعت دائرة اهتماماتها لتشمل مختلف المجالات الصناعية.

وعلى الرغم من هذه التطورات، لا تزال الصناعات العسكرية الجزائرية ناشئة، وفق خبراء مستقلين. فهي بحاجة إلى المزيد من الوقت لتطوير قدراتها الإنتاجية والتكنولوجية، خاصة في مجالات الأسلحة المتطورة.