طمأنة إثيوبية بشأن «أزمة السد» لا تقلل المخاوف في القاهرة

«سد النهضة» الإثيوبي (أ.ف.ب)
«سد النهضة» الإثيوبي (أ.ف.ب)
TT

طمأنة إثيوبية بشأن «أزمة السد» لا تقلل المخاوف في القاهرة

«سد النهضة» الإثيوبي (أ.ف.ب)
«سد النهضة» الإثيوبي (أ.ف.ب)

عادت أزمة مفاوضات «سد النهضة» الإثيوبي للواجهة من جديد، الثلاثاء، مع إشارات طمأنة إثيوبية للقاهرة، وتأكيدات بالاستعداد لاستئناف المسار التفاوضي، يأتي هذا وسط مخاوف في القاهرة بشأن «الإجراءات الإثيوبية الأحادية، واستمرار ممارسة أديس أبابا لسياسة الأمر الواقع في الأزمة.

وأكد رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، الثلاثاء، استعداد بلاده للتفاوض بشأن «سد النهضة»، ووفقاً لوكالة «الأنباء الإثيوبية». قال أحمد رداً على أسئلة نواب مجلس الشعب الإثيوبي خلال جلسته، الثلاثاء، إن بلاده «مستعدة للاستماع إلى مطالب الشعب المصري الشقيق، ومعالجتها بأفضل ما تستطيع إثيوبيا»، لافتاً إلى «ضرورة استعداد الجانب المصري أيضاً لتلبية مطالب إثيوبيا». وأوضح أن «المعلومات التي تزعم أن ملء إثيوبيا لـ(سد النهضة) سيؤدي إلى انخفاض حجم مياه سد أسوان (في إشارة إلى السد العالي جنوب مصر) قد دُحضت عملياً، وأن (سد النهضة) أثبت حقيقة أنه لن يكون هناك أي ضرر لدول حوض النيل».

وأعلنت مصر في ديسمبر (كانون الأول) الماضي «فشل المفاوضات» بشأن «السد»، والتي استمرت نحو 4 أشهر، في إطار اتفاق بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإثيوبي، أعلنا عنه في يوليو (تموز) الماضي، لإجراء مفاوضات عاجلة بشأن ملء وتشغيل «السد». وقالت وزارة الري المصرية عقب جولة المفاوضات الأخيرة، التي عُقدت في أديس أبابا، حينها، إن «المسارات التفاوضية انتهت» في الوقت الحالي، بسبب ما عدته «استمرار المواقف الإثيوبية الرافضة للأخذ بأي من الحلول الفنية والقانونية الوسط، التي من شأنها تأمين مصالح الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا)، وتماديها (أي إثيوبيا) في النكوص عما جرى التوصل له من تفاهمات».

جانب من آخر جولة مفاوضات في أديس أبابا بمشاركة وزراء المياه من مصر والسودان وإثيوبيا (الري المصرية)

وبدأت إثيوبيا في تشييد «سد النهضة» على نهر النيل الأزرق عام 2011؛ بهدف توليد الكهرباء. وتخشى مصر من تأثر حصتها من مياه نهر النيل جرّاء السد الإثيوبي، وتُقدِّر مصر «فجوتها المائية» بأكثر من 20 مليار متر مكعب سنوياً. وأنهت إثيوبيا الملء الرابع لـ«السد» في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي يناير (كانون الثاني) الماضي أعلنت إثيوبيا دخول «سد النهضة» مرحلته النهائية.

وعدّ عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب المصري، النائب علاء عصام، التصريحات والإشارات الإثيوبية بشأن استئناف المفاوضات «غير كافية». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «إثيوبيا تطلق مثل هذه التصريحات من وقت لآخر، ثم تمضي في اتخاذ إجراءات أحادية، وتستكمل بناء (السد)»، مشيراً إلى أن «مصر لا يُمكنها المضي في مفاوضات (شكلية) بسبب التعنت الإثيوبي خلال جولات التفاوض السابقة».

في حين يرى وزير الري المصري الأسبق، الدكتور محمد نصر الدين علام، أنه «على الرغم من استمرار التعنت الإثيوبي والإجراءات الأحادية، وتكرار التصريحات المطمئنة من أديس أبابا للقاهرة، فإنه سياسياً يُمكن استئناف المفاوضات، لكن على أسس جديدة»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «جميع مراحل المفاوضات السابقة كانت تتناول الجوانب الفنية، بمشاركة وزراء المياه في (مصر والسودان وإثيوبيا)، وبعد فشل هذه المفاوضات رسمياً، تحولت القضية إلى ملف سياسي، ويجب أن يجري التفاوض على هذا الأساس، وعلى مستوى وزراء الخارجية في الدول الثلاث»، ووفق علام فإنه «إذا توافرت إرادة سياسية إثيوبية، يُمكن التوصل لاتفاق بشأن (السد)، حيث يوجد كثير من الحلول والأفكار».

يُشار إلى أن مصر كانت قد تقدمت بشكوى في وقت سابق إلى «مجلس الأمن» ضد إثيوبيا بعد انتهاء الملء الرابع، حيث أكدت أن تصرفات أديس أبابا «الأحادية» بشأن الملء والتشغيل للسد «تشكل حرباً وجودية لمصر، وتهدد استقرارها».

ونقلت وكالة «أنباء العالم العربي»، الثلاثاء، عن آبي أحمد، قوله: إن «ملء (سد النهضة) لن يكون محل نقاش بعد الآن»، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في مصر، وقال أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي، إن «تصريحات آبي أحمد بشأن الملء صحيحة فنياً، لأن إثيوبيا تستعد للمرحلة الخامسة من ملء (السد) في الصيف المقبل، لذلك هو أمر واقع».

وقال شراقي لـ«الشرق الأوسط» إن «أي مفاوضات محتملة بشأن (السد) لن تتطرق لما فُرض بالأمر الواقع، مثل الملء الأول، وبناء (السد) وغيره، بل ستركز على الملء المتكرر كل عام خلال السنوات المقبلة، خصوصاً السنوات التي يسود فيها الجفاف، ثم طريق التشغيل للتوربينات الثلاثة عشر، وبوابتي التصريف وبوابات المفيض الست». وأضاف شراقي أنه «على الرغم من التعنت الإثيوبي، فإن التوصل لاتفاق بشأن (سد النهضة) أمر ضروري، لتحديد قواعد دائمة لتشغيل (السد)».


مقالات ذات صلة

واشنطن توافق على بيع أسلحة لمصر بقيمة تتجاوز 5 مليارات دولار

الولايات المتحدة​ أرشيفية لدبابات أبرامز أميركية من طراز «M1A2» لدى وصولها العاصمة التايوانية تايبيه (وزارة الدفاع الوطني في تايوان)

واشنطن توافق على بيع أسلحة لمصر بقيمة تتجاوز 5 مليارات دولار

ذكرت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، أن وزارة الخارجية وافقت على بيع محتمل لأسلحة إلى مصر بقيمة تتجاوز خمسة مليارات دولار.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان خلال لقاء وزير الكهرباء المصري محمود عصمت بالرياض (الكهرباء المصرية)

مصر تعوّل على الربط الكهربائي مع السعودية لـ«استدامة التيار»

تعوّل مصر على بدء تشغيل مشروع «الربط الكهربائي» مع المملكة العربية السعودية مطلع الصيف المقبل.

أحمد إمبابي (القاهرة )
شمال افريقيا وزير الري المصري خلال محادثات مع المسؤولة الأوروبية في القاهرة (مجلس الوزراء المصري)

تعاون مصري - أوروبي لمواجهة التحديات المائية

في إطار الجهود المصرية لتعزيز التعاون مع الاتحاد الأوروبي لمواجهة التحديات المائية. جددت القاهرة تأكيدها على «الفجوة بين الموارد والاحتياجات المائية».

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق من لوحات معرض «المسافر» للفنان وائل نور (الشرق الأوسط)

«المسافر»... رؤية المصري وائل نور التشكيلية لفلسفة الترحال

لا يتيح السفر مَشاهد وأصواتاً وثقافات جديدة للفنانين فحسب، وإنما يوفّر أيضاً لحظات من التأمّل والعزلة، وثروة من اللحظات ما بين عظمة الطبيعة والتفاعل بين البشر.

نادية عبد الحليم (القاهرة )
شمال افريقيا جانب من أعمال القمة الحادية عشرة لمجموعة الثماني النامية للتعاون الاقتصادي في القاهرة (الرئاسة المصرية)

آلية عمل وتشكيل منظمة «الثماني النامية»

استضافت مصر القمة الحادية عشرة لمجموعة الثماني النامية للتعاون الاقتصادي، الخميس، وهي منظمة دولية تأسست عام 1997 في إسطنبول بتركيا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«هدنة غزة»: «شروط جديدة» تؤخر إعلان الصفقة المرتقبة

منازل فلسطينية تتعرض لأضرار بالغة خلال قصف إسرائيلي في بيت لاهيا (رويترز)
منازل فلسطينية تتعرض لأضرار بالغة خلال قصف إسرائيلي في بيت لاهيا (رويترز)
TT

«هدنة غزة»: «شروط جديدة» تؤخر إعلان الصفقة المرتقبة

منازل فلسطينية تتعرض لأضرار بالغة خلال قصف إسرائيلي في بيت لاهيا (رويترز)
منازل فلسطينية تتعرض لأضرار بالغة خلال قصف إسرائيلي في بيت لاهيا (رويترز)

التسريبات الإعلامية الغربية والإسرائيلية عن «التفاؤل الكبير» والزخم المتزايد بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة وإبرام صفقة الرهائن، أثار تساؤلات بشأن الأسباب وراء التأخير في إعلان الاتفاق.

مصادر مصرية وفلسطينية تحدثت لـ«الشرق الأوسط» تشير إلى «شروط جديدة طرحها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من باب المماطلة، وأخرى من (حماس) من باب ردّ الفعل، أنهت أمل إعلان اتفاق كان محتملاً بنهاية الأسبوع الماضي».

ووفق المصادر، فإن «الشروط الجديدة» فتحت الباب لاستمرار المحادثات وإمكانية أن تطلق جولة أخرى في القاهرة بداية الأسبوع، لإنهاء ملفات مرتبطة بالرهائن، وسط احتمالين أن «يبدأ تنفيذ الصفقة بداية العام المقبل، وقبل تنصيب دونالد ترمب، أو في الأسبوع الأول عقب توليه منصبه في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل».

ورغم التأخير، لا يزال لدى خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» تفاؤل بحسم الصفقة قريباً «حال حدوث تفاهمات لتجاوز أي شروط تؤخر الاتفاق».

ونقلت «القناة 13» الإسرائيلية، الخميس، عن مسؤولين أمنيين قولهم إن التفاؤل «لا يزال كبيراً» بقرب التوصل إلى صفقة مع «حماس»، لافتين إلى أن مسؤولين أمنيين كباراً راجعوا المفاوضات، وحدّدوا «نقطتين رئيسيتين للخلاف» مع حركة «حماس»، الأولى تتمثل في عدم وصول قائمة الرهائن الأحياء إلى إسرائيل، وعدم نية إسرائيل الانسحاب الكامل من «محور فيلادلفيا».

في المقابل، تحدثت مصادر مصرية أمنية أن المفاوضات دخلت مرحلتها النهائية، مرجحة أنه قد يجري التوصل إلى اتفاق في غضون 10 أيام، وفق «رويترز»، التي تحدثت عن سفر وفد مصري إلى العاصمة القطرية الدوحة، الخميس، للمشاركة في المحادثات مع ممثلين من إسرائيل والولايات المتحدة.

فلسطيني جريح في غارة إسرائيلية ينتظر في «المستشفى الأهلي» بغزة (رويترز)

وكانت «حماس» أكدت في آخر بياناتها الأسبوع الماضي، أن «هدنة غزة ممكنة، إن كفت إسرائيل عن وضع شروط جديدة».

وعن أسباب تأخر الاتفاق، قال مصدر مصري مطلع لـ«الشرق الأوسط»، الجمعة، إن «الطرفين اتفقا بالمفاوضات غير المباشرة على 4 ملفات رئيسية، الأول متعلق بالمحتجزين، والثاني بعدد الأسرى الفلسطينيين الذين كانوا بالمرحلة الأولى بين 700 إلى 900، والملف الثالث كان الانسحاب التدريجي من ممر صلاح الدين (فيلادليفا)، بالإضافة إلى ملف رابع مختص بالمراقبة الأمنية في محور نتساريم (وسط قطاع غزة)».

وجرى «الاتفاق حول الأطر الكاملة لتلك الملفات الأربعة من خلال الوسيط الأميركي، والفرق التي توجد بالدوحة، على أمل أن يتم إعلان الاتفاق في القاهرة الأسبوع الماضي»، وفق المصدر ذاته، الذي استدرك قائلاً: «لكن إسرائيل ماطلت، و(حماس) استثمرت تلك المماطلة، ووجدنا خلال المحادثات الدائرة اشتراط الحركة الإفراج عن أحمد سعدات ومروان البرغوثي في قائمة المرحلة الأولى، وطلب الانسحاب من ممر (نتساريم) في مرحلة عاجلة، رغم الاتفاق سابقاً، على أن ذلك سيحدث وفق مراحل تدريجية».

دخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على غزة (رويترز)

وغادر مدير المخابرات الأميركية، وليام بيرنز، الدوحة، الخميس، بعد يوم من وصوله، في ظل استمرار المماطلة الإسرائيلية وتلك الشروط من «حماس»، بينما لا يزال هناك وفد أمني أميركي في الدوحة، وفق المصدر المصري ذاته.

الذي يرى أنه رغم التأخير في إبرام الاتفاق، فإن «هناك نقاطاً حسمت، أهمها الانسحاب التدريجي من (ممر فيلادلفيا) وفق مدد زمنية متقاربة، تصل لنحو 6 أسابيع، مع بحث وضع كود مراقبة، وهذا يخدم الوسيط المصري، فضلاً عن اتفاق على إدارة فلسطينية لمعبر رفح الحدودي مع مصر، مع وجود أوروبي مدعوماً بقوات أخرى لم تحدد بعد».

ويشير المصدر المصري إلى أن هناك احتمالات أن تستقبل القاهرة من بداية الأسبوع الحالي وفوداً فلسطينية وإسرائيلية لاستكمال المحادثات، على أن يأتي في نهايتها وليام بيرنز، ونرى هل تتبلور الأمور لاتفاق أم لا؟

ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية، الجمعة، عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى، قوله إن التقدم الحالي في المفاوضات قد يُفضي إلى إتمام صفقة لتبادل الأسرى، ووقف إطلاق النار، «خلال أسبوعين، إذا استمرت المباحثات بالوتيرة نفسها».

لكن هناك فجوات معينة لا يمكن تجاوزها عبر المحادثات الجارية في الدوحة، وتتطلب قرارات من القيادات السياسية في كلا الجانبين، خصوصاً موضوع الأسرى الفلسطينيين الكبار المطلوب تحريرهم، أمثال مروان البرغوثي وأحمد سعدات وعباس السيد وعبد الله البرغوثي، وموضوع الحزام الأمني الذي تطالب به إسرائيل على طول الحدود، وموضوع اليوم التالي بعد الحرب، وفق المسؤول الإسرائيلي.

فلسطينيون يقودون سياراتهم بين أنقاض المنازل المدمرة في أعقاب عملية عسكرية إسرائيلية بخان يونس (إ.ب.أ)

من جانبه، قال مصدر فلسطيني، لـ«الشرق الأوسط»، الجمعة، إن إسرائيل تضع شروطاً خاصة بالحصول على قائمة مسبقة بأسماء الرهائن الأحياء المتبقين، وسط إصرار منها على إبعاد الأسرى الفلسطينيين ذوي الأحكام العالية لخارج البلاد، متوقعاً احتمالية أن تسوى تلك الشروط خلال المحادثات، وأن «يعلن الاتفاق قبل نهاية الشهر الحالي، وينفذ بداية العام المقبل لو تمت تسوية الخلافات، وعدم استمرار إسرائيل في مماطلتها السابقة، التي تظهر كلما اقترب اتفاق من الإبرام والإعلان عنه».

وفي ظل الواقع الحالي، هناك مساران لإتمام الصفقة: الأول، وفق الأكاديمي المصري المتخصص في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية والعلاقات الدولية، الدكتور طارق فهمي، أن يستمر نتنياهو في المماطلة وتأخير الاتفاق للأسبوع الأول من وصول ترمب للسلطة، ليحسب له إنجازاً، ويكون بمثابة هدية من رئيس وزراء إسرائيل لحليفه ساكن البيت الأبيض الجديد، دون أن يمنح ذلك الأمر لإدارة جو بايدن.

والثاني مرتبط باتفاق قريب قد يعلن قبل نهاية العام، وينفذ في بداية العام الجديد، بحسب المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، موضحاً أن هناك حالة تفاؤل، يتحدث عنها الإعلام الإسرائيلي، بخلاف حالة تكتم أخرى يفرضها الوسطاء حول تفاصيل الاتفاق، لافتاً أنه يبدو أن الأمور تسير في اتجاه إيجابي، خلاف أي جولات سابقة، في ظل ضغوط إدارة بايدن للحصول على إنجاز حدوث الاتفاق قبل مغادرتها السلطة، وحرص ترمب أن ينفذ مهلته بإبرام اتفاق قبل حلول 20 يناير المقبل، كما صرح سابقاً.