حكومتا ليبيا أمام اختبار إنقاذ زليتن من الغرق في المياه الجوفية

«الاستقرار» لإغلاق «النهر الصناعي» مؤقتاً... و«الوحدة» تتكفل بإيواء المتضررين

المياه الجوفية حوّلت ساحات كثيرة في زليتن إلى برك (صفحة تابعة لمدينة زليتن على مواقع التواصل)
المياه الجوفية حوّلت ساحات كثيرة في زليتن إلى برك (صفحة تابعة لمدينة زليتن على مواقع التواصل)
TT

حكومتا ليبيا أمام اختبار إنقاذ زليتن من الغرق في المياه الجوفية

المياه الجوفية حوّلت ساحات كثيرة في زليتن إلى برك (صفحة تابعة لمدينة زليتن على مواقع التواصل)
المياه الجوفية حوّلت ساحات كثيرة في زليتن إلى برك (صفحة تابعة لمدينة زليتن على مواقع التواصل)

وضعت «كارثة» تدفق المياه الجوفية في مدينة زليتن حكومتي ليبيا أمام اختبار حقيقي، بعدما تسببت الأزمة في نزوح مئات الأسر إثر تضرر منازلهم، واجتياحها بمياه تنبعث من باطن الأرض منذ نهاية العام الماضي. وأمام ما تركته «الكارثة» من آثار سيئة على المدينة، الواقعة بالغرب الليبي، بدا أن الحكومتين اللتين تواجهان اتهاماً بـ«التقصير»، تتسابقان لإظهار اهتمامهما بإيجاد حل للكارثة المتصاعدة.

وأمام تصاعد تداعيات الكارثة على مواطني المدينة، عبّر رياضيون وفنانون عن تضامنهم الأحد مع سكان زليتن، وذلك بحضور محمد تكالة رئيس «المجلس الأعلى للدولة».

ودخلت حكومة «الاستقرار» المكلفة من مجلس النواب بقيادة أسامة حمّاد، على خط الأزمة، واتخذت قراراً بإغلاق خط «النهر الصناعي» المغذي لمدينة زليتن بشكل مؤقت، لإتاحة الفرصة أمام إجراء عمليات اختبار لمعرفة أسباب ظاهرة تدفق المياه.

ومنذ نهاية العام الماضي، وحتى الآن، تتصاعد شكاوى سكان زليتن، البالغ عددهم 350 ألف نسمة، من انبعاث مياه جوفية بشكل كبير من أسفل منازلهم، وفي ساحات كثيرة بالمدينة، الأمر الذي دفع حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، إلى انتداب فريق خبراء إنجليزي لتشخيص أسباب الأزمة.

فريق الخبراء الإنجليزي يستكشف أزمة تدفق المياه الجوفية (المجلس البلدي زليتن)

وقالت حكومة حمّاد، إنها اتخذت خطوة إغلاق فرع «النهر الصناعي» بعد مخاطبتها وزير الموارد المائية في الحكومة، ورئيس مجلس إدارة جهاز تنفيذ مشروع النهر الصناعي.

وأعلنت الحكومة، أن قرارها الذي أعلنت عنه في ساعة مبكرة من صباح الأحد يأتي في ظل ارتفاع منسوب المياه الجوفية في المدينة، وبناء على إعلان حالة الطوارئ القصوى بزليتن.

ولطمأنة مواطني المدينة، قالت الحكومة، إن إدارة «النهر الصناعي» ستشرع في إغلاق مؤقت على خطوط التغذية من منظومة النهر إلى زلتين، وذلك لبضعة أيام فقط حتى ينتهي الخبراء والاختصاصيون المكلفون من دراسة الوضع بالمنطقة المتضررة، والوقوف على مسببات الظاهرة وحلها.

وسبق أن قال رئيس مركز البحوث بالجامعة الأسمرية، مصطفى البحباح لـ«الشرق الأوسط» الجمعة الماضي، إن الوضع في المدينة «لا يزال على ما هو عليه؛ بل إن الأزمة تتفاقم»، وكشف عن أن بعض المواطنين هناك «تركوا منازلهم، والدولة غائبة، والبلدية لا تملك ميزانيات لتسكينهم أو دعم المتضررين منهم».

وأضاف البحباح أن المنازل تتعرض للانهيار، والمباني تتشقق بفعل المياه الجوفية، واصفاً التحرك الحكومي بأنه «ضعيف، ولا يرتقي لحجم الكارثة».

وقالت حكومة «الوحدة»، إن وزيرها للحكم المحلي بدر الدين التومي، زار مدينة زليتن، للوقوف على الأعمال الجارية بها من تنظيفات وردم وشفط للمياه، وأكدت أن ذلك يأتي في إطار «متابعة تنفيذ الحلول العاجلة لظاهرة ارتفاع منسوب المياه بالبلدية، وتخفيف الأضرار الناجمة عنها».

وعُقد على هامش الزيارة اجتماع موسع برئاسة رئيس المجلس الأعلى، بحضور مدير عام «المركز الوطني لمكافحة الأمراض» حيدر السايح، وعميد وأعضاء المجلس البلدي زليتن ووجهاء وأعيان البلدية.

وأكد تكالة على «اهتمام مجلسه بمتابعة التدابير اللازم اتخاذها للتعامل مع هذه الأزمة، ومعالجة الآثار المترتبة عليها في أسرع وقت، ومساندة المواطنين لتجاوز هذه المعاناة بسلام».

بينما تحدث التومي، عن خطة حكومته في التعامل مع هذه الظاهرة، التي قال إنها تسير في ثلاثة مسارات متوازية، لافتاً إلى أن «الأول يتجسد في تكثيف جهود شفط المياه والردم ومكافحة الحشرات، وتوفير مساكن بديلة للمواطنين المتضررين، وكذلك توفير مياه الشرب المعلبة».

أما المسار الثاني فقال التومي، إنه «يتضمن تنفيذ شبكة نزح أفقي بحيث يتم من خلالها خفض منسوب المياه بالمناطق المتضررة للتخفيف من حدة الأضرار الناجمة عن ارتفاع منسوب المياه على البنية التحتية والصحة والبيئة»؛ وإن المسار الثالث «يتمثل في دراسة هذه الظاهرة والبحث عن مسبباتها، ووضع حل جذري ومستدام لها، وذلك من خلال الاستعانة بالخبرات الدولية والمحلية».

ووصل فريق مكتب الاستشاريين البريطاني إلى زليتن، الجمعة الماضي، ونقل عنه مدير إدارة المشروعات بوزارة الحكم المحلي في حكومة «الوحدة» محمد بن نجي، أن الفريق لم يحدد موعداً لانتهاء دراسته حول ارتفاع منسوب المياه الجوفية.

وتعاني ليبيا من انقسام حاد، بين حكومتين، إحداهما في طرابلس، برئاسة الدبيبة، والثانية في شرق ليبيا برئاسة حماد، ومدعومة من مجلس النواب.

ولطمأنة المواطنين، تحدث مدير عام المركز الوطني لمكافحة الأمراض، عن أن الوضع الوبائي بالمنطقة «مطمئن وتحت السيطرة؛ وأن جميع التحاليل التي أجريت بالمنطقة سليمة ولا تحمل أي ميكروبات ضارة»، داعياً الجميع إلى «عدم القلق والخوف، أو تهويل الأزمة واستقاء الأخبار من المصادر الموثوقة والرسمية للدولة لتلافي نشر الذعر والخوف بين أهالي المنطقة».


مقالات ذات صلة

مقتل 7 مهاجرين في انهيار بناية غرب العاصمة الليبية

شمال افريقيا الدبيبة في موقع انهيار البناية في جنزور غرب طرابلس (حكومة «الوحدة»)

مقتل 7 مهاجرين في انهيار بناية غرب العاصمة الليبية

قال الهلال الأحمر الليبي، إن فرق الإنقاذ التابعة له تواصل جهودها المكثفة للبحث عن ناجين تحت الأنقاض، بعد سقوط عقار في مدينة جنزور غرب طرابلس.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا أعيان ومشايخ الزنتان طالبوا الدبيبة بسرعة الإفراج عن العميد مصطفى الوحيشي (الوحدة)

الزنتان تُصعّد ضد «الوحدة» الليبية بعد خطف مسؤول في الاستخبارات

طالبت مدينة الزنتان بسرعة الإفراج عن العميد مصطفى الوحيشي مدير إدارة الأمن بجهاز الاستخبارات العامة الذي «خطفه» مجهولون في طرابلس.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا قبيل انطلاق الرالي الصحراوي في الجفرة الليبية (اللجنة المنظمة)

انفجار لغم بمشاركين في رالي للسيارات بليبيا... و4 إصابات

الحدث رسالة محبّة لشباب العالم، ودعوة لكل الليبيين بأنّ الجفرة تُجدّد النداء للالتقاء على أرضها من أجل الحوار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة ورئيس أركان قواته (حكومة «الوحدة»)

مجهولون في طرابلس يخطفون عميداً بالاستخبارات الليبية

أدان أعضاء جهاز الاستخبارات الليبي، التابع لإدارة الأمن المركزية بغرب البلاد، واقعة خطف العميد مصطفى الوحيشي، وهو في طريقه إلى منزله بعدما فرغ من عمله.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا عماد الطرابلسي وزير داخلية «الوحدة» المكلف (من مقطع فيديو)

ليبيا: «صراع قوة» بين الدبيبة وميليشيات «متمردة» يلهب أجواء طرابلس

عكست تصريحات وزير الداخلية بحكومة الدبيبة، جانباً مما يجري في الكواليس من أزمة مكتومة مع تشكيلات مسلحة دفعته للقول: «لدي القوة لشنّ معركة وتخرب على الكل».

جمال جوهر (القاهرة)

«الشيوخ» المصري لمناقشة «آليات الانضباط» بالمدارس

طلاب في طابور صباحي بإحدى المدارس المصرية (وزارة التربية والتعليم)
طلاب في طابور صباحي بإحدى المدارس المصرية (وزارة التربية والتعليم)
TT

«الشيوخ» المصري لمناقشة «آليات الانضباط» بالمدارس

طلاب في طابور صباحي بإحدى المدارس المصرية (وزارة التربية والتعليم)
طلاب في طابور صباحي بإحدى المدارس المصرية (وزارة التربية والتعليم)

يعتزم مجلس الشيوخ المصري (الغرفة الثانية للبرلمان) مناقشة سياسات الحكومة المصرية بشأن «آليات تحقيق الانضباط داخل المدارس»، خصوصاً عقب وقوع حوادث بين الطلاب أخيراً.

وأدرج «الشيوخ» على أجندته، الأحد والاثنين المقبلين، طلب أكثر من 20 عضواً، لمراجعة «الانضباط في مراحل التعليم قبل الجامعي»، في وقت رهن برلمانيون وخبراء تحقيق الانضباط داخل المدارس المصرية بـ«ضرورة تحقيق إصلاح شامل لمنظومة التعليم في البلاد».

فمع بداية العام الدراسي في مصر، نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، تعهد وزير التربية والتعليم المصري، محمد عبد اللطيف، بالعمل على «عودة الانضباط في المدارس، وتقليل الكثافات داخل الفصول الدراسية».

وتتزامن مناقشات «الشيوخ» مع حالة جدل أثيرت في البلاد عقب حوادث داخل مدارس، حيث شهدت إحدى المدارس الابتدائية بالقاهرة، الخميس، تعدي طالب على زميلته، ما أدى إلى «فقء عينها اليسرى»، وسبقت ذلك واقعة مأساوية شهدتها محافظة بورسعيد (شمال مصر) بقيام طالب في إحدى مدارس التعليم الفني بطعن زميله بسلاح أبيض، ما أدى إلى وفاته.

عضو مجلس «الشيوخ» المصري، النائبة هبة شاروبيم، تقدمت بطلب للمجلس، تمت تزكيته من أكثر من 20 عضواً لاستيضاح «سياسة الحكومة المصرية الخاصة بآليات تحقيق الانضباط في المدارس». وطالبت النائبة البرلمانية بضرورة «توضيح إجراءات الانضباط داخل المدارس، وغياب المعلمين، في ظل استمرار ما أسمته (التحايل على القوانين)»، إلى جانب «التعرف على إجراءات مواجهة ظاهرة (الدروس الخصوصية)، كما دعت لمناقشة الجدل المثار بشأن المناهج الدراسية، وخصوصاً التأثير السلبي الناتج عن إلغاء (مادة اللغة الأجنبية الثانية) من قوائم المواد الأساسية المضافة للمجموع في المرحلة الثانوية (التي تسبق الجامعة)».

وزير التعليم المصري خلال جولة بإحدى مدارس محافظة القليوبية (وزارة التربية والتعليم)

وأعلنت وزارة التربية والتعليم المصرية، في وقت سابق، سلسلة من الإجراءات الجديدة، تحت مسمى «خطة تطوير نظام التعليم»، تضمنت «انتظام العملية التعليمية، وحلّ إشكالية عجز المعلمين وضمان وجودهم داخل المدارس، ومكافحة (الدروس الخصوصية)»، إلى جانب «تخفيض عدد المواد الدراسية، في مرحلة الثانوية لتخفيف العبء على الطلاب».

عضو مجلس «الشيوخ» المصري، النائبة رشا إسحاق، ترى أن «مناقشة المجلس لإشكاليات التعليم والانضباط داخل المدارس ضروري الآن»، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «ما يحدث من إجراءات حكومية، تدخل ضمن محاولات تطوير العملية التعليمية، لم يصل بعد إلى مستوى التطوير الفعلي للمنظومة». وطالبت بـ«ضرورة صياغة الحكومة استراتيجية واحدة لإصلاح التعليم، ينفذها الوزراء، بدلاً من إسناد أمر التطوير، وفقاً لسياسات كل وزير»، وشدّدت على ضرورة «منح ملف التعليم أولوية لتحقيق الانضباط وسدّ عجز المعلمين في المدارس»، مشيرة إلى أنه «إذا سارت الحكومة على نفس الطريقة، فسنجد العام المقبل، مدارس بلا معلمين أو إداريين».

وقدّر وزير التعليم المصري نسبة العجز في المعلمين داخل المدارس بنحو 655 ألف معلم، وأشار في تصريحات صحافية نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى مواجهة الأزمة «بحلول فنية، والتوسع في تعيين معلمين جدد، والتعاقد مع معلمي الحصة (بشكل مؤقت)»، معتبراً أن تلك الحلول «ساهمت في حلّ العجز بنحو 90 في المائة بالمدارس الحكومية».

غير أن رشا إسحاق رأت أن تلك «الإجراءات غير كافية»، وقالت إن «التعاقد مع (معلمي الحصة) ليس حلاً واقعياً أو نهائياً، باعتبارهم خارج المنظومة التعليمية»، لافتة إلى أن «هذا الإجراء يفتح أبواب أخرى لظاهرة (الدروس الخصوصية)».

بداية اليوم الدراسي داخل مدرسة في مصر (وزارة التربية والتعليم)

في سياق ذلك، ترى الخبيرة التربوية المصرية، بثينة عبد الرؤوف، أن عودة الانضباط داخل المدارس مرهون بإصلاح شامل لمنظومة التعليم، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «شعارات الانتظام والانضباط حاضرة منذ سنوات، وهناك لوائح تنظمها داخل المدارس، غير أن التطبيق الفعلي لا يحقق تلك الأهداف»، وعدّت جولات وزير التعليم المصري الميدانية داخل المدارس «بعيدة عن الواقع، ولا تظهر حقيقة ما يحدث داخل المدارس».

ومنذ بداية العام الدراسي الحالي، أجرى وزير التعليم المصري سلسلة من الجولات بمحافظات مختلفة، لمتابعة سير الدراسة، كانت أحدثها جولة داخل مدارس محافظة القليوبية (شمال القاهرة)، الأسبوع الماضي، تابع خلالها «انتظام حضور الطلاب، ومستوى تحصيلهم الدراسي، وانضباط المنظومة التعليمية»، وفق إفادة لوزارة التعليم.

واعتبرت الخبيرة التربوية أن «ضبط المنظومة التعليمية يبدأ بتحقيق أساسيات التعليم، وأهمها توفير العدد الكافي من المعلمين المؤهلين»، إلى جانب «بيئة تعليمية جيدة، بتوفير مدارس وفصول دراسية مناسبة، وإعطاء أولوية للأنشطة التعليمية داخل المدارس».