كيف تغيرت عادات المصريين الاستهلاكية في ظل «جنون الدولار»؟

مصريون يتسوقون داخل أحد المراكز التجارية (الشرق الأوسط)
مصريون يتسوقون داخل أحد المراكز التجارية (الشرق الأوسط)
TT

كيف تغيرت عادات المصريين الاستهلاكية في ظل «جنون الدولار»؟

مصريون يتسوقون داخل أحد المراكز التجارية (الشرق الأوسط)
مصريون يتسوقون داخل أحد المراكز التجارية (الشرق الأوسط)

اختارت المصرية الأربعينية، حنان مرسي، أن تستثمر مبلغ 40 ألف جنيه، تحصلت عليها كقيمة لـ«جمعية مالية»، بينها وبين زميلاتها الموظفات الحكوميات، بشكل عملي، وبدلاً من الاتجاه كغيرها لشراء الذهب أو الدولار الذي واصل ارتفاعه بشكل (جنوني)، مع انخفاض قيمة العملة المحلية (الجنيه)، قررت شراء ثلاجة جديدة لأجل ابنتها، التي لا تزال في المرحلة الثانوية (مرحلة قبل الجامعة). ويبلغ السعر الرسمي للدولار في مصر 30.9 جنيه مصري، بينما يتراوح في السوق الموازية «السوداء» ما بين 65 و70 جنيهاً، بحسب وسائل إعلام محلية.

وقالت حنان لـ«الشرق الأوسط»: «بعد 4 سنوات على الأقل سأكون مضطرة لتجهيز ابنتي للزواج، ووقتها ستكون الأسعار في (حتة تانية)»، وتابعت الأم، التي تقطن في محافظة المنوفية (دلتا النيل): «ارتفاعات (الدولار الجنونية) وزيادة أسعار السلع والمنتجات خصوصاً الأجهزة الكهربائية، فرضت علينا تغيير أولوياتنا، ورغم احتياج منزلي وأبنائي لأشياء متعددة آنية، إلا أنني فكرت في المستقبل، مع طريقة أيضاً تضمن لي الحفاظ على قيمة أموالي».

ومن الدلتا إلى العاصمة المصرية القاهرة، حيث فوجئ الأربعيني وليد عابدين، بأن الطبيب المسؤول عن الصيدلية التي تجاور منزله بحي المطرية (شرق القاهرة)، يخبره بأنه لن يستطيع أن يصرف له عبوتين من دواء ذهب لشرائه، وبإمكانه فقط شراء عبوة واحدة، معللاً ذلك بأن «أسعار الدواء قد تتحرك في أي وقت، وعليه أن ينتظر يوماً آخر لصرف العبوة الأخرى بسعرها الجديد». وقال وليد، الذي يعمل موظفاً إدارياً بإحدى الجامعات الخاصة، لـ«الشرق الأوسط»: «تصرف الطبيب كان غريباً، رغم أنني كنت أحتاج الثانية لتخزينها تحت أي ظروف». وأضاف: «غيرت ما كنت معتاداً عليه من قبل عند شراء دوائي الشهري، بسبب الارتفاع المتكرر في سعر الأودية، حيث كنت قبل ذلك أشتري عبوة واحدة من دوائي، لكن مع ارتفاع أسعار الدواء، قررت شراء أكثر من عبوة تحسباً لأي ارتفاعات جديدة».

من الصيدلية إلى «السوبر ماركت»، حيث اعتاد الثلاثيني محمد سامي، أن يشتري بعض احتياجات منزله (عبارة عن جبن وبيض وعيش) وهو عائد من عمله، من المتجر المجاور لمنزله، لكنه عندما ذهب أخيراً إلى الشراء من المتجر، فوجئ بالبائع يخبره بأن (الجبن والبيض والعيش) أسعارها ارتفعت. وهنا قرر محمد، الذي يعمل حارساً للأمن، أن «يغير طريقة شرائه اليومية، بأن يبحث عن الأسواق التي تبيع السلع بسعر الجملة توفيراً للنفقات». وأضاف: «رغم أن هذه الأسواق بعيدة عن منزلي أو عملي، فإنها أصبحت أحد الحلول لي لشراء ما يحتاجه المنزل من السلع».

الروايات الثلاث، تأتي ضمن روايات أخرى حديثة انتشرت على «السوشيال ميديا»، عبرت عن تغير نمط التسوق والسلوك الشرائي وترتيب الأولويات لدى المصريين، بعدما شهدت البلاد ارتفاعات متسارعة في أسعار السلع الغذائية والسيارات والعقارات والملابس والذهب ومواد البناء على مدار الأيام الماضية، بسبب انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار. وأشار حساب باسم «إسلام» إلى شرائه الينسون بدلاً من البن الذي كان معتاداً عليه بسبب ارتفاع أسعار البن.

وذكر حساب باسم «مصطفى» أن «المطعم الذي اعتاد أن يشتري منه وجبات يومية، غيّر من عاداته وطريقة تقديم الأطعمة للرواد، بحذف بعض الأطعمة من (المنيو) وتثبيت السعر، بعدما اشتكيت من الارتفاع اليومي لأسعار الوجبات داخل المطعم». كما تحدث كثيرون من رواد «السوشيال ميديا» خلال الساعات الماضية عن ارتفاع في أسعار اللحوم، والدواجن، وأنهم يبحثون عن بدائل أخرى.

الخبير الاقتصادي المصري، على الإدريسي، قال لـ«الشرق الأوسط»، إنه مع ارتفاع سعر الدولار القياسي في «السوق الموازية»، اتجه مصريون إلى تغيير عاداتهم، عبر شراء أي أصول تحافظ على أموالهم مثل العقارات أو الأجهزة كهربائية أو تخزين السلع وشراء كميات أكثر منها، لأنهم يرون أن قيمة الجنيه الرسمي تقل يوماً بعد يوم.

وترى مديرة المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى في مصر، هدى الملاح، أن «الغلاء دفع المصريين إلى تغيير أنماط تسوقهم، خصوصاً في السلع وجميع المستلزمات، وذلك على خلاف عاداتهم الشرائية»، لكنها أوضحت لـ«الشرق الأوسط»، أن «تغيير كثير من الأسر المصرية عادتها وشراء كميات كبيرة من السلع وتخزينها خوفاً من ارتفاع سعرها، له أضرار اقتصادية، فهذا السلوك في الإنفاق الزائد يؤدي إلى اختفاء المنتجات من الأسواق، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها، وبالتالي زيادة معدل التضخم».

وتراجع معدّلَي التضخم العام والأساسي في مصر إلى 33.7، و34.2 في المائة على التوالي سنوياً خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وفق البنك المركزي المصري.

ويلفت الخبير الاقتصادي المصري إلى أن تغيير أنماط التسوق للمصريين يتسع ليشمل السلع التموينية أيضاً، حيث يندفع إليها المستهلك مع استمرار التوقعات السلبية لسعر صرف الجنيه الرسمي، وهو ما يعرف اقتصادياً بمحددات الطلب ومحددات العرض، وترجمتها واقعياً أنه طالما توقع المستهلك غلاءً أكثر، قام بالشراء بشكل أكبر.

وتعاود هدى الملاح حديثها، لافتة إلى أن من بين ملامح السلوك الشرائي مع الحالة الاقتصادية الحالية، هو اختفاء مفهوم الشراء الارتجالي أو العشوائي، الذي يرتبط بزيادة في حجم الإنفاق الاستهلاكي، فكثيرون حالياً وتحت وطأة الغلاء يحاولون إيجاد البدائل في الطعام، وأن تكون نفقات المعيشة محددة من الاحتياجات الضرورية والأساسية فقط، وفق دخل الأسرة.


مقالات ذات صلة

مصر تواصل هيمنتها على التصنيف العالمي للإسكواش

رياضة عربية نور الشربيني حافظت على صدارة التصنيف العالمي للاعبات الإسكواش (رويترز)

مصر تواصل هيمنتها على التصنيف العالمي للإسكواش

حافظ الثنائي المصري علي فرج ونور الشربيني على صدارة التصنيف العالمي للإسكواش لفئتي الرجال والسيدات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا شرطيون ألمان (أرشيفية - رويترز)

ألمانيا: محاكمة رجل بتهمة احتجاز وإساءة معاملة امرأة في الغردقة

بدأت وقائع محاكمة ألماني أمام المحكمة الإقليمية الأولى في ميونيخ بتهمة احتجاز ألمانية في شقة على مدار شهرين في منتجع الغردقة المصري.

«الشرق الأوسط» (ميونيخ )
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري خلال كلمته في النسخة العاشرة لمنتدى حوارات روما المتوسطية بإيطاليا (وزارة الخارجية المصرية)

مؤتمر دولي في مصر يبحث تعزيز «الاستجابة الإنسانية» لغزة

تستعد القاهرة لاستضافة مؤتمر دولي لدعم وتعزيز «الاستجابة الإنسانية لقطاع غزة» يوم الاثنين المقبل بمشاركة إقليمية ودولية واسعة.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا مبنى التلفزيون المصري في ماسبيرو (الهيئة الوطنية للإعلام)

تشكيلة جديدة للهيئات الإعلامية بمصر وسط ترقب لتغييرات

استقبلت الأوساط الإعلامية والصحافية المصرية، التشكيلة الجديدة للهيئات المنظمة لعملهم، آملين في أن تحمل معها تغييرات إيجابية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
شمال افريقيا أثار قرار تحديث قوائم الإرهاب جدلاً واسعاً (أ.ف.ب)

استبعاد المئات من «قوائم الإرهاب» بمصر يجدد الجدل بشأن «مصالحة الإخوان»

أدى قرار استبعاد المئات من الإدراج على «قوائم الإرهاب» في مصر، بقرار من محكمة الجنايات، إلى إعادة الجدل بشأن إمكانية «المصالحة» مع جماعة «الإخوان».

أحمد عدلي (القاهرة)

اجتماعات «المائدة المستديرة» بين الفرقاء السودانيين في جنيف لوقف الحرب

جانب من لقاء سابق لتنسيقية «تقدم» مع مسؤولي الآلية الأفريقية في أديس أبابا (صفحة «تقدم» على فيسبوك)
جانب من لقاء سابق لتنسيقية «تقدم» مع مسؤولي الآلية الأفريقية في أديس أبابا (صفحة «تقدم» على فيسبوك)
TT

اجتماعات «المائدة المستديرة» بين الفرقاء السودانيين في جنيف لوقف الحرب

جانب من لقاء سابق لتنسيقية «تقدم» مع مسؤولي الآلية الأفريقية في أديس أبابا (صفحة «تقدم» على فيسبوك)
جانب من لقاء سابق لتنسيقية «تقدم» مع مسؤولي الآلية الأفريقية في أديس أبابا (صفحة «تقدم» على فيسبوك)

للمرة الثالثة تستضيف مدينة جنيف السويسرية ما عرفت باجتماعات «المائدة المستديرة» بين القوى السياسية والمدنية السودانية، وتهدف لتقريب وجهات النظر بين أطراف الأزمة السودانية، مواصلة للاجتماعين السابقين اللذين نسقتهما منظمة «بروميديشن» الفرنسية، في القاهرة وجنيف، وتهدف الاجتماعات لتحقيق توافق على وقف الحرب عبر التفاوض وإيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين.

وتشارك في الاجتماعات، التي بدأت يوم الاثنين وتستمر ليومين، كل من تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم»، وتحالف «الكتلة الديمقراطية» الموالية للجيش، وحركات مسلحة تابعة للكتلة، مع إعلان بعض الأطراف مقاطعة هذه الاجتماعات.

وانشقت «الكتلة الديمقراطية» قبل سنوات عن تحالف «قوى الحرية والتغيير» الذي قاد الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بحكومة الرئيس عمر البشير.

وتتكون «الكتلة الديمقراطية» أساساً من حركات مسلحة وقوى سياسية أيدت انقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي ناهضه التحالف الرئيس «الحرية والتغيير» الذي تطور بعد الحرب إلى تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم».

وصدرت مواقف متضاربة بين أعضاء تحالف «الكتلة الديمقراطية» تراوحت بين الرفض والقبول للمشاركة في اجتماعات جنيف. وأعلن المتحدث باسم الكتلة، محمد زكريا، الذي ينتمي لـ«حركة العدل والمساواة»، اعتذار كتلته عن المشاركة، بينما

استنكر القيادي في الحزب «الاتحادي الديمقراطي» عمر خلف الله، وهو أيضاً ناطق رسمي باسم «الكتلة الديمقراطية» تصريح زكريا، قائلاً إن الموضوع لم يناقش في قيادة الكتلة، وأكد مشاركتهم في اجتماعات جنيف «من أجل رؤية تعزز المشروع الوطني».

عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

تباين مواقف «الكتلة الديمقراطية»

وإزاء مواقف «الكتلة الديمقراطية»، قال قيادي في الكتلة لـ«الشرق الأوسط» إن المشاركة في اجتماعات جنيف كشفت تباينات حادة داخل الكتلة، وأن «حركة العدل والمساواة» بقيادة وزير المالية الحالي جبريل إبراهيم سنت لنفسها خطاً منفرداً يمكن وصفه بـ«الانشقاق» داخل الكتلة، مضيفاً أن «رفض المشاركة يعبر عن موقف الحركة وليس موقف الكتلة».

وقال القيادي في «تقدم» والأمين السياسي لحزب «المؤتمر السوداني» شريف محمد عثمان لـ«الشرق الأوسط» إن مدينة جنيف السويسرية شهدت صباح يوم الاثنين الاجتماع الرابع لسلسلة الاجتماعات التي تنسقها «بروميديشن»، وينتهي يوم الثلاثاء، ويهدف إلى تقريب المسافات بين القوى المناهضة للحرب وتلك التي انحازت لأحد طرفي القتال، في إشارة إلى الجيش.

ووفقاً للقيادي في «تقدم»، فإن الاجتماعات تعمل على تحقيق توافق على إنهاء الحرب عبر الحلول السلمية التفاوضية، والتي تبدأ بالوصول إلى وقف العدائيات بغرض إيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين، وفتح مسارات آمنة، باعتبارها خطوات تمهيدية لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب سلمياً.

اجتماع سابق للهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية «تقدم» (فيسبوك)

مشاركة واسعة

وأوضح عثمان أن طيفاً واسعاً من المدنيين يشارك في الاجتماع وعلى رأسهم قيادات تحالف القوى الديمقراطية المدنية الأكبر في البلاد «تقدم»، ويمثلها كل من رئيس حزب «المؤتمر السوداني» عمر الدقير، ورئيس حزب «التجمع الاتحادي» بابكر فيصل، ورئيس «حركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي» الهادي إدريس. كما يشارك في الاجتماعات «حزب الأمة القومي»، و«الحزب الاتحادي الأصل» بقيادة جعفر الميرغني، و«التحالف الديمقراطي للعدالة» بقيادة مبارك أردول، و«حركة تحرير السودان - جناح مناوي»، ويمثلها علي ترايو، إضافة لممثلين عن حزب «المؤتمر الشعبي» الإسلامي المنشق عن حزب الرئيس المعزول عمر البشير، و«حزب الأمة – جناح مبارك الفاضل».

وتوقع عثمان توصل المجتمعين لبيان ختامي متوافق عليه بشأن قضيتي إنهاء الحرب سلمياً، ووقف عدائيات إنساني يسهل وصول المساعدات الإنسانية.

وكانت العاصمة المصرية القاهرة قد شهدت في أكتوبر (تشرين الأول) اجتماعاً مماثلاً، توصل إلى بيان ختامي وقعته القوى المشاركة، باستثناء حركة تحرير السودان – مناوي، وحركة العدل والمساواة – جبريل إبراهيم اللتين رفضتا توقيع بيان القاهرة رغم مشاركتهما في الاجتماعات.

و«بروميديشن» منظمة فرنسية مدعومة من الخارجية الفرنسية والخارجية السويسرية، ظلت تلعب أدواراً مستمرة في الشأن السوداني، وعقدت عدداً من اجتماعات المائدة المستديرة بين الفرقاء السودانيين، بدأتها منذ يونيو (حزيران) 2022 بمفاوضات بين حركات مسلحة دارفورية، ثم طورت اجتماعاتها لتشمل القوى السياسية والمدنية السودانية بعد الحرب.