تتواصل جهود الوساطة المصرية-القطرية-الأميركية الرامية إلى التوافق على صفقة لتبادل «الأسرى» بين إسرائيل وحركة «حماس»، و«تهدئة» الحرب الدائرة في قطاع غزة منذ أربعة شهور. وأعلن رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، الثلاثاء، «تلقي الحركة دعوة من القاهرة لدراسة نتائج (اجتماع باريس)»، ما عده خبراء مؤشراً على «قرب التوصل لاتفاق»، بينما رهنه آخرون بـ«ضغط قطر على (حماس)».
واستضافت العاصمة الفرنسية باريس اجتماعاً، الأحد، شارك فيه رؤساء المخابرات الإسرائيلية والأميركية والمصرية، إضافة إلى رئيس الوزراء القطري. وأوضح مصدر مصري قريب من مفاوضات «صفقة تبادل الأسرى» أن «(اجتماع باريس) كان تنسيقياً، ولن يكون الأخير، حيث من المقرر عقد سلسلة أخرى من الاجتماعات خلال الفترة المقبلة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الولايات المتحدة وفرنسا تستهدفان تنسيق المواقف بشأن الترتيبات الأمنية في غزة، وهناك جهود متواصلة في هذا الشأن دفعت إسرائيل إلى إيفاد مسؤوليها إلى باريس للمشاركة في الاجتماع». وأضاف أن «(اجتماع باريس) وضع الأُطر المباشرة لتنسيق الترتيبات الأمنية في الهدن المقبلة، ما يعد إطاراً رئيسياً حاكماً لما سيتم التوافق عليه مستقبلاً في إطار التنسيق المشترك». ولفت إلى أن «الاجتماعات المقبلة قد تُعقد في باريس أيضاً، وقد تلتحق بها أطراف أخرى مثل النرويج وألمانيا».
وأشار المصدر المصري إلى أنه «عقب (اجتماع باريس) بات هناك إطار لجدول أعمال وسياق زمني يتراوح ما بين 60 و70 يوماً». وقال إن «(اجتماع باريس) كان متعلقاً بالترتيبات الأمنية في المقام الأول».
وتباينت ردود الفعل بشأن الصفقة المرتقبة، حيث قال هنية، في إفادة رسمية، الثلاثاء، إن «الحركة تسلمت مقترح اجتماع في باريس، وهي بصدد دراسته وتقديم ردها عليه»، وشدد على أن «(حماس) منفتحة على مناقشة أي مبادرات جدية وعملية بشرط أن تفضي إلى وقف شامل للحرب وتأمين إيواء النازحين، وإعادة الإعمار ورفع الحصار، وإجراء عملية جادة لتبادل السجناء». وأكد هنية أن «الرد على مقترح (اجتماع باريس) سيكون على قاعدة أن الأولوية هي وقف الحرب على غزة وانسحاب القوات الإسرائيلية كلياً إلى خارج القطاع».
بدوره، أكد الأمين العام لحركة «الجهاد»، زياد النخالة، في بيان صحافي، الثلاثاء، أن الحركة «لن تنخرط في أي تفاهمات من دون أن تضمن وقفاً شاملاً لإطلاق النار، وانسحاب قوات الاحتلال، وضمان إعادة الإعمار، وحلاً سياسياً واضحاً يضمن حقوق الفلسطينيين».
أما على الصعيد الإسرائيلي، فنقلت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية، عن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الثلاثاء، قوله إن «بلاده لن تطلق سراح الآلاف من (الإرهابيين) الفلسطينيين ضمن صفقة لتبادل الأسرى والمحتجزين». وأضاف نتنياهو: «لن نُنهي الحرب بدون تحقيق كل أهدافنا ومعنى ذلك القضاء على (حماس) وعودة الرهائن، وضمان أن غزة لن تشكل تهديداً على إسرائيل مستقبلاً».
بينما هدد وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، الثلاثاء، بالانسحاب من الحكومة حال التوصل إلى صفقة «غير مقبولة». وقال في منشور عبر «إكس»: «اتفاق غير محسوب يساوي تفكيك الحكومة».
وحصل حزب بن غفير من خلال تحالف مع وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، على 14 مقعداً في الكنيست الإسرائيلي، ما يعني أن انسحابه من الحكومة سيؤدي إلى حل الائتلاف الحاكم والتوجه لانتخابات مبكرة.
وكانت تقارير إعلامية أشارت إلى أن «(اجتماع باريس) شهد توافقاً على إطار عمل للإفراج عن الرهائن، ووقف إطلاق النار على عدة مراحل». وتحدث مسؤولون إسرائيليون وأميركيون وقطريون عن نتائج «إيجابية» للاجتماع، وإن ظلت هناك بعض «الفجوات».
ووصف مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي المحادثات بأنها «بناءة»، لكن لا تزال هناك «فجوات كبيرة». الوصف نفسه أطلقه البيت الأبيض على المحادثات، مؤكداً أنه «لا يزال يوجد الكثير من العمل الذي يتعين القيام به». بينما أعلن رئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إحراز «تقدم جيد» خلال محادثات باريس.
من جانبه، قال الوزير الفلسطيني الأسبق، عضو طاقم مفاوضات أوسلو مع إسرائيل، حسن عصفور، لـ«الشرق الأوسط»، إن «نتنياهو لن يضحي بحكومته من أجل التوصل لاتفاق». وأضاف أن «الوضع ملتبس ومعقد وليس من السهل التوصل إلى توافق، إلا إذا ضغطت قطر على حركة (حماس)». واستدرك أنه «حتى لو حدث ذلك فإنه من الصعب إقناع قيادات (حماس) في الداخل بالاتفاق»، مضيفاً أن «الحديث عن صفقة يتناقض مع التصريحات الإسرائيلية المتكررة بشأن إعادة احتلال قطاع غزة».
لكن مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، رخا أحمد حسن، «لم يستبعد التوصل لاتفاق في وقت قريب». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك مؤشرات عدة تشير إلى قرب الاتفاق، من بينها قرارات محكمة العدل الدولية الأخيرة الملزمة لإسرائيل، إضافة إلى تضرر المنطقة والولايات المتحدة نفسها من اتساع دائرة الحرب مع طول أمد الحرب». وأضاف أن «ما سبق يتزامن مع مظاهرات مناوئة لنتنياهو داخل إسرائيل، وضغوط داخلية على الإدارة الأميركية في عام الانتخابات الرئاسية، إلى جانب إرهاق الطرفين (حماس وإسرائيل) من طول الحرب».
ولفت مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق إلى أنه «حال التوصل إلى هدنة تستمر شهراً أو شهرين، ستكون هناك فرصة لبحث وقف دائم لإطلاق النار، والتفكير في سيناريو اليوم التالي».
وكان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، قال في وقت سابق، إن هناك «أملاً حقيقياً» بالتوصل لاتفاق. ووصف المقترح المطروح على الطاولة في باريس بأنه «قوي» و«مقنع».
على صعيد آخر، نقل موقع «أكسيوس» الإخباري عن مسؤولين إسرائيليين قولهما إن «رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك)، رونين بار، زار القاهرة، الاثنين، حيث التقى رئيس جهاز المخابرات العامة، عباس كامل، في خضم (توتر) في العلاقات بين البلدين بسبب الحرب في قطاع غزة». ولفت الموقع إلى أن «المباحثات تطرقت إلى قضايا بعيدة عن صفقة تبادل المحتجزين مع (حماس)، بينها الوضع على (محور فيلادلفيا) وتعاون البلدين لمنع تهريب الأسلحة إلى غزة».
غير أن مصدراً مصرياً رفيعاً نفى «مناقشة أي ترتيبات مع إسرائيل بشأن (محور فيلادلفيا) الفاصل بين مصر وقطاع غزة»، مؤكداً «رفض القاهرة أي تحركات من الجانب الإسرائيلي بخصوص المحور»، حسب ما نقلته قناة «القاهرة الإخبارية» المصرية، مساء الثلاثاء.
كان رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» قد أعرب، في بيانه، الثلاثاء، عن «تقديره موقف مصر الرافض أي وجود للجيش الإسرائيلي بـ(محور فيلادلفيا)».
وهنا فرّق المصدر القريب من المفاوضات بين «اجتماع باريس»، وزيارة رئيس «الشاباك» للقاهرة، قائلاً إن «هناك مسارين للمفاوضات، الأول إقليمي دولي يتعلق باتفاقات الهدنة وإطلاق سراح المحتجزين، والثاني ثنائي يتعلق بالعلاقات بين مصر وإسرائيل». وأضاف المصدر أن زيارة رئيس «الشاباك» ركزت في الأساس على «قضية (محور فيلادلفيا)، ولم تتطرق إلى الهدنة أو صفقة تبادل الأسرى». وأوضح أن «الزيارة تأتي في إطار توتر العلاقات بين القاهرة وتل أبيب إثر رغبة الأخيرة فرض سيطرة عسكرية على (محور فيلادلفيا)، وهو ما تعتبره القاهرة (خطاً أحمر)». وأكد أن «القاهرة جددت خلال اللقاء مع رئيس (الشاباك) التأكيد على هذه الخطوط الحمراء».
و«محور فيلادلفيا» هو شريط حدودي بطول 14 كيلومتراً بين غزة ومصر، ويعدّ منطقة عازلة بموجب «اتفاقية كامب ديفيد» بين مصر وإسرائيل، وتصاعد التركيز الإسرائيلي عليه منذ نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عندما أشار نتنياهو، في مؤتمر صحافي، إلى أن منطقة «محور فيلادلفيا»، «ينبغي أن تكون تحت سيطرة إسرائيل». وتسببت هذه التصريحات في «توتر» العلاقات مع مصر.
وهو ما أكده مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق بقوله إن «العلاقات بين القاهرة وتل أبيب محتقنة، واستمرار التصعيد بشأن (محور فيلادلفيا) يهدد عملية السلام».
كان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر، ضياء رشوان، حذر في بيان سابق من أن أي تحرك إسرائيلي باتجاه إعادة احتلال «محور فيلادلفيا»، «سيؤدي إلى (تهديد خطير وجديّ) للعلاقات المصرية-الإسرائيلية».