اتخذ «مجلس حكماء وأعيان» مدينة مُرزق بجنوب ليبيا قراراً بعودة المواطنين المُهجّرين إلى ديارهم المُدمّرة، ما يطرح تساؤلاً حول الأسباب التي دعت إلى ذلك.
وفاجأ المجلس السلطات في البلاد، واتخذ قراراً بعودة المواطنين المُهجّرين إلى ديارهم، رغم أن غالبيتها لحقها الضرر قبل نحو 5 أعوام إثر اشتباكات دامية خلفت قتلى ومصابين.
وأرجع المتحدث باسم «مجلس حكماء وأعيان» مُرزق، محمد عبد النبي، قرار عودة المواطنين المُهّجرين إلى ما سماه بـ«تجاهل السلطات في ليبيا لمطالبهم»، بينما قالت «الجمعية العمومية لعائلات مُرزق»، إن المواطنين «عانوا خلال السنوات الخمس الماضية، من (ويلات التهجير)، ورأوا ضرورة العودة لحماية ديارهم التي هجروها، لكونهم لا يثقون بالأجهزة الأمنية والشرطية ولا يعترفون بالسلطات المحلية»، وفق قولهم.
وكان سكان مُرزق، تعرّضوا للتهجير عام 2019 إثر اشتباكات قبلية دامية، أدت إلى مقتل 90 شخصاً، وجرح أكثر من 200 آخرين، وتدمير أعداد كبيرة من ديارهم، وإضرام النيران في مزارعهم.
وطالب عبد النبي، في تصريح صحافي، مساء السبت، السلطات الليبية «بتوفير الحماية اللازمة للمواطنين، وتذليل الصعاب التي تواجههم»، وقال إن «قرابة 4 آلاف أسرة تتهيأ للعودة إلى مرزق، وهذا يتطلب توفير الحماية وإعادة تأهيل المدينة».
وسبق وتظاهر عدد من سكان مرزق أمام مقر وزارة الشؤون الاجتماعية بالعاصمة طرابلس، للتنديد بتأخر صرف المنحة المالية، التي أمرت حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، بصرفها لهم نتيجة تهدم منازلهم.
وكانت الحكومة التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، قد أمرت في أغسطس (آب) 2021 بصرف تعويضات للمواطنين، الذين نزحوا عن ديارهم بعد تدميرها، لكنهم اشتكوا بأنهم لم يتلقوا أي تعويضات مالية لجبر ضررهم حتى الآن، «ما تسبب في تفاقم أزماتهم».
ويأتي قرار عودة المهجرين رغم تقرير النائب العام الصديق الصور «بعدم صلاحية مدينة مرزق لعودة السكان راهناً»، لكن «الجمعية العمومية لعائلات مُرزق»، بعثت برسائل شفوية للحكومتين المتصارعتين على السلطة في البلاد، بالإضافة إلى المؤسسات المدنية والأمنية، تطالب بعودة المواطنين، وما يستدعيه ذلك من حماية وحقوق.
وسبق ووجه الدبيبة حكومته، بضرورة مباشرة الشركة العامة للكهرباء تنفيذ الأعمال المستهدفة بمدينة مُرزق، ودعم «المجلس التسييري» في المشروعات العاجلة التي جرى حصرها، مؤكدا أهمية التعاون مع منظمتي «USAID» و«UNDP» في تنفيذ البرامج المشتركة، وضمان رجوع الأهالي إلى منازلهم وفق إطار زمني محدد.
كما سبق وبحث أسامة حمّاد، رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب، في اجتماع حضره رئيس المجلس البلدي بمرزق محمد عثمان، ورئيس «لجنة إعادة الإعمار والاستقرار» حاتم العريبي، احتياجات مُرزق، وسبل عودة مظاهر الحياة إليها.
وشدد حمّاد على «ضرورة العمل من داخل مُرزق، وحصر الاحتياجات العاجلة، والبدء بإعادة إعمار المدينة». كما بحث عودة المهجرين من كل التركيبات الاجتماعية بالمدينة إلى ديارهم، وتفعيل المصالحة الوطنية، وجبر الضرر.
وشكّك أحد نشطاء مرزق، في إمكانية عودة جميع المواطنين إلى مدينتهم، التي لا تزال بيوتها مُدمّرة، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هناك قطاع واسع من المواطنين يتمسكون بالتحقيق فيما لحق بممتلكاتهم من ضرر، ويطالبون بتعويضهم بشكل مناسب»، لافتاً إلى أن الراغبين في العودة «فضلوا البقاء بجوار منازلهم، ووضع السلطة في البلاد أمام الأمر الواقع».
إن «الراغبين في العودة فضلوا البقاء بجوار منازلهم، ووضع السلطة في البلاد أمام الأمر الواقع».
احد ناشطي مرزق
وكان محمد المهدي، وهو ناشط مدني من مُرزق، اتهم في تصريح سابق لـ«الشرق الأوسط» جماعة تبو «أوزو» التشادية، التي قال إنها تقيم في مُرزق، بتدمير المدينة، و«تعاونت مع أبناء عمومتهم من تبو ليبيا وتشاد والنيجر، مدعومة بعصابات إرهابية».
وأشار، إلى اندلاع اشتباكات عنيفة في عام 2019 دامت ثمانية أشهر بين سكان المدينة، و(هم عرب مُرزق)، وبين العصابات المتحالفة مع قبائل «التبو» من المقيمين في المدينة، أدت إلى إجبار المواطنين على النزوح بالكامل عن أرضهم.
ورغم أن قبائل «التبو» ترفض هذه الاتهامات، فإن الإحصاءات التي يقدمها سكان المدينة تفيد بأن قرابة 4 آلاف أسرة، تضم 34 ألف نسمة، «خرجوا من مُرزق بعد حرقها بالكامل، للإقامة في أكثر من مدينة بأنحاء البلاد».
وقالت «الجمعية العمومية لعائلات مُرزق»، نهاية الأسبوع الماضي: «إننا عائدون إلى أرضنا ومدينتنا رغم التحديات والصعوبات والعراقيل، فقد قررنا العودة ومنازلنا مدمرة محترقة»، لافتين إلى أنهم «قرروا العودة ولا يثقون في أجهزة شرطية وأمنية هي الخصم والحكم».