أفرقاء ليبيا يلجأون إلى «الإسقاطات الدينية والسياسية» لتصفية خلافاتهم

باشاغا يدخل على خط الصراع مع «الوحدة»... والساعدي القذافي يذكّر بنظام والده

صالح يتوسط بالقاسم حفتر (يمين) وحمّاد رئيس حكومة «الاستقرار» وفي الصورة حاتم العريبي رئيس لجنة إعادة الإعمار (مكتب صالح)
صالح يتوسط بالقاسم حفتر (يمين) وحمّاد رئيس حكومة «الاستقرار» وفي الصورة حاتم العريبي رئيس لجنة إعادة الإعمار (مكتب صالح)
TT

أفرقاء ليبيا يلجأون إلى «الإسقاطات الدينية والسياسية» لتصفية خلافاتهم

صالح يتوسط بالقاسم حفتر (يمين) وحمّاد رئيس حكومة «الاستقرار» وفي الصورة حاتم العريبي رئيس لجنة إعادة الإعمار (مكتب صالح)
صالح يتوسط بالقاسم حفتر (يمين) وحمّاد رئيس حكومة «الاستقرار» وفي الصورة حاتم العريبي رئيس لجنة إعادة الإعمار (مكتب صالح)

اعتاد الأفرقاء السياسيون في ليبيا على توجيه انتقادات مباشرة إلى خصومهم، على خلفية الصراع الذي يشهده البلد المنقسم، لكن ذلك لم يمنعهم من اللجوء إلى الإسقاطات الدينية والسياسية وسط تعمّق الأزمة بين جبهتَي شرق ليبيا وغربها.

وخلال مشاركته في افتتاح جسور جديدة بمدينة بنغازي، أشاد المستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي، بحكومة أسامة حمّاد المكلفة من البرلمان. وقال: «أصبحت لدينا الآن حكومة واعية تعمل على أرض الواقع، وليس من خلال مواقع التواصل الاجتماعي فقط»، في إشارة إلى حكومة عبد الحميد الدبيبة، التي تتخذ من العاصمة طرابلس مقرّاً لها.

ودرج قادة ليبيا وعديد من سياسييها على تحميل النص القرآني والأحاديث النبوية أبعاد أزمتهم المستعصية؛ بقصد تصفية خلافاتهم فيما بينهم، ودخل فتحي باشاغا، رئيس الحكومة المعزول من مجلس النواب، على خط أزمة إعادة الإعمار والبناء بين جبهتَي شرق ليبيا وغربها.

فتحي باشاغا رئيس حكومة «الاستقرار» المُقال (حساب باشاغا على «فيسبوك»)

وبشيء من الرمزية، كتب باشاغا عبر حسابه على منصة «إكس» الآية القرآنية: «أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خيرٌ أم من أسس بنيانه على شفا جُرُفٍ هارٍ فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القومَ الظالمين».

ودون تفسير لما يريده باشاغا، ذهبت وسائل إعلام محلية ورواد «السوشيال ميديا» في ليبيا، إلى أن رئيس الحكومة (المُقال)، الذي ينتمي إلى مدينة مصراتة، يعلق على افتتاح رئيس مجلس النواب، والمشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني» جسوراً عدة في بنغازي، كما يقارن بين عمليتَي البناء والتشييد في شرق البلاد وغربها.

وأرجع باحث ليبي في علم الاجتماع، لجوء بعض الأفرقاء للإسقاطات الدينية، لـ«أسباب سياسية». وقال لـ«الشرق الأوسط» مشترطاً عدم ذكر اسمه، إن «الشعب الليبي يغلب عليه الطابع المحافظ؛ لذا تدخل في صميم عاداته الاستعانة في حديثه بآيات قرآنية ومصطلحات دينية مثل غالبية الشعوب المسلمة».

المستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي (المكتب الإعلامي لرئيس المجلس)

لكنه رأى، أن جزءاً من لجوء بعض السياسيين لهذا الأمر، «يدخل في إطار العادات اللفظية، والجزء الآخر يهدف إلى استخدام الدين لإضفاء طابع المصداقية على ما يقولون، وفي الوقت ذاته، يستهدفون تصفية خلافاتهم بالإسقاطات تقليلاً من أهمية خصومهم في أحيان كثيرة».

وتعاني ليبيا انقساماً حادّاً بين حكومتين، إحداهما في طرابلس بقيادة الدبيبة، وتحظى بدعم دولي، والثانية مكلفة من مجلس النواب وتتخذ من بنغازي مقراً لها ويترأسها أسامة حمّاد.

وفي بداية مارس (آذار) 2022، أدى باشاغا اليمين أمام البرلمان، لكن الأخير أقاله من منصبه في منتصف مايو (أيار) 2023، وأسند الحكومة إلى حمّاد.

والتكريس للرمزية معتاد عليه منذ اندلاع «ثورة 17 فبراير» (شباط) التي أسقطت نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، كما أنه ممتد بتعدد الأزمات وكثرة الاشتباكات التي أوقعت ضحايا. ويُوصف الصادق الغرياني مفتي ليبيا المعزول من البرلمان، بأنه دائماً ما يلجأ إلى النص القرآني؛ للتحريض على خصوم جبهته السياسية، وهذا ما دفعه في فبراير 2021 إلى القول إن استخدام آية «فمن عفا وأصلح» بقصد الصلح بين الليبيين «لا يجوز»، وأرجع ذلك إلى ضرورة رد المظالم إلى أهلها أولاً.

وعلى خلفية الأزمات الاقتصادية التي تعانيها ليبيا، ظهر النص القرآني على لسان الساعدي نجل القذافي، الذي عبّر في منشور نادر كتبه عبر حسابه على «إكس»، مساء السبت، تحت عنوان «العشرة بربع»، في رمزية إلى المقارنة بين أسعار الخبز راهناً، وأيام والده الراحل.

واستعان الساعدي، بالآية القرآنية: «وضرب الله مثلاً قريةً كانت آمنةً مطمئنةً يأتيها رزقُها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعُم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون»، ثم أضاف الآية الثانية: «فكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً واشكروا نعمت الله إن كنتم إياه تعبدون».

ولم يتوقف الساعدي عند ذلك، بل ضمن رؤيته أحاديث نبوية وأقوالاً مأثورة، ومضى يقول دون تفسير لما يقصد: «الكلام في هذا الأمر إذا أردنا ذكر الأدلة الشرعية وأقوال السلف، يطول جداً». وزاد: «هذا ليس دفاعاً عن نظام سياسي وحقبته، بل من باب الذكرى والاعتبار».

ويتندر أنصار القذافي راهناً على تصاعد سعر الخبز في ليبيا، مقارنة بما كان عليه على عهد النظام السابق، حيث كان سعر الـ20 رغيفاً ديناراً واحداً، أما الآن ومع ارتفاع أسعار الطحين والتضخم أصبح سعر الأربعة أرغفة ديناراً، وسط شكاوى من انخفاض وزن الرغيف.


مقالات ذات صلة

ليبيا: اجتماع مرتقب لأعضاء مجلسي النواب و«الدولة» في درنة

شمال افريقيا صورة وزعها مجلس النواب لوصول أعضائه إلى مدينة درنة

ليبيا: اجتماع مرتقب لأعضاء مجلسي النواب و«الدولة» في درنة

أعلن عبد الله بليحق، المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب الليبي، وصول عدد من أعضائه إلى درنة التي ستستضيف، الاثنين، جلسة رسمية هي الأولى للمجلس بالمدينة.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة في افتتاح أعمال المؤتمر الأول لقادة الاستخبارات العسكرية لدول جوار ليبيا (حكومة الوحدة)

مدينة ليبية تنتفض ضد «المرتزقة»... وحكومة الدبيبة

احتشد مئات المتظاهرين في مدينة بني وليد، شمال غربي ليبيا، الموالية لنظام الرئيس الراحل معمر القذافي للتظاهر، منددين بـ«المرتزقة» والقوات والقواعد الأجنبية.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من اجتماع أعضاء بمجلسي «النواب» و«الأعلى للدولة» في بوزنيقة بالمغرب (المتحدث باسم مجلس النواب)

تباين ليبي بشأن تفعيل مخرجات «اجتماع بوزنيقة»

أعلن ممثلون عن مجلسَي النواب و«الأعلى للدولة» في ليبيا، نهاية الأسبوع الماضي، توصلهم إلى اتفاق يستهدف إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في البلاد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا جانب من أشغال مؤتمر «قادة دول الاستخبارات العسكرية لدول الجوار» في طرابلس (الوحدة)

الدبيبة: لن نسمح بأن تكون ليبيا ساحة لتصفية الحسابات

الدبيبة يؤكد أن بلاده «لن تكون ساحة لتصفية الصراعات الإقليمية، ولن تستخدم ورقة ضغط في الصراعات الدولية والإقليمية».

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا جانب من اجتماع اللجنة العسكرية الليبية المشتركة «5+5» في روما الخميس (البعثة الأوروبية)

ليبيا: خوري تسارع لتفعيل مبادرتها وسط صراع على ديوان المحاسبة

تسعى المبعوثة الأممية بالإنابة في ليبيا ستيفاني خوري إلى جمع الأفرقاء السياسيين على «المبادرة» التي أطلقتها أمام مجلس الأمن الدولي منتصف الأسبوع الماضي.

جمال جوهر (القاهرة)

الجزائر تعوّل على نمو الإنتاج العسكري لتطوير قطاعها الصناعي

الرئيس تبون مع مسؤولين عن الصناعة العسكرية (الرئاسة)
الرئيس تبون مع مسؤولين عن الصناعة العسكرية (الرئاسة)
TT

الجزائر تعوّل على نمو الإنتاج العسكري لتطوير قطاعها الصناعي

الرئيس تبون مع مسؤولين عن الصناعة العسكرية (الرئاسة)
الرئيس تبون مع مسؤولين عن الصناعة العسكرية (الرئاسة)

تعوّل الحكومة الجزائرية على تحسّن معدلات الصناعة العسكرية، بغرض رفع نسبة النمو في قطاع الصناعة وإنعاش الاقتصاد التابع تبعية مطلقة لإيرادات النفط والغاز.

وبرزت أهمية التصنيع الحربي في «معرض الإنتاج الوطني» السنوي الذي انطلق الخميس الماضي. ففي الجناح المخصص لوزارة الدفاع في المعرض الذي يقام بالضاحية الشرقية للعاصمة، يتم تقديم مختلف المنتجات الخاصة بالقوات المسلحة، والترويج لها على أساس أنها «قاطرة الصناعة في البلاد».

تصنيع عربات عسكرية بالشراكة مع شركة «مرسيدس» الألمانية (وزارة الدفاع)

وأبرز الرئيس عبد المجيد تبون، خلال افتتاح التظاهرة الاقتصادية والتجارية، «أهمية الصناعة العسكرية كنموذج يجب اتباعه وكرافعة للصناعة الوطنية». وأكد أن الجيش «حقق مستويات في الصناعة، أتمنى أن تصل إليها الشركات الأخرى»، وهنّأ القائمين على جناح وزارة الدفاع بالمعرض، لـ«معدل التكامل العالي الذي أنجزته الصناعة العسكرية»، من دون أن يقدم أي رقم فيما يخص التصنيع الحربي.

ولفت تبون إلى أن «السياسة التي تبنتها الدولة في السنوات الأخيرة، الهادفة إلى تشجيع الإنتاج المحلي، ساهمت في تقليص فاتورة الواردات بنسبة 40 في المائة»، داعياً إلى «عدم التفريق بين الشركات التي تتبع للجيش، وبين الشركات الحكومية والخاصة؛ إذ تساهم جميعها في رفع شأن الإنتاج الجزائري».

وتشارك في «معرض الإنتاج الوطني 2024» مئات المؤسسات الحكومية والخاصة. وغالباً ما تستعرض الحكومة «عضلاتها» من خلال هذا الحدث الاقتصادي، للتأكيد على «قدرة المنتوج الجزائري على المنافسة في الأسواق الدولية»، علماً أن الجزائر حققت الاكتفاء الذاتي في قطاع من المنتجات الزراعية، في حين تستورد كل حاجاتها من المواد المصنّعة ونصف المصنّعة.

الرئيس تبون يستمع إلى خطة عمل مؤسسات خاصة (الرئاسة)

ويقول مصدر حكومي، رفض نشر اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، إن الصناعة العسكرية في الجزائر «أصبحت اليوم نموذجاً يحتذى به في التنظيم والحوكمة، وكذلك في الجودة والأداء. إنه قطاع تمكن بفضل صرامته من التكيّف مع متطلبات ومعايير الإنتاج في عدة مجالات، بدءاً من صناعة الأسلحة ووصولاً إلى وسائل النقل واللوجستيات والملابس».

وأوضح المصدر ذاته، أن قطاع التصنيع العسكري «يواجه اليوم تحديات جديدة، تتمثل في التحكم في مجالات ذات قيمة تكنولوجية عالية، مثل صناعة المسيّرات ومعدات الاتصالات. ويتمثل التحدي الآخر في تحسين نسب الاندماج، من خلال الاعتماد على الإنتاج والمناولة المحلية، بهدف رفع مستويات الاندماج إلى أكثر من 60 في المائة في السنوات المقبلة».

ووفق المصدر ذاته، فإنه «يجب الإشادة بجهود والتزامات المؤسسة العسكرية في تحديث وتطوير هذه الصناعة الحربية التي تم تصنيفها كأولوية استراتيجية؛ نظراً لتأثيرها في تعزيز القوة العسكرية؛ كونها ركيزة أساسية للسيادة الوطنية». واللافت أنه لا تتوفر بيانات محددة حول نسبة مساهمة الصناعة العسكرية في نمو الصناعة الجزائرية بشكل عام.

رئيس البلاد مع مسؤولين من وزارة الدفاع في جناح الإنتاج الحربي في معرض الإنتاج الوطني (الرئاسة)

ويشار إلى أن موازنة الجيش لعام 2025 محددة بـ22 مليار دولار (الموازنة العامة مقدرة بـ126 مليار دولار)، وهي في زيادة مستمرة منذ 5 سنوات. وتبرر الحكومة حجم الإنفاق العسكري العالي بـ«التهديدات والمخاطر المحيطة بالجزائر»، وتقصد، ضمناً، الاضطرابات في مالي والنيجر، وفي ليبيا أيضاً، وتعاظم تجارة السلاح والمخدرات ونشاط المهربين في جنوب الجزائر الفسيح.

وكان تبون صرّح بنهاية 2023 بأن نسبة الاندماج في مجال الصناعات الميكانيكية العسكرية تجاوزت 40 في المائة؛ ما يدل على تقدم ملحوظ في هذا القطاع في تقدير السلطات. بالإضافة إلى ذلك، نجحت المؤسسات الصناعية التابعة للجيش الوطني الشعبي في أن تكون داعماً مهماً للنسيج الصناعي الجزائري، بعد أن وسعت دائرة اهتماماتها لتشمل مختلف المجالات الصناعية.

وعلى الرغم من هذه التطورات، لا تزال الصناعات العسكرية الجزائرية ناشئة، وفق خبراء مستقلين. فهي بحاجة إلى المزيد من الوقت لتطوير قدراتها الإنتاجية والتكنولوجية، خاصة في مجالات الأسلحة المتطورة.