لواء متقاعد بالجيش السوداني: «طرف ثالث» أطلق الرصاصة الأولى واختبأ وراء الجيش

ضعف القيادة والكفاءة القتالية وقلة المشاة أدت لتقدم «الدعم السريع»

اللواء متقاعد كمال إسماعيل (الشرق الأوسط)
اللواء متقاعد كمال إسماعيل (الشرق الأوسط)
TT

لواء متقاعد بالجيش السوداني: «طرف ثالث» أطلق الرصاصة الأولى واختبأ وراء الجيش

اللواء متقاعد كمال إسماعيل (الشرق الأوسط)
اللواء متقاعد كمال إسماعيل (الشرق الأوسط)

اتهم ضابط سابق برتبة لواء في الجيش السوداني «جهة ثالثة» بإطلاق الرصاصة الأولى في حرب 15 أبريل (نيسان) بين الجيش و«الدعم السريع» في السودان، وقال إن كل المعطيات المتاحة تؤكد أن ثمة جهة لها مصلحة أشعلت الحرب وورطت فيها الجيش، وقطع بأن استمرار القتال يهدد البلاد بحرب أهلية لا تبقي ولا تذر، وأن أفضل الخيارات المتاحة للسودانيين تتمثل في وقف الحرب عبر التفاوض، مبدياً دهشته لاتساع رقعة الحرب لصالح قوات «الدعم السريع»، مرجعاً خسائر الجيش لسوء القيادة والخطط، ولكونه فوجئ باندلاع القتال.

وأكد اللواء المتقاعد كمال إسماعيل، في مقابلة مع «الشرق الأوسط» أجريت معه بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وجود «جهة معينة» خلف اندلاع القتال، هي جماعة «الإخوان المسلمين»، لأنها الوحيدة التي لديها مصلحة في الحرب، وقال إن «كل المعلومات تؤكد أنها أطلقت رصاصة الحرب الأولى، ثم اختبأت خلف الجيش تحت ذريعة دعمه، وهي التي ترفض الآن وقف الحرب والتفاوض».

وكان اللواء إسماعيل، إلى جانب ترؤسه التحالف الوطني السوداني، وعضويته في قيادة «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم) الحالية، قد خدم في الجيش السوداني قبل إحالته للتقاعد في تسعينات القرن الماضي، مع مئات الضباط، تحت ذريعة «الصالح العام»، بعد استيلاء الإسلاميين بقيادة عمر البشير على السلطة في السودان. وشارك اللواء إسماعيل في العمليات الحربية التي قادتها المعارضة السودانية المسلحة ضد نظام «الإخوان» في السودان، تحت قيادة الجيش السوداني الشرعية، ثم تحت اسم «التحالف الوطني السوداني»، وألقي القبض عليه وحكم بالإعدام، قبل أن يخفف الحكم للسجن 4 سنوات. وبعد الثورة وسقوط نظام الإخوان، تمت إعادة الاعتبار له وترقيته لرتبة لواء، وكان ضمن فريق الوساطة بين الجيش والدعم السريع قبل انطلاق الحرب في أبريل الماضي.

الجيش لم يبدأ الحرب

قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان توعد بمواصلة القتال (أ.ف.ب)

ونفى إسماعيل في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إطلاق قيادة الجيش الرصاصة الأولى التي أشعلت الحرب في 15 أبريل الماضي مع قوات «الدعم السريع» بقوله: «ثمة جهة تحرك الجيش وتحرك قيادته، وهي التي أشعلت نيران الحرب، وهي جهة معروفة وكل الشعب يعرفها، هي (الحركة الإسلامية) وهو الاسم السوداني لتنظيم (الإخوان المسلمين)، لأنها نشرت بيانات تحريضية ونظمت حملات تعبئة لدفع الطرفين للدخول في الحرب، وكانت تريد الانتقام من الثورة والثوار، والعودة إلى السلطة التي فقدتها بإرادة الشعب عبر فوهة البندقية».

رؤية الترابي في الجيش

وأرجع اللواء إسماعيل الأوضاع التعبوية والمادية للجيش السوداني لحظة بداية الحرب، التي أدت إلى تراجعه اللافت أمام قوات «الدعم السريع»، إلى تصفية الجيش التي بدأت منذ 1990 استناداً إلى رؤية زعيم الإسلاميين حسن الترابي للجيش، بقوله: «وقف الترابي في جزيرة توتي، وأعلن أنهم ليسوا مع الجيش المرتزق، بل مع الجيش الجهادي، وهي اللحظة التي بدأ بها تكسير عظم الجيش السوداني».

حسن الترابي (أ.ف.ب)

وأضاف: «في اليوم التالي لتصريحات الترابي تلك، أحالوا أكثر من 500 من خيرة ضباط الجيش إلى التقاعد، وشرعوا في تكوين قوات موازية له، مثل (قوات الدفاع الشعبي) و(كتائب الظل) وغيرهما من ميليشياتهم». وتابع: «فعلوا ذلك لأنهم كانوا لا يثقون في الجيش ولا يعدونه جيشهم، لذلك عملوا على تفتيته وإضعافه بصورة غريبة».

مضطرون للتعامل مع «الدعم السريع»

وأوضح إسماعيل أن الكفاءة القتالية للجيش تراجعت بعد ذلك كثيراً، لأنه فقد كثيراً من إمكاناته، ولم يعد يخضع لتدريب جيد، أو يحظى بتجنيد جنود جدد، وظهر هذا بشكل واضح منذ اللحظات الأولى لدخوله في الحرب مع «الدعم السريع». وقال: «الجيش أنشأ (الدعم السريع) وقام بتدريبه وتأهيله، ثم ألحق به 300 ضابط، ما جعل منه قوة ضاربة في الواقع نحن مضطرون للتعامل معها».

وقال إن الدولة بعد إنشاء «الدعم السريع»، صارت توجه اهتمامها للتدريب والتجنيد لصالح «الدعم السريع»، ولم تدرب الجيش على حرب المدن. ووصف الحرب الجارية في البلاد بأنها «غير مقبولة، لأنها تحدث في المدن، وتجعل المواطنين دروعاً بشرية، والجيش غير مدرب عليها». واستطرد قائلاً: «حرب المدن تحتاج لإعداد ومعلومات ومشاة، والجيش لديه نقص وضعف واضح في المشاة، بينما (الدعم السريع) في الأصل مكون من المشاة».

قوات «الدعم السريع» في الخرطوم (أرشيفية - رويترز)

ورأى الضابط السابق أن «تفوق الجيش انحصر في الأسلحة المساعدة؛ وهي الطيران والمدفعية والمدرعات، وهي لا تستطيع حسم معركة من دون مشاة. ولذلك يرى الناس مشاة (الدعم السريع) على الأرض، بينما الجيش يحلق في السماء». وتابع: «في بعض الحروب تستطيع القوات المساندة حسم المعارك، لكن القدرات الفنية للجيش السوداني ليست بالتطور الذي يمكّن الأسلحة المساندة من حسم المعارك، أو حتى في الحد الأدنى شل حركة المشاة». وأضاف: «كما ترون، الطيران يضرب المصانع والبيوت لأنه يفتقد القوات الأرضية التي تمكنه من القيام بواجبه على الوجه الأكمل».

«عناصر خارجة» فرضت الحرب

وكان الجيش السوداني قد أعلن أنه يستطيع حسم المعركة ضد «الدعم السريع» خلال ساعات، ثم زادها لتصبح أسابيع، ثم أشهر، وها هي تدخل شهرها العاشر ورقعتها تتسع، وسيطرة «الدعم السريع» تزداد، وهو الأمر الذي أرجعه اللواء إسماعيل إلى «سوء تقدير الموقف» الذي استندت إليه قيادة الجيش في وضع خطتها، بقوله: «إذا بني تقدير الموقف على معلومات خاطئة، تنتج عن ذلك خطة خاطئة، والقائد الفذ هو من يحدد زمان ومكان معركته، ولا أظن هذا حدث». وأضاف: «أعتقد أن الجيش لم يختَر الزمان ولا المكان، بل هناك عناصر خارجة هي التي اختارت وفرضت عليه الحرب اللعينة».

أعمدة الدخان فوق مناطق جنوب الخرطوم بسبب المعارك في 7 يونيو 2023 (أ.ف.ب)

وقال الضابط السابق موجهاً حديثه لمن أطلق عليهم «إخوتنا في القوات المسلحة»، إن «هذه حرب ليس فيها منتصر، وإن طرفيها مهزومان مهما كانت نتائج الميدان، والمهزوم الأكبر فيها شعب السودان. فهو يعاني قسوة الحرب، لذلك نحن نعمل على إيقافها لإيقاف معاناته».

مأزق ليبيا في السودان

وفيما يتعلق بإعلان «الدعم السريع» رغبته في وقف الحرب، وتمسك الجيش باستمرارها، قال اللواء إسماعيل: «إذا رفض أحد الأطراف وقف الحرب، فستستمر لعشرات السنين، لأنها للأسف مدعومة من جهات أخرى، وهناك استقطاب حاد من كلا الطرفين، وستكون المحصلة حرباً أهلية كارثية، قد تدخل البلاد في مأزق شبيه بمأزق ليبيا، بوجود أكثر من حكومة».

وأكد إسماعيل أن «الحل الوحيد يتمثل في نداء وطني من أجل التفاوض، وبغيره ستستمر الحرب عشرات السنين، وستدمر ما تبقى من البنى التحتية، وصوت العقل يقول يجب أن تقف اليوم قبل الغد». وتأكيداً لوجهة نظره بأن «الجيش لم يبدأ الحرب»، قال اللواء متقاعد إن «إلقاء القبض على كبار قادة الجيش في ساعات الحرب الأولى، بمن فيهم المفتش العام، يعني أن وحداته وقياداته لم تكن تعلم بأن هناك حرباً على وشك الحدوث». وتابع: «الجيوش عندما تكون لديها عمليات أو طوارئ، ترسل إشارة إلى كل وحداتها وقياداتها، فما بالك بأن المفتش العام، وهو عضو في هيئة القيادة، لا يعلم بأن هناك حرباً؟».

غياب التخطيط وراء خسائر الجيش

وأرجع إسماعيل العدد الكبير من القتلى من كبار ضباط الجيش، بمن فيهم رتب فريق ولواء، إلى عدم وجود خطط، وإلى سوء التدريب، وعدم إيصال المعلومات. وقال: «في اليوم الأول للحرب قتل ضباط كبار في القيادة العامة، لعدم وجود خطة هجومية أو دفاعية. صحيح أنه كانت هناك توقعات باندلاع حرب، لكن الاستعداد لم يكن كاملاً، وهذا واضح لنا كعسكريين». وتابع: «سمعنا في الميديا أن هناك جندياً قتل قائد لواء، وعن اختراقات داخل القوات المسلحة، وعن أشخاص ينقلون المعلومات لـ(الدعم السريع). نحن كضباط قدامى في غاية الأسف أن تصل الأوضاع في القوات المسلحة إلى هذا الدرك». واستطرد: «هذا ما يدفعنا لدعوة إخوتنا لمراجعة موقفهم، وأن يقبلوا التفاوض، لنبني جيشاً مهنياً واحداً، لأن الشعب السوداني لن يحتمل مجدداً تعدد الجيش، بعد أن ذاق مرارته».

نازحون على ظهر شاحنة على طول الطريق من الخرطوم إلى ود مدني في يونيو الماضي (أ.ف.ب)

وقال اللواء إسماعيل إن الخسائر التي تعرض لها الجيش خلال الأشهر التسعة الماضية أثرت عليه تعبوياً ومادياً وبشرياً، وتابع: «حدثت خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات، وهي ممتلكات الشعب التي دمرت في حرب بينية بين طرفين سودانيين، وهناك خسائر كبيرة في المقاتلين. ومع أنه لم تنشر أعداد للخسائر البشرية، لكني أتوقع أنها كبيرة جداً».

انسحاب الجيش مثير للحيرة

وأبدى الضابط السابق حيرته لانسحاب الجيش من عدد من الفرق والقيادات العسكرية لصالح «الدعم السريع»، بقوله: «نحن محتارون تماماً في تفسير هذه الانسحابات التي لا يوجد لها مبرر. فأنت تعلم أنها حرب داخل المدن، ولا يوجد مبرر لتقول إنك انسحبت لتقليل الخسائر وسط المدنيين». وتابع: «لو كنت تخشى على المدنيين، فإنه من المفروض أن توقف الحرب في يومها الأول». وتساءل: «واجب الجيش حماية المواطنين، فكيف ينسحب ويتخلى عن واجبه في حمايتهم؟ أنا محتار في الحقيقة، ولا أرى أي مبرر لتلك الانسحابات».

الاشتباكات في ولاية الجزيرة أجبرت آلاف السودانيين على الفرار من ود مدني (أ.ف.ب)

وقطع اللواء إسماعيل باستحالة حسم أي من الطرفين الحرب لصالحه، بقوله: «إذا انتصرت اليوم، فالطرف الآخر قد ينتصر غداً، فهذا الطرف يستنفر المواطنين ويوزع لهم السلاح، والآخر يجند مواطنين أيضاً». وحذر إسماعيل من نشر السلاح بين المواطنين بقوله: «سيسبب توزيع السلاح ضرراً كبيراً لمستقبل البلاد. فحين يكون السلاح بيد المواطنين فسيتقاتلون حتى قيام الساعة، ومن الواجب منعه». وأضاف: «لو اضطررنا لهذه المرحلة، فمن الأفضل لنا أن نذهب إلى السلام، حتى لو بتقديم التنازلات. فالتجنيد والتجييش خطوة قاسية ومردودها صعب جداً، وهي خطأ كبير جداً».

الشعب سئم الحرب

وأوضح اللواء إسماعيل أن الشعب سئم الحرب ويريد إيقافها بأي ثمن، وقال: «عقب توقيع إعلان أديس أبابا مع (الدعم السريع)، اتصل بي الكثيرون، وقالوا: بكينا حين سمعنا الحديث عن وقف الحرب». وأضاف: «أي قرار غير وقف الحرب هو تدمير، وآثاره المستقبلية سيئة جداً، وحتماً سيؤدي التجييش إلى حرب أهلية تتسع دائرتها. فهناك القبائل والعنصرية، وهناك استشراء لخطاب الكراهية. نحن شعب متنوع، ويجب أن نعترف بتنوعنا، ونعالج إشكالاتنا المجتمعية والسياسية والعسكرية، وهذا لن يأتي إلا بالجلوس للتفاوض لحل هذه المشكلات كسودانيين».


مقالات ذات صلة

وزير الخارجية السوداني لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل لـ«منبر جدة»

خاص وزير الخارجية السعودي في جدة إلى جانب ممثلين عن طرفي النزاع السوداني خلال توقيع اتفاق وقف النار في مايو 2023 (رويترز)

وزير الخارجية السوداني لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل لـ«منبر جدة»

قال وزير الخارجية السوداني، علي يوسف أحمد، إن حكومته أكدت لنائب وزير الخارجية السعودي، وليد الخريجي، تمسكها بمفاوضات «منبر جدة» لحل الأزمة السودانية.

وجدان طلحة (بورتسودان) محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا البرهان لدى استقباله نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي السبت (مجلس السيادة السوداني/إكس)

الخريجي يؤكد للبرهان: السعودية حريصة على استقرار السودان

تشهد مدينة بورتسودان حراكاً دبلوماسياً مطرداً لإنهاء الاقتتال بوصل المبعوث الأممي، رمطان لعمامرة، ومباحثات خاطفة أجراها نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا من داخل أحد الصفوف بمدرسة «الوحدة» في بورتسودان (أ.ف.ب)

الحرب تحرم آلاف الطلاب السودانيين من امتحانات «الثانوية»

أعلنت الحكومة السودانية في بورتسودان عن عزمها عقد امتحانات الشهادة الثانوية، السبت المقبل، في مناطق سيطرة الجيش وفي مصر، لأول مرة منذ اندلاع الحرب.

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا لقاء حاكم اقليم دارفور و نائب وزير الخارجية الروسي في موسكو (فيسبوك)

مناوي: أجندتنا المحافظة على السودان وليس الانتصار في الحرب

قال حاكم إقليم دارفور ورئيس حركة «جيش تحرير السودان»، مني أركو مناوي، إن أجندة الحركة «تتمثل في كيفية المحافظة على السودان، وليس الانتصار في الحرب».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا «مجموعة أ 3 بلس» تُعبر عن «صدمتها» من الانتهاكات ضد نساء السودان

«مجموعة أ 3 بلس» تُعبر عن «صدمتها» من الانتهاكات ضد نساء السودان

استنكرت الجزائر باسم «مجموعة أ 3 بلس» بمجلس الأمن الدولي، التقارير الحديثة عن عمليات القتل الجماعي والاختطاف والاغتصاب في السودان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

مدينة ليبية تنتفض ضد «المرتزقة»... وحكومة الدبيبة

الدبيبة في افتتاح أعمال المؤتمر الأول لقادة الاستخبارات العسكرية لدول جوار ليبيا (حكومة الوحدة)
الدبيبة في افتتاح أعمال المؤتمر الأول لقادة الاستخبارات العسكرية لدول جوار ليبيا (حكومة الوحدة)
TT

مدينة ليبية تنتفض ضد «المرتزقة»... وحكومة الدبيبة

الدبيبة في افتتاح أعمال المؤتمر الأول لقادة الاستخبارات العسكرية لدول جوار ليبيا (حكومة الوحدة)
الدبيبة في افتتاح أعمال المؤتمر الأول لقادة الاستخبارات العسكرية لدول جوار ليبيا (حكومة الوحدة)

عمّت حالة من التوتر بني وليد (شمال غربي ليبيا) إثر منع الأجهزة الأمنية فعالية سياسية تدعو لطرد «المرتزقة» والقوات والقواعد الأجنبية من البلاد، وأعقب ذلك القبض على قيادات قبائلية ونشطاء، ما أدى إلى تسخين الأجواء بالمدينة التي أمضت ليلتها في حالة انتفاضة.

وكان مقرراً أن تستضيف بني وليد، التي لا تزال تدين بالولاء لنظام الرئيس الراحل معمر القذافي، المشاركين في حراك «لا للتدخل الأجنبي» مساء السبت، قبل أن تدهم قوات الأمن الاجتماع المخصص لذلك، وتقتاد بعض قياداته إلى مقار أمنية، ما تسبب في تصعيد حالة الغضب.

ومع الساعات الأولى من ليل السبت، احتشد مئات المتظاهرين، وخاصة أهالي قبيلة ورفلة، وبعضهم موالٍ أيضاً لسيف الإسلام نجل القذافي، أمام ديوان مديرية أمن بني وليد، في ما يشبه انتفاضة، منددين باعتقال بعض قيادات الحراك، ومرددين الهتاف الشهير: «الله ومعمر وليبيا وبس»، لكنهم أيضاً هتفوا ضد عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة.

ونجح المتظاهرون في الضغط على السلطات في بني وليد لاستعادة المحتجزين، لكنهم ظلوا يصعّدون هتافاتهم ضد الدبيبة وحكومته.

وعبّرت «المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان» بليبيا عن «قلقها البالغ» لعملية «الاحتجاز التعسفي لعدد من المواطنين المجتمعين في مدينة بني وليد، المطالبين بإخراج القوات والقواعد الأجنبية الموجودة على الأراضي الليبية»، مشيرة إلى أن مواطنين طاعنين في السنّ كانوا من بين المعتقلين.

وقالت المؤسسة، في بيان، الأحد، إن «أفراد الأمن التابعين للمديرية التابعة لوزارة الداخلية بحكومة (الوحدة) أطلقوا الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين من أمام مقر المديرية».

وأضرم غاضبون من شباب بني وليد النار في الكاوتشوك اعتراضاً على اعتقال 4 مشايخ من قبيلة ورفلة بالمدينة، كما أغلقوا بعض الطرقات، بعد مظاهرة حاشدة في ميدان الجزائر بالمدينة.

ودافعت مديرية أمن بني وليد عن نفسها، وقالت إنها تشدد على منتسبيها «الالتزام بتنفيذ التعليمات واللوائح التي تمنعهم من التدخل في أي عمل سياسي، وتلزمهم بحماية أي تعبير سلمي للمواطنين»، لكنها «لا تتحمل مسؤولية تأمين أنشطة اجتماعية أو سياسية لا تملك بخصوصها أي بيانات أو موافقات رسمية تسمح بها».

وأبدت مديرية الأمن تخوفها من «اختراق أي تجمع لسكان المدينة، عبر أي مشبوهين، لغرض توريط بني وليد في الفوضى خدمة لمصالح شخصية»، وانتهت إلى «التذكير بأن الثوابت الوطنية المرتبطة بوحدة ليبيا، وحماية سيادتها ومواطنيها، هي مسؤولية دائمة بالنسبة لها، وليست موضع تشكيك أو تخوين».

وتصعّد قبائل موالية لنظام القذافي منذ أشهر عدّة ضد وجود «المرتزقة» والقوات والقواعد الأجنبية في البلاد، مطالبة بإخراجهم، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية «في أسرع وقت».

وسبق للعميد العجمي العتيري، آمر كتيبة «أبو بكر الصديق»، التي اعتقلت سيف الإسلام القذافي، أن أعلن أن الاجتماع التحضيري للقبائل، الذي عملت عليه قبيلة المشاشية تحت عنوان «ملتقى لمّ الشمل»، اتفق على اختيار اللجنة التنسيقية للملتقى العام، مجدداً المطالبة بإخراج القواعد الأجنبية من ليبيا وطرد «المرتزقة».

ورأت «المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان» أن التظاهر السلمي بالعديد من المدن والمناطق الليبية يُعد «تعبيراً طبيعياً عن التذمّر والاستياء من الوجود الأجنبي للقوات والقواعد الأجنبية والمرتزقة في عموم ليبيا»، محملة وزير الداخلية بحكومة «الوحدة» ومدير أمن بني وليد «المسؤولية القانونية الكاملة حيال ما قام به أفراد الأمن بالمديرية من قمع للمواطنين المتظاهرين السلميين، واعتقال عدد منهم».

وتحذر المؤسسة من «استمرار محاولة المساس بحياة المتظاهرين وتعريضهم للترويع والإرهاب المسلح وحجز الحرية بالمخالفة للقانون»، وانتهت إلى أنه «في جميع الأحوال لا يجب استخدام الأسلحة النارية، بشكلٍ عشوائي، لتفريق المعتصمين السلميين».

وتستعين جبهتا شرق ليبيا وغربها بآلاف من عناصر «المرتزقة السوريين» المواليين لتركيا، وآخرين مدعومين من روسيا، وذلك منذ وقف الحرب على العاصمة طرابلس في يونيو (حزيران) 2020، إلى جانب 10 قواعد عسكرية أجنبية، بحسب «معهد الولايات المتحدة للسلام».

وسبق أن هتف مواطنون للقذافي، وذلك إثر خروج جمهور كرة القدم الليبية من «استاد طرابلس الدولي» بعد هزيمة المنتخب أمام نظيره البنيني في تصفيات التأهل لـ«أمم أفريقيا».