لماذا أثار تملك الأجانب للأراضي الصحراوية في مصر جدلاً؟

بعد موافقة البرلمان على تعديل قانون حكومي

جلسة سابقة لمجلس النواب المصري (أ.ف.ب)
جلسة سابقة لمجلس النواب المصري (أ.ف.ب)
TT

لماذا أثار تملك الأجانب للأراضي الصحراوية في مصر جدلاً؟

جلسة سابقة لمجلس النواب المصري (أ.ف.ب)
جلسة سابقة لمجلس النواب المصري (أ.ف.ب)

أثار التعديل التشريعي الذي أقره مجلس النواب المصري (البرلمان) على قانون حكومي «يمنح الأجانب حق تملك الأراضي الصحراوية»، جدلاً في بعض الأوساط السياسية المصرية، خشية من «تملك الأجانب قطع أراضٍ بمساحات كبيرة بربوع البلاد، خصوصاً في سيناء»، «ما يُعد تهديداً للأمن القومي المصري»، حسب بعض المراقبين.

وبموجب التعديلات التي أدخلت على قانون «الأراضي الصحراوية» الصادر عام 1981 بشأن الأراضي الصحراوية، واعتمدها مجلس النواب في الجلسة العامة، الأربعاء الماضي، فإن المستثمر الأجنبي أصبح من حقه «الحصول على الأراضي اللازمة لمزاولة نشاطه أو التوسع فيه وفقاً لأحكام قانون الاستثمار من دون التقيد بشرط ألا تقل ملكية المصريين عن 51 في المائة من رأس مال الشركة ومن اقتصار التملك على المصريين فقط».

وتعمل مصر على استهداف تنمية المناطق الصحراوية بشكل متزايد في السنوات الأخيرة من خلال التوسع في إنشاء المدن الجديدة، وزيادة الرقعة الزراعية مع «وجود أكثر من 80 في المائة أرض صحراوية في البلاد»، حسب الإحصائيات الرسمية.

وأكد رئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب المصري، النائب محمد عطية الفيومي، لـ«الشرق الأوسط» أن «التعديل التشريعي الجديد يضمن حماية الأمن القومي المصري جيداً، والتعديلات التي أدخلت على القانون لا تنطبق على تملك الأراضي في سيناء، باعتبار أن سيناء تخضع لقانون آخر (يضع ضوابط مختلفة للتملك ويحظر تملك الأجانب)».

ووفق القانون رقم 14 الصادر في عام 2012 بشأن «التنمية المتكاملة لشبه جزيرة سيناء» في مادته الثانية، فإنه يحظر «تملك الأراضي والعقارات المبنية بمناطق التنمية؛ إلا للأشخاص الطبيعيين من حاملي الجنسية المصرية وحدها من دون غيرها من أي جنسيات أخرى، ومن أبوين مصريين والأشخاص الاعتبارية المصرية (الشركات) المملوك رأس مالها بالكامل لمصريين». وحدد القانون «ضوابط أخرى تفصيلية ودقيقة بشأن تملك المصريين أراضي في سيناء».

وحسب الفيومي، فإن الحديث عن تعارض التعديل الجديد مع الأمن القومي المصري «خلط غير صحيح»، في ظل وجود «تناقض تشريعي» بين قانون «الاستثمار» وتعديلاته، وقانون «الأراضي الصحراوية»، الأمر الذي تطلب اعتماد التعديلات المقدمة من الحكومة المصرية لإنهاء التناقض وتسهيل جذب الاستثمارات الأجنبية.

وتتضمن المادة السادسة من قانون «الاستثمار» المعدل عام 2017 النص على أحقية المستثمر في «إنشاء وإقامة المشروع الاستثماري وتوسيعه، وتمويله من الخارج من دون قيود، وبالعملة الأجنبية، كما يكون من حقه تملكه وإدارته».

لكن عضو مجلس النواب المصري، النائب ضياء الدين داود، حذر من تداعيات إقرار القانون على المدى المتوسط والبعيد، خصوصاً مع «وجود ضغوط - لم يحددها - خلال العقود الماضية جرت ممارستها على الدولة المصرية من أجل السماح بتملك الأجانب للأراضي». وانتقد «تمرير تعديلات القانون، في وقت لا تزال فيه العديد من الأراضي الصناعية والمناطق الاستثمارية لم تنفد فيها قطع الأراضي المتاحة بالفعل».

وتحدث داود عن تمرير التعديلات «من دون وضع قيود كافية ترتبط بالحصص التي يُمكن أن يحصل عليها المستثمرون الأجانب أو الشركات في المناطق الصحراوية، الأمر الذي قد يُهدد في المستقبل بامتلاك مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والصناعية للأجانب».

لكن الفيومي أكد أن «الحصول على الأراضي للاستثمار يخضع لمراجعات ودراسات من الجهات المعنية قبل الموافقة على استصدار أي قرار بالتخصيص للمستثمرين».

بُعد آخر أشار إليه داود، بقوله لـ«الشرق الأوسط» إن المشكلة ليست في «سيناء فقط التي لا تختص بها التعديلات الأخيرة بالفعل»، لكن في جميع المدن المصرية بما فيها المدن الحدودية مثل أسوان ومرسى مطروح، وهي «لا تقل أهميتها عن سيناء»، بالتالي لا يُمكن التعامل مع الأمر بشكل «متهاون»، لافتاً إلى أن «معارضة بعض النواب للحكومة لمنع تمرير تعديلات القانون لم تكن من باب (المناكفة السياسية)». ودلل على ذلك بأن «المعارضة وافقت من قبل على قوانين تُشجع الاستثمار على غرار قانون (المنطقة الاقتصادية لقناة السويس)، وغيرها من التشريعات الجاذبة للاستثمار».

بعض العملات المصرية من فئات مختلفة أمام عملات دولية (أ.ف.ب)

وخلال جلسة مناقشة مجلس النواب المصري لتعديلات القانون قبل تمريره، أكد وزير شؤون المجالس النيابية في مصر، علاء الدين فؤاد، أن «التعديلات القانونية هدفها جذب الاستثمارات الأجنبية لتوفير العملة الصعبة»، مشيراً إلى «عدم وجود ما يمس الأمن القومي المصري».

وتستهدف مصر «تحقيق 12 مليار دولار استثمارات أجنبية في العام المالي الذي ينتهي 30 يونيو (حزيران) المقبل»، حسب تصريحات حكومية، في وقت يفترض أن تسدد فيه مصر نحو «42.3 مليار دولار خلال العام الحالي»، وفق بيانات البنك المركزي المصري، الشهر الماضي.

وهنا أكد أستاذ الاقتصاد السياسي في مصر، كريم العمدة، لـ«الشرق الأوسط»، أن «الحكومة المصرية تسعى لجذب مزيد من العملة الصعبة خلال الفترة الحالية، نظراً لعدم توفر الدولار» والدولار يساوي 30.8 جنيه مصري. لكنه أشار إلى أن العائد الاقتصادي من تعديل قانون بيع الأراضي الصحراوية «لا يمكن التنبؤ به في ظل عدم توافر معلومات كاملة عن المستثمرين الراغبين في شراء الأراضي والمساحات التي ستخصص لهم».

عودة إلى رئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب المصري، الذي أكد أن الحكومة والبرلمان يسعيان لـ«تسريع وتيرة استهداف 100 مليار دولار استثمارات أجنبية بحلول عام 2030، وهو ما يتطلب تقديم كافة الحوافز للمستثمرين»، في «ظل وجود منافسة شديدة في المنطقة على جذب الاستثمارات الأجنبية»، لافتاً إلى أن تعديل القانون «خطوة من ضمن خطوات متعددة يجري تنفيذها».

من جانبه، يشير العمدة إلى تحرك الحكومة المصرية بمسارين متوازيين، «الأول عبر تمرير تشريعات تستهدف خلق مصادر دائمة للعملة الصعبة على غرار تعديلات قانون (الأراضي الصحراوية)»، والثاني «مرتبط بالمبادرات المؤقتة التي تنفذها الحكومة على غرار مبادرة (استيراد سيارات المصريين بالخارج) مقابل ودائع دولارية تسترد بالجنيه المصري بعد 5 سنوات مع الحصول على إعفاء كامل من الجمارك والرسوم».


مقالات ذات صلة

«كأس العالم لكرة اليد»: مصر تهزم الأرجنتين وتهدي العرب الفوز الأول

رياضة عربية إحدى الهجمات للمنتخب المصري على مرمى الأرجنتين (رويترز)

«كأس العالم لكرة اليد»: مصر تهزم الأرجنتين وتهدي العرب الفوز الأول

حقق منتخب مصر فوزاً عريضاً على الأرجنتين، اليوم الأربعاء، ليمنح العرب أول انتصار في بطولة كأس العالم لكرة اليد «رجال» التي تقام في كرواتيا والدنمارك والنرويج.

«الشرق الأوسط» (زغرب)
شمال افريقيا رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان خلال استقبال بدر عبد العاطي (الخارجية المصرية)

مصر تجدد دعمها الكامل للسودان ومؤسساته الوطنية

تعد زيارة بدر عبد العاطي إلى بورتسودان، الثانية خلال شهرين، حيث كانت الأولى مطلع ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بهدف «تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين».

أحمد إمبابي (القاهرة ) وجدان طلحة (بورتسودان)
يوميات الشرق مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية (إدارة المهرجان)

مصر وتونس تستحوذان على جوائز «الأقصر السينمائي»

استحوذت مصر وتونس على جوائز الدورة الـ14 من مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، الذي اختتمت فعالياته، الثلاثاء، في محافظة الأقصر (جنوب مصر)

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
تحليل إخباري رد فعل امرأة وهي تتفقد الدمار الذي خلفته غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين وسط غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري هل تكون خطة «اليوم التالي» في غزة «نقطة خلاف» جديدة؟

وسط جهود مكثفة نحو تنفيذ هدنة جديدة في قطاع غزة، تزايد الحديث عن خطة «اليوم التالي» لانتهاء الحرب، كان أحدثها تصريحات أميركية شملت تفاصيل، بينها وجود أجنبي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق شكري سرحان في أحد مشاهد فيلم «ابن النيل» (أرشيفية)

كتاب مصري جديد يحتفي بشكري سرحان في مئوية ميلاده

في ظل الجدل الذي أثير أخيراً حول «موهبته» احتفى مهرجان الأقصر السينمائي في دورته الـ14 بذكرى مئوية ميلاد الفنان المصري الكبير شكري سرحان.

انتصار دردير (القاهرة )

المتحدث باسم «الصليب الأحمر»: ظروف إنسانية مأساوية بسبب الحرب في السودان

المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في السودان عدنان حزام (متداولة)
المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في السودان عدنان حزام (متداولة)
TT

المتحدث باسم «الصليب الأحمر»: ظروف إنسانية مأساوية بسبب الحرب في السودان

المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في السودان عدنان حزام (متداولة)
المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في السودان عدنان حزام (متداولة)

قال المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في السودان، عدنان حزام، إن «الحرب أفرزت واقعاً إنسانياً مريراً»، وإن حجم الاحتياجات كبير جداً، لكن المساعدات الإنسانية التي يتم تقديمها متواضعة بسبب تعقيدات الوصول إلى المناطق المتضررة من الحرب، وإدخال المساعدات وحركتها داخل البلاد».

وأضاف في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، أن الوضع الإنساني في السودان بات «مأساوياً»، إذ إن الملايين من السودانيين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة، مشيراً إلى أن «عشرات الآلاف قتلوا وأصيبوا جراء الحرب التي تسببت أيضاً في نزوح أكثر من 11 مليون داخل وخارج السودان، وتأثرت البنى التحتية بشكل كبير خصوصاً خدمات المياه والصحة والكهرباء».

وأوضح حزام «أن ما يقدم من مساعدات للاستجابة الإنسانية للواقع المأساوي في السودان يهدف إلى التخفيف من هذه المعاناة بقدر المستطاع».

وقال إن اللجنة الدولية «تركز هذا العام على الأنشطة والاحتياجات الأساسية المنقذة للحياة في مجالي الصحة والحماية، وتقديم الإغاثة والمساعدات الغذائية والمالية للمجتمعات الأكثر تضرراً والقريبة من مناطق الحرب، بالإضافة إلى عملها في ملفات لم شمل الأسر التي تفرقت بسبب القتال، والبحث عن المفقودين».

وأضاف أن اللجنة تعمل بالتنسيق مع «الهلال الأحمر السوداني» في معظم مناطق البلاد، وتتعاون أيضاً مع السلطات الصحية الرسمية. وأشار إلى أن ملف المساعدات الإنسانية في السودان «شائك، وحجم الاحتياجات كبير جداً، وهذا التحدي يواجه المنظمات الإنسانية، ونحاول من خلال العمل المشترك التخفيف من المعاناة، ولا نستطيع أن نقول إنهاءها، لأن الصراع أفرز واقعاً إنسانياً مريراً».

أجزاء كبيرة من جنوب السودان تعاني من الحرب والمجاعة (أرشيفية - رويترز)

وأشار إلى أن اللجنة الدولية تتواصل مع جميع الأطراف في السودان لتسهيل عملها في الوصول للمحتاجين إلى المساعدات الإنسانية. وقال: «نحاول تذكير أطراف الصراع بالوفاء بالتزاماتهم الأخلاقية والقانونية، وفقاً لقواعد القانون الدولي الإنساني التي تحرم استهداف المدنيين والأعيان المدنية، وتسهيل الخروج الآمن للمواطنين أثناء عمليات النزوح، وعدم استهداف المرافق الصحية والخدمية التي توقفت 80 في المائة منها عن العمل».

ورأى المتحدث باسم «الصليب الأحمر» أن «سوء الواقع الصحي والبيئي في السودان انعكس سلباً على المواطنين، ما صعب حصول الكثيرين منهم على الرعاية الصحية، وفي ظل تفشي بعض الأوبئة والأمراض الموسمية تتضاعف جهود المؤسسات الصحية التي لا تزال تعمل».

وقال: «نأمل في أن تتوقف الاعتداءات على المرافق الصحية والطواقم الصحية، وأن يكون هناك مزيد من الاحترام لقواعد القانون الدولي الإنساني».

دور الوسيط

وبشأن إجلاء المدنيين العالقين في مناطق الحرب، أفاد حزام، بأن «اللجنة الدولية للصليب الأحمر في حوار دائم مع طرفي القتال: الجيش السوداني و(قوات الدعم السريع) في ملف الحماية، وحضّهما على فتح ممرات آمنه في مناطق الصراع، وهذا التزام قانوني وأخلاقي يجب الوفاء به».

مخيم في مدينة القضارف بشرق السودان لنازحين فروا من ولاية الجزيرة وسط البلاد (أرشيفية - أ.ف.ب)

وقال إن اللجنة الدولية «لعبت في الفترة الماضية دورها بوصفها وسيطاً محايداً في إخلاء وتسهيل خروج المحتجزين من الطرفين، لكن هذا يتم بتنسيق وطلب مباشر منهما، مع ضرورة وجود ضمانات أمنية». وأضاف: «مَن أراد البقاء من المدنيين يحظون بالحماية لكونهم لا يشاركون في العمليات العدائية والقتالية».

وعبَّرَ عن أمله في «أن يعم الأمن والسلام في السودان، لأن ذلك سيخفف بشكل كبير من المعاناة الإنسانية»، وقال: «إن الشعب السوداني يستحق أن يعيش في أمان». وأكد أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر «محايدة وتعمل باستقلالية وفق مبدأ عدم التحيز، وتحاول من خلال عملها الوصول إلى مَن هم بحاجة إلى المساعدات الإنسانية».

نساء وأطفال في مخيم للنازحين أقيم في مدينة ود مدني بالسودان (أ.ف.ب)

وقال إن اللجنة «منفتحة على الاستماع لأي انتقادات والرد عليها، ونأمل إنصاف ما تقدمه المنظمات من عمل، لأن الأزمة الإنسانية في السودان لا تحتمل الكثير من الجدل، الذي يؤثر بشكل كبير على عمليات الاستجابة الإنسانية»، مشيراً إلى مقتل وإصابة عدد من الموظفين في الحرب الدائرة.

ووفقاً لأحدث تقارير وكالات الأمم المتحدة، فإن أكثر من 25.6 مليون شخص في السودان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، من بينهم 755 ألفاً في خطر المجاعة الحاد.