ميليشيا «فاغنر» تشعل التوتر بين الجزائر ومالي

سفير مالي لدى استدعائه من طرف وزير خارجية الجزائر (الخارجية الجزائرية)
سفير مالي لدى استدعائه من طرف وزير خارجية الجزائر (الخارجية الجزائرية)
TT

ميليشيا «فاغنر» تشعل التوتر بين الجزائر ومالي

سفير مالي لدى استدعائه من طرف وزير خارجية الجزائر (الخارجية الجزائرية)
سفير مالي لدى استدعائه من طرف وزير خارجية الجزائر (الخارجية الجزائرية)

سبقت الأزمة التي تمر بها العلاقات الجزائرية - المالية حالياً، تطورات مهمة في الميدان مهدت لها، أبرزها سيطرة الجيش المالي على عاصمة المعارضة المسلحة، وهي قريبة من الحدود الجزائرية، زيادة على معطى سياسي وأمني شهدته المنطقة، يتمثل في وجود ميليشيا «فاغنر»، التي تتلقى الدعم من روسيا، والتي باتت لاعباً جديداً في مسرح الأحداث، حيث بفضلها بسطت القوات المسلحة المالية نفوذها في أماكن بشمال البلاد، تعدُّها الجزائر جزءاً من أمنها القومي.

سفير الجزائر لدى استدعائه من طرف وزير خارجية مالي الأربعاء الماضي (الخارجية المالية)

والمعروف أن وزارة خارجية مالي استدعت الأربعاء الماضي سفير الجزائر، احتجاجاً على «أفعال غير ودّية» من جانب بلاده، و«تدخّلها في الشؤون الداخلية» لمالي. وتأخذ باماكو على الجزائر بشكل خاص عقدها اجتماعات مع المعارضة، واستقبالها الشيخ محمود ديكو، رجل الدين المعروف بتصريحاته النارية ضد السلطة العسكرية الحاكمة. وفي اليوم التالي، استدعت الخارجية الجزائرية سفير مالي، الذي «ذكرته بقوة بأن كل المساهمات التاريخية للجزائر في تعزيز السلم والأمن والاستقرار في جمهورية مالي كانت مبنية بصفة دائمة على مبادئ أساسية، لم تحد ولن تحيد عنها بلادنا».

ومن جهتها أعلنت باماكو أمس (الجمعة) أنها استدعت سفيرها لدى الجزائر «بغرض التشاور»، في خطوة دلت على توتر حاد في العلاقات الثنائية.

استقبال الرئيس الجزائري لوزير خارجية مالي في 16 يناير 2023 (الرئاسة الجزائرية)

ومنذ التوقيع عام 2015 بالجزائر على الاتفاق، الذي ينهي الصراع بين تنظيمات أزواد الطرقية المسلحة والحكومة بباماكو، استقبل الجزائريون عشرات المرات قادة هذه التنظيمات على أرضهم، في إطار مسعى حكومتهم تنفيذ بنود الوثيقة، وذلك من موقعها رئيسةً للوساطة الدولية لحل الصراع. لكن طوال السنوات الماضية، لم تبد الحكومة المالية أي انزعاج من الحركة النشطة لقادة المعارضة بين معاقلهم في مدن الشمال، والعاصمة الجزائرية. كما جرت أكثر من مرة اجتماعات بين وزراء الخارجية والداخلية والمسؤولين الأمنيين الماليين، ونظرائهم الجزائريين، في إطار التعاون ضد التهديدات التي تعرفها الحدود المشتركة (900 كلم)، وبخاصة نشاط الجماعات الإسلامية المسلحة، وتهريب السلاح وتجارة المخدرات، وشبكات الهجرة السرية.

الحاكم العسكري في مالي مستقبلاً وفداً دبلوماسياً وأمنياً جزائرياً في أبريل 2023 (الخارجية الجزائرية)

كما عُقدت لقاءات للتنسيق بين المسؤولين لتفعيل الاتفاق، خاصة فيما يتعلق بترتيبات تحمل طابع الاستعجال، منها استرجاع الجيش النظامي للمدن التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة، وفق أجندة زمنية متفق عليها، في مقابل فتح الباب لرموز الطوارق، وأعيانهم لأخذ مناصب في هيئات وأجهزة حكومية على سبيل تمثيل سكان منطقتهم في الدولة، كما يفسح لهم المجال لدخول البرلمان في انتخابات عامة. وتمت تفاهمات على اتباع هذه الإجراءات بسلاسة، تحت إشراف الوساطة الدولية التي تضم ممثلين عن دول الجوار، والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي الخمسة، إلى جانب المنظمات الدولية والإقليمية المعنية، خاصة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، ومنظمة التعاون الإسلامي. غير أن عدم وفاء طرفي الصراع بتعهداتهم حال دون إحراز تقدم يذكر بشأن الاتفاق، الذي بات هشاً مع مرور الوقت.

ووفق مصادر دبلوماسية جزائرية، تحدثت لـ«الشرق الأوسط» بخصوص الأزمة مع مالي، فإن باماكو «أظهرت في الأشهر الأخيرة عزماً على تجاوز اتفاق السلام والوسطاء، على أساس أنها قادرة على حسم الموقف في الشمال حيث المعارضة المسلحة». وأكدت المصادر ذاتها أن «تحالف الحكومة مع ميليشيا فاغنر جعلها تشعر بالاستقواء على خصومها، فزحفت على الشمال في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مستعينة بوسائل تكنولوجية وعتاد عسكري متطور، سمح لها بالتغلب بسرعة وسهولة على المسلحين في كيدال». ولفتت المصادر ذاتها إلى أن السلاح المتطور، «وفرته ميليشيا فاغنر للحكومة في حربها مع معارضيها الطوارق».

ومنذ الانقلابين العسكريين المتتاليين اللذين شهدهما مالي، في أغسطس (آب) 2020 ومايو (أيار) 2021، أطلق العقيد عاصيمي غويتا، الحاكم الجديد في البلاد، «مساراً انتقالياً»، بعد عزل الرئيس باه نداو. وكان من نتائج الوضع الجديد تعليق الاجتماعات، التي كانت جارية بين أطراف النزاع.

وأكثر ما كانت تخشاه الجزائر في الفترة الأخيرة هو عودة المواجهة المسلحة، وذلك بالنظر لتمسك كل طرف بموقفه، في ظل انعدام الثقة بين المعارضة والحكم الانتقالي. وهو ما حصل على الأرض، وكانت من نتائجه الأزمة الحالية بينها وبين باماكو.



كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
TT

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

يواجه الكاتب الجزائري - الفرنسي الشهير بوعلام صنصال، عقوبة سجن تتراوح بين 12 شهراً و5 سنوات، بسبب تصريحات مستفزة بالنسبة للسلطات، أطلقها في فرنسا، تخص الجزائر والمغرب و«بوليساريو»، والاحتلال الفرنسي لشمال أفريقيا خلال القرنين الـ19 والـ20.

وأكدت وكالة الأنباء الجزائرية، أمس، في مقال شديد اللهجة ضد صنصال وقطاع من الطيف الفرنسي متعاطف معه، أنه موقوف لدى مصالح الأمن، وذلك بعد أيام من اختفائه، حيث وصل من باريس في 16 من الشهر الجاري، وكان يفترض أن يتوجه من مطار العاصمة الجزائرية إلى بيته في بومرداس (540 كم شرقاً)، عندما تعرض للاعتقال.

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (متداولة)

وفيما لم تقدم الوكالة الرسمية أي تفاصيل عن مصير مؤلف رواية «قرية الألماني» الشهيرة (2008)، رجح محامون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، أن يتم عرضه على النيابة قبل نهاية الأسبوع الجاري (عمل القضاة يبدأ الأحد من كل أسبوع)، بناء على قرائن تضعه تحت طائلة قانون العقوبات.

وبحسب آراء متوافقة لمختصين في القانون، قد يتعرض صنصال (75 سنة) لتهم تشملها مادتان في قانون العقوبات: الأولى رقم «79» التي تقول إنه «يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات كل من ارتكب فعلاً من شأنه الإضرار بالمصلحة الوطنية، أو أمن الدولة، أو تهديد سيادتها». والمادة «87 مكرر»، التي تفيد بأنه «يعتبر عملاً إرهابياً أو تخريبياً كل فعل يستهدف أمن الدولة، والوحدة الوطنية والسلامة الترابية، واستقرار المؤسسات وسيرها العادي».

وإن كانت الوقائع التي يمكن أن تُبنى عليها هذه التهم غير معروفة لحد الساعة، فإن غالبية الصحافيين والمثقفين متأكدون أن تصريحات صنصال التي أطلقها في الإعلام الفرنسي، هي التي ستجره إلى المحاكم الجزائرية. ففي نظر بوعلام صنصال فقد «أحدث قادة فرنسا مشكلة عندما ألحقوا كل الجزء الشرقي من المغرب بالجزائر»، عند احتلالهم الجزائر عام 1830، مشيراً إلى أن محافظات وهران وتلمسان ومعسكر، في غرب الجزائر، «كانت تابعة للمغرب».

وذهب صنصال إلى أبعد من ذلك، عندما قال إن نظام الجزائر «نظام عسكري اخترع (بوليساريو) لضرب استقرار المغرب». كما قال إن فرنسا «لم تمارس استعماراً استيطانياً في المغرب؛ لأنه دولة كبيرة... سهل جداً استعمار أشياء صغيرة لا تاريخ لها»، ويقصد بذلك ضمناً الجزائر، وهو موقف من شأنه إثارة سخط كبير على المستويين الشعبي والرسمي.

الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود (أ.ب)

وهاجمت وكالة الأنباء الجزائرية بشدة الكاتب، فيما بدا أنه رد فعل أعلى سلطات البلاد من القضية؛ إذ شددت على أن اليمين الفرنسي المتطرف «يقدّس صنصال»، وأن اعتقاله «أيقظ محترفي الاحتجاج؛ إذ تحركت جميع الشخصيات المناهضة للجزائر، والتي تدعم بشكل غير مباشر الصهيونية في باريس، كجسد واحد»، وذكرت منهم رمز اليمين المتطرف مارين لوبان، وإيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» المعروف بمواقفه المعادية للمهاجرين الجزائريين في فرنسا، وجاك لانغ وزير الثقافة الاشتراكي سابقاً، وكزافييه دريانكور سفير فرنسا بالجزائر سابقاً الذي نشر كتاب «الجزائر اللغز» (2024)، والذي هاجم فيه السلطات الجزائرية. كما ذكرت الوكالة الكاتب الفرنسي - المغربي الطاهر بن جلون.

إيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» اليميني (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

كما تناول مقال الوكالة أيضاً الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود، المتابع قضائياً من طرف امرأة ذكرت أنه «سرق قصتها» في روايته «حور العين» التي نال بها قبل أيام جائزة «غونكور» الأدبية. وقالت الوكالة بشأن داود وصنصال: «لقد اختارت فرنسا في مجال النشر، بعناية، فرسانها الجزائريين في مجال السرقات الأدبية والانحرافات الفكرية».

يشار إلى أن الإعلام الفرنسي نقل عن الرئيس إيمانويل ماكرون «قلقه على مصير صنصال»، وأنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه. ورأى مراقبون في ذلك محاولة من باريس للضغط على الجزائر في سياق قطيعة تامة تمر بها العلاقات الثنائية، منذ أن سحبت الجزائر سفيرها من دولة الاستعمار السابق، في يوليو (تموز) الماضي، احتجاجاً على قرارها دعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء. كما طالبت دار النشر الفرنسية «غاليمار» بـ«الإفراج» عن الكاتب الفرنسي - الجزائري صنصال بعد «اعتقاله» على يد «أجهزة الأمن الجزائرية»، غداة إبداء الرئاسة الفرنسية قلقها إزاء «اختفائه». وكتبت دار النشر في بيان: «تُعرب دار غاليمار (...) عن قلقها العميق بعد اعتقال أجهزة الأمن الجزائرية الكاتب، وتدعو إلى الإفراج عنه فوراً».

الرئيس إيمانويل ماكرون أبدى «قلقه على مصير صنصال» وأكد أنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه (الرئاسة الجزائرية)

ويعاب على صنصال الذي كان مسؤولاً بوزارة الصناعة الجزائرية لمدة طويلة، «إدراج الجزائر شعباً وتاريخاً، في أعماله الأدبية، كمادة ضمن سردية ترضي فرنسا الاستعمارية». ومن هذه الأعمال «قرية الألماني» (2008) التي يربط فيها ثورة الجزائر بالنازية، و«قسم البرابرة» (1999) التي تستحضر الإرهاب والتوترات الاجتماعية في الجزائر. و«2084: نهاية العالم» (2015) التي تتناول تقاطع الأنظمة المستبدة مع الدين والسياسة.