قوى مدنية وسياسية تحذر من تشظي السودان وتدعو للتفاوض

الحرب مرشحة للاتساع إلى ولايات أخرى... وتوقعات باستحالة حسمها عسكرياً

تجدد الاشتباكات بين قوات «الدعم السريع» والجيش أجبرت آلاف السودانيين على الفرار من ود مدني (أ.ف.ب)
تجدد الاشتباكات بين قوات «الدعم السريع» والجيش أجبرت آلاف السودانيين على الفرار من ود مدني (أ.ف.ب)
TT

قوى مدنية وسياسية تحذر من تشظي السودان وتدعو للتفاوض

تجدد الاشتباكات بين قوات «الدعم السريع» والجيش أجبرت آلاف السودانيين على الفرار من ود مدني (أ.ف.ب)
تجدد الاشتباكات بين قوات «الدعم السريع» والجيش أجبرت آلاف السودانيين على الفرار من ود مدني (أ.ف.ب)

دخلت حرب السودان شهرها التاسع، من دون أن يكترث أي من طرفيها للخسائر البشرية والمادية الكبيرة الناتجة عنها، أو الانتهاكات الواسعة التي ارتكبها كل من الجيش وقوات «الدعم السريع»، وترقى لتوصيفها بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك اتهامات أخرى خطيرة لـ«الدعم السريع» تتعلق بالتطهير العرقي والإثني في دارفور. واتسعت دوائر القتال من الخرطوم ودارفور وغرب البلاد إلى ولاية الجزيرة وحاضرتها ود مدني، وتزداد المخاوف من اتساع دائرة القتال لتشمل ولايات أخرى في البلاد، خصوصاً ولايات سنار والنيل الأبيض والقضارف، وولايات شمال البلاد، التي تشهد حرباً نفسية شرسة تمهد لمعارك فيها.

رفض شعبي متعاظم للحرب

وبينما تتسع مناطق القتال بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، يتسع الرفض الشعبي لاستمرار الحرب، ووصل الجميع إلى قناعة بأن أياً من طرفي الحرب لن يحقق انتصاراً حاسماً، وأن أفضل الخيارات هو الدخول في تفاوض غير مشروط يوقف القتال. واستجابة لمطلب وقف الحرب، دعت «تنسيقية القوى الديموقراطية المدنية»، التي تشكلت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي كفاعل مدني، الطرفين، لوقف القتال، كما دعت إلى الضغط عليهما بآليات العمل المدني والفعل الشعبي الجماهيري السلمي، إلى جانب عملها لحشد الجهود الإقليمية والدولية لوقف الحرب، ولتجنيب البلاد التشظي والتقسيم.

نازحون لدى فرارهم من مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة لدى وصولهم إلى مدينة القضارف (أ.ف.ب)

وقال عضو المجلس المركزي لـ«تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير»، شهاب إبراهيم، لـ«الشرق الأوسط»، إن تمدد الحرب يعقد الوصول لأي صيغة تفاوضية، وإن الأولوية الآن هي لحماية المدنيين وممتلكاتهم من الانتهاكات، في ظل استمرار حرب ثبت أنها تخاض بأدنى سقوف أخلاقية، وبمخالفة للأعراف والقوانين الإنسانية. وأضاف إبراهيم أنه «يجب على الطرفين الإيفاء بالتزامهما في منبر جدة، والعودة للتفاوض لوقف الحرب التي قضت على كل مكتسبات الشعب السوداني». واستطرد قائلاً: «كل يوم يمر تضغط فيه ظروف النزوح على الناس، وتتأثر به معيشتهم، وتتوقف الخدمات المقدمة لهم». وتابع: «من المؤكد ألاّ حل آخر سوى إيقاف هذه الحرب، لأن أول المتضررين من الحرب هم من أشعلوها ومن يدعمون استمرارها».

وفي الشهر الماضي، فشلت الجولة الثانية من التفاوض بين الجيش وقوات «الدعم السريع» في منبر جدة، الذي ترعاه المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية، في دفع الطرفين لوقف القتال وتنفيذ ما تم التوافق عليه في مباحثات جدة الأولى في مايو (أيار) الماضي، بسبب تشدد ورهان الطرفين على الحل العسكري.

حرب بلا أفق المنتصر فيها خاسر

ومن أجل تحقيق نصر مستحيل، عمل الطرفان على استمالة قوى مجتمعية وأهلية لدعمهما سياسياً وعسكرياً. ففيما استنفر الجيش آلاف المدنيين للقتال إلى جانبه، فعلت ذلك أيضاً «الدعم السريع» التي توسعت في استنفار حاضنته الاجتماعية هو الآخر. إلى ذلك، سعى الطرفان للحصول على دعم دبلوماسي، كما سعيا للحصول على المزيد من السلاح، ووجهت اتهامات لأطراف دولية وإقليمية بدعم هذا الطرف أو ذاك ضد الآخر.

فارون من المعارك في ود مدني خارج مكتب الجوازات بمدينة القضارف في محاولة للسفر خارج البلاد (أ.ف.ب)

ويقول الخبير العسكري صلاح عبد الله لـ«الشرق الأوسط»، إن الحل يكمن في التفاوض، وإن تاريخ الحروب في العالم يؤكد أن الحروب تتوقف بالتفاوض. ويضيف: «المنتصر في الحرب مهزوم». بدوره، يقول الناطق باسم «حزب البعث العربي الاشتراكي» عادل خلف الله لـ«الشرق الأوسط»، إن الحرب تسببت في نزوح قسري للمواطنين، وأشاعت نهب الممتلكات الخاصة واحتلال المساكن، وتسببت بتدهور مريع في الأوضاع الاقتصادية، بما في ذلك خسارة العملة الوطنية نسبة 100 بالمائة من قيمتها. ويتابع: «تدهورت أيضاً الخدمات الأساسية، وارتفعت أسعار السلع والخدمات بصورة مبالغ فيها، كما فقد نحو 85 بالمائة من الموظفين وظائفهم».

ويوضح خلف الله أن الخسائر الكبيرة التي ترتبت على الحرب طوال الأشهر التسعة أكدت استحالة حسم الصراع عسكرياً، وهذا ما أشار إليه «منبر جدة2»، قاطعاً بأهمية تشكيل رأي وطني رافض للامتثال لأي نتائج سياسية واقتصادية قد يفرضها أي طرف في حال استطاع حسم القتال عسكرياً.


مقالات ذات صلة

«حميدتي» يُصدر أوامر مشدّدة لقواته بحماية السودانيين

شمال افريقيا الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) (رويترز)

«حميدتي» يُصدر أوامر مشدّدة لقواته بحماية السودانيين

أصدر قائد «قوات الدعم السريع» في السودان، محمد حمدان دقلو، الشهير بـ(حميدتي)، السبت، أوامر مشدّدة لقواته بحماية المدنيين، وإيصال المساعدات الإنسانية.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
العالم العربي صورة نشرها الموفد الأميركي على «فيسبوك» لجلسة من المفاوضات حول السودان في جنيف

«متحالفون» تدعو الأطراف السودانية لضمان مرور المساعدات

جدّدت مجموعة «متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح والسلام بالسودان» دعوتها الأطراف السودانية إلى ضمان المرور الآمن للمساعدات الإنسانية المنقذة لحياة ملايين المحتاجين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا صورة أرشيفية تُظهر دخاناً يتصاعد فوق الخرطوم مع اشتباك الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» (رويترز)

حرب السودان الكارثية... مشكلة كبرى أمام العالم الصامت

يلقى النزاع في السودان جزءاً ضئيلاً من الاهتمام الذي حظيت به الحرب في غزة وأوكرانيا، ومع ذلك فهو يهدد بأن يكون أكثر فتكاً من أي صراع آخر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو خلال مؤتمر صحافي في جنيف 12 أغسطس (إ.ب.أ)

المبعوث الأميركي يحذر من تمديد الحرب في السودان إقليمياً

حذر المبعوث الأميركي إلى السودان توم بيرييلو من احتمالات اتساع رقعة الحرب في السودان لتهدد دول الإقليم، وحمّل استمرار الحرب لـ«قوى سياسية سلبية» في السودان.

أحمد يونس (كمبالا)
أفريقيا وزير الصحة السوداني يبحث تنفيذ الاشتراطات الصحية لدخول مصر (الصحة السودانية)

تجاوب سوداني مع اشتراطات مصرية جديدة لدخول البلاد

أعلنت وزارة الصحة السودانية «ترتيبات الخدمات الخاصة بتوفير الاشتراطات الصحية لتصاريح السفر، من بينها توفير لقاحات شلل الأطفال لجميع الأعمار».

أحمد إمبابي (القاهرة )

مطالب أممية بمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان في ترهونة الليبية

عناصر من هيئة البحث عن المفقودين يتفقدون موقعاً لمقابر جماعية تم العثور عليها في ترهونة (الهيئة)
عناصر من هيئة البحث عن المفقودين يتفقدون موقعاً لمقابر جماعية تم العثور عليها في ترهونة (الهيئة)
TT

مطالب أممية بمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان في ترهونة الليبية

عناصر من هيئة البحث عن المفقودين يتفقدون موقعاً لمقابر جماعية تم العثور عليها في ترهونة (الهيئة)
عناصر من هيئة البحث عن المفقودين يتفقدون موقعاً لمقابر جماعية تم العثور عليها في ترهونة (الهيئة)

حذّر تقرير للأمم المتحدة من أن غياب المساءلة، والسنوات الطويلة من إفلات المتسببين في انتهاكات حقوق الإنسان، والتجاوزات المرتكبة في مدينة ترهونة الليبية بين عامي 2013 و2022 من العقاب، تهدد بالمزيد من حالة عدم الاستقرار والانقسام في البلاد.

واتهم التقرير، الذي وزعته بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، مساء الجمعة، فصيل الكانيات، وهو مجموعة مسلّحة نشأت في 2011، مارَس سيطرة وحشية على ترهونة، المدينة التي يقطنها 150.000 نسمة تقريباً وتقع على بعد 90 كيلومتراً جنوب شرقي طرابلس، مشيراً إلى أن إدماج الكانيات في حكومة الوفاق السابقة، ثم لاحقاً في الجيش الوطني، وشكّل حاجزاً كبيراً أعاق تحقيق المساءلة والعدالة. ونتيجة لذلك، تردّد بعض السكان في المشاركة في التحقيقات والإبلاغ عن الجرائم خوفاً من الانتقام.

ونقل التقرير عن ستيفاني خوري، القائمة بأعمال بعثة الأمم المتحدة، عدّها عدم معالجة الأسباب الجذرية الكامنة وراء النزاع ودوافعه لن يؤدّي سوى إلى تأجيج دوامات العنف والانتقام السامة بين المجتمعات.

اجتماع عميد بلدية ترهونة مع المسؤولة الأممية (بلدية ترهونة)

وأوصى التقرير بتنفيذ عملية شاملة للعدالة الانتقالية والمصالحة، مع اتخاذ تدابير مجدية لتقصّي الحقائق، وتقديم تعويضات فعالة إلى الضحايا، بما في ذلك المساعدة القانونية ودعم الصحة النفسية، وضمانات عدم التكرار، التي ينبغي وضعها بالتشاور مع المتضررين مباشرة. كما دعا لاتخاذ تدابير صارمة لتحقيق المساءلة، من خلال التحقيقات ومحاسبة الجناة المزعومين، بما يتماشى مع المعايير الدولية.

وكان عميد بلدية ترهونة، محمد الكشر، وعدد من أعضاء رابطة ضحايا ترهونة، قد زاروا مع المسؤولة الأممية جورجيت غانيون، عدداً من مواقع المقابر الجماعية والسجون في ترهونة، بمناسبة اليوم العالمي للإخفاء القسري، ومتابعة ملف ضحايا العنف والقتل والمقابر التي ارتكبت بحق أهالي ترهونة وبعض المدن المجاورة.

في سياق غير متصل، تحدثت وسائل إعلام محلية عن نجاة ليبيين بأعجوبة، بعد أن جرفت مياه الفيضانات سيارتهم في ترهونة، بينما تعرضت مدينة الكفرة لإطفاء تام بسبب فصل محطة كهربائية، للحفاظ على معدات الشبكة العامة بتأثير الرياح والأمطار.

حكومة الوحدة خلال اجتماع متابعة تقلبات الطقس (حكومة الوحدة)

وأعلن الهلال الأحمر، مساء الجمعة، في ترهونة فتح الطريق الرابط بين بني وليد وترهونة، عقب إغلاقه لعدة ساعات، بسبب تزايد ارتفاع منسوب المياه في الطريق، فيما أعلن جهاز الإسعاف والطوارئ في بني وليد، خروج السيل في وادي وشتاتة إلى الطريق، مع وجود ارتفاع في المياه في الوادي.

وكانت حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، قد طمأنت المواطنين بما وصفته بالجاهزية العالية للوزارات والأجهزة والمراكز في جميع مناطق ليبيا العالية لمواجهة أي ظروف جوية، أو تقلبات مناخية، وتوفير الإمكانيات اللازمة، مشيرة إلى أن اجتماعاً عُقد، مساء الجمعة بطرابلس، ضم كل الجهات المعنية، استهدف توحيد الجهود لضمان نجاح العمل وحماية المواطنين والممتلكات، في إطار تحديث الخطة الوطنية لمواجهة الطوارئ والكوارث الطبيعية.