بعد سيطرة «الدعم السريع» على ود مدني... مصير مجهول لمرضى سودانيين

مدنيون فارون من الصراع في السودان ينتظرون إجراءات تسجيل اللجوء (أ.ف.ب)
مدنيون فارون من الصراع في السودان ينتظرون إجراءات تسجيل اللجوء (أ.ف.ب)
TT

بعد سيطرة «الدعم السريع» على ود مدني... مصير مجهول لمرضى سودانيين

مدنيون فارون من الصراع في السودان ينتظرون إجراءات تسجيل اللجوء (أ.ف.ب)
مدنيون فارون من الصراع في السودان ينتظرون إجراءات تسجيل اللجوء (أ.ف.ب)

بعد شهر واحد من اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) الماضي، شعرت الطفلة مشتهى، (9 أعوام)، بآلام في صدرها، وجرى نقلها على الفور إلى المستشفى، حيث قرر الأطباء إجراء عملية لتوسيع شرايين القلب، بحسب وكالة «أنباء العالم العربي».

تقول سامية إبراهيم، والدة مشتهى، التي تقيم في مدينة أمدرمان، إن ابنتها مكثت في العناية المركزة بالمستشفى نحو أسبوعين قبل أن يتم نقلها إلى مدينة ود مدني وسط السودان؛ لإجراء العملية التي من المفترض أن تُجرى على وجه السرعة.

توجّهت سامية بصغيرتها مشتهى إلى مدينة ود مدني عن طريق شندي عطبرة شمالاً، ثم إلى هيا وكسلا في شرق البلاد، ومنها إلى ود مدني وسط البلاد، في رحلة استغرقت يومين؛ بسبب الاشتباكات في أحياء جنوب وشرق الخرطوم المتاخمة لمدينة ود مدني.

وأشارت سامية في حديث لوكالة «أنباء العالم العربي» إلى أنه تم إجراء العملية لابنتها مشتهى بنجاح وعادت إلى أمدرمان من الطريق ذاتها التي سلكتها ذهاباً، وقرر الأطباء إجراء مقابلة دورية كل 3 أشهر.

كان من المفترض أن تقابل مشتهى الطبيب ضمن مقابلاتها الدورية المقررة لها نهاية ديسمبر (كانون الأول) الحالي، لكن اشتباكات عنيفة دارت يوم الجمعة الماضي بين الجيش وقوات «الدعم السريع» في أحياء شرق مدينة ود مدني أدت إلى إخلاء مستشفى القلب في المدينة بعد مغادرة الكوادر الطبية.

وتقف سامية الآن حائرة تواجه مصير صغيرتها المجهول... وتتساءل: «لا أدري إلى أين أذهب، كانت ود مدني تشكّل الملاذ الآمن لابنتي رغم وعورة الطريق وبُعد المسافات».

وسيطرت عناصر «الدعم السريع»، يوم الثلاثاء، على مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة وسط السودان، وبقية مدن وقرى الولاية، بما في ذلك مقرات الجيش الذي انسحب من المدينة.

وتحد مدينة ود مدني من الشمال الخرطوم، والقضارف من الشرق، والنيل الأبيض من الغرب، وسنار جنوباً، وهي ثاني أكبر المدن بعد الخرطوم من حيث تعداد السكان والثقل التجاري والحركة الاقتصادية.

وتضم ود مدني أكبر المستشفيات في البلاد بعد الخرطوم، مثل مركز الأورام والقلب، واستراحة مرضى السرطان، التي كان قد تم نقلها أيضاً من الخرطوم في أعقاب اندلاع الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» في أبريل.

الأطباء يغادرون

ويقول الدكتور النمير جبريل، استشاري جراحة القلب ومدير مستشفى «الشعب» التعليمي بولاية الخرطوم، إن غاليبة الكوادر الطبية غادرت مستشفى القلب في مدينة ود مدني يوم الجمعة الماضي، بالتزامن مع اندلاع الاشتباكات بين الجيش وقوات «الدعم السريع» في أحياء منطقة أبو حراز شرق مدينة ود مدني.

وكان النمير قد انضم إلى طاقم مستشفى القلب في ود مدني عقب خروج مستشفى «الشعب» عن الخدمة بعد أيام من بدء الصراع بين الجيش و«الدعم السريع» في أبريل الماضي.

وأضاف، في حديثه لوكالة «أنباء العالم العربي»، أنه «بحلول فجر يوم السبت، لم يكن هناك أي طبيب داخل المستشفى».

وأشار إلى أن عدداً كبيراً من المرضى كانوا موجودين داخل المستشفى على الرغم من غياب الأطباء الذين غادروه؛ بسبب تمركز قوة من الجيش قرب المستشفى، ووضع قناصة أعلى البنايات، مضيفاً أن العاملين في المجال الطبي شعروا، مثل عموم سكان مدينة ود مدني، بالخوف وغادروا المستشفى والمنطقة قبل دخول قوات «الدعم السريع» إلى المدينة، وبالفعل أغلق المستشفى أبوابه.

وأوضح النمير أن قوات الجيش نجحت، يوم الاثنين الماضي، في صد هجوم لقوات «الدعم السريع»، حيث احتفل أهالي ود مدني مع عناصر الجيش أمام مقر الفرقة الأولى بتحرير المدينة، إلا أنه في ذلك الوقت «كان مركز القلب خالياً تماماً من الكوادر الطبية»، مشيراً إلى أن قوات «الدعم السريع» عادت وتوغلت داخل المدينة وسيطرت عليها بالكامل.

وذكر النمير أن القائمين على المركز اضطروا لنقل المرضى جميعاً إلى بقية المستشفيات والمراكز الصحية العمومية، مشيراً إلى أن هذه الحالات الخطرة تحتاج إلى كوادر طبية متخصصة في القلب وإلا فلن تسير أمورها بالصورة الجيدة، خصوصاً أن عدداً كبيراً من هذه الحالات تحتاج إلى عمليات قسطرة وغيرها من العمليات بصورة عاجلة.

ونوّه النمير إلى أن مدن مروي في الولاية الشمالية وشندي وعطبرة في ولاية نهر النيل شمال السودان تضم مراكز صغيرة يمكن أن تقدم خدمات لمرضى القلب، لكن قدرتها الاستيعابية أقل من القدرات التي كان يتمتع بها مركز القلب بمدينة ود مدني.

وقال: «لا توجد إحصاءات دقيقة لمرضى القلب في السودان، لكن العدد كبير. كنا نستقبل في مستشفى (الشعب) بالخرطوم أكثر من 1000 حالة في اليوم الواحد من مرضى القلب والصدر، وأعتقد بأن نحو 2 في المائة من السودانيين، البالغ عددهم نحو 40 مليون نسمة، مصابون بأمراض القلب والصدر».

وكانت نقابة أطباء السودان ذكرت، في بيان يوم الاثنين، أن النظام الصحي في البلاد «يترنح إن لم يكن سقط»، وأن ولاية الجزيرة كانت الملجأ لطالبي العلاج من كل أنحاء السودان وليس للنازحين فقط، مضيفة أن «الوضع الصحي الآن كارثي، وسيؤدي إلى وضع خطر يؤثر في المحيط الإقليمي والعالم أجمع».

وقال البيان: «اتساع رقعة الحرب، ووصولها إلى مدينة ود مدني، يضعاننا أمام واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في ظل هذه الحرب، فالمدينة التي أضحت ملاذاً آمناً لمرضى القلب والسرطان والكلى والحالات الطبية المستعصية تواجه الآن كارثة صحية وإنسانية».

وأوضح أن الموقف ازداد تعقيداً بإغلاق الصيدليات ونقل الأدوية التجارية خارج ود مدني.

وتؤوي ود مدني ملايين النازحين من الخرطوم، الفارين من جحيم الحرب ممن لجأوا إلى مراكز الإيواء في المدينة.


مقالات ذات صلة

«شرق السودان» على حافة الفوضى مع انتشار الحركات المسلحة

شمال افريقيا أعضاء جدد في القوات المسلحة السودانية يعرضون مهاراتهم خلال حفل تخرج في مدينة القضارف بشرق البلاد 5 نوفمبر (أ.ف.ب)

«شرق السودان» على حافة الفوضى مع انتشار الحركات المسلحة

طالبت حركة شبابية في شرق السودان بطرد الحركات المسلحة الحليفة للجيش من المنطقة، وتوعدت بإغلاق الإقليم الذي تتخذ الحكومة من عاصمته بورتسودان عاصمة مؤقتة لها.

أحمد يونس (كامبالا)
شمال افريقيا امرأة مريضة تستريح في حضن قريبتها في مستشفى الشهداء التعليمي في الخرطوم بالسودان في 9 نوفمبر 2024 (رويترز)

مقتل 14 في جنوب ولاية الجزيرة السودانية

اتهمت منظمة «مؤتمر الجزيرة» الحقوقية «قوات الدعم السريع» بالسودان، اليوم (الخميس)، بقتل 14 شخصاً وإصابة 30 آخرين بإحدى قرى جنوب ولاية الجزيرة.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا صورة جرى توزيعها في يناير 2024 لنساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)

شهادات «مروعة» لناجيات فررن من الحرب في السودان

نشرت «الأمم المتحدة»، الثلاثاء، سلسلة من شهادات «مروعة» لنساء وفتيات فررن من عمليات القتال بالسودان الذي يشهد حرباً منذ أكثر من عام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أفريقيا مواطنون يتجمعون للحصول على المياه بالعاصمة السودانية الخرطوم (أ.ب)

«الأمم المتحدة»: حلفاء الأطراف المتحاربة بالسودان يسهمون في «المجازر»

اتهمت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، روزماري ديكارلو، حلفاء القوى المتحاربة في السودان بـ«تمكين المجازر» بالبلاد.

«الشرق الأوسط» (نيويورك )
العالم العربي شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)

​تنسيق عربي - أميركي لحلحلة الأزمة السودانية

مصدر مصري مسؤول قال لـ«الشرق الأوسط» إن دول «السعودية ومصر والإمارات تعمل مع الولايات المتحدة ضمن آلية رباعية لتنسيق مساعٍ لحلحلة الأزمة السودانية»

أحمد إمبابي (القاهرة)

محادثات مصرية - إماراتية تتناول الأزمة السودانية والحرب في غزة ولبنان

وزير الخارجية والهجرة المصري خلال لقاء نظيره الإماراتي (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية والهجرة المصري خلال لقاء نظيره الإماراتي (الخارجية المصرية)
TT

محادثات مصرية - إماراتية تتناول الأزمة السودانية والحرب في غزة ولبنان

وزير الخارجية والهجرة المصري خلال لقاء نظيره الإماراتي (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية والهجرة المصري خلال لقاء نظيره الإماراتي (الخارجية المصرية)

تناولت محادثات مصرية - إماراتية علاقات التعاون، والأزمة السودانية، والحرب في غزة ولبنان، والتقى وزير الخارجية والهجرة المصري، الدكتور بدر عبد العاطي، نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، على هامش فعاليات «منتدى صير بني ياس» بالإمارات.

ووفق إفادة لوزارة الخارجية والهجرة المصرية، الجمعة، تناول اللقاء العلاقات المتنامية بين البلدين الشقيقين، والتطلع لمزيد من التقدم على صعيد تعزيز التعاون الاستثماري والتجاري بينهما.

كما تناول الوزيران آخر التطورات الخاصة بالأزمة في قطاع غزة، والتصعيد الجاري في الضفة الغربية وفي لبنان، وتطرق اللقاء كذلك إلى عدد من القضايا الإقليمية التي تهم البلدين في المنطقة العربية والقارة الأفريقية، بما فيها الأزمة السودانية، والقرن الأفريقي، والأوضاع في ليبيا.

وتحذر مصر بشكل متكرر من «استدراج المنطقة إلى (حرب إقليمية) تؤدى إلى تداعيات وخيمة على شعوب المنطقة»، وتكثّف القاهرة مشاوراتها بهدف احتواء التصعيد الراهن في المنطقة.

ودشّن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مطلع الشهر الماضي، مشروع «رأس الحكمة»، وأكد الرئيسان حينها «أهمية المشروع في تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين البلدين، كونه يُمثل نموذجاً للشراكة التنموية البناءة بين مصر والإمارات»، وفق إفادة رسمية لـ«الرئاسة المصرية».

الرئيسان عبد الفتاح السيسي ومحمد بن زايد خلال تدشين مشروع «رأس الحكمة» الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)

ورأس الحكمة، مدينة ساحلية تقع على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، على بُعد 350 كيلومتراً تقريباً شمال غربي القاهرة، وتبلغ مساحتها نحو 170 مليون متر مربع.

ووقّعت مصر اتفاقاً لتطوير وتنمية مدينة «رأس الحكمة» بشراكة إماراتية، في فبراير (شباط) الماضي، بـ«استثمارات قدرت بنحو 150 مليار دولار خلال مدة المشروع»، (الدولار الأميركي يساوي 49.36 جنيه في البنوك المصرية).

وفي لقاء آخر لعبد العاطي في الإمارات مع نظيره القبرصي، كونستانتينوس كومبوس، أشاد بالعلاقات المصرية - القبرصية المتميزة، والتعاون المشترك على مختلف المستويات، وكذا بالطابع الاستراتيجي للعلاقات الثنائية، والتطلع إلى تطويرها في شتى المجالات.

وأكد وزير الخارجية والهجرة المصري «حرص بلاده على عقد القمة العاشرة في إطار آلية التعاون الثلاثي بين مصر وقبرص واليونان التي تستضيفها مصر، وكذلك عقد الدورة الثانية من اللجنة الحكومية العليا برئاسة الرئيسين المصري والقبرصي».

ودشنت مصر وقبرص واليونان آلية للتعاون الثلاثي على مستوى القمة، وعُقد الاجتماع الأول لها في القاهرة نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، وتناوبت الدول الثلاث استضافة اجتماعاتها بشكل دوري سنوياً، وعقدت الجولة التاسعة منها في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 بالعاصمة اليونانية أثينا، فيما اجتمع وزراء خارجية الدول الثلاث في نيويورك سبتمبر (أيلول) 2023 على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

بدر عبد العاطي خلال محادثات مع نظيره القبرصي في الإمارات (الخارجية المصرية)

وأكد الوزير عبد العاطي، الجمعة، حرص مصر على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين البلدين من خلال تشكيل مجلس مشترك لرجال الأعمال، مشيراً إلى «أهمية تكثيف الفعاليات الاقتصادية المشتركة لتعزيز التعاون الاستثماري والتجاري، خصوصاً في مجالات الطاقة والزراعة والسياحة والنقل البحري والثروة السمكية»، ولفت إلى «الأهمية التي يوليها الجانب المصري لتطوير التعاون في مجال توظيف العمالة المصرية في قبرص».

وعززت آلية «التعاون الثلاثي» من تعاون القاهرة مع الجانب القبرصي واليوناني، حيث وقعت مصر في أغسطس (آب) 2020 اتفاقاً لترسيم الحدود البحرية مع اليونان، بينما يعود اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع قبرص إلى عام 2003، ودفعت شراكة الدول الثلاث إلى تدشين «منتدى غاز شرق المتوسط» عام 2019.