مصر تسعى للتوسط في هدنة «صعبة» بغزة

مع إصرار «حماس» وإسرائيل على مطالبهما

جانب من الدمار جراء الغارات الإسرئيلية على قطاع غزة (رويترز)
جانب من الدمار جراء الغارات الإسرئيلية على قطاع غزة (رويترز)
TT

مصر تسعى للتوسط في هدنة «صعبة» بغزة

جانب من الدمار جراء الغارات الإسرئيلية على قطاع غزة (رويترز)
جانب من الدمار جراء الغارات الإسرئيلية على قطاع غزة (رويترز)

قالت الولايات المتحدة إن مفاوضات «جادة للغاية» تجري حول هدنة جديدة في غزة وإطلاق سراح المزيد من الرهائن الإسرائيليين، لكن احتمالات التوصل إلى اتفاق لا تزال غير واضحة مع إصرار حركة «حماس» على عدم مناقشة أي أمر غير الإنهاء الكامل للهجوم الإسرائيلي في القطاع الفلسطيني.

وزار إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة مصر، أمس (الأربعاء)، للمرة الأولى منذ أكثر من شهر لإجراء محادثات مع المسؤولين المصريين الذين يسعون للتوسط في هدنة أخرى.

وقال مصدر مطلع على المفاوضات إن المبعوثين يركزون في مناقشاتهم على تحديد الرهائن الذين يمكن إطلاق سراحهم في حال إبرام هدنة جديدة، وكذلك المحتجزين الفلسطينيين الذين قد تفرج إسرائيل عنهم في المقابل.

وقالت حركة «الجهاد»، التي تحتجز رهائن في غزة إن زعيمها سيزور مصر في الأيام المقبلة أيضاً لبحث وضع حد للصراع.

وقال المتحدث بالبيت الأبيض جون كيربي للصحافيين على متن طائرة الرئاسة أمس إن «هذه مناقشات ومفاوضات جادة للغاية، ونأمل أن تؤدي إلى نتيجة ما».

لكن طاهر النونو المستشار الإعلامي لهنية قال لوكالة «رويترز» إن «حماس» ليست مستعدة لمناقشة إطلاق سراح المزيد من الرهائن الإسرائيليين حتى تنهي إسرائيل حملتها العسكرية في غزة، ويزيد حجم المساعدات الإنسانية للمدنيين.

وأضاف: «قضية الأسرى يمكن التفاوض حولها بعد هذين الأمرين. لا نستطيع الحديث عن مفاوضات في وقت تستمر فيه إسرائيل في عدوانها. مناقشة أي أطروحة تتعلق بالأسرى يجب أن تتم بعد وقف العدوان».

وتابع: «قدم وفد الحركة شرحاً مستفيضاً للأوضاع الميدانية والسياسية والحاجات المطلوبة لتحسين الظروف الإنسانية وزيادة المساعدات للشعب الفلسطيني وإيصال هذه المساعدات لمناطق القطاع في الشمال والجنوب كافة».

وترفض «حماس» أي وقف مؤقت آخر للحملة العسكرية الإسرائيلية وتقول إنها ستناقش فقط وقف إطلاق النار الدائم. وقال النونو: «تحدثنا مع الأشقاء في مصر بوضوح عن موقفنا تجاه هذا العدوان وضرورة وقفه كأولوية الآن».

وقال مصدر مطلع على المفاوضات، طلب عدم الكشف عن هويته، إن إسرائيل تصر على إطلاق سراح جميع النساء والرجال المسنين المتبقين من الرهائن. وربما تتضمن قائمة السجناء الفلسطينيين الذين ستفرج إسرائيل عنهم مدانين بجرائم خطيرة.

نمارس الضغوط

أطلقت إسرائيل حملتها المستمرة منذ أكثر من 10 أسابيع على قطاع غزة بهدف القضاء على «حماس» بعد أن هاجم مقاتلوها إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول). وأدى الهجوم إلى احتجاز نحو 240 رهينة ومقتل 1200 شخص، وفقاً لإسرائيل.

ومنذ ذلك الحين، تشن إسرائيل هجوماً برياً وجوياً واسع النطاق على القطاع الساحلي. وأكدت وزارة الصحة في غزة مقتل ما يقرب من 20 ألفاً مع احتمالات بوجود آلاف الجثث المدفونة تحت الأنقاض.

وتقول جماعات الإغاثة الدولية إن سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة على حافة كارثة نتيجة الدمار الشامل الذي دفع 90 في المائة منهم إلى ترك منازلهم، فيما يعاني كثيرون من سوء التغذية ونقص شديد في المياه النظيفة والرعاية الطبية.

وقال الرئيس الأميركي جو بايدن أمس إنه لا يتوقع التوصل إلى اتفاق ثانٍ لإطلاق سراح الرهائن بين إسرائيل و«حماس» قريباً، لكنه صرح للصحافيين قائلاً: «نمارس الضغوط».

وتعد زيارة هنية لمصر بمثابة تدخل شخصي نادر في الجهود الدبلوماسية، وهو أمر قام به في السابق فقط عندما بدا إحراز التقدم مرجحاً.

وكانت آخر زيارة له إلى مصر في أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) قبل الإعلان عن الهدنة الوحيدة في حرب غزة حتى الآن، واستمرت أسبوعاً وشهدت إطلاق «حماس» سراح نحو 110 رهائن.

ولم تعلق إسرائيل علناً على المحادثات في مصر. لكنها استبعدت وقفاً دائماً لإطلاق النار، وتقول إنها لن توافق إلا على هدنة إنسانية محدودة حتى هزيمة «حماس».

وكرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو موقفه بأن الحرب لن تنتهي إلا بالقضاء على «حماس» والإفراج عن جميع الرهائن وضمان ألا تشكل غزة أي تهديد آخر لإسرائيل.

وقال في بيان أمس: «من يظن أننا سنتوقف فهو منفصل عن الواقع... كل إرهابيي (حماس) من الأول إلى الأخير رجال أحياء محكوم عليهم بالموت».

فيما كثفت الولايات المتحدة، الحليف الأقرب لإسرائيل، دعواتها في الأسبوع الماضي لتقليص نطاق الحرب الشاملة إلى حملة مركزة ضد قادة «حماس» وإنهاء ما أسماه بايدن «القصف العشوائي»، الذي يتسبب في خسائر فادحة بين المدنيين.

وقال دبلوماسيون إن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من المقرر أن يصوت اليوم الخميس على مسعى لزيادة المساعدات لقطاع غزة بعد تأجيل بناء على طلب الولايات المتحدة.

وزادت المساعدات إلى غزة تدريجياً في الأيام القليلة الماضية بعد فتح معبر ثانٍ إلى القطاع. وقالت قبرص وإسرائيل أمس إنهما تبحثان فتح ممر بحري لتوصيل المزيد من المساعدات إلى القطاع، لكن لم يتم بعد التوصل إلى اتفاق نهائي.


مقالات ذات صلة

«كتائب القسام» تنشر فيديو لمحتجز إسرائيلي منذ أكثر من 420 يوماً

المشرق العربي صورة مأخوذة من مقطع فيديو نشره المكتب الإعلامي لحركة «حماس» يظهر أحد أعضاء «كتائب القسام» وهو يسلم رهينة مسنة إلى مسؤولين من اللجنة الدولية للصليب الأحمر في غزة (أ.ف.ب)

«كتائب القسام» تنشر فيديو لمحتجز إسرائيلي منذ أكثر من 420 يوماً

نشرت «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، السبت، فيديو يظهر المحتجز ماثان زانغاوكر، البالغ من العمر (25 عامًا).

شؤون إقليمية المحرر الفلسطيني زياد أبو حية الذي اتهمت حركة «فتح» حركة «حماس» بقتله (متداولة)

مقتل ناشط في «فتح» بغزة

اتهمت حركة «فتح» حركة «حماس» بقتل المحرر زياد أبو حية، الجمعة، ما أعاد إلى الأذهان بالنسبة لكثير من الغزيين، مشاهد متكررة من تبادل الاتهامات بين الحركتين.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية صور أسرى إسرائيليين لدى «حماس» مثبتة على جذوع أشجار على شاطئ في تل أبيب الجمعة (إ.ب.أ) play-circle 00:54

عودة زخم مفاوضات «هدنة غزة» وسط تفاؤل الأطراف المشاركة 

رأى رئيس الوزراء القطري أن الخلافات بين «حماس» وإسرائيل «ليست جوهرية».

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي شاحنة تحمل مساعدات في مخيم النصيرات بغزة (أ.ف.ب)

استئناف مفاوضات وقف النار في غزة «متوقع» الأسبوع المقبل

يتوقع أن تستضيف القاهرة الأسبوع المقبل جولة جديدة من المفاوضات سعيا للتوصل الى هدنة بين إسرائيل و«حماس» في قطاع غزة.

المشرق العربي رجل يجرّ أحد المصابين نتيجة قصف إسرائيلي استهدف مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

طبيب: إسرائيل اقتحمت مستشفى كمال عدوان وطردت عاملين ومرضى

قال مدير مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا شمال قطاع غزة إن قوات إسرائيلية اقتحمت المستشفى الليلة الماضية، وأمرت بإجلاء بعض العاملين والنازحين.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«سد النهضة»: مصر والسودان تجددان رفضهما المساس بحقوقهما المائية

وزير الري المصري خلال لقائه مع أمين عام المجلس الأعلى للبيئة بالسودان (الري المصرية)
وزير الري المصري خلال لقائه مع أمين عام المجلس الأعلى للبيئة بالسودان (الري المصرية)
TT

«سد النهضة»: مصر والسودان تجددان رفضهما المساس بحقوقهما المائية

وزير الري المصري خلال لقائه مع أمين عام المجلس الأعلى للبيئة بالسودان (الري المصرية)
وزير الري المصري خلال لقائه مع أمين عام المجلس الأعلى للبيئة بالسودان (الري المصرية)

جددت مصر والسودان رفضهما «أي مساس بحقوقهما المائية من نهر النيل»، وأكدا على «مخاطر إنشاء (سد النهضة) الإثيوبي، من دون أي تشاور مع دولتي المصب»، وأشارا إلى أن تحركات أديس أبابا لفرض سياسة الأمر الواقع «تمثل انتهاكاً لقواعد القانون الدولي».

ويتطابق الموقف المصري السوداني، بشأن قضية الأمن المائي، بعدّها «قضية وجودية للبلدين»، وشدد خبراء ودبلوماسيون سابقون على «أهمية الموقف الموحد لمصر والسودان تجاه السد الإثيوبي، في ضوء عدم اكتراث الحكومة الإثيوبية بمطالب ومخاوف دولتي المصب».

وتقيم إثيوبيا مشروع سد النهضة على رافد نهر النيل الرئيسي، منذ 2011، ويواجه مشروع السد باعتراضات من دولتي المصب مصر والسودان، للمطالبة باتفاق قانوني ينظم عمليات ملء وتشغيل السد، بما لا يضر بحصتيهما المائية، وخاضت الدول الثلاث جولات متعددة للتفاوض على مدى نحو 13 عاماً دون الوصول لاتفاق حول قواعد «تشغيل السد».

وناقش وزير الري المصري، هاني سويلم، مع الأمينة العامة للمجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية بالسودان، منى على، تأثيرات سد النهضة الإثيوبي على البلدين، وأكدا على «رفض أي عمل أو إجراء يمس حقوق مصر والسودان في مياه النيل، أو أي إجراءات توقع الضرر بمصالح البلدين المائية»، حسب إفادة لوزارة الري المصرية.

وزير الري المصري خلال لقائه أمين عام المجلس الأعلى للبيئة بالسودان (الري المصرية)

وانتقد سويلم التحركات الإثيوبية المنفردة والأحادية في قضية السد، وقال إن «الطرف الآخر (في إشارة لإثيوبيا)، يرغب فقط في تكريس الأمر الواقع، دون وجود إرادة سياسية للتوصل لحل»، وجدد التأكيد على «ضرورة التزام الدول المتشاطئة على الأنهار الدولية بقواعد القانون الدولي واجبة التطبيق»، وفق البيان.

وأعلن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، «اكتمال بناء ومل سد النهضة»، وقال في كلمة ألقاها أمام برلمان بلاده نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي «إن اكتمال بناء السد لن يسبب أي ضرر بدولتي المصب مصر والسودان»، بينما ترى القاهرة أن السد الإثيوبي «يمثل خطراً وجودياً عليها»، وقالت الخارجية المصرية، في خطاب قدمته لمجلس الأمن، خلال أغسطس (آب) الماضي، أن «السياسات الإثيوبية غير القانونية سيكون لها آثارها السلبية الخطيرة على دولتَي المَصبّ».

وشدد وزير الري المصري على أهمية «وجود تعاون مائي فعّال على أحواض الأنهار الدولية»، عادّاً ذلك «مسألة وجودية لا غنى عنها بالنسبة لبلاده»، ومشيراً إلى «مخاطر إنشاء سد النهضة، دون أي تشاور أو دراسات كافية تتعلق بالسلامة، أو بالتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على الدول المجاورة»، وأن ذلك «يمثل انتهاكاً للقانون الدولي».

فيما أشارت الأمينة العامة لمجلس البيئة السوداني إلى التأثيرات السلبية للسد الإثيوبي على بلادها، وطالبت بـ«ضرورة تكاتف الجهود لمواجهة المخاطر التي تسببها حالات الجفاف الاصطناعي، الذي يأتي نتيجة إقامة السدود الكبرى على الأنهار»، حسب الري المصرية.

وتطالب مصر والسودان، منذ إعلان إثيوبيا عن إنشاء السد في أبريل (نيسان) 2011، بدراسات للأثر البيئي، وفق خبير المياه الدولي، ضياء القوصي، مؤكداً أن «الجانب الإثيوبي لم يكترث للمطالب المصرية والسودانية»، ومشيراً إلى أن «مشروع السد يسبب أثاراً بيئية ضخمة، على إثيوبيا ودولتي المصب، وقد يؤدي إلى فيضانات أو تصحر في السودان».

وباعتقاد القوصي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، فإن «تنسيق آليات تشغيل السد الإثيوبي، بين الدول الثلاث، أمر حتمي وضروري؛ لتقليل أضراره على دولتي المصب»، وقال إن «السد مقام على نهر دولي، ووفقاً لقواعد القانون الدولي، يجب أن تؤخذ القرارات بالإجماع بين الدول المشاركة فيه».

وفي وقت سابق، أكد وزير الري المصري «تمسك بلاده بضرورة العمل وفق قاعدة (الإجماع)، في إدارة وحل الخلافات المائية مع دول حوض النيل»، وشدد في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي على «ضرورة إدارة الموارد المائية العابرة للحدود بشكل متكامل، وفق مبادئ القانون الدولي للمياه، وأن تكون آلية اتخاذ القرار بها بالإجماع لعدم إهدار حقوق أي دولة من دول الحوض».

وزير الري المصري خلال مشاركته في مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر بالرياض (الري المصرية)

ويرى الأمين العام المساعد الأسبق لمنظمة الوحدة الأفريقية، السفير أحمد حجاج، أن «تأكيد مصر والسودان على موقفهما الموحد تجاه مشروع السد الإثيوبي، تحرك مهم ومطلوب»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «تحذير القاهرة والخرطوم المستمر من مخاطر السد يعكس رفضهما أي مساس بحقوقهما المائية».

وناقش وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مع نظيره السوداني، علي يوسف الشريف، خلال زيارته للسودان الأسبوع الماضي، «ملف الأمن المائي، ومواقف البلدين المتطابقة بوصفهما دولتي مصب نهر النيل»، واتفقا على «استمرار التنسيق والتعاون الوثيق بشكل مشترك، لحفظ وصون الأمن المائي المصري السوداني».

وفي منظور حجاج، فإن «إطالة أمد قضية سد النهضة تستدعي التأكيد على موقف دولتي المصب، نظراً لتأثيرات السد على البلدين»، وقال إن «الجانب الإثيوبي لا يضع أي اعتبار للمعاهدات الدولية، ولا يعترف بحقوق مصر والسودان المائية»، إلى جانب «تجاهل التحذيرات المستمرة من الخبراء بسبب المخاطر البيئية والإنشائية للسد الإثيوبي».

وخلال مشاركته في إحدى جلسات مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر بالرياض، السبت، تحدث وزير الري المصري عن التحديات المائية التي تواجهها بلاده، وقال إن «مصر تصنف ضمن أكثر الدول جفافاً في العالم، مع معدلات أمطار من بين الأدنى عالمياً، مع اعتمادها بشكل شبه كامل على مياه نهر النيل»، مشيراً إلى أن ذلك «يدفع بلاده للتوسع في معالجة وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، وزيادة الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة».

وتنظر القاهرة لأمنها المائي، باعتباره «قضية وجودية»، إذ تعاني مصر عجزاً مائياً يبلغ 55 بالمائة، وتعتمد على مورد مائي واحد هو نهر النيل بنسبة 98 بالمائة، بواقع 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، وتقع حالياً تحت خط الفقر المائي العالمي، بواقع 500 متر مكعب للفرد سنوياً، حسب بيانات الري المصرية.