القضاء التونسي يدين إطاراً سابقاً في رئاسة الحكومة بـ«تهم فساد»

في ملف الأملاك المصادرة بعد ثورة 2011

الرئيس التونسي خلال لقائه وزيرة العدل (موقع رئاسة الجمهورية)
الرئيس التونسي خلال لقائه وزيرة العدل (موقع رئاسة الجمهورية)
TT

القضاء التونسي يدين إطاراً سابقاً في رئاسة الحكومة بـ«تهم فساد»

الرئيس التونسي خلال لقائه وزيرة العدل (موقع رئاسة الجمهورية)
الرئيس التونسي خلال لقائه وزيرة العدل (موقع رئاسة الجمهورية)

أصدر قاضي التحقيق الأول بالمحكمة الابتدائية بتونس العاصمة، فجر الثلاثاء، حكماً بالسجن في حقّ المدير العام السابق لمؤسسة «الكرامة القابضة» الحكومية، المكلفة بالتصرف في الأملاك المصادرة، وفي حق إطار متقاعد من رئاسة الحكومة، والإبقاء على عشرة مشتبه بهم آخرين بحال سراح مع حجر السفر عليهم، في انتظار مواصلة التحقيقات معهم، وذلك على ذمة القضية المتعلقة بشبهات فساد مالي وإداري في إدارة وتسيير ملف تلك الأملاك، التي تم التحفظ عليها بعد ثورة 2011.

وكانت النيابة العامة التونسية قد أذنت بالاحتفاظ بالمدير العام السابق لشركة الكرامة القابضة، وخبير محاسب، مع إحالة 10 آخرين مشتبه بهم بحالة تقديم على أنظارها في إطار الأبحاث المتعلقة بشبهات الفساد المالي والإداري في إدارة وتسيير ملف أملاك مصادرة، ومن بين المتهمين الذين شملتهم الأبحاث مدير عام سابق برئاسة الحكومة، وإطارات بوزارة المالية، وعدة أطر بشركات خاصة محل مصادرة.

وإثر الانتهاء من عدة أبحاث أمنية وقضائية، وجهت للمتهمين تهمة «الانخراط في تكوين عصابة؛ قصد الاعتداء على الأملاك والأشخاص»، و«استغلال موظف عمومي لصفته لاستخلاص فائدة لا وجه لها»، و«الإضرار بالإدارة»، علاوة على «استيلاء موظف عمومي على أموال عمومية كانت تحت تصرفه».

وكان الرئيس قيس سعيد قد قدم خلال لقاء جمعه في السابع من هذا الشهر مع ليلى جفال، وزيرة العدل التونسية، معطيات حول الامتيازات المالية التي تمتع بها مسؤولون داخل مؤسسة «الكرامة القابضة»، مؤكداً أن أحدهم كان يتمتع بخمس سيارات وظيفية، علاوة على مخصصات الوقود، مبرزاً أن أحد القضاة المتعاقدين، الذين تم انتدابهم في هذه المؤسسة، كان يتقاضى 462 ألف دينار تونسي سنوياً (نحو 154 ألف دولار).

واعتبر سعيد أن بعض اللوبيات، التي استولت على شركات مصادرة، «تنخر البلاد، لكنها لن تستطيع بعد اليوم العبث بمقدرات الشعب؛ لأن العمل مستمر من أجل تطهير البلاد من الفساد، الذي خربها في كل مكان تقريباً، والذي استشرى في تونس»، على حد تعبيره.

كما دعا قيس سعيد القضاء التونسي إلى «أن يقوم بدوره في تطهير البلاد من العابثين والمجرمين، ومن منظمات تتلقى تمويلات من الخارج باسم المجتمع المدني، وهي امتداد لأحزاب ومخابرات أجنبية»، حسب تعبيره.


مقالات ذات صلة

السعودية: «نزاهة» تشهر بمواطن استخرج تمويلاً «مليونياً» بطريقة غير نظامية

الخليج «نزاهة» أكدت مضيها في تطبيق النظام بحقّ المتجاوزين دون تهاون (الشرق الأوسط)

السعودية: «نزاهة» تشهر بمواطن استخرج تمويلاً «مليونياً» بطريقة غير نظامية

شهّرت هيئة الرقابة السعودية بمواطنين ومقيمين تورطوا بعدة قضايا جنائية باشرتها خلال الفترة الماضية، والعمل جارٍ لاستكمال الإجراءات النظامية بحقهم.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي جلسة مجلس الشعب السوري الأربعاء (سانا)

مجلس الشعب السوري يرفع الحصانة عن اثنين من نوابه

رفع الحصانة عن النائبين في مجلس الشعب السوري جاء بعد يوم من إسقاط عضوية النائب أنس محمد الخطيب بسبب حصوله على الجنسية الأردنية إلى جانب السورية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شمال افريقيا صورة عامة لندوة حزب «الإنصاف» عن الفساد (حزب الإنصاف)

الفساد يُهيمن على النقاش السياسي في موريتانيا

التزم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، بعد إعادة انتخابه يونيو الماضي، بأن تكون ولايته الرئاسية الثانية خاصة بالحرب على الفساد والمفسدين.

الشيخ محمد (نواكشوط)
الخليج مازن الكهموس يلقي كلمة السعودية في الاجتماع الوزاري لمكافحة الفساد بدول مجموعة العشرين (واس)

السعودية تدعو دول «العشرين» لدعم الجهود الأممية في قياس الفساد

دعت السعودية دول مجموعة العشرين لدعم جهود برنامج الأمم المتحدة في قياس الفساد عبر تبادل المعلومات وأفضل الممارسات، بما يسهم بتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

«الشرق الأوسط» (ناتال)
أميركا اللاتينية رئيس بيرو السابق أليخاندرو توليدو خلال جلسة محاكمته (رويترز)

السجن 20 عاماً لرئيس بيرو السابق توليدو بعد إدانته بتلقي رشى

أدين رئيس بيرو السابق أليخاندرو توليدو بتلقي رشى من شركة البناء البرازيلية العملاقة «أودبريخت»، وحكم عليه بالسجن 20 عاماً وستة أشهر.

«الشرق الأوسط» (ليما)

ليبيا: ضحايا «ضمور العضلات» يشكون التجاهل وبطء العلاج

احتجاج سابق لمرضي ضمور العضلات أمام مقر الحكومة بطرابلس (رابطة مرضى ضمور العضلات في ليبيا)
احتجاج سابق لمرضي ضمور العضلات أمام مقر الحكومة بطرابلس (رابطة مرضى ضمور العضلات في ليبيا)
TT

ليبيا: ضحايا «ضمور العضلات» يشكون التجاهل وبطء العلاج

احتجاج سابق لمرضي ضمور العضلات أمام مقر الحكومة بطرابلس (رابطة مرضى ضمور العضلات في ليبيا)
احتجاج سابق لمرضي ضمور العضلات أمام مقر الحكومة بطرابلس (رابطة مرضى ضمور العضلات في ليبيا)

قبل عقدين من الزمان، بدأت فصول معاناة المواطن الليبي محمد الشيخ؛ بسبب إصابته بمرض «ضمور العضلات»، و«عجز الأطباء» عن تشخيص مرض نادر أصاب عضلاته بالتكلس في سنة 2005، حسب قوله.

حالة الليبي محمد، الذي ينتمي إلى مدينة مصراتة (غرب)، والذي يطالب سلطات بلده بالاهتمام بعلاجه، نموذج مصغر لحالة 1600 مريض يشكون «ضعف الإمكانات الطبية، وبطء الإجراءات الحكومية» لحل أزمتهم التي تفاقمت بعد إسقاط النظام السابق في عام 2011.

ويُرجِع متابعون لهذا الملف ولهؤلاء المرضى، تأزم مشكلتهم إلى الانقسام السياسي، الذي أثر على سرعة استجابة الحكومة لعلاجهم في ليبيا أو خارجها على النحو الذي يطالبون به.

لقاء سابق بين وزير الصحة بحكومة الدبيبة رمضان أبو جناح وعدد من المرضى (رابطة مرضى ضمور العضلات في ليبيا)

وللعلم، فإن حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، أعلنت الأسبوع الماضي، إطلاق «برنامج وطني» يضمن علاج هذه الفئة، وشُكِّلت لجنة لهذا الأمر.

رحلة الألم

بدأت رحلة معاناة محمد (34 عاماً)، التي رواها لـ«الشرق الأوسط» مع التشخيص، والبحث عن علاج في دول الجوار، ليكتشف أن «إصابته مزمنة وتحتاج إلى رعاية صحية خاصة، لا توفرها المرافق الصحية في ليبيا»، ونتيجة لذلك استمرّت معاناته معها منذ 2011.

محمد الشيخ من بين 739 حالة إصابة وثَّقتها سجلات «رابطة مرضى ضمور العضلات في ليبيا» من إجمالي 1600 مريض، تقول وزارة الصحة بغرب ليبيا إنها تسلَّمت ملفاتهم من كل مناطق ليبيا في فبراير (شباط) 2024.

وسبق أن عبَّر وزير الصحة بحكومة الدبيبة، رمضان أبو جناح، عن أسفه لتأخر معالجة هؤلاء المرضى، بعد سلسلة مراسلات استعجالية من رئيس ديوان المحاسبة، خالد شكشك، إلى جهات حكومية، ووُجِّهت مجموعة من الانتقادات إلى حكومة «الوحدة» في سبتمبر (أيلول) الماضي، إثر وفاة 3 أطفال مصابين بهذا المرض في بنغازي (شرق) وسبها (جنوب)، والعاصمة طرابلس (غرب).

الليبي محمد الشيخ (رابطة مرضى ضمور العضلات في ليبيا)

ويرى مهتمون بهذا الملف أن قرار الدبيبة القاضي بإعداد «برنامج وطني» لمرضى ضمور العضلات، وتشكيل لجنة بهذا الشأن، يمثلان مجرد جانب من الحلول الطبية والاجتماعية والنفسية لهذه المأساة، وهو ما تمناه محمد أبو غميقة، رئيس «رابطة مرضى ضمور العضلات في ليبيا».

لكن على نطاق أوسع، لا ترى الرابطة حلاً جذرياً لهذه الأزمة الصحية سوى «إنشاء مستشفى متخصص، ووحدات رعاية بالمستشفيات الكبرى في البلاد»، وفق أبو غميقة لـ«الشرق الأوسط».

وعلاوة على التواصل مع «الوحدة الوطنية»، فإن الرابطة سعت للاتصال بالبرلمان، والحكومة ببنغازي في شرق البلاد، برئاسة أسامة حماد.

وفي هذا السياق، كشف أبو غميقة عن «مراسلات مسجلة موجهة من الرابطة إلى البرلمان في بنغازي»، تقرُّ بأنَّ المرضى «يدفعون فاتورة الانقسام السياسي»، وعدد العراقيل التي يواجهها هذا الملف، من بينها «بطء توفير الأدوية والميزانيات اللازمة لذلك... نحن مرضى ومساعدتنا تنطلق من مبدأ إنساني بحت، ولذلك لا نعتد بالانقسامات السياسية».

مرض نادر

يعد «ضمور العضلات» مرضاً نادراً، قد ينجم عن طفرات وراثية تفقد المريض نسيجه العضلي تدريجياً، لتصبح أقل حجماً وأكثر هشاشة مع الوقت، وتعوق القدرة على الحركة مع مرور الوقت.

وفي عموم ليبيا، تتعدد أنواع الإصابة بالمرض بين «ضمور عضلات شوكي»، و«دوشين» و«بيكر» و«حزام طرفي»، و«وجهي» و«كتفي»، أو «طفرات نادرة»، بحسب الرابطة.

ووفق «رابطة مرضى ضمور العضلات في ليبيا»، قد تضمّ العائلة الواحدة 6 مرضى، ويسكن بعضهم في مناطق نائية، ويشكون غياب المنح الاجتماعية والرواتب التضامنية، التي قد لا تتعدى 650 ديناراً، إن وُجدت، إلى جانب نقص الأدوات المعينة والتعويضية. (الدولار يساوي 4.84 دينار في السوق الرسمية).

احتجاج سابق لمرضى ضمور العضلات أمام مقر الحكومة بطرابلس (رابطة مرضى ضمور العضلات في ليبيا)

وفي محاولة حكومة غرب البلاد لإيجاد حل لهذه المشكلة الصحية، أطلقت الهيئة العامة لصندوق التضامن الاجتماعي، في أغسطس (آب) الماضي، حملة لتوفير جميع المعدات والمستلزمات الخاصة، لكن الرابطة تقول إن «الأجهزة رديئة الجودة، وتهالكت».

ويعاني القطاع الصحي في ليبيا من تدهور كبير، ورغم أن السلطات الحاكمة بشرق ليبيا وغربها تقول إنه آخِذ في التعافي، فإن المطالبات لا تنقطع بعلاج المرضى في الخارج.

وتدرج أمل العلوي، الباحثة والأكاديمية بقسم العلوم السياسية في جامعة طرابلس، هذه المعاناة ضمن «تحديات عديدة تعانيها ليبيا منذ أكثر من عقد وحتى قبل 2011»، مشيرة لـ«الشرق الأوسط» إلى «انعكاس الأوضاع في ليبيا على حياة المواطنين، خصوصاً الفئات الضعيفة، ويعد مرض ضمور العضلات أحد أوجه تلك المعاناة».

وتلقي العلوي باللائمة على «الانقسام السياسي، وتردي الوضع الأمني، والتحديات الاقتصادية التي تشتت الجهود، وتضعف قدرة الحكومة على تقديم الرعاية الصحية اللازمة، مع التكلفة العالية للعلاج، وقلة المراكز والكوادر المتخصصة».

وأمام هذا الوضع، تمسَّك محمد الشيخ بحق المرضى في تنظيم وقفات احتجاجية أمام مقر حكومة الدبيبة والبرلمان، في غرب وشرق ليبيا، وهو ما تراه العلوي «أمراً مقبولاً، خصوصاً أن وعي المرضى بحقوقهم أحد جوانب الحل».