سودانيات... 8 أشهر من العنف و«لا عذر» شعاراً للحد من الانتهاكات

 إحسان عبد العزيز خلال زيارتها للاجئات في جوبا
إحسان عبد العزيز خلال زيارتها للاجئات في جوبا
TT

سودانيات... 8 أشهر من العنف و«لا عذر» شعاراً للحد من الانتهاكات

 إحسان عبد العزيز خلال زيارتها للاجئات في جوبا
إحسان عبد العزيز خلال زيارتها للاجئات في جوبا

رغم الحرب الدائرة في العاصمة السودانية الخرطوم وعدد من ولاياتها، تمكنت منابر نسوية عديدة من المشاركة في «حملة الـ16 يوماً لمناهضة العنف ضد النساء» التي تطلقها الأمم المتحدة سنوياً، في 25 نوفمبر (تشرين الثاني).

تأتي حملة العام الحالي تحت شعار «لا عذر»، وقد شاركت فيها سودانيات من خلال تنظيم فعاليات للحد من العنف الممارَس ضدّهن في ظل الحرب.

تقول إحسان عبد العزيز منسقة حملة «نساء ضد الظلم»، لـ«الشرق الأوسط»، إنها «حملة تدعو لمزيد من الجهود لإنهاء العنف ضد السودانيات في ظل الحرب، وتعرضهنّ لمستويات عنف مرتفعة، غالبيتها اجتماعية، تحديداً العنف الجنسي المتعلق بالصراعات، وعمليات الخطف والإخفاء القسري، وإجبارهنّ على مساعدة المسلحين بالإكراه، علاوة على ارتفاع معدلات الاغتصاب في المناطق تحت التأثير المباشر وغير المباشر للحرب، بالإضافة إلى ظاهرة الاتجار بهنّ».

وحسب عبد العزيز فإن برنامج «حملة الـ16 يوماً» يتضمن لقاءات إعلامية مع «راديو دبنقا» والمنصة الإعلامية للاتحاد الأوروبي في القاهرة، كما زارت «حملة نساء ضد الظلم» السودانيات اللاجئات في معسكر اللاجئين بالسودان، يوم 27 نوفمبر (تشرين الثاني)، والتقت عدداً من الناجيات منهنّ من الحرب. وأضافت أن برنامج العام الحالي يشمل ندوة «إسفيرية» عن مناهضة العنف ضد النساء ومناقشة عدد من القوانين، إضافة إلى ورشة تدريبية عن المواثيق الدولية ضد العنف الممارَس عليهنّ، ومنها إعلان القضاء على العنف ضد المرأة («اتفاقية سيداو»، و«البروتوكول الأفريقي لحقوق المرأة الأفريقية»)، ومن ثمّ المشاركة في احتفالات النساء مع «منظمة الحارسات» بكمبالا.

وتشير التقديرات الصادرة من الأمم المتحدة إلى أن 736 مليون امرأة على مستوى العالم وقعن ضحايا للعنف الجسدي أو الجنسي مرة واحدة على الأقل في حياتهن، في حين لا توجد إحصائيات دقيقة بشأن حجم العنف الذي تتعرض له النساء في البلدان العربية، لكن وفق منظمات حماية المرأة فقد رُصدت زيادة هذه النسبة بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وسجلت النساء السودانيات أعلى معدلات عنف خلال السبعة أشهر الماضية.

زيارة منسقة حملة نساء ضد الظلم للاجئات في جوبا

لبنى إبراهيم سكرتيرة النوع الاجتماعي في نقابة الصحافيين السودانيين، تشير في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «حملة الـ16 يوماً» هي للقضاء على العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتأتي العام الحالي في ظل معاناة الصحافيات السودانيات من التشريد القسري والتهجير، والظروف اللاإنسانية، حيث فقد الوسط الصحافي اثنتين من طاقمه أثناء الحرب الحالية، توفيت إحداهما بعد صعوبة إسعافها وعدم توفر المرافق الصحية لتقديم الخدمات الطيبة لها.

وتشير إلى أن صعوبة الاتصال في بعض المناطق حيث تدور المعارك وتشهد أعمالاً مسلحة، خصوصاً في ولاية دارفور، علاوة على انقطاع التيار الكهربائي، حدّت من الحصر الدقيق لحالات الانتهاك.

من جانبها، تقول رحاب مبارك، ناشطة حقوقية لـ«الشرق الأوسط»، إن أشكال الانتهاكات التي تتعرض لها السودانيات مع دخول الحرب شهرها الثامن متنوعة، وتتمثل في النزوح والتهجير واللجوء والنهب والاغتصاب والتطهير العرقي، وتابعت: «نساء كثيرات تعرضن للاغتصاب وهن في طريقهن إلى مدينة ود مدني أثناء فرارهن من الحرب، وكذلك في مدينة الجنينة وهن في طريقهن إلى مدينة أدري في تشاد»، موضحةً أن أتباع القوتين المتحاربتين (الجيش و«الدعم السريع») ارتكبوا جرائم اغتصاب في العاصمة (الخرطوم) شملت حتى الأجانب.

وترى مبارك أن نسبة الانتهاكات شهدت انخفاضاً خلال الشهرين الماضيين، بعد نزوح عدد كبير من النساء إلى مناطق أكثر أماناً، مستطردةً: «هناك أشكال أخرى من المعاناة تتعرض لها النساء في مناطق النزوح، من بينها الفقر وعدم حصولهنّ على الرعاية الصحية اللازمة».



قانون «الانتخاب المباشر» الصومالي... تحوّل ديمقراطي أم توسيع للانقسام؟

البرلمان الفيدرالي في الصومال يصادق على قانون الانتخابات (وكالة الأنباء الصومالية)
البرلمان الفيدرالي في الصومال يصادق على قانون الانتخابات (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

قانون «الانتخاب المباشر» الصومالي... تحوّل ديمقراطي أم توسيع للانقسام؟

البرلمان الفيدرالي في الصومال يصادق على قانون الانتخابات (وكالة الأنباء الصومالية)
البرلمان الفيدرالي في الصومال يصادق على قانون الانتخابات (وكالة الأنباء الصومالية)

تصديق الصومال نهائياً على قانون «الانتخاب المباشر» بديلاً عن «المحاصصة القبلية»، رغم رفض ولايتي جوبالاند وبونتلاند وبعض السياسيين، يفتح تساؤلات حول تداعيات تلك الخطوة وتأثيراتها على أوضاع البلاد التي تشهد انقسامات وحرباً لم تنتهِ ضد حركة «الشباب» الإرهابية.

ويأتي القانون الجديد، وفق خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، «في ظل وضع أمني هش ومعارضة سياسية»، وبينما عدّه البعض «خطوة مهمة تعزز التحول إلى نظام ديمقراطي وتحسّن العلاقات الدولية التي تميل إلى تعزيز المشاركة الجماهيرية»، رأى آخرون أنه سيواجه تحديات كثيرة، منها أن النظام الانتخابي القبلي عزّز نفوذ قادة الولايات وزعماء العشائر، ومن الصعب أن يتخلوا عنه؛ إلا عن طريق فتح حوار حقيقي، حتى لا يتحول الرفض إلى جبهة صراع جديدة تواجهها الدولة الصومالية تزيد من الانقسامات بخلاف مواجهات حركة «الشباب».

وصادق نواب مجلسي البرلمان الفيدرالي (الشعب والشيوخ) في جلسة مشتركة، السبت، على مشروع قانون الانتخابات الوطنية عقب «تصويت 169 نائباً لصالحه، فيما رفضه نائبان، وامتنع عن التصويت نائب واحد»، وفق ما نقلته وكالة «الأنباء الصومالية» الرسمية، لافتة إلى أن القانون «هام لإجراء انتخابات بنظام الصوت الواحد في البلاد».

وأجريت آخر انتخابات مباشرة في البلاد عام 1968، تلاها انقلابات وحروب أهلية ليبدأ الصومال العمل بنظام الانتخابات غير المباشرة في عام 2000، إذ ينتخب أعضاء المجالس التشريعية المحلية ومندوبو العشائر نواب البرلمان الفيدرالي، الذين ينتخبون بدورهم رئيس البلاد، إلا أنه في الآونة الأخيرة تزايدت المطالب لإجراء انتخابات مباشرة، التي اعتمدها بالفعل البرلمان، وفق إعلام محلي.

تعزيزات أمنية في وقت سابق بعد مقتل عناصر من «حركة الشباب» خلال عملية عسكرية (أ.ب)

خطوة مهمة

المحلل السوداني في الشؤون الأفريقية، محمد تورشين، يرى أن تلك الخطوة مهمة باعتبارها تنقل العملية الديمقراطية إلى الانتخاب القائم على رأي الجمهور، بديلاً عن عملية الاقتراع غير المباشر عن طريق القبائل والزعامات الأهلية.

ويأتي صدور القانون قبل إجراء ولاية جوبالاند الرافضة له انتخابات رئاسية، يوم الاثنين، لا تعترف بها مقديشو. وقال وزير البترول، عبد الرزاق عمر، في تصريحات صحافية قبل أيام، إن «الحكومة الفيدرالية ملتزمة بتحويل الصومال بعيداً عن الانتخابات غير المباشرة القائمة على العشائر إلى نظام صوت واحد لشخص واحد. لا يمكننا تأييد نتائج هذا المشروع المسرحي، الذي ينتهك مبادئ الحكم الشامل».

وسبقه اتهام رئيس الوزراء الصومالي، حمزة عبدي بري، إلى أحمد مادوبي، الذي يتولى قيادة جوبالاند منذ عام 2013، بتقويض الجهود الرامية إلى تحويل الصومال نحو الاقتراع العام، مؤكداً أن «تصرفات جوبالاند تنتهك الالتزامات التي تم التعهد بها خلال المجلس الاستشاري الوطني لإنشاء إطار انتخابي موحد».

وينضم لرفض جوبالاند موقف مماثل من ولاية بونتلاند، في وقت تعاني فيه الصومال من عنف مستمر وتهديدات إرهابية، بحسب المحلل السياسي الصومالي عبد الولي جامع بري، لافتاً إلى أن تطبيق قانون الانتخابات الوطنية في الصومال «يمثل فرصة لتعزيز الديمقراطية»، ولكنه يحمل في طياته تحديات كبيرة.

ويرى أن تطبيق قانون الانتخاب المباشر في ظل الظروف الحالية يتطلب معالجة تحديات عدة، أولها «الوضع الأمني الهش مع تهديدات إرهابية تجعل من الصعب ضمان أمن الانتخابات، باعتبار أنه إذا لم تتوفر الظروف الأمنية الكافية، فإن إجراء انتخابات حرة ونزيهة سيكون صعباً»، وثانيها «المعارضة السياسية، خصوصاً مع سير سياسيين في فلك معارضة بعض الولايات، ما قد يؤدي إلى عدم الاستقرار».

عناصر من «حركة الشباب» الصومالية (أ.ب)

اعتراضات على القانون

وكان الرئيس الصومالي الأسبق، شريف شيخ أحمد، قد اعترض على مشروع القانون في مؤتمر صحافي بمقديشو، قبل أسبوع، موضحاً أنه «لا يمكن إجراء انتخابات صوت واحد لشخص واحد، لا تشارك فيها ولايتا بونتلاند وجوبالاند والسياسيون المعارضون، مع عدم وجود أجواء أمنية تسمح بإجراء الانتخابات المذكورة حتى في العاصمة الصومالية».

ودافع النائب الصومالي، عبد الرحمن عبد الشكور، عن حق الولايات الإقليمية في عقد الانتخابات الخاصة بها وفقاً للنظام الفيدرالي المعمول به في البلاد، فيما توقع رئيس الوزراء الصومالي السابق حسن علي خيري، في تصريحات منفصلة، قبل نحو أسبوع، أن يقود القانون الصومال إلى مزيد من الصراع وعدم الاستقرار السياسي، داعياً إلى «عدم تجاهل الواقع الذي تشهده البلاد، وفتح منصة وطنية للاتفاق على الانتخابات بمشاركة ولايتي بونتلاند وجوبالاند وأصحاب المصلحة السياسية لإنقاذ الشعب الصومالي من الارتباك وعدم اليقين السياسي».

وأرجع تورشين ذلك إلى أن «بعض القوى السياسية والأهلية لديهم مصالح في الإبقاء على الوضع كما هو عليه، لما له من مزايا أعطت العشائر والقبائل نفوذاً كبيراً للتأثير على العملية السياسية، وكذلك توجيهها ومحاولة الضغط والتأثير عليها، وهذا أيضاً يفسر المعارضة من الولايتين المهتمين الساعتين للاحتفاظ بمكاسبهما»، محذراً من «فتح جبهة صراع مباشر بين الرافضين والموافقين ستحد من سبل مواجهة جبهة حركة الشباب».

ضباط صوماليون يشاركون في عرض عسكري أبريل عام 2022 (رويترز)

عقبة حركة «الشباب»

ووفق تقدير الخبير في الشؤون الأفريقية، مدير «مركز دراسات شرق أفريقيا» في نيروبي، الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، فإنه من الصعب في الوقت الحالي تطبيق نظام انتخابات مباشرة، وأرجع ذلك إلى تمسك الحكومة بتطبيق القانون، وسعيها لـ«تعزيز البقاء في الحكم».

وأوضح أن «هناك أكثر من 60 في المائة من منطقة جنوب الصومال تسيطر عليها (حركة الشباب)، وتحتاج الحكومة على الأقل 5 سنوات أخرى لعقد انتخابات مباشرة بها، ولذا يجب أن يكون تحرير تلك المناطق الأولوية حالياً»، محذراً من حدوث انقسام قبلي كبير إذا مضت الحكومة نحو التطبيق دون توافق.

لكن حال نجحت حكومة في إجراء انتخابات مباشرة فإنها، بحسب عبد الولي جامع بري، ستعزز من شرعية الحكومة وتعيد ثقة المواطنين بالعملية السياسية، وأيضاً سيؤدي نجاح الانتخابات إلى تحسين العلاقات الدولية المهتمة بالمشاركة الجماهيرية، وقد يؤدي ذلك بدوره إلى زيادة الدعم الدولي للصومال، سواء من خلال المساعدات الإنسانية أو دعم التنمية.

وأضاف: «للتغلب على الرفض، فإنه يجب على الحكومة الفيدرالية فتح قنوات حوار مع الولايات المعارضة، والعمل على إيجاد توافقات، بجانب تأجيل التطبيق الذي من الحكمة أن يتم حتى التوصل إلى توافق سياسي، ووضع استراتيجيات أمنية عبر التعاون مع المجتمع الدولي لضمان سلامة الانتخابات».

وإذا أصرت الحكومة على تطبيق القانون دون توافق، فإن هذا قد يؤدي إلى «انقسامات جديدة»، وفق بري، الذي أكد أنه «من الضروري أن تتبنى الحكومة نهجاً شاملاً يضمن تمثيل جميع الأطراف ويساهم في تحقيق الاستقرار».

ويتفق معه تورشين، قائلاً إنه مع إجراء حوار مباشر وتقديم تطمينات، ومن ثم يمكن التوصل لتفاهمات بشأن إجراءات الانتخابات التي ستقلل نفوذ الزعمات الأهلية والقبلية، وتمنح مع الوقت الشعب الصومالي الفرصة في أن يقرر بأصواته ووعيه مصيره عبر الاقتراع المباشر، رغم تحديات الفقر المتزايد وتراجع معدلات التعليم.