لماذا تتصاعد الاتهامات بين «النواب» الليبي وحكومة «الوحدة»؟

مع اقتراب انتهاء عام آخر دون التوصل لحل ينهي الانقسام السياسي

عقيلة صالح (النواب الليبي)
عقيلة صالح (النواب الليبي)
TT

لماذا تتصاعد الاتهامات بين «النواب» الليبي وحكومة «الوحدة»؟

عقيلة صالح (النواب الليبي)
عقيلة صالح (النواب الليبي)

في تصعيد جديد للاتهامات المتبادلة بين مجلس النواب الليبي، ورئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، يطرح الليبيون أسئلة عدة عن الأسباب التي تقف وراء ذلك، لا سيما مع اقتراب انتهاء عام آخر، دون التوصّل لحل ينهي الانقسام في البلاد، أو إجراء الانتخابات التي يتطلع لها الليبيون.

فبينما وجّه الدبيبة انتقادات حادة للسلطة التشريعية، وحمّلها مسؤولية التسبب في «الانقسام السياسي وعرقلة الانتخابات بإصدار قوانين معيبة»، قال مدافعون عن مجلس النواب إن حكومة الدبيبة «لم تعد لها صفة رسيمة» بعد سحب الثقة منها.

ودفع عضو مجلس النواب الليبي، علي الصول، في اتجاه انتهاء ولاية حكومة الدبيبة، وأرجع لـ«الشرق الأوسط» رفض مجلسه مشاركة الدبيبة في الاجتماع الخماسي، الذي دعا إليه عبد الله باتيلي المبعوث الأممي، «لأنه لا يمثل طرفاً سياسياً، ولم يعد حتى مسؤولاً تنفيذياً»، مشيراً إلى أن البرلمان سبق أن سحب من حكومته الثقة قبل أكثر من عامين، وأعلن انتهاء ولايتها، وشكّل حكومة جديدة، وبالتالي «لا يحق له الادعاء بأنه سيمثّل صوت الليبيين في أي حوار سياسي».

وخلال اجتماع حكومته، الذي عُقد بمدينة الزاوية (غرب طرابلس)، قال الدبيبة إنه «لا يخفى على الجميع أن هذه السلطة التشريعية المتنعمة بأموال الليبيين تورّطت في أنواع المخالفات كلها، لا سيما القانونية والدستورية»، فردّ عليه الصول، قائلاً إنه «يجب على الدبيبة الرد أيضاً على ما تضمنته تقارير الأجهزة الرقابية، من إهدار حكومته المال العام بشكل غير مسبوق».

ودافع الصول عن موقف مجلسه والحكومة المنبثقة منه، برئاسة أسامة حماد، مشدداً على أن الأخيرة «تقوم بالصرف، وفقاً للميزانيات المعتمدة من البرلمان».

ولم يبتعد عضو مجلس النواب الليبي، حسن الزرقاء، عن الطرح السابق، حيث دعا الدبيبة من جانبه لـ«مراجعة شريط الجلسة البرلمانية، التي اتُّخذ فيها قرار سحب الثقة من حكومته في سبتمبر (أيلول) 2021، ليتذكر أن هذا القرار اتُّخذ بموافقة 89 نائباً، من أصل 113 نائباً من الحاضرين، تحت قبة البرلمان، أي بأغلبية واسعة».

وقال الزرقاء في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن القوانين المنظمة للعملية الانتخابية هي «إنتاج لجنة مشتركة من مجلسي النواب والأعلى للدولة»، معتقداً بأن «هناك كتلة من الأخير تحاول الآن التنصل من التوافق حول تلك القوانين، بذريعة حدوث تغييرات في النسخة النهائية منها، التي أقرها البرلمان مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي».

عبد الحميد الدبيبة (حكومة الوحدة)

وكان الدبيبة قد ذكر خلال الاجتماع الوزاري، الذي عُقد في الزاوية، أن «القوانين يتم إقرارها وصياغتها بعدد قليل من النواب، لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة في مشهد أصبح مادة للتندر والضحك»، متهماً السلطة التشريعية بإصدار «قوانين معيبة منعت، ولا تزال تمنع، إجراء الانتخابات».

ووفقاً لرؤية رئيس الهيئة التأسيسية لحزب «التجمع الوطني الديمقراطي» الليبي، أسعد زهيو، فإن دعوة باتيلي حرّكت المياه الراكدة في الساحة السياسية، وبالتالي «جددت الاتهامات والقرارات الإقصائية المتبادلة ين البرلمان والدبيبة».

وتوقع زهيو لـ«الشرق الأوسط» امتداد تلك الخلافات لباقي القوى والأجسام، التي تمت دعوتها لاجتماع باتيلي الخماسي، خصوصاً (الأعلى للدولة)، الذي شهدت جلسته الأخيرة اعتراضات واضحة على قيام رئيس المجلس، محمد تكالة، بتسمية وفد مصغر منه للمشاركة في الاجتماع التحضيري لتلك الطاولة الخماسية، دون الرجوع لرأي بقية الأعضاء أو مكتب الرئاسة.

ويعتقد زهيو أن كل تلك الخلافات بين أفرقاء الأزمة، لا تنبئ إلا عن «تشبثهم بمواقعهم برفضهم المعلن أحياناً، والمبطن أحياناً أخرى، لأي مبادرة تستهدف إنهاء الانقسام، الذي يتعذر معه إجراء الانتخابات لكونها ستزيحهم جميعاً». ورأى أن «أي تغيير سيضر بمصالح هؤلاء، وإن كانت حكومة الدبيبة ستكون الضحية الأولى، إذا ما دشن بالفعل مسار التغيير بعد توافق الأطراف المحلية والدولية على ضرورة وجود حكومة موحدة تمهد لانتخابات»، وقال بهذا الخصوص: «هم حالياً يتبادلون الأدوار في الرفض، والتحفظ على المبادرة الأممية».

وكان باتيلي قد دعا رؤساء كل من المجلس الرئاسي والبرلمان والمجلس الأعلى للدولة، وحكومة «الوحدة»، والقيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي، لتسمية ممثليهم للمشاركة في اجتماع تحضيري، يتباحث خلاله هؤلاء الممثلون حول مكان وموعد اجتماع قادتهم وجدول أعماله.

من جهته، توقّع المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، مشاركة أفرقاء الأزمة كافة في اجتماع باتيلي، «رغم ما سببه هذا الاجتماع المرتقب من تعميق وتصعيد للخلافات بينهم»، مشيراً إلى أن المبعوث الأممي «سيقبل بمطلب البرلمان بدعوة أسامة حماد لهذا الاجتماع، وسيقبل البرلمان بتلك الترضية».

ورغم حديث رئيس البرلمان، عقيلة صالح، بأنه «سيتم حسم آلية تشكيل حكومة جديدة قبل نهاية العام الحالي»، فإن محفوظ استبعد «إقدام البرلمان على تفعيل الأمر»، مرجعاً ذلك «لرفض المجلس الأعلى للدولة تشكيلها دون التنسيق معه».


مقالات ذات صلة

تباين ليبي بشأن تفعيل مخرجات «اجتماع بوزنيقة»

شمال افريقيا جانب من اجتماع أعضاء بمجلسي «النواب» و«الأعلى للدولة» في بوزنيقة بالمغرب (المتحدث باسم مجلس النواب)

تباين ليبي بشأن تفعيل مخرجات «اجتماع بوزنيقة»

أعلن ممثلون عن مجلسَي النواب و«الأعلى للدولة» في ليبيا، نهاية الأسبوع الماضي، توصلهم إلى اتفاق يستهدف إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في البلاد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا جانب من أشغال مؤتمر «قادة دول الاستخبارات العسكرية لدول الجوار» في طرابلس (الوحدة)

الدبيبة: لن نسمح بأن تكون ليبيا ساحة لتصفية الحسابات

الدبيبة يؤكد أن بلاده «لن تكون ساحة لتصفية الصراعات الإقليمية، ولن تستخدم ورقة ضغط في الصراعات الدولية والإقليمية».

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا جانب من اجتماع اللجنة العسكرية الليبية المشتركة «5+5» في روما الخميس (البعثة الأوروبية)

ليبيا: خوري تسارع لتفعيل مبادرتها وسط صراع على ديوان المحاسبة

تسعى المبعوثة الأممية بالإنابة في ليبيا ستيفاني خوري إلى جمع الأفرقاء السياسيين على «المبادرة» التي أطلقتها أمام مجلس الأمن الدولي منتصف الأسبوع الماضي.

جمال جوهر (القاهرة)
تحليل إخباري بلقاسم حفتر ملتقياً القائم بالأعمال الأميركي (السفارة الأميركية)

تحليل إخباري لماذا تَكثّفَ الحراك الدبلوماسي الأميركي في بنغازي؟

تتخذ مباحثات المبعوث الأميركي الخاص السفير ريتشارد نورلاند، والقائم بالأعمال برنت جيرمي، طابعاً دورياً مع الأفرقاء الليبيين، إلا أن هذه المرة لها وقع مختلف.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا النائب العام الليبي (وسط) مع المدعي العام لدى المحكمة العليا الإيطالية (مكتب الصور)

قصة 5 ليبيين حُكم عليهم بالسجن 30 عاماً بإيطاليا

كانت محكمة إيطالية قضت عام 2015 بالسجن 30 عاماً على خمسة لاعبين ليبيين بتهمة «الاتجار بالبشر»، ومنذ ذاك التاريخ وهم قيد الحبس إلى أن تحركت السلطات الليبية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

مصر: «العاصمة الإدارية» تنفي بناء قصر الرئاسة الجديد على نفقة الدولة

صورة جماعية لقادة قمة «الدول الثماني النامية» داخل القصر بـ«العاصمة الإدارية» (الرئاسة المصرية)
صورة جماعية لقادة قمة «الدول الثماني النامية» داخل القصر بـ«العاصمة الإدارية» (الرئاسة المصرية)
TT

مصر: «العاصمة الإدارية» تنفي بناء قصر الرئاسة الجديد على نفقة الدولة

صورة جماعية لقادة قمة «الدول الثماني النامية» داخل القصر بـ«العاصمة الإدارية» (الرئاسة المصرية)
صورة جماعية لقادة قمة «الدول الثماني النامية» داخل القصر بـ«العاصمة الإدارية» (الرئاسة المصرية)

فيما لا يزال التفاعل «السوشيالي» مستمراً بشأن القصر الرئاسي المصري الجديد في «العاصمة الإدارية» (شرق القاهرة)، خصوصاً مع تكرار الحديث عن «فخامته»، عقب احتضانه الخميس الماضي فعاليات قمة «الدول الثماني النامية»، ردت شركة «العاصمة الإدارية» على الجدل المثار حول «تحمل ميزانية الدولة المصرية تكلفة بناء القصر الجديد».

وأكد رئيس مجلس إدارة شركة «العاصمة الإدارية الجديدة»، خالد عباس، في تصريحات تليفزيونية، مساء الجمعة، أن «القصر الرئاسي الجديد وجميع المباني الحكومية أصول تمتلكها الشركة، ومؤجرة للحكومة بعقد مدته 49 عاماً، فيما يجري سداد القيمة الإيجارية بشكل ربع سنوي للشركة».

وأضاف عباس موضحاً أن الشركة «استثمارية وتهدف إلى تحقيق الربح، عبر قدرتها على استرداد تكلفة المباني ثلاثة أضعاف، وذلك عند انتهاء عقود الإيجار»، مؤكداً أن «خزانة الدولة لم تتحمل أي أعباء مالية عند بناء هذه المباني التي يوجد من بينها القصر الجديد».

وتأسست شركة «العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية» في مايو (أيار) 2016 كشركة مساهمة مصرية تخضع لقانون الاستثمار، برأسمال مدفوع قيمته 6 مليارات جنيه، موزعة بين «القوات المسلحة» و«هيئة المجتمعات العمرانية» التابعة لوزارة الإسكان (الدولار الأميركي يساوي 50.8 جنيه في البنوك المصرية).

وجاءت تأكيدات «العاصمة الإدارية» الأخيرة في وقت يتواصل فيه التفاعل على منصات مواقع التواصل الاجتماعي، بين «منتقد لبناء القصر الجديد»، ومدافع عنه، باعتبار أن «القصر الرئاسي يعبر عن واجهة الدولة المصرية».

ويرى كبير الباحثين بـ«المركز المصري للفكر والدراسات»، محمد مرعي، أن مشروع «العاصمة الإدارية» من أنجح المشروعات، التي أنجزت بالفعل خلال العقود الماضية، باعتبار أن «فلسفته في تحويل أراضٍ صحراوية لمنطقة عمرانية متكاملة يجري إدارتها مالياً من جانب شركة تهدف للربح، أمر يستحق الإشادة».

وقال مرعي لـ«الشرق الأوسط» إن الشركات التي نفذت مشروعات سكنية وعمرانية في العاصمة، هي في غالبيتها شركات خاصة مصرية وأجنبية، وهو ما أتاح توفير فرص عمل، وتوسيع الشريان العمراني للعاصمة، الأمر الذي كان مطلوباً على مدار سنوات عدة، لكن تأخر تنفيذه لأسباب لها علاقة بالتمويل والإرادة السياسية، التي توفرت لتنفيذه في الفترة الماضية.

واستقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بمقر القصر الجديد، الخميس الماضي، زعماء وقادة دول منظمة الدول الثماني النامية للتعاون الاقتصادي، المشاركين من بنغلاديش، إندونيسيا، إيران، ماليزيا، نيجيريا، باكستان، وتركيا، في ظهور هو الأول للقصر الرئاسي المصري الجديد خلال مناسبة رسمية كبرى.

جانب من القصر الرئاسي في «العاصمة الإدارية» (الرئاسة المصرية)

وعد أستاذ التخطيط العمراني، سيف الدين فرج، بناء المباني الحكومية في العاصمة، ومنها القصر الرئاسي، «خطوة مهمة في ظل الحاجة لمباني تستوعب التغيرات التي حدثت على أعداد السكان، وتعالج التشوهات البصرية التي اتسمت بها المقرات الحكومية القديمة»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن مثل هذه المشاريع تساهم في تحقيق أهداف التنمية، مع تسهيل الحركة المرورية في محيطها، وبما يتناسب مع طبيعة الزيادة السكانية المتوقعة في السنوات المقبلة.

وأعلن رئيس شركة «العاصمة الإدارية» بدء العمل في مرافق المرحلة الثانية للعاصمة، خلال الربع الثاني من العام المقبل، مع بيع 70 في المائة من أراضي المرحلة الأولى، إلى جانب دراسة طرح مواقع متميزة متبقية في قلب العاصمة، بهدف زيادة عوائد الشركة المالية، على أن يتم بدء بيع أراضي المرحلة الثانية اعتباراً من عام 2026.

وتبلغ مساحة «العاصمة الإدارية» 170 ألف فدان، فيما تبلغ مساحة المرحلة الأولى 40 ألف فدان من إجمالي المساحة. ويستهدف المشروع جذب حوالي 7 ملايين نسمة، وتشمل المرحلة الأولى بناء «مقار حكومية، ومدينة طبية عالمية، وأخرى رياضية، وقرية ذكية، وقاعات مؤتمرات دولية، ومدينة معارض، ومناطق خدمية وتعليمية، إضافة إلى مناطق للمال والأعمال، وطرق حضارية»، حسب بيانات الرئاسة المصرية.