«الدعم السريع» تستولي على رابع فرقة للجيش السوداني في دارفور

سلفا كير يبحث مع «قوى التغيير» الحل السياسي لإيقاف الحرب

لقطة من فيديو بثته «الدعم السريع» لقواتها في مقر «الفرقة 20 مشاة الضعين»
لقطة من فيديو بثته «الدعم السريع» لقواتها في مقر «الفرقة 20 مشاة الضعين»
TT

«الدعم السريع» تستولي على رابع فرقة للجيش السوداني في دارفور

لقطة من فيديو بثته «الدعم السريع» لقواتها في مقر «الفرقة 20 مشاة الضعين»
لقطة من فيديو بثته «الدعم السريع» لقواتها في مقر «الفرقة 20 مشاة الضعين»

‏أعلنت قوات «الدعم السريع»، (الثلاثاء)، السيطرة على «الفرقة 20 مشاة الضعين»، التابعة للجيش السوداني في ولاية شرق دارفور، وهي رابع فرقة عسكرية تابعة للجيش السوداني، بعد نيالا وزالنجي والجنينة، تسقطها «الدعم السريع» في إقليم دارفور (غرب البلاد).

وقالت «الدعم السريع»، في بيان عبر منصة «إكس»، «نؤكد لأهل ولاية شرق دارفور والسودانيين كافة أن الضعين ستظل آمنة تحت حماية الأشاوس بعد طرد قوات البرهان... ونبشر شعبنا بأن بلادنا قريباً ستتحرر لتكون أكثر أمناً واستقراراً».

وشهدت مدينة الضعين، (الاثنين)، اشتباكات ضارية، بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»، بعد أيام من التوتر بين الطرفين. لكن وكالة «أنباء العالم العربي» نقلت عن شهود تأكيدهم أن قوات الجيش انسحبت من «الفرقة 20»، وفق اتفاق مع زعماء القبائل بشرق دارفور؛ حفاظاً على حياة مئات الآلاف من المدنيين، الذين فروا من مدن الإقليم، بعد إصرار قوات «الدعم السريع» على مهاجمة الفرقة.

وقالت قوات «الدعم السريع» إن «قواتها حققت نصراً جديداً في سجل انتصاراتها المتواصلة بتحرير (الفرقة 20 مشاة) بمدينة الضعين بولاية شرق دارفور». ولم يصدر تعليق رسمي من الجيش على صفحاته المعتمدة في وسائط التواصل الاجتماعي، وسط أنباء متداولة عن سحب قواته من الحامية العسكرية.

لقطة من فيديو بثته «الدعم السريع» لقواتها في مقر «الفرقة 20 مشاة الضعين»

واندلع القتال بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» على نحو مفاجئ في منتصف أبريل (نيسان) بعد أسابيع من التوتر بين الطرفين، بينما كانت الأطراف العسكرية والمدنية تضع اللمسات النهائية على عملية سياسية مدعومة دولياً.

وقال المتحدث الرسمي باسم «الدعم السريع» الفاتح قرشي بشير: «نؤكد لأهل مدينة الضعين والسودانيين كافة، أن الضعين ستظل آمنة تحت حماية الأشاوس، بعد طرد قوات قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، التي أشعلت الحروب والفتن في البلاد». وأضاف أن «انتصارات أشاوس قواتنا على العدو تفتح الباب واسعاً للسلام الحقيقي الذي يتطلع إليه السودانيون».

بدوره، عدّ المستشار السياسي لقائد قوات «الدعم السريع»، يوسف عزت، تحرير «الفرقة 20 مشاة» بالضعين «انتصاراً كبيراً» لا يكتمل إلا بتحرير كامل السودان «سلماً أو حرباً» من قبضتهم. وقال على منصة «إكس» إن الانتصارات المتوالية لأشاوس «الدعم السريع» وتحرير ولايات دارفور، وتسلم الفرق العسكرية التي ظلت استخباراتها تحيك الفتن وتوزع السلاح للقبائل من أجل استمرار الصراع بين مجتمعاتنا المحلية على مدى عقود، هو نصر جديد لأهل دارفور والسودان. ونشرت قوات «الدعم السريع» على منصات التواصل الاجتماعي تسجيلات مصورة لضباط وجنود داخل مقر الفرقة العسكرية بالضعين. ووفق مصادر محلية استولت «الدعم السريع» على الفرقة العسكرية دون الدخول في مواجهات مع قوات الجيش التي انسحبت فجراً خارج المقر. وأفاد شهود عيان بأن الطيران الحربي للجيش نفذ طلعات جوية مكثفة في سماء المدينة.

وتدخل زعماء أهليون في وساطة بين الطرفين؛ لتجنب اندلاع القتال داخل المدينة، التي تمثل ثقل قبيلة «الرزيقات»، وتتحدر منها مجموعات كبيرة في صفوف قوات «الدعم السريع» والجيش. وبسقوط الفرقة العسكرية في الضعين، تكون قوات «الدعم السريع» أحكمت سيطرتها على ولايات دارفور في الجنوب، والوسط، والشرق والغرب، وتبقت ولاية شمال دارفور وعاصمتها الفاشر، التي تقوم بتأمينها قوات مشتركة من الفصائل المسلحة الموقِّعة على اتفاق «سلام جوبا».

سوق مدمرة في مدينة الفاشر عاصمة ولاية دارفور جراء المعارك (أ.ف.ب)

ومن جهة ثانية، أصدر قائد قوات «الدعم السريع» الفريق أول محمد حمدان دقلو، الشهير باسم «حميدتي»، قراراً بتكليف قائد قطاع الدعم السريع بولاية شرق دارفور، العميد حسن صالح نهار، مهام قيادة «الفرقة 20 مشاة الضعين».

لقاء بين سلفا كير و«قوى التغيير»

إلى ذلك، واصل وفد من قيادات «قوى الحرية والتغيير»، الائتلاف الحاكم سابقاً في السودان، (الثلاثاء)، زيارته إلى عاصمة جنوب السودان، جوبا، في زيارة تستغرق 3 أيام، وضم رئيس حزب «المؤتمر السوداني» عمر الدقير، ورئيس «الحركة الشعبية»، التيار الثوري، ياسر عرمان، وعدداً من قيادات القوى السياسية وممثلين للنقابات والمجتمع المدني.

ومن المقرر أن يبحث رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت، مع الوفد تطورات الأوضاع والمبادرات المطروحة من دول الجوار، وعلى المستوى الإقليمي؛ لوقف الحرب في السودان.

وقال القيادي في «قوى التغيير» شريف محمد عثمان لـ«الشرق الأوسط» إن الرئيس سلفا كير ميارديت، يبذل مساعي حثيثة للحل السياسي لأزمة الحرب في السودان، وسبق أن قدم الدعوة للقاء يجمع بين كتلتَي قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي، والوفاق الوطني) في منصة واحدة.

وأضاف أن وفد «قوى التغيير» سيستمع لخطة سلفا كير، وفي المقابل سيقدم شرحاً لرؤيته لإنهاء الحرب بناءً على «مخرجات اجتماعات القاهرة»، وخطوات توحيد القوى السياسية والمدنية في كتلة موحدة.

ورجّح شريف أن يطرح رئيس جنوب السودان لقاءً بين الكتلتين؛ لمناقشة «التوافق السياسي ما بعد إيقاف الحرب».

وتأتي الزيارة عقب عقد «قوى التغيير» سلسلة اجتماعات في العاصمة المصرية، القاهرة، ناقشت تطوير حزمة من الأفكار تساعد في تقصير أمد الحرب، تمهيداً لبدء عملية سياسية تؤسس لانتقال مدني ديمقراطي يحقق السلام الشامل في البلاد.

وأمّن البيان الختامي على الجهود المبذولة في «منبر جدة» بتيسير من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية وممثلين للاتحاد الأفريقي ومنظمة التنمية الحكومية (إيقاد)، الساعية لوقف الحرب.

عضو بـ«السيادي» يرفض إقالته

من ناحية ثانية، أعلن عضو مجلس السيادة، الطاهر حجر، عدم اعترافه بالمرسوم الدستوري الذي صدر بإقالته من رئيس المجلس، قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقضى بإقالته من المجلس. وقال حجر إنه لن يتعاطى معه «وسأقوم بواجباتي مع بقية أعضاء مجلس السيادة الشرعيين». وأضاف، في بيان، أن مرسوم إعفائه يخالف اتفاق «سلام جوبا» ويعرضه للانهيار الكامل، وستكون له تداعيات سياسية وأمنية خطرة على الأمن والاستقرار في البلاد.

وأوضح أن عضويته في المجلس ضمن حصة أطراف اتفاق «سلام جوبا»، وهم وحدهم مَن يملكون حق تعيين واستبدال ممثليهم، وفقاً لنص المادة (11)، البند (2)، من الوثيقة الدستورية لعام 2019.

وذكر البيان أنه بعد اندلاع الحرب في منتصف أبريل الماضي، انفرد قائد الجيش بإصدار مراسيم غير دستورية باسم مجلس السيادة، الذي لم يجتمع لأكثر من عام؛ لعدم وجود نصاب قانوني للمجلس، مضيفاً أن الوثيقة الدستورية لم تمنح «رئيس المجلس» سلطة إصدار المراسيم والقرارات بشكل منفرد، ولا يوجد أي سند قانوني ودستوري يصدر عن قائد الجيش باسم المجلس.

وفي مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أقال البرهان، عضوَ المجلس، الهادي إدريس، رئيس الجبهة الثورية، أحد الفصائل المسلحة الموقِّعة على اتفاق جوبا.


مقالات ذات صلة

السودان: ضربة لـ«الدعم السريع» توقع عشرات القتلى في جنوب كردفان

شمال افريقيا عناصر من «قوات الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ب) play-circle

السودان: ضربة لـ«الدعم السريع» توقع عشرات القتلى في جنوب كردفان

أسفر هجوم نفَّذته «قوات الدعم السريع» بمسيّرة على بلدة كلوقي في ولاية جنوب كردفان في السودان عن مقتل عشرات المدنيين، بينهم أطفال.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
خاص المزارع أصبحت مرتعاً للحيوانات بعد أن هجرها أصحابها بسبب الحرب (الشرق الأوسط)

خاص كيف دمّرت الحرب والسياسة أكبر مشروع زراعي في السودان؟

يواجه مشروع الجزيرة في السودان أكبر مشروع زراعي في العالم تحت إدارة واحدة (2.2 مليون فدان) أزمة مُركبة بسبب السياسات الخاطئة، والحرب التي دمّرت بنيته التحتية.

بهرام عبد المنعم (الخرطوم)
شمال افريقيا سيدة سودانية أصيبت في معارك الفاشر بالسودان تجلس في خيمتها مخيم طويلة (أ.ب)

الأمم المتحدة: نقدم مساعدات للفارين من الفاشر بالسودان رغم التحديات

قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إنه يقدم مساعدات للفارين من العنف في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور في السودان «رغم التحديات الهائلة».

«الشرق الأوسط» (دارفور)
شمال افريقيا نازحون سودانيون فروا من الفاشر بعد سقوط المدينة في قبضة «قوات الدعم السريع» في 26 أكتوبر (أ.ف.ب) play-circle

تقارير: «الدعم السريع» تحتجز ناجين من الفاشر للحصول على فِدى

قال شهود لـ«رويترز» إن «قوات الدعم السريع»، التي حاصرت مدينة الفاشر في دارفور قبل اجتياحها، تحتجز ناجين من الحصار، وتطلب فدى لإطلاق سراحهم.

«الشرق الأوسط» (الطينة (تشاد))
شمال افريقيا 
صورة متداولة تبيّن جانباً من الدمار الذي ألحقته مسيَّرات «الدعم السريع» بمدينة الأُبيّض في إقليم كردفان play-circle

بعد بابنوسة «النفطية»... ما الهدف التالي لـ«الدعم السريع»؟

بعد قتال شرس استمر لأكثر من عامين، أعلنت «قوات الدعم السريع» الاثنين الماضي، سيطرتها «بشكل كامل» على مدينة بابنوسة... فما الهدف التالي؟

محمد أمين ياسين (نيروبي)

السودان: ضربة لـ«الدعم السريع» توقع عشرات القتلى في جنوب كردفان

عناصر من «قوات الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ب)
عناصر من «قوات الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ب)
TT

السودان: ضربة لـ«الدعم السريع» توقع عشرات القتلى في جنوب كردفان

عناصر من «قوات الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ب)
عناصر من «قوات الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ب)

أسفر هجوم نفَّذته «قوات الدعم السريع» بمسيّرة على بلدة كلوقي في ولاية جنوب كردفان في السودان عن مقتل عشرات المدنيين، بينهم أطفال، بحسب ما أفاد مسؤول محلي «وكالة الصحافة الفرنسية»، الأحد.

وقال عصام الدين السيد، الرئيس التنفيذي لوحدة كلوقي الإدارية، للوكالة الفرنسية في اتصال عبر «ستارلينك» إن المسيّرة قصفت 3 مرات، الخميس، «الأولى في روضة الأطفال، ثم المستشفى، وعادت للمرة الثالثة لتقصف والناس يحاولون إنقاذ الأطفال».

وحمّل «قوات الدعم السريع» وحليفتها «الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال» بقيادة عبدالعزيز الحلو، مسؤولية الهجوم.

وقالت «قوات الدعم السريع»، السبت، إن الجيش قصف قافلة مساعدات إنسانية تابعة لبرنامج الأغذية العالمي في ولاية شمال كردفان بوسط البلاد.

وذكرت، في بيان، أن الجيش استهدف قافلة المساعدات بطائرة مسيّرة في منطقة جبرة الشيخ بشمال كردفان، مشيرة إلى أن القافلة مكونة من 39 شاحنة تحمل مساعدات غذائية.

كان مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، قد حذر يوم الخميس من أن السودان يواجه خطر اندلاع موجة أخرى من الفظائع، مع تصاعد القتال في إقليم كردفان بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع».


تصاعد القتال في كردفان ومسيّرات تستهدف المدنيين

سيدة سودانية أصيبت في معارك الفاشر بالسودان تجلس في خيمتها مخيم طويلة (أ.ب)
سيدة سودانية أصيبت في معارك الفاشر بالسودان تجلس في خيمتها مخيم طويلة (أ.ب)
TT

تصاعد القتال في كردفان ومسيّرات تستهدف المدنيين

سيدة سودانية أصيبت في معارك الفاشر بالسودان تجلس في خيمتها مخيم طويلة (أ.ب)
سيدة سودانية أصيبت في معارك الفاشر بالسودان تجلس في خيمتها مخيم طويلة (أ.ب)

تصاعدت حدة القتال مجدداً بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في ولايات كردفان؛ حيث شنت مسيّرات الجانبين هجمات طالت قافلات مساعدات وروضة أطفال، وسط تحذيرات أممية من أن السودان يواجه خطر اندلاع موجة أخرى من الفظائع.

وبينما أفادت تقارير بأن مسيّرة تابعة لـ«الدعم السريع» قصفت «روضة أطفال» في بلدة كلوقي بولاية جنوب كردفان، أدت إلى مقتل 114 شخصاً، بينهم 20 طفلاً، وإصابة العشرات، قالت «قوات الدعم السريع» إن مسيّرة تابعة للجيش قصفت قافلة مساعدات إنسانية تابعة لبرنامج الأغذية العالمي في ولاية شمال كردفان، وذكرت في بيان أن القافلة مكونة من 39 شاحنة «تحمل مساعدات غذائية عاجلة للأسر النازحة التي تعاني انعدام الأمن الغذائي»، وعدّته استمراراً لما أطلقت عليه «الاستهداف الممنهج» للقوافل الإنسانية، ونهجاً خطيراً لتعطيل إيصال المساعدات الضرورية، والاعتداءات المتكررة على المنظمات الدولية العاملة في الإقليم، الأمر الذي يفاقم الأزمة الإنسانية ويضاعف معاناة المدنيين.


كيف دمّرت الحرب والسياسة أكبر مشروع زراعي في السودان؟

الحشائش تملأ قنوات الري مما يصعب وصول المياه إلى المزارع (الشرق الأوسط)
الحشائش تملأ قنوات الري مما يصعب وصول المياه إلى المزارع (الشرق الأوسط)
TT

كيف دمّرت الحرب والسياسة أكبر مشروع زراعي في السودان؟

الحشائش تملأ قنوات الري مما يصعب وصول المياه إلى المزارع (الشرق الأوسط)
الحشائش تملأ قنوات الري مما يصعب وصول المياه إلى المزارع (الشرق الأوسط)

يواجه مشروع الجزيرة في السودان (أكبر مشروع زراعي يعمل بالري الانسيابي في العالم، تحت إدارة واحدة) أزمة مُركبة بسبب السياسات الخاطئة التي خرّبته، والحرب التي اندلعت منتصف أبريل (نيسان) 2023، ودمّرت بنيته التحتية من قنوات الري والسكك الحديدية ونهب الآليات والمعدات الزراعية والمخازن ومحالج القطن والمصانع.

والمشروع الذي أنشأه الإنجليز عام 1925 على مساحة تبلغ 2.2 مليون فدان (نحو مليون هكتار)، ويعمل فيه نحو 140 ألف مزارع، يُعدّ شرياناً حيوياً للإنتاج الزراعي في البلاد، لكنه بات يعاني إهمالاً واضحاً، ما أدّى إلى التوقف الكامل لبعض المواسم الزراعية فيه، وتكبّد المزارعين المرتبطين به خسائر فادحة.

وقدَّرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) أن أكثر من 1.8 مليون أسرة سودانية تعمل في الزراعة والرعي داخل المشروع، وأنه يشكّل مصدر دخل أساسياً لها.

المزارع أصبحت مرتعاً للحيوانات بعد أن هجرها أصحابها بسبب الحرب (الشرق الأوسط)

وفي ظل الحرب بات المزارعون يجدون صعوبة في الوصول إلى مزارعهم لأسباب أمنية، أو الحصول على المواد الأولية للزراعة.

خسائر بالمليارات

ووفقاً لوزير الزراعة السوداني، البروفسور عصمت قرشي عبد الله، فإن خسائر القطاع الزراعي تتجاوز 100 مليار دولار، وهي أرقام أولية، وأنهم ماضون في عمل إحصاءات دقيقة مصحوبة بدراسات متخصصة لتقديمها للجهات الداعمة.

وشكا المزارع عمر يوسف من الانهيار الكامل جرّاء تدمير البنية التحتية للري ونهب المؤسسات الحكومية والآليات الزراعية والمخازن والمصانع وخطوط السكك الحديدية ما أدّى إلى خسائر مالية كبيرة.

وقال يوسف في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «هناك غياب كامل لمؤسسات الدولة، ونحن نشاهد مسؤولي الإدارة والري في أيام الحصاد فقط، وليس لديهم أي دور سوى جمع الضرائب (الجبايات) وتحصيل الأموال الهائلة دون معرفة أوجه صرفها».

أحد المزارعين يقوم بإصلاح مساحات شاسعة في أرضه يدوياً (الشرق الأوسط)

وأوضح يوسف أن «المزارعين يعتمدون على الجهد الذاتي دون دعم أو عون من الدولة أو من إدارة المشروع».

وأضاف: «التجار والبنوك الزراعية يتحكمون في المزارع البسيط... نتمنى أن تنعكس الضرائب التي تجبى على المزارعين في تطهير قنوات الري وإنشاء الكباري». لافتاً إلى أن «80 في المائة من سكان ولاية الجزيرة يعتمدون على الزراعة، لكن ولاية الجزيرة تعاني استشراء الفساد، ونريد وضع حدٍّ للفساد والنهوض بالزراعة».

فشل حكومي

من جهته، يقول المزارع، فخر الدين يوسف، إن تدمير مشروع الجزيرة ليس مجرد فشل حكومي أو خطأ إداري، بل جريمة منظمة تسببت في فقدان البلاد ثروة اقتصادية كبيرة.

وأوضح يوسف في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن كبرى المشكلات التي تواجه المزارعين «تتمثّل في توزيع التقاوي والأسمدة منتهية الصلاحية، فيما يعاني الذين يموّلون زراعتهم على نفقتهم الخاصة غلاء الأسعار وجشع التجار، إلى درجة انعدام التوافق بين التكلفة والإنتاج».

وشدّد يوسف على ضرورة تأهيل قنوات الري وعودة السكك الحديدية وتأهيل المخازن والمصانع، ومحاسبة الفاسدين، وإعادة نظام التمويل الحكومي بكل عدالة ومساواة وشفافية للمزارعين، وإرجاع المهندسين والخبراء الزراعيين الذين هجروا المشروع، وتعيين إدارة جديدة مستقلة بعيداً عن السياسة.

الحشائش تملأ قنوات الري مما يصعب وصول المياه إلى المزارع (الشرق الأوسط)

بدوره، أوضح المزارع أحمد علي أن المشروع، الذي يتمدّد على مساحة شاسعة بوصفه أكبر مشروع ريّ انسيابي تحت إدارة واحدة، ويضم 18 قسماً، ويعتمد على صغار المزارعين الذين يُقدّر عددهم بنحو 140 ألف مزارع، قد تعرّض لأكبر نكسة منذ إنشائه بسبب انهياره كلياً، وأصبح ساحة للنهب والدمار.

وقال علي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «الحرب دمّرت المشروع، وأصبح ساحة للفوضى، ونُهبت مؤسسات المشروع الإدارية والخدمية والسكنية، واحترق بعضها إبّان سيطرة (قوات الدعم السريع) على أجزاء واسعة من ولاية الجزيرة». لافتاً إلى أن عملية التخريب شملت خطوط السكك الحديدية التي كانت تسير عليها القاطرات لمسافة تزيد على 1200 كيلومتر، لتغطي كامل منطقة الجزيرة والمناقل بطاقة 34 قاطرة و1100 عربة ترحيل تعمل أساساً في نقل السلع والحبوب، وتبلغ قيمة البنية الأساسية للسكك الحديدية التي بيعت خردة ما يقارب 200 مليون دولار.

امتصاص الصدمة

محافظ مشروع الجزيرة، المهندس إبراهيم مصطفى، سبق أن أقرّ في تصريحات إعلامية بمواجهة مشكلات في عملية الري، فضلاً عن وجود الحشائش والطمي وقنوات الري التي تحتاج إلى الصيانة، وتمثّل هاجساً كبيراً. وأكّد أن إدارة المشروع تسعى، بالتنسيق مع وزارة الري، إلى تجاوز المشكلة، وتوفير كلّ الإمكانات لإصلاح عملية الري.

المزارع علي أحمد في حقله (الشرق الأوسط)

وأوضح المحافظ أن المساحة المزروعة في الموسم الصيفي الماضي بلغت 500 ألف فدان، وأن إدارة المشروع تبذل قصارى جهدها لدعم المزارعين والإسهام في امتصاص الصدمة والعودة إلى العملية الإنتاجية، رغم الضربات القوية الموجعة التي تلقّاها المشروع. وأشار مصطفى إلى سريان حالة من الخوف في المشروع، لكنه أوضح أن الأمور مضت بسلام بفضل مساعي الإدارة والمزارعين.

الخبير الاقتصادي د. محمد الناير يقول إن مشروع الجزيرة يُعد ركيزة أساسية للاقتصاد السوداني، ويُعتبر من أكبر المشروعات على مستوى العالم، ويمتلك مساحة كبيرة، ويُروى انسيابياً عبر أنظمة الري المعتمدة. وأوضح الناير في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن المشروع يضم 2.2 مليون فدان، ما يعادل 900 ألف هكتار، الأمر الذي يجعله من أكبر المشروعات الزراعية على مستوى العالم، إذ يمتلك رقعة زراعية في مكان واحد ويُروى انسيابياً، وهي ميزة كبيرة لهذا المشروع الضخم الذي ظل يدعم الاقتصاد السوداني بصورة كبيرة من خلال زراعة محصولات مهمة مثل محاصيل القطن والقمح والذرة وغيرها من المحاصيل الأخرى.

المزارع فخر الدين يوسف وسط مزرعته (الشرق الأوسط)

وأضاف الناير: «هذا المشروع تراجع أداؤه بصورة كبيرة بسبب قانون 2005، الذي أعطى المزارع حرية مطلقة في زراعة أرضه بما يشاء، وقد أثّر ذلك سلباً بصورة كبيرة. ففي السابق كانت هناك رؤية زراعية متكاملة من قبل الدولة، يتم من خلالها تحديد المساحات المزروعة من القطن والقمح والمحاصيل الأخرى، ما يسهّل مكافحة الآفات الزراعية».

وتابع: «المزارع الآن يقوم بتنويع المحاصيل في رقعة زراعية واحدة، وبالتالي يصعب مكافحة الآفات. وعندما حاولت الدولة التدخل لإصلاحات لم تنجح بسبب فقدان المشروع للسكك الحديدية، ومحالج القطن ومصانع الزيوت التي كانت مكملة له بصورة كبيرة. وتعرض المشروع للنهب والتدمير الممنهج».

وأضاف: «هناك عقبات تواجه المشروع في استزراع المساحات الكبيرة، مثل نظافة قنوات الري، وعمليات تمويل المزارعين، وتوفير التقاوي والأسمدة، وإعادة مؤسسة الأقطان السودانية التي كانت تشتري محصول القطن بأسعار مجزية، وإعادة صيانة المحالج ومعاصر الزيوت الملحقة بالمشروع، لتضيف قيمة مضافة له حتى يعود أفضل مما كان عليه في السابق».